الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب، وحديث «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا باب فضل الصلوات الخمس، قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] هذه الآية مبدأها قول الله -تبارك وتعالى-: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فأمر الله -تبارك وتعالى- بإقامتها، ثم قال مبينًا لأثرها: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فـ(إن) هنا تفيد التوكيد، كما أنها أيضًا تشعر بالتعليل؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء هو كل ذنب عظيم كبير، ويطلق في عرف الاستعمال غالبًا على الزنا، وما في معناه، والمنكر كل معصية لله -تبارك وتعالى-، فهذا من باب عطف العام على الخاص، فالفحشاء نوع  من المنكر، إلا أنه منكر عظيم، فهي تنهى عن الذنوب الكبار والصغار، الظاهرة والباطنة، فتنهى عن معاصي الله ، لكن ما الذي ينهى؟ الذي ينهى  هو إقامتها وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى ومن ثم فإنه لا يرد السؤال الذي نسمعه كثيرًا، وهو: أنا نرى كثير من المصلين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، ولربما خرج من المسجد، فغش وكذب وعصى، فلم تؤثر فيه هذه الصلاة؟

والجواب: هو أنه ما أقام الصلاة كما ينبغي، فإن الصلاة التي تنهى، هي الصلاة التي أقامها على الوجه المشروع، وعلى الوجه المطلوب، محققًا لشروطها وأركانها وواجباتها، فهذا حكم معلق على وصف، والحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه فعلى قدر ما يكون من تحقيق هذه المعنى، والوصف وهو إقام الصلاة على قدر ما يكون من الأثر، وهو الحكم، وهو نهيها عن الفحشاء والمنكر، فعلى قدر إقامتك لها، على قدر ما تؤثر فيك، هذا باختصار.

وكثير من الناس يتكلمون على هذا المعنى بكلام كثير، ولا حاجة إليه، وإنما الجواب -والله تعالى أعلم- هو ما ذكرتُ، فإذا أردنا أن تؤثر فينا الصلاة، فينبغي أن نقوم بها على الوجه المطلوب، ومن ثم يكون لها الأثر المطلوب، فهذا الذي يصلي صلاة على الوجه المطلوب خاشعة، فإن صلاته ولا بدّ ستنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأنت إذا رأيت أحدًا من الناس يصلي صلاة كما ينبغي، بخشوع وخضوع... إلى آخره، فإنك تطمئن إليه، وإلى التعامل معه،  وإلى القرب منه، أما الذي ينقرها نقرًا، ثم يسارع خارجًا من المسجد، فمثل هذا لا تؤثر فيه ذلك التأثير.

ثم ذكر حديث أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: أرأيتم -يعني أخبروني- لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات بباب أحدكم أي: قريب، بمعنى: أنه ما يحتاج أن يذهب مسافة بعيدة، حتى يصل إلى النهر، ثم بعد ذلك إذا رجع، فهو بحاجة إلى غسل جديد للجهد الذي بذله، والعرق الذي تصبب منه، والغبار الذي أصابه في الطريق، ورائحة الدواب التي إن كان يركبها، أو تسير في طريقه، فربما الإنسان يذهب إلى مكان يغتسل، ثم إذا رجع احتاج أن يغتسل مرة أخرى، هنا في باب أحدكم وهذا قال: نهر والنهر كثير ماؤه في الغالب، وقد جاء ذلك في الحديث الآخر: كمثل نهر جار غمر[1]، يجري، والجريان يطرد عنه القذى والأذى والوسخ، ونحو ذلك، ويحرك، فلا يكون آسنًا، ولا متغيرًا، وأيضًا غمر يعني كثير الماء، والكثرة تطرد ما يخالطه من نجاسة، أو قذارة، أو نحو ذلك.

فهنا لا يغتسل بماء آسن، وبماء راكد أو قليل، ربما لا يرجع منه إلا بمزيد من القذر، وكم من مغتسل بماء يرجع منه بالأذى، لكن هذا نهر يجري وغمر -كثير الماء-، فهذا يطهر وينقي وينظف، وهو قريب ببابه، فلا يحتاج أن يتعنى له، ولا يبذل جهدًا في رجوعه منه أيضًا، فتبقى طهارته ونظافته.

قال: يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ يعني: من القذر والأذى والوسخ "قالوا: لا يبقى من درنه شيء، هذا يكون نظيف، فإنسان يغتسل خمس مرات وليس بمد أو بصاع أو بتنكة، وإنما يغتسل بنهر غمر جار، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا[2] متفق عليه.

فكم يضيع هذا الإنسان الذي لا يصلي الصلوات الخمس؟ فهذا كإنسان لا يغتسل -نسأل الله العافية- طول العام، فكم يجتمع عليه من الدرن والقذر؟! وما الذي يغسله؟! أعني الذنوب التي تكون على الإنسان إذا كانت الصلوات هي بمثابة النهر، إذًا الذي لا يصلي كم يبقى فيه من الأذى والقذر؟!

ثم ذكر حديث جابر بعده قال رسول الله ﷺ: مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات[3]، رواه مسلم.

فمثل هذا نقول: هو فضل عظيم من الله -تبارك وتعالى-، فهذه الصلوات تطهر أصحابها، وتطهر أهل الإيمان وتنقيهم، فكم يحصل من الخسار والغبن العظيم الفاحش لمن ضيع الصلاة، وفرط فيها، والله المستعان.

نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يعيننا على إقامتها على الوجه المطلوب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات برقم (668).
  2. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة برقم (528) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحي به الخطايا برقم (667).
  3. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات برقم (668).

مواد ذات صلة