الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
حديث «من صلى العشاء في جماعة..» إلى «ليس صلاة أثقل على المنافقين من..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء".

عن عثمان بن عفان قال: "سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله[1]، رواه مسلم.

قوله ﷺ: من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام الليل كله وذلك -والله تعالى أعلم- لما في هاتين الصلاتين من المشقة؛ وذلك أن وقت الصبح -صلاة الفجر- هو الاستغراق في النوم والراحة والسكون.

ووقت العشاء أيضاً هو وقت الفراغ من الأعمال، وقد عم الظلام في هاذين الوقتين، وصارت الراحة مطلباً فيهما للناس، لا سيما في ذلك الوقت -في صلاة العشاء- فإن السكون والظلام يعمان المكان، فالإنسان لا يرى يده، ويمر ويعرف أن أحداً يسير في الطريق الذي يسير فيه، ولكنه لا يعرفه لشدة الظلام، وهذا فيه مشقات من وجوه متعددة، من جهة أنه وقت للراحة، كما سبق، ومن جهة المشقة في الوصول، ومن جهة أخرى تتعلق بالمنافقين، كما سيأتي في الحديث بعده؛ وذلك أنهم يراؤون، والرياء مأخوذ من الرؤية، وإذا كان يأتي في الظلام وفي الفجر أو في العشاء، فإن الناس لا يرونه، مع ما في هذا المجيء من مشقة كبيرة، وتضحية بالراحة، فهو يستثقل ذلك؛ ولهذا كانت أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، كما سيأتي، فهذا الترغيب العظيم جاء في هاتين الصلاتين، فمن صلاهما في جماعة؛ وذلك أنه كلما عظمت المشقة عظم الأجر والثواب المرتب على العبادة، وكذلك أيضاً إذا كان في هذا الوقت يشق على الإنسان أن يصلي صلاة لأنها تتصل بوقت راحته مثلاً، إذا كان عمله يقتضي ذلك، فإن هذه الصلاة يُؤجر عليها ما لا يؤجر على غيرها، مما  لا يحصل له به مشقة.

فالإنسان الذي تكون صلاة الظهر هي وقت راحته ونومه، فيشق عليه أن يصليها، مثل هذا يُؤجر على المجاهدة والصبر والمجيء.

فهنا في العشاء قال: فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله ليس المقصود: أنه إذا صلى الصبح في جماعة من غير العشاء فكأنما صلى الليل كله لا، صلى العشاء في جماعة، فهذه نصف الليل، وصلى الفجر في جماعة، فهذه نصف الليل، فيحصل من مجموعهما كأنما صلى الليل كله كما توضحه الرواية التي بعده عند الترمذي من حديث عثمان قال: قال رسول الله ﷺ: من شهد العشاء في جماعة، كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان له كقيام ليلة[2]، صلى الفجر والعشاء، فهذه توضح الرواية السابقة.

ومسألة ما يُكتب له من قيام ليلة، تكلم أهل العلم في هذا، كما تكلموا فيمن قرأ سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد [الإخلاص: 1] كما سبق، كأنما قرأ ثلث القرآن، إذا قرأها ثلاث مرات يكون كأنما قرأ القرآن كله، هل هذا بالمضاعفة، فالنبي ﷺ يقول: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[3]، فهذا الذي يقرأ ختمة كاملة، الحسنة بعشر أمثالها، على عدد الحروف سواء قلنا: إن الحروف هي حروف التهجي، أو كانت الكلمات، كما ذكرته في موضعه في مناسبة سابقة.

طيب الذي يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] ثلاث مرات، هل يكون مثل ذاك الذي جلس، وقرأ ختمة كاملة؟

بعض العلماء يقول: يحصل له أجر ختمة، ولكن لا يحصل له التضعيف الذي يكون بقراءة كل حرف في تلك الختمة الكاملة، وهكذا الذي يجلس مثلاً -عند من صحح الحديث أو حسنه- بعد صلاة الصبح، كما قال النبي ﷺ: من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة[4]، أو كقول النبي ﷺ: صلاة في مسجد قباء كعمرة[5]، هل هذا مثل الذي ذهب وقطع خطوات، وطريق طويل، ونفقات، وأنفاسه في ذكر الله وطاعته في زمان متصل طويل؟ تبقى هذه فروقات، لكنه يكتب له أجر عمرة فقط، لكن ما يحتف بها هذا شأن آخر، فهنا هذا الإنسان الذي كتب له قيام ليلة بعض العلماء قال: من غير تضعيف، لكن الذي قام حقيقة فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، هكذا قال بعض أهل العلم، وليس محل اتفاق.

وعلى كل حال ذاك الذي قام من الليل يكتب له أجر قراءته، وتكتب له أنفاسه وأوقاته وعمله وقيامه وقعوده كل هذا يكتب والمشقة والمجاهدة، لكن هذا الذي صلى العشاء والفجر يكتب له قيام ليلة، لكن ذاك الذي قام احتف بعمله أشياء أخرى، فالمقصود: الترغيب في حضور هاتين الصلاتين في جماعة.

ثم ذكر حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: ولو يعلمون ما في العتمة يعني: العشاء، والسبب في هذه التسمية -كما سبق- أن البادية كانوا يعتمون بالإبل، وهذه التسمية جاء النهي عنها، ولكن هذا الحديث يدل على أن النهي نهي تنزيه، وليس بنهي تحريم لا يغلبنكم الأعراب يعني: على اسم هذه الصلاة -صلاة العشاء-، هم يسمونها العتمة، وهي العشاء، لكن يمكن أن يكون النبي ﷺ ذكر العتمة من أجل أن لا تلتبس بالعشاء؛ لأنه يطلق العشاء أيضاً على المغرب، فهنا قال: لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً[6]، متفق عليه، وقد مضى الكلام على هذا الحديث.

ثم ذكر حديثاً آخر لأبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً[7]، متفق عليه.

يعني: لماذا كانت أثقل على المنافقين؟ لما فيها من مشقات عظيمة، ثم أيضاً المقابل من المراءة التي يقصدونها غير متحققة في العشاء والفجر؛ لأنه لا يراهم أحد.

فلو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً يعني يمشي على أربع على ركبتيه ويديه، وحينما يأتي الإنسان لأمر بهذه الصفة، فهذا يدل على عظم هذا المطلوب، وما يترتب عليه، وما فيه من الثواب والأجر، فيكفينا هذا في قول النبي ﷺ، فنعلم أن ما في هاتين الصلاتين ما هو عظيم مغيب عنا، بحيث لو علم به الإنسان لم يتركها أبداً، ولو كان يحبو حبواً إليها حتى يصل.

فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة برقم (656).
  2. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة برقم (221) وصححه الألباني.
  3. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر برقم (2910) وصححه الألباني.
  4. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب السفر، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس برقم (586) وحسنه الألباني.
  5. أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء برقم (1411) والترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء برقم (324) وصححه الألباني.
  6. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان برقم (615) ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول. . برقم (437).
  7. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة برقم (657) مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651).

مواد ذات صلة