الثلاثاء 22 / جمادى الآخرة / 1446 - 24 / ديسمبر 2024
حديث "كان إذا قام من الليل يشوص فاه.." إلى "كان يبدأ إذا دخل بيته بالسواك.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب فضل السواك، وخصال الفطرة أورد المصنف -رحمه الله- حديث حذيفة قال: "كان رسول الله ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك" [1] متفق عليه.

كان إذا قام من الليل، هذا يدل على المداومة من عادته، وديدنه ﷺ أنه إذا قام من الليل؛ يشوص فاه بالسواك، والشوص: الدلك، وعلة ذلك ظاهرة معلومة، وهو أن الفم يحصل له تغير بعد النوم من جهتين: الأولى: من جهة رائحة الفم تتغير غالبًا، والأمر الثاني: ما يحصل على الأسنان من أمور لا تخفى، مما يتراكم عليها مع مرور الوقت، فيحتاج إلى تعاهد بالتنظيف دائمًا، وهذا ظاهر، ولا زلت أعجب من درس سمعته قديمًا، قبل نحو ثلاثين سنة، عن التربية، والهدي النبوي، فكان يتساءل الذي يلقيه، يقول: قد عرفنا حكمة السواك عند كل صلاة، و لكن إذا قام من النوم؟ كان يتساءل، ويرى أن ذلك لربما كان من المبالغة، مع أن العلة واضحة جدًّا.

فهذا هديه ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، ولهذا أهل العلم يذكرون من الأوقات التي يستحب فيها السواك، ويتأكد الاستيقاظ من النوم، وهل يختص ذلك بنوم الليل؟

إذا رعيت العلة، وقيل: التغير؛ فإن ذلك يكون أيضًا من نوم النهار، يعني لو أن أحدًا من الناس ما نام الليل، نام بعد صلاة الفجر إلى الظهر، مثل هذا أليس بحاجة إلى أن يستاك، ما الفرق بين نوم الليل، ونوم النهار من هذه الجهة؟ فهذا واحد من الحالات، فهو مع الحديث الذي ذكرته في الليلة الماضية لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة[2] تكون هذه هي الحالة الثانية، مع كل صلاة، وذكرت أيضًا الوضوء[3] ويكون هذا هو الثالث حال الاستيقاظ من النوم.

ثم ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنا نعد لرسول الله ﷺ سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء الله أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي[4]. الحديث رواه مسلم.

كنا نعد لرسول الله ﷺ سواكه، الإعداد يدل على عناية بالمعد، وأن ذلك لم يكن النبي ﷺ يتخلى عنه، أو يفرط فيه، فكانوا يهيئون له ذلك؛ لما يعلمون من حرصه عليه -صلوات الله وسلامه عليه- بل كان من أصحابه من هو مختص بنعله، وسواكه، وطهوره، وهذا يعني أن هذا الدين هو دين الفطرة، وأن ذلك من خصال الفطرة -كما سيأتي- وهذه الفطرة بمقتضياتها تدل على الطهارة بنوعيها: الحسية والمعنوية، فتزكية النفوس يكون ذلك بحملها على مقتضى الفطرة من طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ والإيمان به، والتخلي عن كل ما يضاد ذلك.

كما أن ذلك يحصل أيضًا بتتبع خصال الفطرة الحسية كالسواك، والختان، والاستحداد، وغسل البراجم، وما إلى ذلك من خصال الفطرة، هذا دين النظافة، ولذلك هو دين الفطرة، ولذلك تجد المسلم دائمًا في حال من الوضاءة، فهذا يؤثر فيه في الدنيا، ويؤثر فيه في الآخرة.

ولا زلت أذكر أحد الإخوان كان يدرس في كلية الطب، وتخرج منها قديمًا في حدود سنة 1405، أو 1406 فكان يحدثني عما جرى لهم مع أستاذ لهم آنذاك، أعطاهم أوراقًا للاختبار، ولعل الإخوان عندنا هنا أطباء يعرفون هذا، تظهر الجراثيم، يعني بحيث أن البكتيريا، أو الجراثيم التي في اليد، أو في الوجه تظهر بأوراق معينة، أو يدلك بها يده، أو وجهه، فتظهر فيها هذه الجراثيم، أعطوهم منها، ففعلوا، فلما نظر إليها عابهم، وخطأهم، وقال: أنتم لم تحسنوا تطبيق التجربة، ما ظهر شيء يذكر، فأعطاهم مرة ثانية، ففعلوا، فعابهم، وذمهم، وقال: أنتم لا تفهمون، ثم بعد ذلك أخذ هذه الأوراق فدلك بها يديه، ثم أراهم، وإذا هي غابة، فأخذوها أمامه، ودلكوا بها، وجوههم، ولحاهم، وأيديهم؛ فلم يخرج من ذلك كثير شيء؛ فاستغرب، وتعجب، وسألهم، قال: أنتم كل يوم تعقمون أنفسكم، وأجسامكم كم مرة؟

قالوا: ولا مرة، ولكن نتوضأ خمس مرات، لكن أنت كم مرة تغسل وجهك؟ قال: إذا استيقظت من النوم فقط.

وفي مؤتمر في إحدى دول الخليج قبل نحو ثلاث سنوات، كانوا يتحدثون عن المياه، وكان الحضور من دول غربية، وأجنبية، فكانوا يتكلمون عن نسب الاستهلاك، وللأسف أنه ما حضر معهم أحد يبين لهم الحقيقة فكانوا يقولون: إنه في أمريكا، وأوروبا يذكرون نسب استعمال الماء، الاستهلاك قليل بالنظر إلى نسب السكان، وذكروا أن أكبر هدر مائي، أو استعمال للماء، أو استهلاك هو في الدول الإسلامية، أو الدول العربية، وذكروا بالذات دول الخليج، فيقولون: يعني هذا إهدار للثروات، والمقدرات، وأن هؤلاء، فقلت: للذي يحدثني، وأظنه حضر الملتقى، أو المؤتمر، قلت لهم: الجواب ليس كما يقولون، الجواب خلاف ذلك، أولئك لا يستنجون -أعزكم الله- من النجاسات، ولا يتطهرون من النجاسات، ولا يغتسلون من الجنابة، ولا يتوضؤون، ولا يغتسل نساؤهم من الحيض، ولا من النفاس، أما نحن فنتوضأ باليوم خمس مرات، هي أقل لربما التقادير لدى كثير من الناس، ربما يتوضأ الإنسان أكثر من خمس مرات، وكذلك نغتسل من الجنابة، يغتسل النساء من الحيض، من النفاس، فعندنا هذه الطهارات المتنوعة التي لا يعرفونها، هذا بالإضافة إلى المبالغة في الطهارة في الاستنجاء، ونحوه، أما هم فلا يعرفون هذا، فهذا دين الفطرة، ودين الطهارة.

فهنا عائشة -رضي الله عنها- تقول: كنا نعد -لاحظ- في وقت النبي ﷺ قبل ألف، وأربعمائة سنة، تصوروا المدينة بيوت بسيطة بين حِرار ثلاث، حجارة سوداء، إمكانيات محدودة، ومع ذلك هذه العناية بالطهارة، وكثرة الوصية بمثل هذه الأمور من سنن الفطرة، والسواك، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي.

وذكر حديث أنس قال: قال رسول الله ﷺ: أكثرت عليكم في السواك[5] رواه البخاري

أكثرت عليكم يعني أنه لكثرة ما يوصي به، حتى إنه أكثر على أمته -عليه الصلاة والسلام- ولهذا قال في الحديث الأول: لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة[6] فهذا أمر حث عليه الشارع كثيرًا، وينبغي ألا يفرط فيه، وأن يراعي الإنسان مثل هذا لاسيما في الأوقات التي يتأكد فيها.

ثم ذكر حديث شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- بأي شيء كان يبدأ النبي ﷺ إذا دخل بيته؟ قالت: "بالسواك"[7] رواه مسلم.

يبدأ بالسواك، فهذه سنة عند الدخول إلى البيت، لماذا يبدأ بالسواك؟ لربما لما يحصل أيضًا من تغير الفم، فإذا دخل الإنسان على أهله؛ يكون قد دخل، وهو في حال من النظافة، والتهيؤ، وطيب رائحة الفم، وذلك أن الإنسان إما أن يكون قد صمت صمتًا طويلاً؛ فيتغير الفم بذلك، وإما أن يكون قد تكلم كثيرًا؛ فيتغير الفم بذلك، فكان ﷺ إذا دخل بيته؛ بدأ بالسواك، فهذه طهارة عند الصلاة، ومناجاة الله لكن الملك يضع فاه على في القارئ، أو المصلي، يأخذ عنه القرآن، يتلقى القرآن، وأيضًا هي طهارة عند دخول المنزل، طهارة عند الاستيقاظ من النوم، وإذا نظرت إلى كلام الأطباء في هذا العصر أظنهم يقولون: أن الإنسان يدلك فاه بالفرشاة والمعجون إذا استيقظ من النوم، وإذا أراد أن ينام، يذكرون مرتين، ويعتبرون أن هذا رقم كبير، وأنه مبالغة في النظافة، وأنه يحصل به المقصود، فأين هذا مما جاء به الشارع، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك، برقم 
  2. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم (887) ومسلم كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، برقم (1933).
  4. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، برقم (746).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم (888).
  6. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم (887) ومسلم كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252).
  7. أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (253).

مواد ذات صلة