الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب، حديث «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب النهي عن المن بالعطية، ونحوها، المن هو أن يذكر إفضاله وإحسانه على من أحسن عليه، وأن يذكره بنعمته التي بذلها إليه، المن بالعطية، والعطية مثل الهبة، المن بالعطية ونحوها، ونحوها يدخل في ذلك الهدية والهبة، وسائر ألوان الإحسان إليه، فما يبذل بين الناس على سبيل العطية المجردة يقال له: هبة، وما يبذل لتقريب القلوب، وتحبيب النفوس يقال له: هدية، وما يبذل رغبة فيما عند الله مما لا يجب على المكلف يقال له: صدقة، وما يبذل من ذلك من قبيل الواجب في المال فهو الزكاة، وما يكون من قبيل الواجب على المعطى فذلك هو النفقات الواجبة، ونحو ذلك.

فالمقصود أن المن بالعطية، ونحوها يعني مما يتعلق بإحسانه إليه، قد تكون عطية أعطاه إياها، وقد يكون إحسان آخر، مثل أن يكون هذا الإنسان علمه، فيمن عليه بهذا التعليم، ويقول: أنا علمتك، من علمك كذا، أو يكون هذا الإنسان قد عالجه مثلاً، كان مريضًا فيمن عليه، ويقول: أنا الذي عالجتك، أنا الذي كنت سببًا بعد الله في شفائك، وقد يكون هذا الإنسان قد شفع له، فتخلص من أمر يتأذى به، أو أنه حصل أمرًا يطلبه، كأن يكون له شفع له، فصار يعمل في عمل يريده، أو أنه تخلص من أمر يكرهه، أو نحو ذلك بسبب الشفاعة فيمن عليه، وكل ما جاء إليه، أو رآه قال: هذا العمل الذي تعمل فيه هذا كان بسببي، أنا الذي شفعت لك، وإلا الآن لم تكن في هذا المكان، فيذكره بهذا حينًا بعد حين، ويؤذيه، فهذا كله لا يجوز.

باب النهي عن المن بالعطية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى فدل على أن ذلك يبطلها، الصدقة سواء كانت بالمال، أو كان معروفًا قدمه أيًا كان لونه ونوعه، مثل ما ذكرت في الصور السابقة، قد لا يكون مالاً قدمه إليه، لكنه أحسن إليه في أمر من الأمور، إما في علم، أو دواء، علاج، أو كان في شفاعة -كما سبق- أو غير ذلك، هو يريد ما عند الله فيبطل ثوابه بهذا المن.

فهذا من مبطلات العمل الصالح، قد يكون خالصًا لله ولكنه يبطله بالمن؛ فالمن هنا كما سبق يعطيه طعامًا، أو يعطيه نفقة، أو يتعاهده بما يحتاج إليه من الطعام، وكل ما رآه قال: ما شاء الله، وجهك مورد، من أين لك هذه العافية والصحة؟

وذاك يقول بلسان الحال والمقال: من هذا الذي تقدمه لي في نهاية كل شهر من هذه المطعومات التي ما شاء الله، وهكذا يمن عليه، إذا رأى ثيابه -ما شاء الله- نظيفة، وقد أعطاها غسالة، قال: ما شاء الله ثيابك نظيفة جدا، كيف حصل هذا قال: هذه من الغسالة التي تفضلت بها عليّ، يذكره بها، إذا كان معه قدم له مثلاً شيئًا من الأدوية، أو نحو ذلك، كلما رآه قال: ما شاء الله صحتك فرق كبير عن السابق، نعم هو الأدوية التي أنت أعطيتني، ما شاء الله هذا أثرها، فيؤذيه بذلك، كما كان فرعون يقول لموسى : أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ نحن ربيناك فينا وليدًا، وبقيت عندنا حتى نشأت، وصرت شابًا قويًا، فموسى قال: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يعني ما الذي جاء بي إلى قصرك، فربيتني وليدًا أنك كنت تستعبد بني إسرائيل، وتذبح أبناءهم، وتستحي نساءهم، فمن الخوف منك صرت إلى قصرك بالقصة المعروفة، والطريقة التي قصها القرآن، ألقته أمه في اليم، في التابوت، إلى آخره، فجاء إلى قصره، فكان ذلك بسبب استعباد بني إسرائيل.

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فهذا المن والأذى لا يجوز سواء كان على الأفراد، يقول لإنسان بهذه الطريقة يمن عليه، أو كان على المجتمع إذا كان قدم معروفًا للمجتمع، أو قدمه للأمة فإنما يقدم لله وإذا كان مسؤولاً فإنما يقوم بواجبه، يعني جاء خلص معاملة لإنسان، خلص معاملات الناس، ما يأتي ويمن عليهم، ويقول: ما شاء الله أنا الذي أنهيت معاملتك، وأنا الذي فعلت، وأنا الذي فعلت.

أو يقول ذلك للمجتمع، ويمن عليهم أني فعلت؛ أنت إنما وضعت هنا من أجل أن تقوم بمصالح الناس، ولذلك كان الولاة الذين يعينون في الأقاليم، ونحو ذلك يسمون بالعمال، يقال لهم: عمال؛ من أجل أنهم كذلك، فهم يعملون على مصالح الناس، ولم يكن ذلك قط تشريفًا لهم إنما هم موظفون لخدمة هؤلاء الناس، والقيام على أعمالهم، فلا يجوز أن يمن عليهم فهو يقوم بواجبه، فلا يؤذيهم بالمن والأذى، وقس على هذا.

فهنا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى الأذى أوسع من المن، الأذى قد يكون بالمن، فيتأذى الإنسان بالمن، كأن يذكره بالنعمة، والأذى قد يكون بغيره أيضًا، كما لو أنه أعطاه مثلاً، وزجره، أو أعطاه، وقال له كلمة جارحة، أو أعطاه، وقال: خذ هذه، ولا أراك بعد اليوم، لا عاد تأتينا، فيؤذيه، ويكفيه ذل السؤال، فإذا قال له مثل هذا الكلام الجارح فإنه يزداد غمًا على غمه، وذلاً على ذله، ولهذا قال الله لنبيه ﷺ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى بمعنى أنه لم يكن له عائل، لم يكن له من.

فالله هو الذي قال: وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ۝ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ۝ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ۝ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ۝ وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ۝ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَ ثم لما ذكر هذه الأشياء الأربعة ذكر بعدها أربعة تقابلها قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ كنت يتيمًا فأواك، فاليتيم لا تقهر اليتيم، تذكر ضعفك الأول، ويتمك فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ۝ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ۝ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى وأما السائل الذي يسأل عن الحق، أو يسأل عن الهدى، أو يسأل عن العلم فَلَا تَقْهَرْ لأنه يكون في حال من الضعف، والتخوف، والتحرج، فيأتيه أحيانًا يغلق السماعة، ولا يكمل الجواب بعنف وقسوة، بعض الناس قد يستعمل هذا الأسلوب لرعونة فيه، أو لقلة صبر على رعونة السائل وجهله، وسوء تدبيره.

وكذلك السائل الذي يسأل العطاء قد يتصرف بتصرفات تضجر من سئل، قد يلح، قد يلحف في المسألة فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ۝ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ السائل بنوعيه وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ فهنا هذا المسكين إلى آخره، لا يجوز أن يؤذى بالقهر، اليتيم لا يجوز أن يؤذى بالقهر، قد يكفل يتيمًا، ولكنه يؤذيه بالمن والأذى، يقول: أنا الذي ربيتك، أنا الذي كفلتك، فمثل هذا يبطل الإحسان، ويبطل الأجر، ويبطل الصدقات.

ثم قال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى هؤلاء هم الذين وعدهم الله بالأجر لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ بهذا القيد أولاً أنهم ينفقون أموالهم في سبيل الله، لا يكون ذلك رياء وسمعة.

ثم أيضًا لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى هو لله، وفي الله، كما ذكرنا لكم مرارًا في قوله تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ عملك لنفسك، وتريد به ما عند الله، وأجره يوفى إليك؛ ثلاثة أشياء، ماذا تريد بعدها؟

إذًا لا تطلب من الآخرين جزاء، ولا شكورًا، لا تطلب منهم إحسانًا، لا تطلب منهم تقديرًا، لا تطلب منهم أن يردوا إليك المعروف، أو تنتظر منهم أن يقابلوا إحسانك بإحسان يكافئوك به، هذا غير صحيح، وهو خلاف الإخلاص، فذلك يبطل هذه الصدقات والإحسان إلى الآخرين.

وذكر في هذا الباب حديثًا، واحدًا، وهو حديث أبي ذر عن النبي ﷺ قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة يعني ثلاثة أنواع من الناس، أو أصناف من الناس لا يكلمهم الله يوم القيامة يعني كلام تكريم، وإلا فإن الله -تبارك وتعالى- يقول لأهل النار: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ما ينظر إليهم نظرًا خاصًا، نظر رحمة، نظر إحسان، نظر كذا، الله ينظر إلى عباده فلا يخفى منهم خافية، فبصره -تبارك وتعالى- نافذ في خلقه، ولكن هناك نظر خاص لبعض العباد ولا يزكيهم لا يحصل لهم تطهير من الذنوب ولهم عذاب أليم كل هذه الأشياء -نسأل الله العافية- قد رصدت لهم، من هؤلاء؟ قال: فقرأها رسول الله ﷺ ثلاث مرات، ماذا عملوا؟

قال أبو ذر : خابوا وخسروا، خابوا يعني رجعوا بالخيبة، لم يحصلوا طائلاً، ومطلوبًا، لم يرجعوا بشيء، وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب[1] رواه مسلم.

المسبل، وفي بعض الروايات: المسبل إزاره[2] وذكر الإزار ليس للتخصيص، وإنما لأن ذلك هو الغالب، فهذا الذي يسميه الأصوليون بمفهوم اللقب، وإلا فإن إسبال الثوب كذلك، إسبال البنطال له نفس الحكم، إسبال المشلح له نفس الحكم، لا فرق، المسبل، والإسبال يكون فيما جاوز الكعبين، وليس للكعبين حظ من الإزار، أو الثوب، أو البنطال، لا بد أن يرفع فوق الكعبين، فهذا محل الرخصة، وإلا فالأفضل إلى أنصاف الساقين، ويرخص له إلى الكعبين، بحيث لا يكون على الكعبين، وإنما يكون فوق الكعبين.

فتصور الآن، هذا مطلق هنا، ما قال: المسبل للخيلاء، وقال النبي ﷺ: ما أسفل الكعبين ففي النار[3] وليس الحديث هنا عن موضوع الإسبال، يأتي إن شاء الله، لكن المقصود هنا أن النبي ﷺ قال: المسبل، فإذا كان الأمر كذلك لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولا يكلمهم، ولهم عذاب أليم؛ من أجل قدر أصبعين تزيد، فما يضر العبد أن يقصر إزاره، أو ثوبه، أو بنطاله، أو نحو ذلك؛ لئلا يقع في مغبة هذا العذاب.

والأحاديث الواردة في هذا الباب على كل حال على نوعين، منها ما هو مقيد بالخيلاء فيحمل عليه في عقوبات خاصة، ومنها ما هو مطلق كهذا الحديث، وقوله ﷺ: ما أسفل الكعبين ففي النار فيبقى على إطلاقه، فدل ذلك على أنه من الكبائر، ولو لم يكن يقصد به الخيلاء، فإن قصد به الخيلاء فذلك أشد، وهذا أمر يتساهل فيه كثير من الناس.

فالشاهد: هنا قال المسبل، الثاني: المنان، فدل على أن المن من الكبائر، طيب هل من المن ما قد يقوله الإنسان عند الحاجة؟

الجواب: لا إن كان ذلك لمصلحة شرعية، إنسان يبذل، ويحسن، ونفع الله به القريب والبعيد، ثم بعد ذلك قلب ذلك عليه أذى، وما إلى ذلك، فيمكن أن يقول: أنا الذي قدمت كذا، وأنا الذي فعلت كذا، وأنا الذي فعلت كذا، ويعمل معي كذا، وغيري من المفسدين لا يطالهم شيء، ولا ينالهم شيء، وكذا، فيمكن أن يقول هذا.

وكذلك أيضًا ما قاله النبي ﷺ حينما فتح مكة، وتكلم بعض الأنصار، لما أعطى أبا سفيان مائة من الإبل، وأعطى معاوية بن أبي سفيان مائة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، فقال بعضهم يعني النبي ﷺ لقي قومه، فجمع النبي ﷺ الأنصار على انفراد، فقال: ما مقالة بلغتني عنكم، وموجودة وجدتموها في نفوسكم ثم قال لهم: ألم أجدكم ضلالاً، فهداكم الله بي هذه أكبر نعمة وعالة فقراء فأغناكم الله بي[4] وعدد عليهم هذه النعم، فكانوا يقولون: لله المن والفضل، فكان النبي ﷺ بعد ذلك يطلب منهم أن يجيبوه، فكانوا يقولون: لله المن والفضل، قال: أما إنكم لو شئتم لقلتم فصدقتم، وصدقتم، لو قلتم ألم تأتنا طريدًا فآويناك، ومكذبًا فصدقناك وذكر لهم الأشياء التي هي صدق وحق، وقعت منهم من تصديق النبي ﷺ وإيوائه، ونصرته، فكانوا يقولون لله المن والفضل، إلى أن قال لهم: أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله ﷺ إلى رحالكم وقال: اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار وذكر ثلاثة أجيال -عليه الصلاة والسلام- ثم بكى القوم حتى أخضلوا لحاهم[5].

فهذا مقام احتاج فيه أن يقول مثل هذا الكلام، وليس هذا المن الذي يتأذى به الناس، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما جرجر إلى السجن، وأوذي مع أنه هو الذي قاد الحملة ضد التتر، وحصل الانتصار، وهو الذي جمع الناس، وثبتهم في بلاد الشام، وقد فر الأمراء، وفر التجار إلى مصر، فكان يثبت الناس، ويأمرهم بالبقاء، فلما جرجر إلى السجن، وأوذي من سجن إلى سجن، من سجن القلعة، وسجن كذا، وسجن في دمشق، وفي مصر، وفي الإسكندرية، قال لهم شيخ الإسلام: من الذي فعل كذا، ومن الذي فعل كذا، ومن الذي فعل كذا، ومن الذي فعل كذا؟ يذكرهم بهذه الأشياء، لا على سبيل الأذية.

فرق بين هذا، وبين المقام الذي أشرت إليه، يعني كون الإنسان يقول مثل هذه الأشياء في مقام يحتاج فيه إلى هذا، حاجة شرعية، هذا لا إشكال فيه، لكن الكلام ليس في هذا، الكلام في الأذى، يؤذيه بعطيته له، احمد ربك، أنا لولا أني أعطيتك كان الحين جالس، لولا أني أنا الذي شغلتك كان الآن قاعد في الشارع ما عندك عمل، أنا الذي تسببت في زواجك أنا الذي خطبت لك، أنا الذي أعطيتك مهرًا، أنا الذي كذا، الأولاد كلهم من أين جاؤوا؟ أذية.

فتجد الإنسان يتمنى لو أنه ما أخذ منه شيئًا، ولا لقيه، ولا عرفه، ولا قبل منه أي نوع من أنواع الإحسان؛ لأن هذا فيه نوع من الإذلال، والابتذال، والإهانة، إذا كان النبي ﷺ قال: واليد العليا خير من اليد السفلى[6] بدون من ولا أذى، وإذا كان الإنسان قد أعطى لغيره شيئًا فإنه يكون كأنه قد ملكه.

كثيرًا ما كنا نذكر ما يذكره شيخ الإسلام في كتاب العبودية: استغن عمن شئت؛ تكن نظيره، واحتج إلى من شئت؛ تكن أسيره، يأسرك بإحسانه، وأحسن إلى من شئت؛ تكن أميره[7] هذا بدون كلام، ولا من، ولا أذى، فكيف لو كان في من وأذى، فهذا غاية الهوان، والله المستعان، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، برقم (106).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، برقم (106).
  3. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم (5787).
  4. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، برقم (4330)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه، برقم (1061).
  5. أخرجه أحمد في مسنده، برقم (11730)، وقال محققه: إسناده حسن.
  6. أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، بَابُ تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، برقم (2750)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة، برقم (1034).
  7. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (1/39).

مواد ذات صلة