الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب الاستغفار" وقد جعله المصنف -رحمه الله- في آخر هذا الكتاب، فليس بعده إلا باب واحد، وهو: "باب ما أعد الله للمؤمنين في الجنة".

والاستغفار: السين والتاء للطلب، يعني: طلب المغفرة، وقد مضى في بعض المناسبات أن هذ المادة في أصلها تدل على معنيين: المعنى الأول: الستر، والمعنى الثاني: وهو الوقاية.

فالمغفر هو الذي يلبسه المقاتل فوق رأسه، يقيه ضرب السلاح، وهو أيضًا يستر رأسه، فإذا قال العبد: اللهم اغفر لي، فإن هذا السؤال والدعاء والطلب يتضمن شيئين:

الأول: هو الستر: ألا يفتضح لا في الدنيا، ولا في الآخرة.

والثاني: أن يقيه الله -تبارك وتعالى- شؤم الذنب، فلا يعاقبه، ولا يؤاخذه بجريرته هذه، هذا معنى: اللهم اغفر لي.

قال الله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] هذا الخطاب موجه للنبي ﷺ، وقد مضى الكلام على ذلك.

وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ والنبي ﷺ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2] فهذه الآية إن كانت نازلة قبل قوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فلا إشكال، وإن كانت نازلة بعدها، فبعض أهل العلم يقولون: إن الاستغفار هنا: اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يعني: أن ذلك كأنه من أسباب غفران الله له، فالغفران والمغفرة متحققة في حق النبي ﷺ، وهو مأمور أن يستغفر، فيكون هذا الاستغفار من أسباب تحقق ما وعد الله به نبيه ﷺ من غفران ذنوبه، كما نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته[1]، والمقام المحمود الذي تحمده عليه الخلائق يوم القيامة، وهو الشفاعة العظمى، فهو شيء متحقق، وأنه قد أخبر عنه النبي ﷺ، ونحن مأمورون بأن نسأل له هذه المنزلة، فيكون كأنه قد جعل الله له ذلك من جملة الأسباب التي حصل بها للنبي ﷺ هذه المكانة، دعاء المؤمنين.

وأما قول من قال بأن: اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ليس المقصود الذنب الذي هو المعصية، وإنما ما كان من قبيل خلاف الأولى، سواء كانت هذه الآية نازلة قبل أو بعد، كما يُعبر بعضهم يقولون: "حسنات الأبرار سيئات المقربين" وهذه العبارة يقولها بعض الصوفية ويقولها غيرهم أيضًا من أهل العلم، ماذا يقصدون بها؟ يقصدون أن بعض الأعمال المفضولة تكون بالنسبة للفاضل في حقه، كأنها نقيصة، يعني: هذا الإنسان مثلاً الذي يوتر بركعة، هذا عمل صالح، أليس كذلك؟ لكن بالنسبة للمقربين، هل يتصور أن يكون الواحد منهم يوتر بركعة؟ الجواب: لا، وهكذا، فالله جعل هذه الأمة على ثلاث مراتب: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات.

فالاقتصار على الفرائض دون السنن الرواتب والنوافل، وما إلى ذلك، هذا بالنسبة للمقتصدين، لكن بالنسبة للمقربين يعتبرون هذا تقصير، يستغفرون الله منه.

يعني: الإنسان يستغفر ليس فقط من الذنب، وإنما من التقصير، حتى في المستحبات، وفضائل الأعمال؛ ولهذا كان بعض المعاصرين إذا فاته ورده من قيام الليل ثلاث ساعات، فلم يدرك إلا ساعة، جعل يبكي حتى يصبح، هذا بالنسبة إليه ليست سيئة، بمعنى: أن الله يعاقب عليها، لكن هو يرى أن ذلك من قبيل التقصير الذي يحتاج إلى استغفار.

وقد بينتُ في الكلام على موضوع التوبة في الأعمال القلبية: أن التوبة ليست فقط من الذنوب والمعاصي، وإنما التوبة من فعل المكروه، وخلاف الأولى، والتوبة من التقصير في المستحبات.

وشيخ الإسلام كان يقول -وهو إمام كبير في العبادة والعلم والورع-: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلامًا جيدًا"[2]، ما معنى هذا الكلام؟ هؤلاء كانوا يرون أن النقص في القربات، وفي المسارعة في الخيرات، والقعود عن هذه الأبواب المشرعة في الأعمال الصالحة الزائدة على الفرائض: أن هذا يعتبر من الفوات والتقصير، والضعف والتفريط، فيستغفرون الله من ذلك.

إذًا التوبة والاستغفار ليست فقط من الذنوب التي يؤاخذ الله عليها، لكن هنا قال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ فهذا يدل على أنه ذنب حقيقة.

أما قول من قال: بأن الأنبياء لا تجري عليهم الذنوب أصلاً، فهذا غير صحيح، وقد ذكرت أدلة وقوع الذنوب من الأنبياء، كقوله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121] لكنهم لا يصرون عليها، ولا يقع منهم الشرك، وإنما يقع منهم الصغائر من غير إصرار، والعبد يكون حاله بعد التوبة أحيانًا أكمل من حاله قبل التوبة، والأنبياء لا شك أن حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة.

وموسى لما قتل القبطي قبل نبوته كان هذا ذنب، فتاب من هذا الذنب، واستغفر، وسأل ربه أن يغفر له، فالله قبل توبته، وغفر له.

إذًا تقع منهم ذنوب، وتقع منهم صغائر، والقتل الذي وقع من موسى لم يكن متعمدًا، ولكن لا تقع منهم ما يُسمى بصغائر الخسة، يعني: التي تسقط المروءة، والتي تدل على دناءة النفس، فهذه لا تقع من الأنبياء، وحاشاهم من ذلك.

قال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يعني: أن النبي ﷺ كان يستغفر لهم، والله يقول عن أولئك الذين تكلموا بكلام عظيم، ووقعوا في حق النبي ﷺ، وقال ما قال -أعني رأس المنافقين ومن معه- في غزوة المصطلق: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون:8] وقالوا: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7] وقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون [المنافقون:5] تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ وهذا في حياته ﷺ، ولا يكون بعد موته بحال من الأحوال، فكان يقال لهم هذا، والله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] فـ(لولا) في هذا الموضع تدل على التحضيض والحث، والمعنى: هلا إذ فعلوا هذا.

قال: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:106] هذا أيضًا خطاب للنبي ﷺ، لما أراد هؤلاء أن يلبسوا على النبي ﷺ، ونهاه الله أن يكون لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] في واقعة وقعت، وسرقة حصلت، فالله نهاه أن يدافع عن هؤلاء الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء:107] وأمره أن يستغفر الله، قال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.

وقال: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] يعني: سبح متلبسًا بحمده، ولهذا قال الله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

فهنا: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ماذا كان النبي ﷺ يقول حتى نفهم فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ؟ كان يقول ﷺ: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي[3]، سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ إذًا سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، سبحه متلبسًا بحمده.

وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا وهذه الخاتمة تأتي كثيرًا: إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:23]، إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] ومثل هذا فيه حث وترغيب، وقطع لطريق اليأس والقنوط، واستحضار التوبة، مع هذا الاستغفار؛ لأن الاستغفار وحده مع الإصرار لا ينفع، وقد مضى الكلام على هذا في التوبة، هل الاستغفار يعتبر توبة أم لا؟ الاستغفار بمجرده لا يكون توبة، فقد يكون باللسان دون أن يكون معه مواطأة في القلب، لكن لو أنه استغفر مع الندم، والعزم على عدم العود، والإقلاع عن الذنب، فهذا يعتبر توبة فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.

وقال تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [آل عمران:15] إلى قوله : وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17].

فلما ذكر هذه الأوصاف ذكر هؤلاء، وأثنى عليهم، وجعلهم من أهل هذه المراتب العالية والجنات التي تجري تحتها هذه الأنهار سارحة.

وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ والسحر هو الوقت الذي يكون قبل الفجر، فهذا وقت للاستغفار وهو الأقرب من أقوال المفسرين، خلافًا لمن قال: المقصود بذلك صلاة الفجر، فإن صلاة الفجر ليست في السحر، وإنما السحر يكون قبل دخول وقت الفجر في آخر الليل.

وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ فهو وقت للاستغفار، فإذا كان الإنسان يصلي من الليل، فإنه يترك هذا الوقت للاستغفار، هذا لمن صلاته طويلة، أما الذي لا يصلي إلا نصف ساعة قبل الفجر، فمثل هذا صلاته هي في موضع الاستغفار، والأكمل أن يصلي الإنسان قبل ذلك، ويدع هذا الوقت للاستغفار، وانظروا هؤلاء يقومون الليل، ويستغفرون بالأسحار، والنبي ﷺ يختم الله حياته بالاستغفار: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ.

هذا بعد هذه الأعمال الجليلة العظيمة، والحياة الحافلة بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، وهؤلاء يقومون الليل، ويستغفرون بعده، ونحن إذا انتهينا من الصلاة، فنحن مأمورون أن نستغفر الله ثلاثًا، فكيف بعمل المعاصي؟ هذا أولى أن يستغفر منه.

وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110] وهذه من آيات الرجاء في كتاب الله تعالى، يفتح الباب للتائبين، والمقصرين، والمذنبين: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فسوءًا هنا نكرة في سياق الشرط، يعني: كل من يعمل سوءًا أيًا كان نوع هذا السوء، أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ بمعصية وذنب ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا والمقصود بالاستغفار هنا الاستغفار المصحوب بالتوبة، وليس الاستغفار المجرد باللسان.

وقال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يعني: بين أظهرهم، وقد خرج منهم النبي ﷺ من أهل مكة.

وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ بعضهم يقولون: المراد بهؤلاء الذين يستغفرون هم من كان مؤمنًا من الضعفة الذين لم يستطيعوا الهجرة من أهل مكة، فكانوا يستغفرون، فكان ذلك مانعًا من نزول العذاب.

وبعضهم يقول: علم الله أنه سيخرج من أصلاب هؤلاء من يعبده ويستغفره.

وبعضهم يقول: إن هؤلاء باعتبار أنهم ندموا على هذا الفعل، وهو قولهم: إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:32-33] لأنهم ندموا واستغفروا يعني: من آمن منهم.

وبعضهم يقول: إن هذا فيه إرشاد لهم، وتنبيه على سبب يدفع به العذاب المستأصل، وهو الاستغفار، كأنه يفتح لهم آفاقًا، كأنه يرشدهم إلى سبب دفع العذاب، وهو الاستغفار، يحثهم على ذلك، يعني: يخبرهم عن أسباب اندفاع العذاب: الأول: وجود النبي ﷺ، والثاني: الاستغفار.

قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135] فَعَلُوا فَاحِشَةً سبق الكلام على هذا المعنى، بأن الفاحشة تقال للذنب العظيم، وتطلق كثيرًا في عرف الاستعمال على الزنا، وما في معناه.

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ذكروا الله يعني: ذكروا عظمته، وذكروا عقوبته، وذكروا نظره إليهم، فخافوه، واستحيوا منه، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] فهنا الاستغفار يعني: التوبة وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ بمعنى: أنهم يقلعون عن هذا الذنب، ولا يصرون عليه، فإذا وقع الإنسان في الذنب مرة أخرى بعد التوبة، فهذا ذنب جديد، وكان توبته السابقة قد محت الذنب.

وهذا الذي أذكره في عدد من المناسبات من أن التوبة والاستغفار واجبان على العبد، وأنه إذا أذنب يجب عليه أن يتوب ويستغفر ربه -تبارك وتعالى-، وأن الشيطان يأتيه، فيغريه بعدم التوبة، بحجة أنه متلاعب بها؛ لأنه يعود للذنب ثانية، فيقال حينما تندم وتعزم ألا تعود فإن هذه توبة، فإذا ضعفت نفسه ثانية، ووقع في الذنب، فهذا يحتاج إلى توبة جديدة، هذا الذي لا يريده الشيطان، فهو يريد أن تجتمع عليه هذه الذنوب حتى تحرقه.

قال: فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ وهم يعلمون ماذا؟ وهم يعلمون أنها ذنوب، هذا احتمال قاله بعض المفسرين.

أو وهم يعلمون أن الله يقبل التوبة عن عباده إذا لم يصروا، وهم يعلمون أنه لا يجوز لهم هذا الإصرار، وهم يعلمون أنهم مقيمون على معصية وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ وهم يعلمون ما أعد الله للعصاة، فكل هذه احتمالات، والله تعالى أعلم، فهذه الآيات التي صدر بها هذا الباب، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء برقم (614).
  2. المستدرك على مجموع الفتاوى (1/143).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب التسبيح والدعاء في السجود برقم (817) ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (484).

مواد ذات صلة