الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ..»، «صلاة الرجل في جماعة تضعَّف على صلاته..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب فضل صلاة الجماعة" وذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله ﷺ قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة[1].

صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ الفذ بمعنى: الفرد، ويجمع على أفذاذ بسبع وعشرين درجة وفي الحديث الآخر -وسيأتي- قال: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمسا وعشرين ضعفًا[2].

وقد تكلم أهل العلم-رحمهم الله- في الجمع بين الحديثين صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين أو بسبع وعشرين فبعض أهل العلم قال: إن ذكر الأقل لا ينفي الأكثر، يعني: مرة قال: خمسة وعشرين وهذا لا ينفي أن يكون أكثر من ذلك، ومرة قال: بسبع وعشرين لأنها أكثر من خمس وعشرين.

حينما تقول مثلاً: أعطيت فلانًا مائة، قد تكون أعطيته مائة وخمسين، فهذا لا ينفي الزيادة على المائة، وقد تكون أعطيته مائة وعشرة، لكن المائة وصلت إليه، فذكر الأقل لا ينفي الأكثر.

وبعض أهل العلم يقول: إن قوله: بخمس وعشرين قد أوحاه الله إليه، ثم تفضل الله وزاد عباده، وأخبر نبيه بذلك، فأخبر به رسول الله ﷺ، فكان في البداية بخمس وعشرين ثم زاد الله عباده، فصارت بسبع وعشرين.

وبعض أهل العلم يقول: إن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بخمس وعشرين، والإمام وحده لا يقال له: إمام إلا أن يكون معه آخر يأتم به، والمأموم لا يقال له: مأموم إلا إذا كان إمام، فصار عندنا إمام ومأموم، فهذا درجة، وهذا درجة، وصلاة الجماعة الحاصلة من اجتماعهما بخمس وعشرين فصار المجموع سبع وعشرون، هذا قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله-[3].

وبعضهم يقول: إن قوله: بسبع وعشرين أقل الجمع ثلاثة عند بعض أهل العلم، لكن إطلاق الجمع والجماعة على ثلاثة في اللغة، على خلاف، فكل واحد من هؤلاء الثلاثة بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فصار عندنا ثلاثين حسنة، وهؤلاء ثلاثة، فإذا نُظر إلى كل واحد باعتبار ما يحصل له بالجماعة، وخصمنا درجة كل واحد على سبيل الاستقلال، فبقي أجر الجماعة الذي حصل من المجموع، فيكون سبع وعشرين.

وبعضهم نظر إلى عدد الركعات سبعة عشر مع الرواتب قال: هي عشر، فالمجموع سبعة عشرين، عشر ببعض الاعتبارات، فتكون سبعة وعشرين.

على كل حال يمكن أن يكون النبي ﷺ أخبره ربه -تبارك وتعالى- وهو ما ينطق عن الهوى، مرة بخمس وعشرين ثم تفضل الله على عباده، وزادهم فصارت بسبع وعشرين والله تعالى أعلم.

ثم ذكر حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا وبعض أهل العلم يقول: إنها هكذا في الأصل، يعني: بخمس وعشرين ولكن قد يحتف بها ما يزيدها من المشي، وكثرة الجماعة، وحضور القلب، والخشوع، فتصل إلى سبع وعشرين، فإن الحسنة تعظم بحسب متعلقها مما يقوم في القلب، أو المكان، أو الزمان، فهنا قال: وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء وعرفنا معنى: أحسن الوضوء أنه يبلغ الوضوء ما يجب أن يبلغه، ثم خرج إلى المسجد لاحظ هنا، فقد يُفهم من هذا أن التي تكون بخمس وعشرين أنها الجماعة التي تكون في المسجد، لاحظ النبي ﷺ يشرح هذا، يقول: وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد ففهم منه بعض أهل العلم: أن التي تضاعف هي صلاة الجماعة التي في المسجد، وهذا ليس محل اتفاق، ولا شك أن صلاة الرجل مع الرجل أفضل، كما جاء ذلك عن النبي ﷺ من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل، وهكذا كلما زاد العدد، ولكن الذي يصلي في جماعة ثانية في المسجد، أو في بيته هل يكون كمن صلى في الجماعة الأولى؟ الجواب: لا، الذي صلى مع الجماعة الأولى أفضل وأكمل وأعظم، وذاك مفرط، نعم صلاته مع رجل، أو مع رجال أفضل من صلاته وحده؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الرجل الذي فاتته الصلاة مع أن الوقت نهي -صلاة الفجر- قال: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟[4]، فدل على أن انضمام رجل إليه، وقد فاتته الصلاة أنه أفضل في حقه، ومع أنه وقت نهي، يعني: بعد الفجر لا يصلى حتى ترتفع الشمس قد رمح، ومع ذلك قال النبي ﷺ: من يصلي مع هذا؟ فكان ذلك من ذوات السبب، يعني: يستباح بها الصلاة في وقت النهي.

يقول النبي ﷺ: وذلك أنه توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رُفعت له بها درجة لاحظ هذا متى؟ توضأ في بيته ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة يعني: ما ذهب إلى غرض آخر، وبعض الناس قد لا يذهب للصلاة، لكن لأنه واعد فلان في المسجد، قال له فلان: تعال لي في المسجد جاء، وقد يكون للإنسان أكثر من علة في خروجه للمسجد، هنا قال: لا يخرجه إلا الصلاة ليس له هدف آخر قال: لا يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، ما لم يحدث، تقول: اللهم صلَّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة[5]، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، فهذه -أيها الأحبة- فضائل عظيمة جدًا، تضييع على أولئك الذين يصلون في بيوتهم، كما أنها تضيع من باب أولى على الذين لا يصلون أصلاً، كم يفوتهم من هذا الخير العظيم؟

هذا وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وأن يجعل هذه الصلاة قرة عين لنا، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة... برقم (645) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة برقم (650).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة برقم (647).
  3. فتح الباري لابن حجر (2/ 132).
  4. أخرجه أحمد برقم (11408) وابن حبان في كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة برقم (2399) وصححه الألباني.
  5. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة... برقم (647) ومسلم في كتاب المساجد، باب ومواضع الصلاة فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة برقم (649).

مواد ذات صلة