الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
الحديث عن آيات الباب، إلى حديث «بني الإسلام على خمس..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات والنهي الأكيد والوعيد الشديد في تركهن" قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى[البقرة:238] وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ[التوبة:5].

قوله -تبارك وتعالى-: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىأمر بالمحافظة على جميع الصلوات؛ وذلك بالمحافظة على أوقاتها، وشروطها، وأركانها، ووجباتها أن يستوفي ذلك جميعًا، فهذا كله من المحافظة، وعطف بعده خاصًا على عام، فالصلاة الوسطى هي صلاة العصر؛ وذلك لأهميتها، وخطر شأنها، وقد مضى الكلام على هذا المعنى.

وأما قوله -تبارك وتعالى-: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْيعني: الكفار إن تابوا من الكفر، وآمنوا بالله وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ والصلاة دائمًا لا تذكر إلا مع لفظ الإقامة أَقَامُواوأما الزكاة يقول: آتَوُافإذا آتاها أي: أعطاها أو أداها حصل المقصود.

أما الصلاة فلا بدّ لها مما هو أكثر من ذلك، من تهيؤ واستعداد قبلها، وهناك شروط، وأركان، وواجبات، ونية، قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ يعني: الكفار، فمفهوم المخالفة: أنهم إن لم يفوا بهذا المجموع، لم يتوبوا من الكفر، أو لم يقيموا الصلاة، أو لم يؤتوا الزكاة، فإنه لا يخلى سبيلهم، هذا مفهوم المخالفة، وهذا وجه الاحتجاج بهذه الآية على أن الصلاة ركن من أركان الإسلام، وأن تارك الصلاة بالكلية كافر؛ لأن الله جعل لذلك أمدًا ومدى، فقال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْمعناها: إن لم يفعلوا فلا تخلوا سبيلهم، هذا معناه؛ لأنه لم يتحقق الإيمان المطلوب أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله[1]، فإن هذا يتضمن ما يذكر في الأحاديث الأخرى، كما في حديث معاذ : إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة[2]... إلى آخره، فهذه الأشياء لا بدّ منها، وبهذا يحتج أيضًا من يقول: بأن تارك الزكاة أنه يكفر، وهي مسألة خلافية معروفة بين أهل العلم، وأبو بكر قاتل مانعي الزكاة، وسموا بالمرتدين، مع أنهم أنواع: منهم من جحدها، ومنهم من قال: لا نعطيها إلا للنبي ﷺ، ومنهم من ارتد عن الإسلام أصلاً، فرجع إلى دين آبائه، ومنهم من تركها بخلاً، فحاربهم أبو بكر جميعًا، والله -تبارك وتعالى- هنا يأمر بترك قتال الكفار إذا حققوا هذه الأمور الثلاثة، فدل على أن الصلاة ليست بالشيء السهل، كما يظنه كثير من الناس.

ثم ذكر حديث ابن مسعود قال: "سألتُ رسول الله ﷺ أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلتُ: ثم أي؟ قال: بر الوالدين؟ قلتُ: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله"[3]، متفق عليه.

هذا الحديث حديث عظيم، يدل على أفضل الأعمال، لأن الإنسان أحيانًا يبحث عن أفضل العمل، ولربما يتعنى بعض المشاق، أو الأعمال الشاقة طلبًا لما عند الله -تبارك وتعالى-، ولكنه يفرط في هذا العمل الذي بين يديه، وهو أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.

وجاء في بعض الروايات: في أول وقتها[4]، هذا أفضل الأعمال، وهو حق الله -تبارك وتعالى-، ثم ذكر حق الخلق، وأعظم ذلك حق الوالدين، فقال: "ثم أي، قال: بر الوالدين" فدل على أن أداء الصلاة لوقتها أفضل من بر الوالدين، وهذا أمر لا شك فيه؛ لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام.

قال: "ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" فجعله بعد بر الوالدين؛ ولهذا قال النبي ﷺ للرجل الذي استأذنه بالجهاد أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد[5]، فحقهما مقدم.

ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان[6]، متفق عليه.

جعل الإسلام كأنه بناء وبيت، أو كأنه خيمة له عمود كبير، وله أعمدة أربعة من جوانبه، لا يقوم إلا بها، فأول ذلك شهادة أن لا إله إلا الله وهذا مفتاح الجنة، وهو الذي يدخل به الإسلام، وهو آخر ما يخرج به من الدنيا وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة فكل ذلك لا يقبل من العبد إلا إذا حقق الإيمان، وحقق الشهادة إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان هنا قدم حج البيت على الصوم، مع أن الصوم قد فرض قبل الحج، والصوم واجب على جميع المكلفين، ومن عجز عنه، فإنه يعدل إلى البدل، وهو الإطعام.

وأما الحج فهو مقيد لمن استطاع إليه سبيلاً، والواو لا تقتضي الترتيب، فالصوم فرض قبل الحج، فذكر هنا قبله، ولا يعني: أن الواو للترتيب ليس ذلك بلازم، وفي بعض الأحاديث بتقديم الصوم على الحج.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] برقم (25) ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، برقم (22).
  2. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الزكاة، باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة برقم (625) وابن ماجه في كتاب الزكاة باب فرض الزكاة برقم (1783) وأبو داود في كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة برقم (1584) وصححه الألباني.
  3. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها برقم (527) ومسلم في كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (85).
  4. أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب في المحافظة على وقت الصلوات برقم (426) وصححه الألباني.
  5. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجهاد بإذن الأبوين برقم (3004) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به برقم (2549).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» برقم (8) ومسلم في كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16).

مواد ذات صلة