الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث "صليت مع رسول الله ركعتين قبل الظهر.." إلى "كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب سنة الظهر".

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "صليتُ مع رسول الله ﷺ ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر"[1]، متفق عليه.

وعلى هذا الاعتبار تكون السنن الرواتب عشر ركعات في اليوم والليلة.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ كان لا يدع أربعًا قبل الظهر[2]، رواه البخاري، فمواظبته ﷺ على الأربع قبل الظهر تكون بهذا الاعتبار: راتبة، وقد مضى أن السنة الراتبة هي التي يواظب عليها النبي ﷺ على الدوام.

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيما جاء عن النبي ﷺ: رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا[3]: "ولم يكن النبي ﷺ يصلي قبل العصر، وقبل المغرب، وقبل العشاء، فلا تتخذ سنة، ولا يكره أن يصلي فيها؛ بخلاف ما فعله ورغب فيه، فإن ذلك أوكد من هذا"[4].

يعني: يصلي ويتعمد تركها أحيانًا؛ لئلا تكون بمنزلة الراتبة.

فالحاصل: أن حديث عائشة -رضي الله عنها- دلَّ على أنه يصلي قبل الظهر أربعًا، فابن عمر حفظ ركعتين، وعائشة -رضي الله عنها- حفظت أربع ركعات، وبهذا الاعتبار تكون السنن الرواتب في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة، وهذا أخذ بالأكثر، وهو أفضل وأولى، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر حديثًا آخر: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي ﷺ يصلي في بيتي قبل الظهر أربعًا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين[5].

فهذا أيضًا يدل على أن السنة التي تكون قبل الظهر أربع، وأن التي بعدها تكون ركعتين من هذا الحديث، فهذا على كل حال ينظر في السنن الواردة عن رسول الله ﷺ، وما كان أبلغ، وأكثر فهو أفضل إذا صح ذلك عنه -عليه الصلاة والسلام-.

قالت: "وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل في بيتي فيصلي ركعتين" فإذا عد هذا مع الركعتين قبل الفجر فيكون ثنتي عشرة ركعة.

وقولها -رضي الله عنها-: إنه كان يصلي في بيتها، يعني: يصلي السنة الراتبة في البيت قبل، ثم يصلي بعد الفريضة أيضًا اثنتين في البيت، فهذا يدل على أن هذه الصلاة إنما تصلى في البيوت، فهذا أفضل وأكمل، فمن صلاها في المسجد أجزأته، ولكن مضى من الأحاديث عن النبي ﷺ وسيأتي -إن شاء الله- شيء من ذلك: أنه حث على الصلاة في البيوت، وأن لا تجعل كالقبور: لا تجعلوا بيوتكم مقابر[6]، فصلاة النافلة في البيت أفضل؛ ولهذا إذا صلى الإنسان في مكة، أو صلى في المدينة، فالصلاة في مكة بمائة ألف صلاة، والصلاة بالمدينة بألف صلاة، فأيهما أفضل أن يصلي في المسجد الحرام مسجد الكعبة إذا قلنا: إن ذلك التضعيف يختص به، أو يصلي في البيت راتبة الفجر مثلاً؟ ما كان النبي ﷺ يدعها لا في الحضر، ولا في السفر، يقال: في البيت أفضل، والنبي ﷺ كان يعلم أنها تضاعف الصلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام- ومع هذا كان يصلي في بيته؛ ولهذا نقول: إن صلاة المرأة إذا ذهبت إلى مكة في بيتها وفي الفندق أفضل من صلاتها في المسجد الحرام، وأن صلاتها في المكان الذي تسكن فيه بالمدينة أفضل من صلاتها في المسجد النبوي، أعني الفريضة؛ لأن النبي ﷺ ذكر ذلك.

وهنا كون النبي ﷺ يصلي في بيته، ثم يخرج إلى الصلاة، فيصلي بالناس، هذه هي السنة بالنسبة للإمام، وكان بلال يؤذن النبي ﷺ بالصلاة، يعني: بالإقامة، ثم يخرج إلى الناس، فلو أن الإمام جاء مبكرًا، وجلس مع الناس، فلا بأس، ولكن هدي النبي ﷺ أكمل، كان يصلي السنة الراتبة في بيته، ثم يخرج إلى الناس عند إقامة الفريضة، والله تعالى أعلم.

ولكن من عرف من نفسه من المصلين: أنه إن صلاها في البيت أن ذلك يضيع عليه، وأنها تفوت، وأنه ينشغل عنها، ويسوف ويفرط، فإنه يصليها في المسجد، ولا شك أن كون بعض السنن الرواتب تصلى في البيت آكد من بعض، يعني: كسنة المغرب مثلاً، كان ابن عمر يحصب الناس يرميهم بالحصباء، ويقول: هذه صلاة البيوت، أو كما جاء عنه -رضي الله عنه وأرضاه-.

وذكر حديث أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار[7].

فهذه التي يسميها المالكية بالرغيبة، يعني: رغب النبي ﷺ فيها بذكر الثواب، فهل هذه راتبة أو لا؟ عامة أهل العلم لا يعتبرون ذلك من الراتبة، يعني: التي تكون بعدها أربع ركعات، على كل حال فيها هذا الفضل، أن الإنسان يحافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها، رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

لكن لماذا لم نقل إنها راتبة؟ لأنه ما نقل عن النبي ﷺ أنه واظب عليها، لكنه رغب في ذلك، كما رغب في غيره، كما سيأتي قبل العصر مثلاً، وهكذا في الأربع التي تكون بعد الظهر، في الحديث الآخر: حديث عبد الله بن السائب أن رسول الله ﷺ كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، يعني: قبل الفرض، وليس قبل وقت الظهر، وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح[8]، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

فهذه -والله تعالى أعلم- غير الراتبة أيضًا الأربع التي تكون بعد الزوال مباشرة يصلي أربعًا هذه تفتح لها أبواب السماء، فلو أن الإنسان صلاها، وصلى السنة الراتبة أربع أيضًا، فهذا خير كثير.

وذكر الحديث الأخير: وهو حديث عائشة، -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها[9]، فدل ذلك على أن السنة الراتبة تقضى، لكن ينبغي أن يقيد هذا بأنه إن شغل عنها من غير إهمال، ولا تضييع، ولا تفريط، فيقضي؛ لعموم قوله ﷺ: من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها[10]، كما أنه ﷺ صلى سنة الظهر بعد العصر، فالسنن الرواتب تقضى.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى (2/57) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن برقم (729) واللفظ للبخاري.
  2. أخرجه البخاري في كتاب التهجد، باب الركعتين قبل الظهر برقم (1182).
  3. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الأربع قبل العصر برقم (430) وأبو داود في باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، باب الصلاة قبل العصر برقم (1271) وحسنه الألباني.
  4. الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/257).
  5. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعداً برقم (730).
  6. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد برقم (780).
  7. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، باب الصلاة قبل العصر برقم (1271) والترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الأربع قبل العصر (430) وحسنه الألباني.
  8. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الوتر، باب ما جاء في الصلاة عند الزوال برقم (478) وصححه الألباني.
  9. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الصلاة، باب آخر برقم (426) وحسنه الألباني.
  10. أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة برقم (597) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها برقم (684).

مواد ذات صلة