الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «صلاة الأوبين حين ترمض الفصال» إلى "اتيت النبي وهو في المسجد.."
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تجويز صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إلى زوالها، والأفضل أن تصلى عند اشتداد الحر، وارتفاع الضحى.

تجويز صلاة الضحى من ارتفاع الشمس: يعني: بقدر رمح، يعني: من بعد الإشراق بنحو ربع أو ثلث ساعة، وذلك وقت لها، ولكنه ليس بأفضل أوقاتها؛ ولهذا قال باب تجويز صلاة الضحى، ولهذا بعض الناس يسأل عن صلاة الإشراق، يقول: هل تكفيني عن صلاة الضحى؟ والواقع أن صلاة الإشراق هذه هي صلاة الضحى، فكل ذلك يقال له صلاة الضحى.

وذكر حديث زيد بن أرقم أنه رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله ﷺ قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال [1] رواه مسلم.

ومعنى ترمض، أي: يشتد الحر، الرمضاء، والفصال جمع فصيل، وهو الصغير من الإبل، فهي لضعفها عن احتمال شدة حرارة الأرض، حينما تكون الرمضاء؛ ترفع رجلاً، وتضع أخرى تراوح بين رجليها، هذه الصغار من الإبل، لا تحتمل، وهذا لا يكون عادة إلا بعد ارتفاع الضحى جدًّا، يعني: من بعد الساعة العاشرة، أو في حدود الساعة العاشرة، أو نحو ذلك، فزيد بن أرقم رآهم يصلون الضحى في وقتها، يعني: في أول الوقت فقال: أما قد علموا، لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، ما قال: لا يجوز، قال أفضل؛ لأن النبي ﷺ قال: صلاة الأوابين والمقصود بالأوابين، الأواب هو الرجاع إلى الله -تبارك وتعالى-.

صلاة الأوابين حين ترمض الفصال يعني: حينما يرتفع الضحى جدًا، ولهذا فإن بعض أهل العلم يفرق بين الضحى مقصورًا، وبين الضحا ممدودًا، ويفرقون بين الضحوة، والضحاء، ونحو ذلك، وبعضهم يقول كل ذلك يرجع إلى معنى واحد، لكن بعضهم من يحمل بعض هذه الإطلاقات على ارتفاع الضحى، ويحمل بعضها على أوله، يعني: بعد ارتفاع الشمس قليلاً، يعني: بقدر رمح.

وعلى كل حال نخرج من هذا بفائدة، وهي أن صلاة الضحى لها وقت سائغ، جائز، ولها وقت فاضل، فوقتها الجائز من بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، يعني: في نظر العين إلى ما قبل الزوال، يعني: قبل آذان الظهر بنحو ربع ساعة، أو ما يقرب من ذلك.

ولها وقت فاضل، وهو حينما يشتد حر الشمس حينما ترتفع كثيرًا.

ثم ذكر بابًا آخر، وهو باب الحث على صلاة تحية المسجد، وكراهة الجلوس قبل أن يصلي ركعتين في أي وقت دخل، سواء صلى ركعتين بنية التحية، أو صلاة فريضة، أو سنة راتبة، أو غيرها، بمعنى: أن المقصود أنه لا يجلس حتى يصلي، فإذا دخل في فريضة؛ كفاه، وإذا دخل في راتبة قبلية؛ كفاه، وهكذا لو أنه أراد أن يصلي التي قبل العصر رحم الله امرأ صلى قبل العصر [2] مثلاً؛ فإن ذلك يكفيه، المقصود ألا يجلس حتى يصلي، فإن لم يكن شيء من ذلك؛ فإنه يصلي ركعتين تحية المسجد، هذا إذا أراد أن يجلس.

وذكر حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين [3]، متفق عليه.

وذكر الحديث الآخر حديث جابر أتيت النبي ﷺ وهو في المسجد، فقال: صل ركعتين [4]، متفق عليه.

هناك نهي فلا يجلس، والأصل أن النهي للتحريم، وهنا أمر، صل ركعتين، والرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب مع أن الاستماع إلى الخطبة مطلوب، والإنسان إذا جاء إلى المسجد، والخطيب يخطب؛ فإنه مأمور بالإنصات، والسماع، وهي داخلة في قوله تبارك وتعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ وذكر الله -تبارك وتعالى- يدخل فيه قطعًا الخطبة؛ لأنه حينما يؤذن المؤذن الذي كون بين يدي الخطبة لا شك أن ذلك إنما يحصل به سماع، أو قيام الخطيب، والخطبة، فدل على أنها مقصودة، ولهذا قال بعض أهل العلم -وإن كان هذا فيه نظر- قالوا: إن الخطبة يوم الجمعة تقوم مقام الركعتين، يعني: الظهر أربع، والجمعة ركعتان، قال بعضهم: فالخطبة تقوم مقام الركعتين، هذا فيه نظر، لكن المقصود أن الخطبة لا شك أنها مقصودة للشارع، وداخلة قطعًا في قوله: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِيعني: سماع الخطبة مع الصلاة، هما معًا، ومع ذلك لما دخل الرجل، وجلس؛ قال النبي ﷺ أصليت ركعتين؟ قال: لا، فأمره أن يقوم، ويصلي، فهذا كله الأمر، والنهي عن الجلوس أيضًا إضافة إلى أن النبي ﷺ قطع الخطبة، وأمر الرجل أن يصلي، فهذا كله يدل على الوجوب، والله تعالى أعلم.

وعامة أهل العلم الجمهور سلفًا خلفًا يقولون: بأنها ليست بواجبة، أعني تحية المسجد، والصارف لهذا الأمر، والنهي ما هو عندهم؟ عندهم حديث: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع [5] قالوا هذا صارف، واستعملوه كثيرًا في عدد مما جاء الأمر به من الصلوات، كصلاة العيد، ونحو ذلك، والقول بأنها للوجوب قول قوي له وجه ظاهر، تدل عليه هذه النصوص، وغيرها، والذين لم يقولوا به أجابوا عن الحديث صليت ركعتين؟ قالوا: بأن الرجل كان في حالة رثة، فأراد النبي ﷺ أن يراه الناس من أجل أن يتصدقوا عليه، وهذا فيه بعد، والنبي ﷺ مشرع، والناس حينما يسمعون هذا قم فصل يفهمون أن هذه الصلاة لا بدّ منها، قطع الخطبة، ثم يقوم يصلي، والخطيب يخطب، والنبي ﷺ يقول: من مس الحصا فقد لغى، وهذا يقوم يصلي، ليس فقط يمس الحصى، ويشتغل عن الخطيب هذا الاشتغال بالقيام والركوع والسجود، والقراءة والذكر، فعلى كل حال ينبغي للمؤمن أن لا يفرط فيها.

ولا فرق بين كونه يجلس كقوله ﷺ هنا: فلا يجلس حتى يصلي ركعتين [6] لا فرق هنا بذكر الجلوس، أو كان يريد النوم مثلاً، الاضطجاع، إذا أراد أن يمكث في المسجد؛ فعليه أن يصلي ركعتين، لكن إن كان مجتازًا فليس ذلك بلازم له، والله تعالى أعلم.

ويبقى التعارض في بعض الأشياء مثل لو أنه دخل وقت الإفطار في المسجد الناس في الحرم يفطرون في رمضان مثلاً، وأذن، هل يفطر هو مأمور بتعجيل الفطر، أو يقال بأنه يصلي؛ لأنه منهي عن الجلوس قبل أن يصلي، وهو أيضًا مأمور بهذه الصلاة اجتمع أمر، ونهي، وهذا آكد من تقديم الفطر، وهو أعلق بالمحل بالمكان، يعني: المكان، ولكن لو قال قائل: بأنه يأكل، يفطر، ولو بشربة ماء، أو يأكل تمرة، أو نحو ذلك، وهو قائم، وفيه نهي، لكن النهي هناك للكراهة، يكفي هذا، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، برقم (748).
  2. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الصلاة قبل العصر، برقم (1271) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (1170).
  3. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1171)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، برقم (714).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة إذا قدم من سفر، برقم (443)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، برقم (715).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام، برقم (46)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام، برقم (11).
  6. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم (1171)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات، برقم (714).

مواد ذات صلة