الخميس 09 / شوّال / 1445 - 18 / أبريل 2024
حديث «إني سألت ربي وشفعت لأمتى..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب سجود الشكر عند حصول نعمة ظاهرة، أو اندفاع بلية ظاهرة"، وذكر حديث سعد بن أبي وقاص قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من الزوراء نزل، ثم رفع يديه فدعا الله ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلاً ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدًا، فعله ثلاثًا، وقال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر؛ فخررت ساجدًا لربي[1].

قوله: "خرجنا مع رسول الله ﷺ من مكة نريد المدينة، فلما كان قريبًا من الزوراء نزل، ثم رفع يديه"، موضع قريب من مكة.

"فدعا الله ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلاً..." إلى آخره، هذا الحديث الشاهد فيه ذكر السجود بعدما حصل من إجابة دعائه ﷺ ثلاثًا، لو صح الحديث، لكن الحديث فيه ضعف، ولكن سجود الشكر لا يقتصر ثبوته على هذا الحديث، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه سجد شكرًا لله -تبارك وتعالى- كما في حديث أبي بكرة عند أبي داود، والترمذي: أن النبي ﷺ كان إذا جاءه أمر يسر به سجد شكرًا لله تعالى"[2].

وهكذا أيضًا ما جاء في القصة المعروفة الحديث الطويل حديث كعب بن مالك في توبة الله عليه، فلما جاءه الخبر بتوبة الله عليه خر ساجدًا[3]، وإنما أخذ ذلك عن رسول الله ﷺ، فسجود الشكر ثابت؛ لتجدد نعمة، وهذه النعمة قد تكون نعمة دينية، وقد تكون نعمة دنيوية؛ وذلك في حدود المباح، أعني النعم الدنيوية فالنعم الدينية كسجود كعب بن مالك فرحًا.

وكذلك ما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص ، لو صح، فيكون النبي ﷺ سجد؛ لأن الله أجاب دعاءه فأعطاه ما أعطاه.

وهكذا أيضًا لو أن الإنسان حصل له أمر من المحبوبات الدينية فمن ذلك مثلاً أن يحصل مثلاً: لابنه توبة يكون مقصرًا مسرفًا على نفسه فتاب فبلغه ذلك فيسجد لله شكرًا لله -تبارك وتعالى-.

وكذلك إذا جاءه خبر عن انتصار المسلمين، عن الفتوحات الإسلامية، وما أشبه ذلك، فيسجد شكرًا لربه -تبارك وتعالى-، فهذا فرح لأمر ديني لظهور الإسلام وعزته وظهور المسلمين، وهذا أعظم الفرح، هو الذي قال الله -تبارك وتعالى- فيه : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58].

وكذلك لو تجدد للإنسان نعمة دنيوية كأن يكون مثلاً ربح في تجارة جاءه خبر أنه رزق بمولود، شفاه الله من مرض خرجت التقارير تقول: بأنه قد شفي مثلاً فسجد، أنجاه الله من بلية، أنجاه من حادث فيسجد لله .

وكذلك لو أنه نجا له محبوب من علة، أو عملية، أو غير ذلك فيسجد، هذه كلها من الأمور والمطالب الدنيوية، لكن لنعمة متجددة، نعمة حادثة طارئة جديدة؛ لأني رأيت بعض الناس يسجد وإذا سألته وهو جالس في المسجد فيسجد ولا ترى طارئًا يطرأ عليه، يعني ما كلمه أحد في الهاتف عن خبر يسره مثلاً فسجد فيسأل يقال له: لماذا سجدت؟

يقول: سجدت شكرًا لله ، ما هذا الشكر؟ على أي شيء؟ هو يسجد هكذا خطر له السجود فسجد كأن يكون مثلاً تذكر أنه في عافية فسجد، ليس هذا الذي شرع له سجود الشكر، وإنما هو لنعمة طرأت لأمر يسر قد جد وطرأ عليه هذا المقصود، وأن الإنسان لا تفارقه نعم الله -تبارك وتعالى-، ولو بقي ساجدًا طول عمره فإن ذلك لا يوفي حق الله -تبارك وتعالى- عليه.

فهذا هو لون من الشكر شكر النعم الطارئة بالسجود، ومن الشكر أيضًا أن يشكر الله بلسانه، وأن يشكره بأفعاله بالعمل: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا [سبأ:13]، وكما سيأتي في قيام الليل، لما كان النبي ﷺ يقوم الليل حتى تتفطر قدماه قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا[4].

فالشكر يكون بهذا وهذا، ويكون بهذا السجود، لكن هذا السجود هل يشترط له طهارة؟ واستقبال قبلة؟ وبالنسبة للمرأة تكون متحجبة كما تكون في الصلاة لا يظهر منها إلا الوجه والكفان؟

هذا فيه خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنه يطلب فيه ما يطلب للصلاة من الطهارة، واستقبال القبلة، هذا قول الجمهور.

وذهب بعضهم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى أن ذلك لا يطلب فيه، وأن هذه الأمور الطارئة تطرأ على الإنسان، وقد يكون على حال من غير الطهارة، أو لا يعرف القبلة أصلاً، والمرأة من غير حجاب في بيتها، ونحو هذا فهي تسجد مباشرة، ولا يؤجل هذا السجود، إنما وقته حينما بلغه ذلك، -والله تعالى أعلم-، وهذا له وجه، قالوا: لأنها ليست بصلاة، ولا يطلب لها ما يطلب للصلاة، وشيخ الإسلام يقول: هكذا أيضًا سجود التلاوة[5]، والله تعالى أعلم.هذا ما يتعلق بسجود الشكر، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في سجود الشكر، برقم (2775)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم (477).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في سجود الشكر، برقم (2774)، والترمذي، أبواب السير عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في سجدة الشكر، برقم (1578)، وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة والسجدة عند الشكر، برقم (1394)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (2/226)، برقم (474).
  3. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، وقول الله -عز وجل-: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118]، برقم (4418)، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، برقم (2769).
  4. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- الليل حتى ترم قدماه، برقم (1130)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، برقم (2819).
  5. انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/343)، ومجموع الفتاوى (23/166)، و(23/170).

مواد ذات صلة