الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: من أنفق زوجين في سبيل الله؛ نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة؛ دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد؛ دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام؛ دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة؛ دعي من باب الصدقة قال أبو بكر بأبي أنت، وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم[1] متفق عليه.

قوله: من أنفق زوجين في سبيل الله الزوجان يقال للصنفين، الزوج صنف، كما قال الله : مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ يعني أصنافًا منهم، وقال: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ يعني، ونظراءهم أشباههم، فمن أنفق زوجين في سبيل الله، يعني شيئين.

وسئل الراوي عن ذلك، فمثل له بناقتين، فرسين، بقرتين، وتكلم أهل العلم على بقية الأعمال، يعني لو أنه صلى تسليمتين مثلاً، في الضحى صلى ركعتين، ثم ركعتين مثلاً، أو صام يومين؛ فإن ذلك يدخل فيه عند بعض أهل العلم، بمعنى أنه جاء بعبادتين متماثلتين.

واستشكل بعضهم إطلاق الإنفاق على مثل هذه العبادات كالصيام والصلاة، فحمله بعضهم على معنى لا يخلو من تكلف، قالوا: في الصيام مثلاً ما يبذله من مال، ونفقة للسحور والفطور، والصلاة باعتبار ما ينفقه عليها من قيمة ماء، أو نحو ذلك، وهذا فيه بعد -والله تعالى أعلم- ويمكن حمل الإنفاق على معنى البذل والعطاء، وإن لم يكن ذلك من قبيل الإنفاق بالمال، فإنفاق العلم، بذل العلم، تعليم الناس، إنفاق الجاه بالإصلاح بين الناس مثلاً، والشفاعة لهم، كذلك من يبذل في مرضاة الله -تبارك وتعالى- أيًا كان ذلك البذل.

والسبب في هذا القول، وما تبعه من الإشكال أنه لما قال: من أنفق زوجين في سبيل الله؛ نودي من أبواب الجنة لاحظ من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة وهنا ذكر الصلاة، وذكر الجهاد، وذكر الصيام، وذكر الصدقة، ففي الصدقة أنفق مالاً، هذا لا إشكال فيه، أنفق صنفين من المال، تصدق مرتين مثلاً، الجهاد نقول: بذل نفسه، وماله مثلاً، هذا في معنى البذل، لكن يبقى الصيام والصلاة، فيها الإشكال السابق، عبر عنه بالإنفاق، فيمكن أن يحمل هذا -والله تعالى أعلم- على ما ذكرت من أن الإنفاق أريد به معنى أعم من بذل مال، ونحوه، يمكن للإنسان أن ينفق جهدًا، أن ينفق جاهًا، أن ينفق علمًا، ونحو ذلك.

قال: من أنفق زوجين في سبيل الله[2] وقوله: في سبيل الله، الأصل أنه إذا أطلق سبيل الله؛ فإنه يتجه إلى الجهاد، هذا الغالب في القرآن، ولهذا فإن من أهل العلم من يحمل ذلك إذا ورد في كتاب الله على الجهاد معنى ذلك أنه على هذا القول أن الصدقة كانت في الجهاد، وأن الصيام كان في الجهاد، وأن هذه العبادات كانت في الجهاد، مثل: من صام يومًا في سبيل الله سبيل الله بعض أهل العلم قال: المقصود به الجهاد، صام يومًا في الجهاد باعد الله بينه، وبين النار سبعين خريفًا[3] وسبق الكلام على هذا الحديث، وأن من أهل العلم من قال: المقصود به الصيام لله، ولا يشترط أن يكون في الجهاد.

على كل حال، فهنا قال: من أنفق زوجين في سبيل الله؛ نودي من أبواب الجنة الجنة لها ثمانية أبواب، وهنا ذكر باب الجهاد، والصلاة، والصيام، والصدقة أربعة، وجاء عن النبي ﷺ أيضًا ذكر الباب الأيمن من أبواب الجنة[4] ولعله أعظم هذه الأبواب، وقد جاء في الأحاديث وصفه أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة[5] ما بين طرفي الباب مسيرة أربعين سنة، وأنه يأتي عليه يوم، وهو كظيظ من الزحام.

قال: فينادي يا عبد الله هذا خير هذا خير يحتمل أن يراد بخير أفعل التفضيل، يعني هذا خير لك، تعال هذا أفضل، يا عبد الله هذا خير، ويحتمل أن يكون خير أريد به معنى المصدر، بمعنى هذا خير، تقول: خير وشر، فهو يقول هذا خير، يعني هذا خير تعال فأقبل عليه، خير قد سنح لك فأقبل عليه، يعني لا يقصد به معنى أخير، أفضل؛ لأن خير تأتي بمعنى أخير أفضل، وغالبًا أغناهم خير وشر عن قولهم أخير منه وأشر[6].

هذا خير، قال: فمن كان من أهل الصلاة؛ دعي من باب الصلاة وما المقصود بذلك؟

المقصود بذلك الإكثار، حتى عرف به، ما هو فقط الذي يصلي الفرائض، يدعى من باب الصلاة، لا، هذه قضية يشترك فيها الجميع، وإنما فتح عليه في باب الصلاة، فصار مكثرًا من النوافل في ليله ونهاره، حتى غلب ذلك عليه، والإنسان يفتح له، من الناس من يفتح له في الصيام، فيكون مكثرًا من الصوم، يصوم يوم، ويفطر يوم، أو نحو هذا، فيغلب عليه هذا الوصف، ومن الناس من يفتح عليه بالصدقة، قد لا يصلي إلا الفرائض، والسنن الرواتب، ولا يصوم إلا رمضان، وأيام يسيرة، ولكنه يفتح له بالبذل والصدقة، ومن الناس من يفتح عليه في العلم، تعليمه، ومن الناس من يفتح عليه برعاية الفقراء والمساكين والأرامل ومساعدة المحتاجين، وهكذا، لكن المشكلة الذي لا يفتح عليه في شيء -نسأل الله العافية- فهذا يكون كاسدًا.

فينبغي للإنسان أن ينظر في نفسه وإمكاناته وطاقاته وميوله، وأن يخطط لمستقبله؛ فيجد ويجتهد في العمل الصالح، ويتميز في أبواب من الخير، لا أن يكون الإنسان بطالاً في عمل الآخرة، ومجدًا ومجتهدًا في عمل الدنيا، فنحن أعمال الدنيا نخطط لأنفسنا ولأولادنا، وننظر ونتفلسف، حينما يردون الذهاب إلى الجامعة، أو التخصص في الثانوية، ونقول: ينظر في الميول والرغبة، فيتجه إلى الجامعة أو التخصص الذي يميل إليه، ويستطيع أن يبدع فيه، وأن يتميز، لكن عمل الآخرة، وأبواب الجنة، أين الميول؟، أين التميز؟، الصلاة المفروضة ينام عنها، فضلاً عن النوافل، والصيام إذا جاء رمضان يتثاقل ويتأفف، وإن شاء الله بكره ما هو رمضان، وإذا أعلن للعيد فرح واستبشر وتهلل، ويتأفف من طول الأيام في الصيف، وما شابه ذلك، وفي الصدقة يجادل في الزكاة المفروضة، فضلاً عن الصدقة المستحبة، يجادل، هذه العقارات، هذه الأموال ننشبها يعني ما عليّ زكاة، جعل أمواله في عقارات، وأراضي، ويعتقد يرضي نفسه أنه ليس عليه زكاة، وإذا جاء زكاة الحلي؛ قال: الحلي ما فيه زكاة، أنا سمعت شيخًا في المذياع يقول: إن الحلي ما عليه زكاة، والشولة، الزكاة والشولة، والصدقة ليس معنا شيء، نحن يا الله ننفق على عيالنا، كل شيء غالي، ويبقى، ولا يضر إلا نفسه -والله المستعان-.

فهنا قال: ومن كان من أهل الجهاد؛ دعي من باب الجهاد بمعنى أنه ما غزا غزوة واحدة، لكن عرف، تميز بهذا، صار كأنه متخصص في الجهاد.

ومن كان من أهل الصيام؛ دعي من باب الريان وهذا كما سبق أيضًا يكون مكثرًا من النوافل، صيام التطوع، وسمي باسم يناسبه، لما كان الصوم مظنة للعطش؛ دعي من باب الريان، وهذه الأسماء حينما تكون في الآخرة، باب الريان فإن هذا ليس كالدنيا، يقال: حي النار مثلاً، ويستوي الناس في بالعطش مع غيرهم من الأحياء، لا فرق، هو مجرد اسم، فأسماؤنا في هذه الحياة الدنيا أعلام محضة، يعني لو أن إنسانًا سمي ريان، هل هذا يعني شيء بالنسبة إليه، فرق بينه، وبين غيره فيما يجده من الري؟

الجواب: لا، هو مجرد علم، يعرف به، فلو سمي عطشان، أو سمي آخر ريان، لا فرق بينهما من هذه الحيثية، من جهة المعنى أقصد الري والعطش، لكن في الجنة حينما يقال له: باب الريان؛ فإن هذا يدل على أنه يحصل لهم من ألوان اللذات، والنعيم المتعلقة بهذا النوع ما لا يحصل لغيرهم، باب الريان، ولهذا قال الله : جَزَاءً وِفَاقًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: لما كان الصبر جزاهم بما صبروا فيه ضيق، وحرارة وشدة؛ جازاهم بهذه الأشياء الثلاثة: جنة، تدل على السعة والبرودة، والحرير يدل على النعومة، مقابل الخشونة التي في الصبر[7].

قال: ومن كان من أهل الصدقة؛ دعي من باب الصدقة قال أبو بكر : لشدة حرصه على الخير والنعيم الأخروي، بأبي أنت وأمي، يعني: أفديك يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، يعني: من دعي من واحد منها ما عليه ضرورة، يعني ما عليه ضرر، هذا في نعيم وخير وراحة بال، لكن عنده سؤال آخر، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ كل الأبواب، يقال له: تعال من هنا، هذا خير، هذا خير، هذا خير، ادخل من هنا، قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم وإذا قال النبي ﷺ: أرجو أن تكون منهم معنى ذلك أنت منهم، ولكن العرب تخرج ما كان مجزومًا به مخرج المرتجى والمظنون، وتقصد به معنى الجزم، هذه طريقة العرب في كلامها ومخاطبتها، لما يقول له عظيم من العظماء: أرجو أن تتحقق طليبتك، معناه أنا سنحقق لك هذا، خلاص يفهم أن هذا وعد، بخلاف الضعيف العاجز، حينما يقول: أرجو أن يحصل كذا، هو يؤمل، ولربما يتمنى إذا كان ذلك بعيد المنال، قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم وذلك أن أبا بكر جمع من أبواب البر والخير، والمعروف ما لم يجتمع في غيره، ولهذا لما سأل النبي ﷺ: من أصبح اليوم منكم صائمًا؟ قال أبو بكر : أنا، من تصدق؟ قال: أنا، من عاد مريضًا؟ قال: أنا، من تبع جنازة؟ قال: أنا، فذكر النبي ﷺ: أنها ما اجتمعت في رجل إلا دخل الجنة[8].

فاجتمعت في أبي بكر فكان يجمع أبواب البر، ولهذا لما أراد أن ينافسه عمر لما دعا النبي ﷺ إلى الصدقة؛ قال عمر: اليوم سأسبق أبا بكر فجاء عمر بنصف ماله، فسأله النبي ﷺ كم تركت لأهلك؟ قال: مثل هذا، فجاء أبو بكر بماله كله، فسأله النبي ﷺ: ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله، فقال عمر وهو عمر، لا جرم والله لا سابقتك في خير أبدًا، أو لا نافستك في خير أبدًا[9] عارف أنه ما يسبق، فيدعى من هذه الأبواب، فمن كان متحققًا بألوان من هذه العبادات، مكثرًا منها، كأن يكون الإنسان مكثرًا من صيام التطوع، أو مكثرًا من صلاة النافلة، أو من الصدقة؛ يدعى من هذه الأبواب التي تميز فيها، والله قد جعل الناس مواهب وقدرات وإمكانات.

ابن مسعود قال له أصحابه: إنك لتقل الصوم، قال: نعم، وذكر أن الصوم يشغله عن الصلاة، يعني النافلة الكثيرة في رواية عن قراءة القرآن، والقراءة أحب إليّ[10] معناه أنه كان مكثرًا من القراءة جدًا، مع أن ابن مسعود كان يصوم رمضان، والاثنين والخميس، ويعتبرونه قليل، وهو يعتبر هذا قليل أيضًا؛ لأنه يؤثر عليه في القراءة، يضعفه، ابن مسعود كان ضعيفًا، نحيلاً، فيضعفه الصوم، فكان يصوم الاثنين والخميس، ويرون أنه قليل على ابن مسعود فقال لهم: صحيح، أنا يضعفني، فماذا أصنع؟ القراءة أحب إليّ، لاحظ المفاضلة صارت مع عمل صالح آخر؛ فجعل يرجح بين هذا وهذا.

فالله جعل الناس يتفاوتون، فبعض الناس قد يضعف عن الصوم، لكنه ينشط في أبواب أخرى من المعروف؛ من رعاية المحتاجين، والمشروعات الخيرية، والأعمال الإغاثية، أو الأعمال الدعوية، أو نحوها، ونشيط جدًا فيها، يفتح عليه، وقد لا يفتح عليه في هذه القضايا، لكن يفتح عليه في جانب آخر من العلم أو الدعوة إلى الله وقد لا يفتح عليه لا في هذا ولا في هذا، لكنه صاحب أموال، ينفق ويبذل، لكن لا ينبغي للإنسان أن يقعد عن هذه الأبواب، فإن الجزاء من جنس العمل، والآخرة دار لا تصلح للمفاليس، ينبغي أن يعد الإنسان، يزرع الآن من أجل أن يحصد غدًا، فمن لم يزرع، ماذا يرجو أن يحصد؟ ما زرع، إنسان ما زرع، وجاء وقت الحصاد، وقال: أنا الآن أملأ هذه المستودعات من المحاصيل الزراعية من أين؟ لا شيء؛ لأنه لم يزع.

أما من زرع الحنظل والشوك؛ فإنه لا يجني إلا ذلك، إنسان زرع المعاصي والذنوب والإسراف على نفسه، لكن رمضان أيها الأحبة لا شك أنه فرصة عظيمة جدًا لتطويع النفس، وترويضها على طاعة الله فشهر كامل نصومه، لاحظوا الآن اليوم الحادي عشر، انتهى الثلث؛ صار الصوم سهلاً علينا، ما هو مثل اليوم الأول، فإذا استمر الإنسان شهرًا كاملاً، معنى ذلك أنه يستطيع بعد رمضان أن يصوم كيف شاء، يصوم يومًا، ويفطر يومًا، يصوم الاثنين والخميس، أن يكثر من الصيام، خلاص النفس الآن اعتادت، قراءة القرآن، يمكن بعض الناس ما يقرأ، طول السنة ما يختم، إذا جاء رمضان؛ بحث عن مصحف.

الآن هذه القراءة، هذا يقرأ في بيته، ويقرأ في المسجد، ونحو ذلك، يستطيع أن يستمر على هذا سائر العام، ذاق حياة جديدة، تعودت النفس على حال جديدة، فالعاقل يستغل هذا، فيقول هيأ الله لي مثل هذه الفرص، رمضان مدرسة، هيأ لهذه المحطة، هيأ لي هذه العيادة، فالنفس صقلت، هذه مثل الورشة التي تدخل فيها السيارة للتوضيب، تدخله في المستشفى تسوي له فحوصات، وتحاليل، وتوضيب كامل، هذا رمضان مثل هذا، شهر كامل تعاد فيه البرمجة، فتستقيم النفس وتصلح، وتكون على حال أفضل مما كانت عليه قبل، وهكذا كل رمضان المفروض الصقل الجديد لهذه النفس، وإعادة تشكيل من جديد؛ فترتقي مرتبة، فما يصل الإنسان، يصير عمره خمسين أو ستين، أو هذا، بعد هذه المحطات التي يمر عليهن كل مرة، يأخذ طورًا جديدًا، وصياغة جديدة، وخطوة جديدة في العمل الصالح إلا وهو قد ارتقى.

لكن الذي لا يتفطن لمثل هذه المعاني؛ يكون حاله في أول رمضان كحاله في آخر رمضان، أدركه على الضعف، وعلى الوهن عن العبادة، ثم بعد ذلك تبدأ أوجاع الكبر؛ القلب، القسطرة، والشرايين مركب، والركب صناعية، وعيون زارع قرنية، والأذن فيها سماعة، وكل الدعوة قطع غيار، ضعيف لا يستطيع أن يمد رجله، ولا يصلي يسجد، ولا يستطيع أنه يصلي قائمًا، وعلى كرسي، وأدنى ما جاه إذا صام، أو كذا ارتفع السكر، ونزل الضغط، وارتفعت كذا، ووظائف الكبد، ووظائف الأعضاء، والفيتامينات الفلانية، ويأكل ثمانية عشر حبة، والثاني يأكل أربعة وعشرين حبة في اليوم، وكذا، هذا كيف يصوم؟

ما يستطيع، ولو جاء يصوم يمسكوه عياله يقولون: أين ذاهب، تعال، الله يقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ تشق على نفسك تصوم، طيب سأذهب أعتمر، أين تذهب، ما تنظر التلفاز زحمة، الصحن مليان يطوفون، تذهب تعتمر وأنت بهذه الحال تعبان، أذهب أحج عنك، أينك، وأين الحج؟ أنت ما تستطيع الحج، اجلس هنا.

وكلما أراد أن يعمل عملاً صالحًا، وإذا كان صاحب ثروة، وأراد أن يضع ثلث أمواله، ونحو ذلك؛ قام عليه أولاده، إلا من رحم الله، ولربما وصلت إلى المحكمة، وطلبوا الحجر عليه -كما هو حاصل لدى بعض الناس- جمع ثروة هائلة، وحينما أراد أن يخرج جزءا منها أول من عارضه أقرب الناس إليه، الذي تعب بزعمه من البداية؛ من أجل أن يجمع لهم، أن يحصل لهم، أن يرسم لهم المستقبل، أن يترك لهم بعده، مع أنه وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا هؤلاء الذي زرقك سيرزقهم، لكن اعمل أعمال صالحة، وأصلح حالك مع الله والذي رزقك سيرزق هؤلاء الأولاد، ما هم بضائعين.

فأقول: الإنسان يستغل قوته وشبابه، ومن أسوأ المفاهيم أن من الناس من يتصور أن الشباب فرفشة، وتضييع، وعبث، فمتى طاعة الله ومتى عمارة الآخرة؟ حتى إذا صار كل شيء مركبًا تركيبًا، صار كل جسم واهن ضعيف، ليس فيه قوى، هذه عمارة الآخرة، هذا التخطيط للمستقبل، لا يستطيع أن يحج ولا يعتمر، ولا يتصدق ولا يصلي، ولا يفعل شيئًا، إن أكل أكلة؛ تنغص، إن تغير عليه شيء بسيط من هواء أو حرارة؛ تعب ومرض، إن سمع أدنى شيء يزعجه؛ ما ينام تلك الليلة، يبقى ربما ما ينام إلا على مسكنات، وحال من الضعف والعجز، فكيف سيعبد الله ؟ هو يتمنى، ويقول: يا ليت، فأقول: للعاقل إذا كنا نوقن، عندنا يقين بالآخرة؛ المفروض ألا يسبقنا أحد، وباختصار هذه حقيقة كبرى نحتاج أننا نتبينها، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب: الريان للصائمين، برقم (1897)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر، برقم (1027).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب: الريان للصائمين، برقم (1897)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر، برقم (1027).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل الله، برقم (2840)، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه، بلا ضرر ولا تفويت حق، برقم (1153).
  4. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]، برقم (4712)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، برقم (194).
  5. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم (2967).
  6. انظر: شرح ألفية ابن مالك، (1/13).
  7. انظر: دقائق التفسير، لابن تيمية (3/24).
  8. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر، برقم (1028).
  9. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في الرخصة في ذلك، برقم (1678)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (6030).
  10. انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية (1/38).

مواد ذات صلة