الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين..» إلى «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس، فوافقه، ثم أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم، أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم[1] متفق عليه.

قوله ﷺ: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين سواء كان بذلك يقصد النفل، التطوع، أو كان يقصد الاحتياط لرمضان، بما يسمى صوم يوم الشك، وقد جاء النهي عن ذلك -كما سيأتي- وهو شيء محرم، أعني صوم يوم الشك، وقد مضى في الكلام على آية الصيام يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ بأن أهل الكتاب زادوا في صومهم، في كل جيل يزيدون في أوله، وفي آخره احتياطًا للعبادة؛ حتى صار صومهم خمسين يومًا، فنهى النبي ﷺ عن ذلك، ثم أيضًا هذا لربما كان من أجل أن ينشط لصوم رمضان، وأن يتهيأ له لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم، أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم يعني كأن يكون يصوم الاثنين والخميس، أو يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو كان يقضي رمضان الماضي.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: لا تصوم قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دونه غياية فأكملوا ثلاثين يومًا[2] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته يشعر بأن المقصود أن العلة بذلك هي من أجل أن هذا لربما كان على سبيل الاحتياط، يعني يقول لا تحتاطوا بتقدم يوم أو يومين، وإنما اعتبروا الرؤية، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غياية يعني سحابة فأكملوا ثلاثين يومًا وهذا هو المشروع حينما لا يرى الهلال.

وفي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا بقي نصف من شعبان؛ فلا تصوموا [3] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، هذا رواه الترمذي، وأبو داود، والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، حيث ضعفه بعضهم[4]، وجاء في بعض الروايات الاستثناء إلا رجل كان يصوم صومًا[5] يعني كمن يصوم مثلاً شعبان كله، أو عامة شعبان، ابتدأ قبل النصف؛ فإنه يكمل ذلك في النصف الباقي، أو كانت له عادة أثناء السنة، كمن يصوم يومًا، أو يفطر يومًا، أو يصوم شهرًا، ويفطر شهرًا، أو أسبوعًا، وأسبوعًا، أو غير ذلك مما يعتاده الإنسان إن كانت له عادة.

ثم ذكر الحديث الأخير في الباب، وهو حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: من صام اليوم الذي يشك فيه؛ فقد عصى أبا القاسم ﷺ[6] رواه أبو داود و الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح اليوم الذي يشك؛ فيه فقد عصى أبا القاسم هذا نص صريح في تحريم صوم يوم الشك؛ لأن من الدلائل اللفظية التي يعرف بها التحريم مثل هذا، أن يقول: عصى، أو يرد عليه عقوبة، أو نحو ذلك، أو يرد بالنهي عنه، وذلك من أجل ألا يزاد في العبادة، مع أنه ورد عن بعض السلف من الصحابة القول أو العمل في صوم يوم الشك، يعني كانوا يرون أن يصام، لكن لا عبرة بقول أحد مع قول رسول الله ﷺ فلعل ذلك لم يبلغهم.

ثم قال: باب ما يقال عند رؤية الهلال، وذكر حديث طلحة بن عبيد الله : أن النبي ﷺ كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير[7] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، كان إذا رأى الهلال، الهلال يكون لأول ليلتين من الشهر في أوله، الليلة الأولى والثانية، وبعضهم يقول: أول ثلاث ليالي، وما بعد ذلك يكون قمرًا، يعني لا يقال عنده هذا الذكر، وفي آخر الشهر يكون هلالاً إذا كان في ليلة ست وعشرين، فما بعدها.

فالشاهد أن النبي ﷺ كان يقول ذلك إذا رأى الهلال في أول الشهر، فهو ذكر، ودعاء يقال في استقباله، لا في خروجه، وهنا كان إذا رأى الهلال يدل على أن ذلك من عادته أنه يتكرر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان فالأمن يشمل أمن الإنسان على نفسه، الأمن العام على المسلمين، على بلادهم، الأمن على الأموال، الأمن على الأعراض، الأمن على الدين والإيمان، وهذا لا يحتاج إلى تفسير، والسلامة والإسلام، فهذان متقابلان متقاربان، فالأمن والسلامة بينهما ملازمة، فإن السلامة تحصل عادة مع الأمن، حيث يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكأنه ذكر السبب والنتيجة، والإسلام لما ذكر مع الإيمان فهو إسلام الظاهر، بمعنى أن هذا الشهر يدخل على الناس، وهم في حال من العافية، والأمن والإيمان، وطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ ربي وربك الله، هلال رشد يعني ضد الغي، وخير.

لعل هذا يكفي، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم (1914)، ومسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم (1082).
  2. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصوم، باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال والإفطار له، برقم (688)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (3586).
  3. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان، برقم (738).
  4. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر (1/277).
  5. أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم (1082).
  6. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصوم، باب كراهية صوم يوم الشك، برقم (2334)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم (961).
  7. أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال، برقم (3451)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته، برقم (4720).

مواد ذات صلة