الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
حديث «بسم الله تربة أرضنا..» إلى «اللهم رب الناس مذهب البأس..»
تاريخ النشر: ٠٢ / رجب / ١٤٣١
التحميل: 1222
مرات الإستماع: 2819

بسم الله تربة أرضنا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب ما يُدعى به للمريض.

عن عائشة -رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة، أو جرح، قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا، -ووضع سفيان بن عيينة وهو راوي الحديث سبابته بالأرض ثم رفعها، وقال: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربنا[1]متفق عليه.

هذا الحديث عظيم، غفل عنه كثير من الناس، لاسيما الأطباء، فإن المريض قد يعاني أمدًا طويلًا، ويجرِّب ألوان الأدوية، أو يجرَّب عليه أنواع الأدوية، ثم قد لا يخرج بكبير طائل، ولكن هذا العلاج ما إن يفعل الإنسان هذا إلا ويجد نفسه بعده مباشرة بعد ليلته تلك في عافية من الله -تبارك وتعالى، فهذا من الطب النبوي، والحديث لا كلام فيه من حيث الثبوت، فهو متفق عليه.

"إذا اشتكى الإنسان الشيء منه" يعني: اشتكى من نفسه، صار له علة، أو مرض.

"أو كانت به قرحة أو جرح" يحتمل أن "أو" شك من عائشة -رضي الله عنها، أو من غيرها ممن روى الحديث، "أو كانت به قرحة، أو جرح" يعني: يحتمل أن يكون النبي ﷺ، أو عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه"، يعني: أيّ علة من العلل، أو أن ذلك يكون لعلاج القرحة، والقرحة معروفة، أو لعلاج الجروح.

قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا"، يعني: بالسبابة أو المُسبِّحة.

"ووضع سفيان بن عيينة الراوي سبابته بالأرض ثم رفعها"، و"ثم" هذه تدل على التعقيب، وهي: تدل أيضًا على أنه تعقيب غير مباشر، يعني: مع التراخي، لكن لا يلزم هنا -والله تعالى أعلم- أن يكون المراد البطء في وضعها على الأرض، يكفي أن توضع على الأرض، ويتحقق المقصود.

ثم رفعها، وقال: بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربناويضع ذلك على المكان الذي فيه القرحة، أو فيه الجرح، أو نحو ذلك، وهو شيء مشاهد، وقد ذكرت في بعض المناسبات كلامًا لابن حزم أنه فعل ذلك في الدمامل قبل خروجها، يعني: حينما تكون تحت الجلد، ومعلوم أنها تأخذ دورة معينة، يعني: انتفاخ واحمرار، ثم بعد ذلك يكون له رأس، ثم بعد ذلك يبدأ يخرج منه أشياء، دورة كاملة، فإذا وضع ذلك عليه حتى قبل خروجه، فإنه لا يخرج، وينطفئ بإذن الله -تبارك وتعالى، وهو شيء فعلته مرارًا، وأرشدت إليه آخرين، وفعلوه قبل خروجها، وبعد خروجها، وبعد تفاقمها، رأيت من كان يشتكي وقد تفاقم ذلك فيه في مكان ضيق حرج، ولا يكاد يجلس، ولا يكاد يتحرك، ولا يقوم، فلما سألته ذكر هذا، فأرشدته إلى هذا العلاج النبوي، فقال: الأمر أكثر من ذلك؛ لأنه صار فيه التهابات أخرى، وأشياء، وتدخل الطبيب، قلت له: افعل هذا وسترى، وجاءنا من الغد ليس به بأس، وهو دكتور عندنا في الكلية، جاءنا ما به بأس، وجربته مع آخرين، جربته مع الصغار والكبار، وأرشدت إليه آخرين، ومنهم من أصيب بهذه القروح في فمه، حتى ما يستطيع يأكل، ولا يتكلم، ولا يفتح فمه، فبمجرد ما تفعل له هذا ففي اليوم الثاني إذا هي تتلاشى وتذهب، أقول ذلك يقينًا، كما أراكم الآن، وليس عندي فيه أدنى تردد حينما أفعله، واليقين له أثر في مثل هذه الأمور، فهذا من العلاج النبوي.

وعلى كل حال: ما العلة في مثل هذه الأمور؟ ما وجه الارتباط بين تربة أرضنا، بريقة بعضنا؟

من أهل العلم -وهذا هو الظاهر- من قال: وجه الارتباط غير مدرك بالنسبة إلينا، نحن لا ندركه، وهذا من أمور الغيب؛ لأن لا نعلم ما الارتباط بين الريق وبين التربة، فنؤمن بذلك، ونصدق به؛ لأنه جاء عن المعصوم .

ومن أهل العلم من حاول أن يربط، باعتبار أن التربة هي أصل الإنسان الأول، أي: آدم ﷺ، وأن الريق هو بعض من الإنسان بمثابة النطفة، بمنزلة النطفة، فهذا مع هذا مع هذا الذكر يحصل به الشفاء بإذن الله، لكن هذا استنباط قد يكون فيه بعد، ولكن يكفي أن يطبق الإنسان مثل هذا، وإن لم نعقل وجه الترابط بين التربة والريق، فهذا من الرُّقى، والرقى ما يدرك كل ما جاء فيها، مثل قول النبي ﷺ: صبوا عليّ من سبع قرب، من سبع آبار، من آبار المدينة[2]، لماذا سبع قرب؟ ولماذا سبع آبار، وآبار المدينة؟ ما نعرف، لكن يفعل هذا، فيكون من العلاج.

ثم أيضًا قوله هنا في هذا الحديث: وضع سبابته بالأرض، ثم رفعها، وقال بسم الله، جاء في رواية أخرى: "أنه وضعها على ريقه"، أخذ من ريقه، "ثم وضعها على الأرض"، من أجل أن يعلق فيها، فهذا ورد أيضًا، ولا إشكال أن يفعل الإنسان ذلك ابتداء، وهكذا في قوله ﷺ: تربة أرضنا، هل يختص هذا بأرض المدينة كما قال بعض أهل العلم؟ الجواب: لا، لا يختص بها، وإنما أي تربة، خذ ترابًا نظيفًا، وافعل هذا بنفسك، ولا تحتاج إلى زيد أو عمرو أن يفعله، كل واحد يفعل لنفسه، ويحصل المقصود بإذن الله -تبارك وتعالى، ليس لأحد في هذا مزية، هذا من الرُّقى الشرعية النبوية التي جاءت عن المعصوم ﷺ، فهذا واحد من هذه العلاجات السهلة التي ما تحتاج إلى مواعيد كثيرة، ولا إلى كرتوزون، ولا إلى مراهم، ولا إلى مضادات حيوية، ولا إلى غير ذلك مما يجرب على الإنسان، وله آثار أخرى مضرة.

اللهم رب الناس أذهب البأس
ثم ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان يعود بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا[3]متفق عليه.

شفاء لا يغادر سقمًا، يعني: لا يبقى بعده شيء من العلة، أو لربما يبقى شيء من آثارها، وما يتولد عنها، فيمسح الإنسان على موضع الألم، أو المرض.

اللهم رب الناس مُذهب الباس

وهكذا أيضًا:

حديث أنس أنه قال لثابت -يعني البناني -رحمه الله: ألا أرقيك برقية رسول الله ﷺ؟ قال: بلى، قال: اللهم رب الناس مُذهب الباس، اشفِ أنت الشافي، لا شفي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقمًا[1]رواه البخاري.

مُذهِب الباس، لاحظ هناك: اللهم رب الناس أذْهِب الباس، فسواء قلت هذا أو هذا، فتضع اليد اليمنى، وتمسح، وتقول مثل هذا.

والرُّقى تكون بالقرآن، وتكون بالأذكار الواردة عن النبي ﷺ، وبالأدعية كذلك، ولها شروط معروفة على كل حال، لكن لا يحتاج الإنسان أن يذهب إلى هؤلاء الذين تفرغوا للرقية، واحتشد الناس عندهم بالعشرات، أو المئات، كأن لهم مزية على غيرهم، بل اعتقد بعض الناس فيهم، ولربما كان أكثر من يرتاد تلك المحال هم من النساء، ويحصل بسبب ذلك من الفتنة، وضعف القلوب ما لا يخفى، فمثل هذا أمر غير محمود، فالإنسان يرقي من حوله، ويرقي نفسه، ويرقي أهله، لكن أن يتفرغ الإنسان، ويجلس للرقية، ويفتح عيادة، فهذا أمر غير جيد، أن يتخذ ذلك تكسبًا، وتجارة، ولربما اجترأ عليه كل بطال ممن لا يحسن أحيانًا الفاتحة، وقد شوهد هذا، واطلعت على أشياء منها، أطلعني عليها بعض الإخوان من أهل الحسبة والهيئة، فقد سمعت بعضهم يقرأ، لأنهم سجلوا قراءته، وصوروه، أو صُوِّر وأُعطي لهم، فهو يقرأ لا يحسن الفاتحة، يقرؤها كما يقرأ الأعرابي في الصحراء الذي لم يتعلم حرفًا، والنساء عنده، فإلى الله المشتكى، إلى الله المشتكى، هذا غير بعض المزاولات التي لا حاجة لذكرها مما قد يستغفل به بعض الناس، نحن لا نعمم الحكم، لكن نقول: التفرغ لهذا، والجلوس أمر غير محمود، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب رقية النبيﷺ، رقم: (5742).

مواد ذات صلة