الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
بعض ما جاء عن السلف في باب حث السلطان والقاضي على اتخاذ وزير صالح (2-4)
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو القعدة / ١٤٣٠
التحميل: 1511
مرات الإستماع: 2029

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما جاء عن السلف في باب "حث السلطان والقاضي، وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير الصالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم":

ما ذكره الذهبي -رحمه الله- قال: لما مرض سليمان بن عبد الملك بدابق، قال لرجاء بن حيوة -ورجاء بن حيوة من العلماء العاملين في زمن التابعين- قال له: من لهذا الأمر؟ يعني: من يصلح للخلافة؟ قال: ابنك غائب، قال: فالآخر؟ قال: صغير، قال: فمن ترى؟ قال: عمر بن عبد العزيز، قال: أتخوف إخوتي، قال: ولِّ عمر، ثم من بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتابًا وتختمه، وتدعوهم إلى بيعة من فيه، قال: لقد رأيت، وكتب العهد وجمع الشُّرط، وقال: من أبى البيعة فاقتلوه، وفعل ذلك وتمّ، ثم توفي بعد ذلك[1].

وكان هذا خبر عمر بن عبد العزيز كيف وُلِّي، بإشارة من رجاء بن حيوة.

ولما قدم عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى المدينة أميرًا عليها قبل خلافته صلى الظهر، ودعا بعشرة من خيار أهل المدينة من علمائها، وهم: عروة، وعبيد الله، وسليمان بن يسار، والقاسم، وسالم، وخارجة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن سليمان بن خيثمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا بأمركم، أو بأمر من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدى، أو بلغكم عن عامل -أي: موظف، أو من له ولاية- ظُلامة فأُحرِّج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني، فجزوه خيرًا، وافترقوا[2].

وبهذا صار عمر بن عبد العزيز لمّا قرب الأخيار، والعلماء والصلحاء، وأهل الفضل، صارت هذه مرتبته، وصارت له هذه المحبة في قلوب الأمة، والترضي عليه، وعُدّ خامس الخلفاء الراشدين.

يقول سفيان بن عيينة: حدثني من شهد دابق، وكان مجتمع غزو الناس، فمات سليمان بن عبد الملك بها، وكان رجاء بن حيوة هو صاحب أمره ومشورته، هو المستشار الخاص، فخرج رجاء بن حيوة إلى الناس، وأعلمهم بموته، وصعد المنبر، فقال: إن أمير المؤمنين كتب كتابًا، وعهد عهدًا وأعلمهم بموته، أفسامعون أنتم ومطيعون؟.

قالوا: نعم، فقال هشام: نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبد الملك، يعني: من إخوة سليمان بن عبد الملك، أو من أولاده، فجذبه الناس حتى سقط إلى الأرض، وقالوا: سمعنا وأطعنا، فقال رجاء: قم يا عمر، وهو على المنبر، فقال عمر: والله إن هذا لأمرٌ ما سألته الله قط[3].

وكتب الحسن -رحمه الله- رسالة إلى عمر بن عبد العزيز يذكره فيها وينصحه، وأجابه عمر بن عبد العزيز بقوله: اكتب لي في المشورة، فإن أبا قلابة قال: كان جبريل ينزل بالوحي فما منعه ذلك أنْ أمره الله بالمشورة[4].

يعني: النبي ﷺ يأتيه الوحي ومع ذلك الله قال له: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].

وكان يزيد بن عبدالله بن قسيط ثقة فقيهًا، يستعان به في الأعمال لأمانته وفقهه[5]، يعني: كان يُختار أهل الأمانة والفقه، والديانة، والقوة، والعلم.

وأدرك عمرو بن قيس الكندي سبعين صحابيًّا، فولاه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إمرة الغزو[6]، صار أميرًا على الغزو، على الجيش.

وكان الفقهاء بالمدينة يأتون عمر بن عبد العزيز، سوى سعيد بن المسيب، فإن عمر بن عبد العزيز كان يرضى أن يكون بينهما رسول[7]، يعني: لمكانة سعيد بن المسيب يرسل إليه من يسأله.

وولّى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أبا الزناد من علماء التابعين، من حملة السنة وحفاظها، ولاه بيت مال الكوفة[8].

ومن المواقف التي قد تستطرف في هذا ما قاله بعضهم من أن حفص بن غياث وُلِّي القضاء من غير مشورة أبي يوسف في الكوفة، أبو يوسف عالم كبير، ويُرجع إليه، ويستشار في مثل هذه القضايا، من يصلح للقضاء، من يصلح لكذا.

فوُلي هذا القاضي الذي هو حفص بن غياث من غير استشارة لأبي يوسف، وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة فقيه، وأبو يوسف كأنه وجد في نفسه، وأراد أن يعرف هل هذا الرجل أهل للقضاء أو لا.

فأرسل رجلين، وقال: تتبعا قضاياه، الأشياء التي حكم فيها راجعوها، يقول: فتتبعنا قضاياه، فلما نظر فيها، قال: هذا من قضاء ابن أبي ليلي، وابن أبي ليلى أيضًا من علماء التابعين، ثم قال: تتبعوا الشروط والسجلات، ففعلنا فلما نظر فيها قال: حفص ونظراؤه.. حفص بن غياث هذا الذي وُلي على القضاء من غير استشارة من أبي يوسف، ماذا قال أبو يوسف لما رأى الأمور على أحسن حال؟، قال: حفص ونظراؤه يعانون بقيام الليل[9].

يعني: أن الله يسددهم ويعينهم بقيام الليل، ما وجد أي استدراك، ولا مأخذ، ولا خلل، لا في القضاء، ولا من النواحي الفنية فيما يكتب أيضًا في السجلات.

وكان الأمير عيسى بن موسى لا يقطع أمرًا دون ابن شُبرمة[10]، وابن شبرمة أيضًا من الفقهاء.

قال عبّاد بن كثير لسفيان الثوري، قلتُ لأبي جعفر، يعني: المنصور، ومن الذي يستطيع أن يكلم المنصور؟ هذا عباد بن كثير يتحدث مع سفيان الثوري، يقول: قلت لأبي جعفر: أتؤمن بالله؟ قال: نعم، قلت: حدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من بني أمية؛ لأنه لما جاء بنو العباس صادروا أموال بني أمية، وتتبعوا من كان حيًّا منهم وقتلوهم، ونبشوا قبور الأموات، إلا عمر بن عبد العزيز، لشدة بغضهم وكراهيتهم لهم، فهذا موضوع من الموضوعات التي يصعب طرقها لاسيما مع رجل مثل أبي جعفر المنصور، فهو الذي وطَّد ملك بني العباس، يقول: قلت له: حدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من بني أمية، فلئن صارت إليك ظلمًا وغصبًا فما رددتموها إلى أهلها الذين ظُلموا.

يقول: أنتم أخذتموها باعتبار أنها مظالم وأموال للناس أخذها خلفاء بني أمية، يقول: أنتم أخذتموها الآن، وما رددتموها لأهلها، للمظلومين، إذن أنتم وهم سواء.

يقول: ولئن كانت لبني أمية، يعني: أنها أموال لهم ليست لمظلومين، لأناس آخرين، فيقول: لقد أخذتم ما لا يحل لكم، إذا دُعيت غدًا بنو أمية بالعدل جاءوا بعمر بن عبد العزيز، وإذا دعيتم أنتم لم تجيئوا بأحد.

كلام يمكن بسببه أن يطير رأسه قبل أن ينهي بعضه، فكن أنت ذاك الأحد، فقد مضت من خلافتك ست عشرة سنة، فقال أبو جعفر: ما أجد أعوانًا، فقلت: عونك عليّ بلا مرزئة، يعني: بلا كلفة ولا مشقة عليك، ولا مطالب صعبة، ولا منة، يقول له: أنت تعلم أن أبا أيوب المورياني، يعني: هذا رجل ممن يعملون مع أبي جعفر المنصور، تسند إليه الأعمال، يقول: يريد منك كل عامٍ بيت مال، من أجل أن يحقق لك بعض المطالب، وبعض الأمور، وبعض المصالح، يطلب مبالغ وميزانيات هائلة، يقول: أنا أجيئك بمن يعمل بغير رزق، بغير أجرة، مجانًا، حسبة لله، ما يحتاج المطالب التي يطلبها المورياني، آتيك بالأوزاعي، هذا إمام أهل الشام، وبالثوري، إمام أهل العراق، وأنا أبلّغك عن العامة.

فقال: حتى أستكمل بناء بغداد، وأوجِّه خلفك، أرسل لك بعد ذلك، إن شاء الله، لما أخلص بغداد، سفيان الآن يسمع الحديث الذي دار بينهم، يحدثه عباد بن كثير، وسفيان كان أبعد ما يكون عنهم، فسفيان يقول له: لماذا ذكرتني له؟ أتيت بسيرتي عنده، وتقول له: آتيك به؟

قال: والله ما أردت إلا النصح، قال سفيان: ويل لمن دخل عليهم، إذا لم يكن كبيرَ العقل، كثيرَ الفهم، كيف يكون فتنة عليهم، وعلى الأمة![11].

يعني: إذا ما كان بهذه الصفة، بهذه المثابة.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. سير أعلام النبلاء (5/ 113).
  2. المصدر السابق (5/ 118).
  3. المصدر السابق (5/ 123).
  4. المصدر السابق (5/ 133).
  5. المصدر السابق (5/ 266).
  6. المصدر السابق (5/ 323).
  7. المصدر السابق (5/ 448).
  8. المصدر السابق.
  9. المصدر السابق (6/ 313).
  10. المصدر السابق (6/ 348).
  11. المصدر السابق (7/ 88).

مواد ذات صلة