الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «إن المقسطين عند الله على منابر من نور..»
تاريخ النشر: ٢٦ / شوّال / ١٤٣٠
التحميل: 1724
مرات الإستماع: 10022

إن المقسطين عند الله على منابر من نور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "الوالي العادل" أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا[1]، رواه مسلم.

إن المقسطين، أي: العادلين، عند الله على منابر من نور رفعاً لمكانتهم، وتشريفاً لهم، وتنويهاً، ثم وصفهم قال: الذين يعدلون في حكمهم وهذا يدخل فيه الحكم بين الخصوم، كالقاضي، وكذلك يدخل فيه الحكم بمعنى سياسة الناس، وتدبير شئونهم، كما هو الحال في أصحاب الولايات، ويدخل فيه أيضاً الحكم فيما يطلب فيه العدل والقسط.

والله يقول:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء:135]، فإذا تكلم الإنسان يتكلم بعدل، والله يقول: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

يعني: لا تحملك العداوة لأحد على ألا تعدل معه.

وأمر بإقامة الشهادة على الوجه المطلوب، بصرف النظر عن حال المشهود له، أو حال المشهود عليه، فقال:إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]، فالغني قد يشهد معه الناس لغناه، وقد يشهدون ضده أي للفقير، يقولون: هذا غني، الضرر الواقع عليه يسير، وهذا مسكين ضعيف، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135]، فالعدل مطلوب.

وقال تعالى: وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [هود:85]، يعني: لا تبخسوهم حقوقهم، وهذا يدخل فيه الحقوق الحسية، ويدخل فيه الحقوق المعنوية، كثير من الناس إذا غضب قال أسوأ ما عنده، وإذا رضي قال أحسن ما يعلم، وهذا خطأ، وكثير من الناس إذا أحب بالغ في المدح ورفع الإنسان فوق منزلته، وإذا أبغض حط من قدره، وجعله بمنزلة الشيطان الرجيم، فهذا خطأ، ولذلك ترى المبالغات أحياناً يقال لطالب علم: علَّامة، وأحياناً يكون الرجل من أهل العلم، ونحو ذلك فيُنفى عنه جميعاً، يقال: هذا لا يفقه في دين الله شيئاً، والسبب هو قلة الإنصاف والعدل.  

الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم إن كان له زوجات يعدل بين الزوجات، ويعدل بين الأولاد، فلا يجوز أن يفضل أحداً منهم على الآخر على سبيل المحاباة، في الهبات والعطايا، وإنما يعدل، إنما يحصل التفاوت بينهم بين الزوجات والأولاد في باب النفقات التي تكون من قبيل دفع الحاجات، فهذه كلٌّ بحسب حاجته، هذه الزوجة لها متطلبات أكثر من الأخرى، فيها أمراض وتعالج، مصاريف عالية جدًّا لربما بسبب هذا العلاج، ولربما تكون حاجاتها من المصروفات لدفع حاجة أكثر من غيرها، إما لأنه يأتيها ضيوف كثير، أو نحو ذلك، والأخرى لا يأتيها أحد، لوحدها.

الأولاد هذا في الجامعة له متطلباته، وذاك لم يدخل الابتدائية، فكم يحتاج هذا من النفقة؟ وكم يحتاج هذا من النفقة؟

فهذا لا يطلب فيه العدل، وإنما باب النفقة لدفع الحاجة، وباب الهبة والعطية هذا الذي يجب فيه المساواة والعدل بين الأولاد، على خلاف بين أهل العلم، هل يساوي بين الأولاد والبنات أو يكون للذكر مثل حظ الأنثيين؟.

والكلام ليس في هذا بخصوصه، وإنما الكلام في مسألة العدل، أن الإنسان مطالب بالعدل بين زوجاته، بين أولاده.

وهكذا المعلم بين تلامذته يجب عليه أن يعدل، كما أن القاضي أيضاً يجب عليه العدل بكل صوره وأشكاله، يعني: العلماء تكلموا على القاضي، في آداب القاضي تجدون في أواخر كتب الفقه، يقولون: وأن يعدل بين الخصوم في لحظه ولفظه، في لحظه ولفظه بمعنى أنه إذا جلس بين الخصوم ما ينظر إلى واحد أكثر من الثاني، أو حينما يوجه إليهم الخطاب ما ينظر إلى أحدهم ويترك الآخر.

يعدل في اللحظ: بمعنى أنه ينظر لهذا بالقدر الذي ينظر فيه لهذا، يوزع النظر، وفي لفظه كذلك: أيضاً بمعنى أنه ما يقول: يا أبا فلان لأحدهما، والثاني: أنت ما تقول؟، وإذا التفت لهذا قال: يا أبا فلان، ما تقول أنت؟

هذا يا أبو فلان، وهذا أنت، هذا ليس من العدل، وكذلك أيضاً في المجلس، ما يأتي بأحد الخصوم ويضعه في الكرسي القريب منه، تعال هنا، تعال هنا، والثاني على كرسي آخر بعيد عنه، لا، يجلسون في مكان معتدل متساوٍ، يتساوون في الارتفاع، وفي كل شيء. 

قال: وما وَلُوا ما كان لهم من ولاية، أيًّا كانت هذه الولاية، ولاية على الخدم، ولاية على تلاميذ، المعلم يجب عليه أن يعدل بين الطلاب، كثير من المعلمين يغفل عن هذا، ثلاثة طلاب أو نحو هذا أمامه، يتحدث معهم ويضاحكهم، وعنده هؤلاء في كفة، وبقية الطلاب في كفة أخرى، وكل الكلام موجه لهؤلاء، ونظره موجه لهؤلاء، والباقي لا ينظر إليهم بطرفة عين، هذا غلط، وهكذا في كلامه، وتعليمه، واهتمامه، وحينما يوزع الأسئلة عليهم إذا سأل من يجيب؟، ما يجيب دائماً إلا هذا وهذا، والباقي لا يلتفت إليهم، هذا ما يصلح، يجب أن يعدل بين هؤلاء الطلاب، ما يحابي هذا على حساب هذا، الجميع في ميزان واحد، هذا يحذف عنه الغياب، وهذا ما يحذف عنه الغياب، هذا يتجاوز عنه لأنه لم يحضر الاختبار، ويعيد له الاختبار، وذاك ما يعيد له الاختبار، ما يجوز، يجب عليه أن يعدل بين هؤلاء، والطلاب يشعرون، ولو كانوا في الروضة، وهو صغير طفل يعرف الأستاذ الذي يعدل، والذي لا يعدل، ويتكلم بهذا هذا الصغير، ولا يحب الأستاذ الذي يحابي أحدًا من الطلاب على حساب الآخرين، بل لربما فسر ذلك بتفسيرات بعيدة لا تخطر على بال أستاذه، أحياناً تجد الصغير يقول كلامًا يقول: هو يحب فلانًا ربما لشكله. 

فأقول: العدل مطلوب مع الجميع، سواء في  أحكامنا على الناس، أو على القضايا، أو على المؤلفات، أو على الخصوم، أو غير ذلك، كل ذلك مما يطلب فيه العدل، فإن المقسطين على منابر من نور، فلا تفهم أن القضية تختص بالخلفاء والملوك، وتقول: أنا لست من أصحاب هذه الرئاسات والولايات.

أنت تدخل في هذا إذا قمت بما يجب فيمن استرعاك الله إياهم، مَن تحت يدك، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم (3/ 1458)، رقم: (1827).

مواد ذات صلة