الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «المسلم إذا سئل في القبر..»
تاريخ النشر: ١٧ / ذو القعدة / ١٤٢٨
التحميل: 1374
مرات الإستماع: 3311

المسلم إذا سُئل في القبر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أوره المصنف -رحمه الله- في باب "الرجاء" ما جاء:

عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: المسلم إذا سُئل في القبر: يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم: 27][1]متفق عليه.

وجه إيراد هذا الحديث في باب الرجاء هو: أن النبي ﷺ ذكر ما يَطمئن به المسلم، وهو المسلم حقًّا الذي يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله من قلبه، أي: أنه ليس بمنافق، فمثل هذا يحصل له التثبيت في القبر، فإذا سأله الملكان، وهو موقف مفزع؛ لأنه يأتي ملكان غليظان، شديدان، شديدا الانتهار، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فالمسلم يثبته الله ، فإن مثل هذا الثبات لا يحصل للإنسان بالدربة، وتكرار هذه الألفاظ على لسانه، ولا يحصل له أيضاً بقوة قلبه، وشجاعته، وما عنده من رباطة الجأش، فإن كل ذلك يتطاير، ويتلاشى، وإنما لا يبقى عند الإنسان إلا ما يكون بتثبيت الله -تبارك وتعالى- له، فالمسلم يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

فالنبي ﷺ يقول: فذلك قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27]، والإنسان قد يضطرب، ويرتبك أمام مخلوق، قد يرتبك إذا جاء ليكلمه، أو أجريت له مقابلة، أو نحو ذلك، فكيف بهذا الموقف الشديد العصيب؟!، يعني: حتى من كان حافظًا، بل حتى من كان محققًا للإيمان، لو أنه وُكل إلى نفسه فإنه لا يستطيع أن يثبت في ذلك المقام الرهيب، لكنه بحاجة إلى تثبيت الله له، وأن يربط على قلبه، وأن يلهمه الجواب الذي يكون به خلاصه؛ لأن هذا يترتب عليه ما بعده، فإذا أجاب بمثل هذا الجواب، فإنه يقال له: نم نومة العروس، فينام نومة ينعم فيها غاية النعيم، ويرى مقعده من الجنة، وتتطلع نفسه لدخولها، ويقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة[2]، لِمَا يرى من رحمات الله ، وألوان النعيم المقيم، بخلاف الإنسان الآخر الذي أخفق في الجواب، فلا تسأل عن حاله، وعن تعاسته، -نسأل الله العافية، وهذا هو الإخفاق الذي ليس بعده إخفاق، قد يخفق في مقابلة، وقد يخفق في اختبار، وقد يخفق في غير ذلك من الأمور، ولكنه قد يستدرك، وقد يحصِّل ما هو أحسن وأنفع له من هذا الذي فاته.

ثم ما هي الدنيا؟ الدنيا هي: ظل زائل، فلو كانت تعاسته فيها بالغةً غايتها، فإنه يصير بعد ذلك إن كان من أهل الإيمان إلى نعيم مقيم، ينسى معه كل عناء لقيه في هذه الحياة.

وقوله ﷺ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] يحتمل أن يكون المراد بذلك: أن ذلك مما يحصل به التثبيت في الدنيا، كما قاله بعض السلف، أن التثبيت في الدنيا هو التثبيت عند سؤال الملكين في القبر، قالوا: إنه لم يصل إلى الآخرة، وإنما المقصود بالآخرة هي ما يكون بعد النفخ في الصور، ومن أهل العلم من يقول: القبر أول منازل الآخرة، فهذا هو المراد بقوله تعالى: وَفِي الْآخِرَةِ، وأن النبي ﷺ عنى به هذا الجزء، وأما في الدنيا فيثبته الله على الإيمان، وسلوك الصراط المستقيم في هذه الحياة، وكذلك أيضاً عند الموت، فإنه يختم له بالسعادة، يختم له بالإيمان، والنبي ﷺ أخبرنا أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها[3]، وهكذا، فيحتاج العبد إلى تثبيت في هذه الحياة على العمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]، رقم: (4699)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، رقم: (2871).
  2. أخرجه أحمد، رقم: (18534)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (1/ 344)، رقم: (1676).
  3. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [الصافات:171]، رقم: (7454)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم: (2643).

مواد ذات صلة