الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
حديث «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان..»
تاريخ النشر: ٢٦ / جمادى الآخرة / ١٤٢٨
التحميل: 1764
مرات الإستماع: 4436

ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وماذا يقول له إذا أعلمه أورد المصنف -رحمه الله- الحديث الأول وهو:

حديث أنس عن النبي ﷺ قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار[1].
أي: أن ثلاثاً من الأوصاف والخلال إذا تحققت ووجدت واجتمعت في الإنسان فإنه يجد حلاوة الإيمان، والإيمان كما ذكرنا في بعض المناسبات له لذة، وله حلاوة، وله طعم، كما جاء معبراً بذلك عنه في بعض الأحاديث، ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد ﷺ نبيًّا[2].

فمثل هذه الأحاديث التي ورد فيها مثل هذه الأوصاف في أي باب من الأبواب أنه إذا وجدت هذه الأوصاف حصل كذا، ينبغي على المؤمن أن يتتبعها، وأن يحرص عليها من أن أجل أن يحصل له أثرها، فالنبي ﷺ ذكر جملة من الأوصاف يكون من نتيجتها أن لا يوجد في قلب المسلم غل، وذكر بعض الأوصاف التي إذا حصلت في المجتمع حصلت المحبة، وصارت ذائعة شائعة بين الأفراد، وذكر بعض الأوصاف التي يجد فيها الإنسان لذة الإيمان أو طعم الإيمان، وهنا ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، ولا داعي لحمل ذلك على ألوان المجازات والمعاني البعيدة، وإنما الإيمان له لذة وله طعم وله حلاوة يجدها الإنسان حينما تشرق نفسه، ويقبل على الله ، ويكون عمله خالصاً لله -تبارك وتعالى، هذه الحلاوة تتحقق بهذه الأوصاف، ما هذه الأمور الثلاثة؟

قال: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، يعني: أنه لا يكون في قلبه أحد يحبه أكثر من محبته لله ولرسوله ﷺ، ومن ذلك النفس، فإن نفس الإنسان هي أغلى شيء عليه.

ولما قال عمر للنبي ﷺ: إنك أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال له النبي ﷺ: لا يا عمر، ثم قال: إنك أحب إليّ من نفسي، فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر[3].

والنبي ﷺ يقول: لا يؤمن أحدكم أي: الإيمان الكامل، والمقصود به الكمال الواجب هنا؛ لأن نفي الإيمان في مثل هذا المقام يدل على أنه قد نقص من إيمانه الواجب، وليس معنى ذلك أن الإيمان قد انمحى، أو أنه صار منخرماً بحيث لا يجزئ، لا، الإيمان في أصله صحيح وينجي، ولكنه نقص منه قدر واجب، ويعذب الإنسان عليه، إلا إنْ غفر الله له، أو كانت له حسنات ماحية أو شفاعة أو نحو ذلك من موانع العقوبة.

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين[4]، فجمع أنواع المحبة، وهنا أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، من النفس، ومن الزوجة، ومن الوالد، ومن الوالدة، ومن الصديق وغير ذلك، قال: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي: لا يحبه من أجل دنيا كما هو حال كثير من الناس، المحبة بينهم من أجل مشاكلة الطبع، أو أن ذلك من أجل مصالح في الدنيا، فيقبل بعضهم على بعض بسبب ذلك، فإذا انتفت أو تعطلت تلك المصالح فإنه لا يعرفه، يدير ظهره، ولا عهد له به.

قال: وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار، هذا الوصف إذا وجد في الإنسان فإنه يدل على أنه قد عرف قدر الإيمان، والنعمة التي حباه الله بها حيث هداه، فأعظم نعمة ينعم الله بها على الإنسان على الإطلاق هي نعمة الهداية، أن هداه الله -تبارك وتعالى؛ لأنها هي الولادة الحقيقية التي تحصل بها السعادة في الدنيا والسعادة في الآخرة، فمن عرف ذلك بحق فإنه يكره أن يعود إلى الكفر والشرك كما يكره أن يلقى في النار، ومن ثَمّ فإنه لا يمكن أن يفرط بدينه، ولا أن يبيع دينه بعرض من الدنيا، ومهما جاءه ومهما حصل له من ألوان الإغراء أو الترهيب فإن ذلك يكون دون الإلقاء في النار، فهو يكره العود إلى الكفر والشرك، فهو ثابت على دينه وعقيدته وإيمانه وما أشبه ذلك.

وهنا ملحظ ينبغي التنبيه عليه، وهو أن النبي ﷺ قال: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وكثير من الناس يلتبس عليهم هذا المعنى، لا يحبه إلا لله، وتختلط عليه المحبة في الله ولله مع نوع آخر من المحبة، نوع مضر وليس لله ولا في الله، وإنما هي محبة منحرفة، محبة سيئة، محبة معتلة مختلة، ما هذه المحبة المختلة؟ هذه المحبة المختلة هي ما يسمى بالمحبة العاطفية أو المحبة المرَضِية، وكيف نفرق بينها وبين المحبة في الله لأن الكثير يقول لك: أنا أحبه في الله، هذه محبة في الله؟، يقال: هناك فرق بين هذا وبين المحبة في الله.

تميز الحب في الله عن غيره

ما هي أهم الفروقات بين الحب في الله، والحب العاطفي كما يقال؟

الفرق أن الحب في الله يزيد أولاً بالطاعة، زيادة الطاعة، وينقص بنقصها، إذا قوي إيمان الإنسان المحبوب وزادت طاعاته زادت المحبة، وإذا نقص من إيمانه وطاعته لله نقصت، أما هذا النوع من المحبة المنحرفة فلا شأن له بالطاعة، هو لا يتأثر بزيادة الطاعة، ولا ينقص بنقصها، فهو تعلق إما بالصورة والشكل، أو بأي أمر من الأمور التي ينجذب إليها.

الفرق الثاني: أن المحبة في الله يحصل معها الانشراح وقوة القلب، وازدياد الإيمان، وأما المحبة المنحرفة فيحصل معها الألم في القلب، وضعفه وتلاشيه، فينعصر القلب بسبب هذه المحبة المرضية، فيجد كأن قلبه منقبض دائماً.

الفرق الثالث: أن المحِب في الله يحبه كما يحب الآخرين بحسب إيمانهم وتقواهم، وليس يضيره أن هذا الإنسان يذهب هنا أو يسافر، أو ينتقل أو يجلس أو يكوّن علاقات مع زملائه، أو مع من كان، أما هذه المحبة المنحرفة فلا، هو يريد أن يختص به من بين سائر الناس، ما يعرف أحدًا، ما تتقوى علاقته بأحد، ما يُعجَب بأحد، ما يثني على أحد، يغار عليه غيرة منحرفة، غيرة مرضية، كما يغار على امرأته، فهو لا يريد أن يعجب بالآخرين؛ لئلا يأخذوه، إذا كان يتحدث معه فهو في غاية الأنس والراحة، ولكنه إذا فارقه فهو لا يفكر إلا به، جالس مع الناس ولكن عقله مع هذا المحبوب، المحبة في الله لا تكون بهذه الطريقة إطلاقاً، هذا عشق.

وأيضا المحبة في الله يكون فيها هذا الإنسان علاقته علاقة بالتواصل والتواصي على البر والتقوى ونحو ذلك، أما هذه المحبة المنحرفة فلا، نجوى دائمة، ويريد أن يختص به هو بأي شيء، يتحدث معه من بين الآخرين، ويحاول دائماً أن يتحدث سرًّا بينه وبينه، يحاول أن يلتقي به وحده، يحاول أن يكون بينهم أمور خاصة، بل يتمنى ويحب بكل وسيلة أن هذا الإنسان يكتشف أنه وجد أي علاقة ولو جيران أبي جد أخي أمه، جيران أبي جد أخي خالته، المهم أنه هناك علاقة ولو من بعيد، كما قال الشاعر في محبوبته عندما لم يجد شيئًا من قرابة ولو من بعيد، قال:

أليس الليلُ يجمع أمَّ عمرٍو وإيّانا فذاك بنا تدانِي
وتَرى الهلالَ كما أراه ويعلوها النهارُ كما علانِي

هو لم يجد قرابةً ولو من بعيد، أو شيئًا يجمع بينهم، أو أهله وأجداده كانوا جيرانهم قبل مائة ألف سنة، ما وجد شيئاً، قال: هي ترى الهلال مثلما أراه، هذا فيه جامع مشترك، والليل عندها هو الليل عندي، يريد لها أن تُنقل واحدة في اليابان وواحدة في المغرب حتى لا يجمعهم  الليل، ولا ترى الهلال كما يراه، ولا يعلوها النهار كما علاه.

فهو لم يجد شيئاً يربط بينه وبين محبوبه أو جامعًا مشتركًا إلا رؤية الهلال، مسكين معذب، وهذا الاشتراك بالليل أو الاشتراك بالنهار هذا الجامع المشترك.

فهذه محبة مرضية، أما الإنسان الذي يحب الآخر لله وفي الله فإنه لا يبالي لهذه الأمور، ولا يلتفت إليها، ولا يفكر فيها، وهذه المحبة المنحرفة خطيرة جداً، هي عشق، ولا تختص بسن معين، ويظن كثير من الناس أنها في سن المراهقة فقط، لا، وهذا يسمونه في مدارس البنات بالإعجاب، وهو يوجد عند الفتيات وعند الرجال، ولكنه يكون عند النساء أكثر لضعف قلوبهن، ويوجد عند ضعفاء القلوب من الرجال، إذا ضعف قلب الرجل -صار ضعيفاً- وجد عنده مثل هذه الأمراض، وعشعشت فيه، وغلبت عليه، حتى إنه لا يكون فيه حيلة أحياناً، أي أنك حيثما ألقيته بحث عمن يشاكله ويتعلق به لضعف قلبه، فهذا سببه ضعف القلب، وفراغه من الإقبال على الله ومحبة الله -تبارك وتعالى- وما أشبه ذلك.

فمثل هذه الأشياء تحتاج إلى معالجة القلب، ولا تختص بسن معين، هذه توجد في الابتدائي، توجد في المتوسط، في الثانوي، في الجامعة، ما بعد الجامعة، إلى سن الأربعين والخمسين وكذا، وقد ذكرتْ إحدى النساء أن لها علاقات مع امرأة في سنها وقد جاوزن الخمسين، تقول: نحن الآن تبيّن لنا بعد سنين طويلة من العلاقة بما لا مجال للشك فيه أن علاقتنا علاقة عاطفية، تعلق عاطفي، ماذا نصنع؟ تذهب كل واحدة في طريق ولا نلتقي، أو يبقى تواصل خفيف، أو نبقى نحاول أن نعدل هذه العلاقة ونستمر، ماذا نفعل؟.

جاوزن الخمسين! فهذا لضعف القلب، ولا يتصل بسن معين فقط، هو عشق، هل العشق يقتصر على سن المراهقة؟ أبداً، أبداً، فالله المستعان.

ولذلك تجد من أصيب بهذا المرض -وإن كان يظن أنها علاقة في الله ومحبة في الله- لا يستخسر شيئاً على هذا المحبوب، تجده أحياناً مفلسًا مدقعًا ليس عنده شيء، ولو يحتال على الآخرين من أجل تحصيل أموالهم، أمه مريضة، أبوه مهمل لها لا يعالجها، يذهب إلى أصحابه يقول هذا الكلام وهو كذب في كذب، فكم تحتاج؟ أحتاج أربعة آلاف وسأعالجها، طيب تفضل أربعة آلاف، يذهب ويبحث عن ساعتين جميلتين مثل بعضهما، ويقدمها هدية رخيصة، يقول: تفضل هذه هدية لك، ويغلفها ويعطيها إياه، من أجل ماذا؟ قرابين، ومن أجل أن تكون عليه ساعة مثل ساعته، أليس الليل يجمع أم عمرو؟.

الآن تصير: أليست الساعة تجمع أم عمرو؟، أو يعطيه، يذهب يشتري أحسن أنواع الشمغ مثلاً "أبو بصمة"، أو كذا، يشتري اثنين حتى يلبسوا مثل بعض أمام الناس، خاتم مثل بعض، المهم أنه يصير يشاكله، بحيث يصير الاثنان طقمًا، فهو يريد أكبر قدر من الجامع المشترك، طبعاً يحب شكله، يحب الطيب الذي يستعمله، يحب الثياب التي يلبسها، كل شيء عليه فهو حسن، ولو كان قبيحاً لكنه يجمله.

فنسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، وأن يكون الله ورسوله ﷺ أحب إلينا من كل شيء، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجميعن.

 

مواد ذات صلة