الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
ترجمة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
تاريخ النشر: ٢٣ / ربيع الآخر / ١٤٢٧
التحميل: 1972
مرات الإستماع: 4770

ترجمة عبدالله بن الزبير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا هو الحديث الأخير في باب أداء الأمانة، وهو حديث أبي خبيب عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما، يكنى بأبي خبيب، وهي كنيته المشهورة، وله كنيتان أخريان: يكنى بأبي بكر، على جده لأمه؛ لأن أمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها، ويقال: إن النبي ﷺ هو الذي كناه بذلك، ويكنى أيضاً بأبي بُكير، وهو أول من ولد من المهاجرين في المدينة؛ لأن المسلمين حينما هاجروا إلى المدينة زعمت اليهود أنهم سحروهم فلا يولد لهم، فوُلد بعد أكثر من سنة من مهاجرهم، ففرح به المسلمون فرحاً شديداً، وكبروا يوم مولده؛ لأنه تبين بذلك كذب اليهود، وجيء به إلى النبي ﷺ وحنّكه، بمعنى أن النبي ﷺ مضغ تمرةً، ثم دلك بها حنكه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق النبي ﷺ، وأبوه هو الزبير بن العوام بن خويلد، وجده لأبيه وهو العوام بن خويلد هو أخ لخديجة -رضي الله تعالى عنها، فهي خديجة بنت خويلد الأسدية القرشية، وجدته الأخرى هي صفية، عمة النبي ﷺ، وأخبار عبد الله بن الزبير كثيرة جداً، وطويلة.

فقد كان من عبّاد الصحابة منذ نشأته، حتى إنه كما ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أن أطول ما بلغهم في الوصال ما جاء عن عبد الله بن الزبير ، وصال الصوم بمعنى أنه لا يفطر في الليل، والمسألة فيها خلاف معروف، هل يجوز للإنسان أن يواصل؟ وهل يرخص بالوصال إلى السحر أو لا؟ فمن الصحابة من رأوا أن نهي النبي ﷺ كان للإرفاق بهم، فكان عبد الله بن الزبير يواصل خمسة عشر يوماً، لا يأكل فيها ولا يشرب، لا ليلاً ولا نهاراً، ولما سئل كيف تصبر على هذا؟ قال: أشرب الوَدَك، وفي السنة الثانية لما توفي يزيد بن معاوية بويع له بالخلافة في اليمن، وخراسان، ومكة، والمدينة، ومصر، وبقيت الشام، وكاد أهل الشام أن يبايعوه، ولكن الله أراد أمراً آخر، وجاء إلى أخيه مصعب بن الزبير وهو من أجمل الناس وجهاً، زوج عائشة بنت طلحة وهي من أجمل نساء العالمين، حتى إن عبد الملك بن مروان سأل من أشجع الناس؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: لا، أشجع الناس مصعب بن الزبير، خرج إلى الصف للقتال، وترك أجمل نساء العالمين، وعائشة بنت طلحة -رضي الله عنها- من خيار نساء التابعين، لا ما يذكره صاحب كتاب الأغاني -أعني أبا الفرج الأصفهاني، ولا صاحب العقد الفريد، وأمثال هؤلاء ممن لا يعتد بهم، ويأتي للأسف من ينقل هذا الكلام الذي يُذكر في بعض هذه الكتب عن عائشة بنت طلحة ويذيعه في صحيفة من غير تثبت ولا تحقق، وهي أكاذيب ملفقة، يريد أن يصل إلى نتيجة أن تغطية الوجه لم تكن معروفة، وأن الرجال كانوا يدخلون على النساء من غير حرج.

فالحاصل أن مصعب بن الزبير جاءه من قتل الزبير؛ لأن الزبير قُتل بعد يوم الجمل، قتل في وادي السباع، وهو المكان المعروف، الناحية المعروفة اليوم في جنوب العراق، وقتل غيلة، جاءه رجل يقال له: ابن جرموز من تميم، فالحاصل أن الرجل الذي قتل الزبير بن العوام أكلته الندامة، فجاء فسلم نفسه لمصعب بن الزبير ليقتصوا منه، فكتب إلى أخيه عبد الله بن الزبير حينما كان خليفة على مكة ، كتب إليه يسأله عن ذلك، فقال: لا يقاد بالزبير، أي أن الزبير أعظم وأجل من أن نقبل به القود من هذا، دعه حتى يتآكل من الندم ويموت حسرة ويلقى جزاءه عند الله -تبارك وتعالى.

فالحاصل أن أيام ابن الزبير يسميها كثير من العلماء: فتنة ابن الزبير؛ لأنه لم يستتب له الأمر بالخلافة، ونزل الحجاج مكة وحاصره في أول ليلة من ذي الحجة، ووضع المنجنيق على جبل أبي قبيس، وجبل أبي قبيس معروف، وهو الجبل الذي يقابل الكعبة من ناحية الصفا، وضُربت الكعبة وتخرقت، وكان ابن الزبير يخرج وهو صائم، وتفرق عنه أصحابه، ولم يبق معه إلا القليل، فكان يخرج وحده مع الكتيبة، حتى يبلغ بهم الحجون المعروف اليوم، ويفل الكتيبة، كان شديد البأس قويًّا شجاعاً، اشتهر بالشجاعة ، وكان يقوم الليل على الصيام وعلى القتال وعلى الحصار، -والذي حج بالناس في تلك السنة الحجاج بن يوسف، وكان عندما يصلي بالليل يقوم كأنه غصن، وحجارة المنجنيق تمر من جانب أذنيه، وتصب نحوه، وهو ثابت لا يتحرك، وكانوا يقولون: نخشى أن يصيبك حجر، فكان يقول: ما قدر الله سيكون، والحذر لا ينجي من القدر، فوقع حجر على سارية من سواري المسجد فأصابه في وجهه أو في رأسه ، فلما وجد حرارة الدم على قدميه قال:

فلسنا على الأعقابِ تَدْمَى كُلُومُنا ولكنْ على أقدامنا يَقطُرُ الدَّما

أي: أن الجبان يضرب من الخلف فارًّا منهزمًا، فالدم يسيل على العقِب -مؤخر الرِّجل، ثم سقط فتسابقوا إليه، وحزوا رأسه وذهبوا إلى الحجاج، وبشروه، فسجد -قبحه الله- شكراً لله ، وكبر عسكر الحجاج، فقال ابن عمر وكان بمكة، قال: الذين كبروا يوم ولادته خير من الذين كبروا يوم مقتله ، ثم صلب وبقي مصلوباً حتى مر به ابن عمر ودعا له، وقال: رحمك الله أبا خبيب لقد كنت صواماً قواماً، ثم مر على أمه أسماء، وقال لها: اصبري، وإن هذه الأجساد لا يضرها ما يقع عليها بعد الموت، أي: أن الصلب والتمثيل لا يضره ولا يؤثر بعد أن مات، فذكرت أنها صابرة، وقالت: كيف لا أصبر ورأس يحيى بن زكريا قدم لبغي من بغايا بني إسرائيل؟!، فمن باب أولى أن تصبر على مثل هذا، وهكذا يبتلى أهل الفضل والصلاح، أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[1].

فالحاصل أنه قتل، وذلك في السابع عشر من شهر جمادى الأولى، سنة اثنتين وسبعين ، وهو أحد العبادلة الأربعة، إذا قيل: العبادلة فهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وبعض أهل العلم جعل بدلاً من عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود ، لكن المشهور عند أهل العلم أنه ليس منهم، وذلك أن هؤلاء الأربعة كانوا من شباب الصحابة، وطالت مدة بقائهم بعد النبي ﷺ، ابن مسعود توفي قبل ذلك بكثير، وهؤلاء بقوا وانتفع الناس بهم كثيراً، واستفاضت علومهم، واحتاج الناس إليهم، فإذا قيل: العبادلة فهؤلاء هم العبادلة، يقال: هذا قول العبادلة، وهذا اتفق عليه العبادلة، أفتى به العبادلة، يعنون هؤلاء، هذا طرف من أخبار عبد الله بن الزبير، والحديث طويل، أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الطبراني، (4/ 25)، رقم: (629)، وصححه الألباني في السلسلة، رقم: (1562).

مواد ذات صلة