الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(219) دعاء من خاف ظلم السلطان من قوله " اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم " إلى قوله " ولا إله إلا أنت "
تاريخ النشر: ١٨ / ذو الحجة / ١٤٣٥
التحميل: 1448
مرات الإستماع: 1822

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

هذا باب (دعاء مَن خاف ظُلم السُّلطان)، وذكر فيه حديثين:

الأول: ما جاء عن ابن مسعودٍ قال: إذا كان على أحدكم إمامٌ يخاف تغطرسه أو ظُلمه، فليقل: اللهم ربّ السَّماوات السَّبع، وربّ العرش العظيم، كن لي جارًا من فلان ابن فلان وأحزابه من خلائقك؛ أن يفرط عليَّ أحدٌ منهم، أو يطغى، عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله إلا أنت.

هذا الحديث أو الأثر أخرجه الطَّبراني[1] مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" موقوفًا[2] من كلام ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه-.

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- حسَّن إسناده[3]، والشيخ ناصر الدين الألباني صحح الموقوف[4].

ويبقى النَّظر: هل مثل هذا يُقال من جهة الرأي، أو يُقال: بأنَّ له حكم الرفع إلى النبي ﷺ؟ لأنَّه ذكرٌ خاصٌّ، ويُقال بحالٍ خاصَّةٍ.

ومثل هذا قد يُقال: إنَّه مما لا يُقال من جهة الرأي، ولكن القطع في هذا لا يخلو من إشكالٍ -والله تعالى أعلم.

قوله: إذا كان على أحدكم إمامٌ يخاف تغطرسه أو ظُلمه التَّغطرس والغطرسة بمعنى: التَّكبر والتَّعالي والظُّلم، وتغطرس الرجل: تطاول على غيره، أو تطاول على أقرانه من عجبٍ، أي: بسبب العُجب، أو الكِبْر.

يقول: فليقل: اللهم ربّ السَّماوات السَّبع، وربّ العرش العظيم وهذه الجُمَل مضى الكلامُ عليها في مناسباتٍ سابقةٍ.

كن لي جارًا من فلان ابن فلان تقول: استجرتُ فلانًا فأجارني. ومن ذلك قول الله -تبارك وتعالى-: وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون:88]، يعني: كن لي مُعينًا ومانِعًا وحافظًا ومُؤمِّنًا مما أخاف.

أن يفرط يعني: أن يتعدَّى عليَّ بما أكره، ويُجاوز الحدَّ.

عليَّ أحدٌ منهم يعني: من خلقك، أو يطغى من الطُّغيان، و(أو) هذه يحتمل أنها للتَّنويع، يعني: كما قال موسى وهارون -عليهما الصَّلاة والسَّلام-: إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى [طه:45]، يفرط بمعنى: يعتدي، ويطغى: يُجاوز الحدَّ، ومَن حصل منه التَّعدي فقد جاوز الحدَّ؛ ولذلك فإنَّ المعنى مُتقارب.

عزَّ جارك يعني: غلب مَن استجار بك، فصار عزيزًا، فكل مَن التجأ إليك عزَّ لديك، فالجار من الجوار، أو أجرتُه: صار في جواري، يعني: أنَّك تحميه وتدفع عنه المكروه والأذى.

وجلَّ ثناؤك يعني: عظم، وهذه الجملة تحتمل أن يكون ذلك من قبيل الإضافة إلى الفاعل، أو الإضافة إلى المفعول، فـجلَّ ثناؤك عظم ثناؤك، يعني: جلَّ ثناؤك على نفسك، أو جلَّ ثناؤك يعني: مَن يُثني عليك فإنَّه لا يُحصي ذلك الثَّناء، وهنا مصدر مُضاف، يحتمل أن يكون مُضافًا إلى الفاعل، جلَّ ثناؤك على نفسك، أو على مَن أثنيتَ عليه من خلقك.

ويحتمل أن يكون هذا من قبيل الإضافة إلى الفاعل: جلَّ ثناؤك، فالكاف هنا تكون في محل رفع فاعل، يعني: ما يُثني الله به على نفسه، أو على أحدٍ من خلقه، فهذا الثَّناء عظيم.

ويحتمل أن يكون من قبيل الإضافة إلى المفعول، فتكون الكافُ في محل نصب مفعول به: جلَّ ثناؤك يعني: ما يُثني به عليك خلقُك فإنَّهم لا يحصون ذلك: أنت كما أثنيتَ على نفسك[5]، كما قال النبي ﷺ.

ولا إله إلا أنت هذا تأكيدٌ للتوحيد، كما قلنا بأنَّ هذه الأذكار تدور في جُملتها على تقرير التوحيد، والتوسل بالتوحيد على تحصيل المطلوب، لا إله غيرك يُرْجَى لكشف الضُّر، ولا إله غيرك يُعْبَد، ولا إله غيرك يُرْجَى لإجابة الدُّعاء: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]، فهنا قال: لا إله إلا أنت، وفي بعض الألفاظ: لا إله غيرك[6].

هذا ما يتعلّق بهذا الحديث، وبقي في الباب حديثٌ آخر لا يتَّسع هذا المجلس للكلام عليه؛ لما فيه من الطُّول.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه.

 

  1. "المعجم الكبير" للطبراني، برقم (9674).
  2. "الأدب المفرد"، برقم (707)، وصححه الألباني.
  3. "نتائج الأفكار" لابن حجر (4/107).
  4. "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (5/399).
  5. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (486)، عن عائشة رضي الله عنها.
  6. "مصنف ابن أبي شيبة"، برقم (29176).

مواد ذات صلة