الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب فضل السواك، وخصال الفطرة، السواك يقال للفعل، يعني الاستياك، التسوك، يقال له: سواك، ويقال للآلة التي يستاك بها، ويطلق بعرف الاستعمال كثيرًا على العود المعروف، يقال: هذا سواك، ويجمع على سوك، وسؤك، ومساويك، كل هذا يقال فيه، وهو معروف، لا يخفى.

قال: باب السواك، وخصال الفطرة، هذا من عطف العام على الخاص؛ لأن الاستياك هو من جملة خصال الفطرة -كما سيأتي إن شاء الله- وخصال الفطرة، يعني بالفطرة المراد بها، وإن اختلفت فيها عبارات أهل العلم، ولكنها في مثل هذا المقام تدل على تلك الأوصاف والأمور، أو الأفعال التي هي من جملة سنن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- التي توافقوا عليها وأقروها؛ لأنها موافقة لما جبل الله الناس عليه من الأمور التي هي من جملة التحسينيات التي يكون بها كمال المروءات، ورفعة المقامات، وحمل الناس على ما يجمل ويحسن في ظاهرهم وحالهم ومزاولاتهم، هذا يقرب المراد بسنن الفطرة، وسيأتي ذكر هذه الخصال التي هي من جملة سنن الفطرة.

وحينما نقول: بأن ذلك يعني الأمور التحسينية التي جاءت بها الشريعة، لا يعني أن سنن الفطرة أنها من قبيل الأشياء المستحبة؛ لأن سنن الفطرة تتفاوت، منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، كما يقال في جملة الأمور التحسينية، يعني مثلاً: إعفاء اللحية، هذا من جملة الأمور التحسينية، ولكنه من الواجبات، المرأة حينما تلبس الحجاب هذا من التحسينيات، ولكنه واجب، وهكذا حينما يقال: الطهارة وغسل النجاسات والتنزه عن الأمور المدنسة، هذا من جملة التحسينيات، ولكنه من قبيل الواجبات، وهكذا حينما يقال مثلاً: الولي في النكاح، فإنه يلي تزويج موليته، فإن هذا من جملة التحسينيات، ولكنه واجب؛ لأن النبي ﷺ يقول: أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل[1] ولكن الشريعة راعت أمرًا يجمل، ويحسن مراعاته، وهو أن يحفظ لهذه البنت كرامتها وحياؤها وماء وجهها، فبدلاً من أن تقوم هي تتولى عقد النكاح مع الرجل؛ لأن النكاح بين طرفين: الزوج والزوجة، هما طرفا العقد، فبدلاً من أن تلي ذلك، كأنها تعقد على بضعها، الشارع حفظ على كرامتها وماء وجهها، فصار يلي ذلك وليها، وهي في خدرها بعيدة، فهذا من جملة الأمور التحسينية، وهكذا السواك، وخصال الفطرة.

وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس؛ لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة[2] متفق عليه.

لولا أن أشق على أمتي هذا يدل على كمال رأفته، ورحمته ﷺ بالأمة، كما أنه يدل أيضًا على أن النبي ﷺ قد يجتهد، لكن الوحي يقره ويصوبه، أو يرد ذلك لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس هذه الأمة يحتمل أن يكون المراد بها أمة الدعوة، باعتبار أنه قال: الناس، فأمة النبي ﷺ نوعان: أمة الدعوة، وهم كل من أدرك النبي ﷺ إلى قيام الساعة، المؤمن والكافر، هؤلاء من أمة الدعوة، يعني أنهم مخاطبون بدعوته ﷺ كما قال: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار[3].

وكذلك أيضًا النوع الثاني، وهو أمة الإجابة، وهم الذين استجابوا وأسلموا وآمنوا به ﷺ لكن أولئك أعني غير المؤمنين هل هم مخاطبون بفروع الشريعة، حتى يقال: إن المراد هنا أمة الدعوة، كما يقوله بعض أهل العلم؛ لقوله: أو على الناس؟ لأهل العلم في هذا كلام كثير، والأقرب -والله تعالى أعلم- أن مراده بذلك: أمة الإجابة.

قال: لأمرتهم بالسواك لماذا نقول: إنها أمة الإجابة؟ باعتبار أن غير المؤمنين، أن هؤلاء لا يطالبون بفروع الشريعة، وإنما يضاعف عليهم العذاب بسبب كفرهم، وما حصل منهم من مخالفات في الأمور الفرعية مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۝ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۝ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ فذكروا جملة من الأمور التي أوجبت لهم دخول النار.

على كل حال قال: لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أمرتهم بالسواك مع كل صلاة، وفي راوية: عند كل وضوء[4] أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- بمعنى أنه يستاك عند الوضوء، وإن اختلف أهل العلم، هل يبدأ بالسواك قبل الوضوء، أو يستاك إذا بلغ موضعه، وهو المضمضة، إذا تمضمض استاك، وهذا هو المحل الطبيعي له، أو يستاك بعد الوضوء؟

على كل حال الأمر في ذلك يسير، ولم يرد عن الشارع في ذلك تحديد، فقوله مع كل وضوء، أو عند كل وضوء يحتمل هذا وهذا، فمن استاك بين يدي الوضوء؛ فقد حقق المطلوب، ومن استاك بعد المضمضة؛ فقد حقق المطلوب، ولكن أدنى ذلك أن يستاك بعده، ولا شك أن الأبلغ في التنظيف والتطهير أن يكون ذلك معه، أو قبله؛ لأنه إن استاك بعد الوضوء؛ فإنه لا يزال يتحلل في فمه، مما يزيله السواك من بقايا طعام، أو نحو ذلك، مما يعلق بالأسنان، فهذا يحتاج إلى مضمضة بعده، فكماله يكون قبله أو في أثنائه.

إذا استاك عند الوضوء هذا واضح، وعند الصلاة يقال: إن كان بينهما مدة، بين الوضوء وبين الصلاة مدة، موضعه عند الوضوء واضح، أن القضية الطهارة، فهو يتنظف ويتطهر، لكن عند الصلاة، فيقال: إن كان بينهما مدة، يعني استاك نصف العصر، ثم جاء يصلي المغرب، بين الوضوء، وبين الصلاة ساعة، فالفم يتغير، فهو بحاجة إلى الاستياك، هذا واضح، لكن لو أنه توضأ، ثم بعد ذلك، وقف ليصلي، هل نقول أيضًا إنه يستاك؟

النبي ﷺ هنا قال: مع كل صلاة فهل القضية تعبدية، يعني لا يراد بها التطهير، والتنظيف؟ الذي يظهر أنها ليست كذلك، فيكون مع كل صلاة أن ذلك مبالغة في التنظيف والتطهير والتهيؤ لهذه الصلاة، بل قد ذكر بعض أهل العلم له فوائد أخرى كثيرة جدًا، قالوا: يقوي القلب، يقصدون الثقة بالنفس، وكذلك أيضًا قالوا: يقطع البلغم، بحيث إنه إذا قرأ في الصلاة؛ تكون قراءته مسترسلة، غير مشوشة، وما إلى هذا من المعاني، غير الفوائد الصحية الأخرى، مثل أنه يشد اللثة، لكن أن يكون بطريقة صحيحة، يكون بهذه الطريقة، يعني الأطباء يقولون: بأنه يستاك بهذه الطريقة، من أعلى إلى أسفل، يعني إذا أخذ يبدأ من اليمين، فيكون بهذه الطريقة، هذا كلام الأطباء، والسواك مثلها؛ لأنه إذا فعل؛ ذهب به، وجاء من أعلى إلى أسفل؛ فإنه أولاً يفتح اللثة، ثم يجتمع ما كان على الأسنان، يدخل؛ لأنه يوجد فجوة بين اللثة، وبين الأسنان لو تأملت، فتجتمع هذه الأشياء تحت اللثة، وتسبب له مشاكل والتهابات.

والسواك حتى الفرشاة لا يقصد به فقط الأسنان، إنما اللثة أيضًا، ومن أجل أن ينزل ما تحتها، كذلك اللسان، ولهذا الذين يتكلمون عن أدواء اللسان، ويتكلمون عن الروائح التي تصدر من الفم، إلى آخره، منها ما يرجع إلى اللسان، ويذكرون لهذا علامات، تغير لون اللسان، يميل إلى البياض مثلاً، فالنبي ﷺ كان يستاك يعني في لسانه -عليه الصلاة والسلام- حتى إنه كان يقول: أع أع [5] لأنه يدخل السواك إلى آخر اللسان، فيتهوع؛ لأن الإنسان إذا فعل ذلك يشعر؛ كأنه يريد أن يستفرغ، فينظف لسانه، وينظف اللثة، مع أن الفقهاء يقولون: بأنه يستاك عرضًا، أين عرض الفم؟

يعني بهذه الطريقة، فهذه وإن ذكرها الفقهاء -رحمهم الله- إلا أن مثل ذلك يرجع فيه إلى الأطباء، والآن الطب تطور، وصار عندهم من الآلات التي يعرفون بها كثير من الأشياء؛ لأنه إن قال هكذا فهو لا ينظف التنظيف المطلوب؛ لأن ما يخرج يجتمع بين الأسنان، والأضراس بهذه الطريقة، لكنه بهذه الطريقة يبدأ باليمين، وهل يستاك بيمينه، أو بشماله؟

خلاف معروف بين أهل العلم، فمن نظر إلى أنها عبادة؛ قال باليمين، ومن نظر إلى أنه من باب التنظيف؛ قالوا: إن التنزه يكون باليد الشمال، فيستاك، وبعضهم: فصل، قال: إن كان استياكه للتنظيف؛ فإنه يكون بالشمال، وإن كان لتطبيق السنة، يعني استاك الآن عند الوضوء، ثم وقف ليصلي مباشرة، يريد أن يستاك للصلاة، قالوا: هذا امتثالًا لأمر النبي ﷺ فيستاك باليمين، أما عند الوضوء فبالشمال يعني، أو إذا كان لمدة قد طالت؛ فتغير الفم، يعني إن كان للتنظيف؛ قالوا بالشمال، وإن كان فقط للامتثال، وفمه قد طهر، واستاك عما قريب؛ فيكون الاستياك الجديد باليمين، والأمر في ذلك يسير، والمسألة لا يترتب عليها كبير أثر، ولم يرد عن النبي ﷺ في ذلك شيء يفصل الخلاف، والله تعالى أعلم.

هذا السواك الأفضل أن يكون بعود الأراك؛ فهو أبلغ في التنظيف، وهو أنواع، فما كان أجود؛ فإنه أولى، ويوجد فيه من الخصائص ما لا يوجد في المعاجين، وما يتخذ الآن لتنظيف الأسنان، وإن كان قد لا يبلغ في بعض الأحوال ما يبلغه بعض الآلات الحديثة، يعني مثلاً الذي بين الأضراس داخل قد لا يذهب بالسواك، فهذا يحتاج إلى خيط لتنظيف الأسنان، فهذا كله داخل في هذه العملية.

لكن لو أن أحدا نظف بالفرشاة؛ هل نقول: استاك هو بهذا؟، الفقهاء تكلموا على الخرقة الخشناء، ذكروا الأصبع الخشن، وتكلموا على عود الزيتون، أغصان الزيتون، وتكلموا على أنواع من الأعواد، والمنظفات، والأشنان، وما إلى ذلك، هذا موجود في كلام أهل العلم، ولكن الأبلغ أن يكون في عود الأراك، ويستعين معه -ما يمنع- بمنظمات أخرى من معجون، وخيط الأسنان فذلك أبلغ في التنظيف، ولكنه لا يترك السواك، والأصبع لربما يكون أثره ضعيفًا، والله تعالى أعلم.

لعل هذا يكفي هذه الليلة، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في الولي، برقم (2083)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3131).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم (887) ومسلم كتاب الطهارة، باب السواك، برقم (252).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، برقم (153).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، برقم (1933).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك، برقم (244).

مواد ذات صلة