الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «إن العبد إذا نصح لسيده..» إلى «ثلاثة لهم أجران..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه"، وذكر المصنف -رحمه الله- حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله ﷺ قال: إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين[1]، متفق عليه.

إن العبد يعني المملوك، إذا نصح لسيده، معنى نصح لسيده أي أنه عمل له بنصح، يعني بإخلاص وصدق وتفانى في طلب ذلك هذا المقصود، وليس المراد نصح السيد أن يقدم له نصيحة.

فقوله ﷺ: إذا نصح سيده، كقوله ﷺ: ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم، وذكر النصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم[2].

وهنا قال: وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين، هذا الأجر المضاعف من أهل العلم من يقول: إنه متعلق بهذين الأمرين أداء حق السيد وأداء حق الله -تبارك وتعالى- أدى هذا وهذا، وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم.

ومنهم كالحافظ ابن حجر[3] -رحمه الله- من يقول: "إن ذلك لمشقة الرق فكان له أجره مرتين فهو يعمل بطاعة الله وهو أيضًا مشغول في خدمة سيده؛ لأنه لا يملك أمر نفسه"، مملوك لا يتصرف من عند نفسه وليس أميرًا عليها فمشقة الرق ملازمة له، وكأن -والله تعالى أعلم- ظاهر الأحاديث تدل على الأول.

ثم ذكر حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: للعبد المملوك المصلح أجران، والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي؛ لأحببت أن أموت وأنا مملوك[4]، متفق عليه.

فقوله ﷺ هنا: للعبد المملوك المصلح أجران، المصلح هذا مفسر لقوله ﷺ قبله إذا نصح لسيده مصلح بمعنى أنه غير مضيع فالخادم والمملوك أحيانًا يكون مفرطًا مضيعًا، إذا استرعي الغنم ضيع صغارها ولم يقم عليها كما ينبغي، فأتلفها، وجوعها، وإن عهد إليه زرع أهمله وغفل عنه حتى فسد وتغير، وهكذا إذا عهد إليه مال فإنه لم يعمل فيه كما ينبغي فضاع، وضيع وخسر، فهنا قال: للعبد المملوك المصلح، فدل ذلك على أن هذا الأجر لا يصدق على من كان مفرطًا مضيعًا مهملاً: "والذي نفس أبي هريرة بيده"، وفي بعض رواياته: والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله[5]، ففهم منه بعض أهل العلم أن ذلك من قول النبي ﷺ، وقالوا: قد يبتلى النبي بالرق، يعني نبي من الأنبياء قد يبتلى بالرق قالوا: كما بيع يوسف والواقع أن الذي وقع ليوسف كان قبل النبوة، ولم يقع عليه رق بعد النبوة فهذا مستبعد؛ أعني: ما قالوه من أن النبي قد يبتلى بالرق، وهذا لا يعرف ولم يقع، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إنما يبعثهم الله من أهل الكمالات من قومهم، فهم أحرار وليسوا مماليك.

قال: "والذي نفس أبي هريرة"، هذه الرواية توضح المراد، وأن القائل ليس النبي ﷺ، يعني القائل لهذه الجملة الأخيرة: "لولا الجهاد..." الأول من كلام النبي ﷺ قطعًا، لكن الثاني فهذه الرواية موضحة للرواية الأخرى: "والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله"، فهذا الذي يسمونه المدرج، كلام متصل بآخر الكلام الأول للنبي ﷺ مثلاً، والثاني لغيره.

"والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي"، وهذا مما استدل به على أن ذلك من كلام أبي هريرة ؛ لأن النبي ﷺ لم يكن له أم حينها فماتت أمه وهو صغير، فكيف يقول هذا؟! فخرجه بعض من حمله على أنه من كلام النبي ﷺ بتخريج وفيه تكلف.

فهنا قال: "لولا الجهاد في سبيل الله"، وذلك أن المملوك لا يجب عليه الجهاد، ولا يستطيع أن يخرج في الجهاد ويجاهد إلا بإذن سيده، والحج كذلك لا يجب عليه، ولهذا فإن من حج من الأرقاء المماليك ثم أعتق يعني قبل الوقوف بعرفة فإنه يجب عليه حج آخر كما ثبت عن النبي ﷺ[6].

قال: "وبر أمي"؛ لأن المملوك لا يستطيع كما سبق أن ينفرد بأموره وشؤونه وحاجاته، ومن ثم فقد يفوت عليه كثير من البر؛ لأنه مشغول بخدمة سيده.

قال: "لأحببت أن أموت وأنا مملوك"، هذا من كلام أبي هريرة ولما نظر إلى فضل الرق، وأنه يؤتى الأجر مرتين، ويمكن أن يقال غير هذا، أن يقال لا أحد يتمنى أن يكون مملوكًا فيتعطل عن كثير من العبادات والواجبات، والأعمال التي تكون على الأحرار، فيكون ناقصًا في هذا كله، ولكن يمكن للإنسان أن يحصل الأجر مرتين بغير هذا في أعمال كثيرة جدًا كما سيأتي.

ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: للمملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة، أجران[7]، رواه البخاري.

لاحظ هذه أيضًا الجمل مفسر لما سبق من النصح لسيده، ومن الإصلاح المذكور في الحديث الآخر الذي يحسن عبادة ربه يعني يأتي بها على الوجه المطلوب مستوفية لأركانها وواجباته وشروطها ومستحباتها، فباب المستحبات إذا جاء به يتفاوت الناس فيه في مراتب الكمال، وإن لم يكن شرطًا فيه.

قال: ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة، أجران، كل هذه قيود حتى يستحق هذا الثواب.

ثم ذكر الحديث الأخير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ﷺ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران[8]، متفق عليه

ثلاثة لهم أجران هذا ليس للحصر إنما ذكر ثلاثة في هذا الحديث، وإذا نظر في النصوص الواردة من الكتاب والسنة وجد أكثر من هذا؛ حتى أوصلهم السيوطي -رحمه الله- في كتاب له سماه: "مطلع البدرين فيمن يؤتون أجرهم مرتين"، أوصلهم إلى ثلاثين، ثم جمعهم نظمًا في نظم نظمه، ولكن بعض الروايات التي اعتمد عليها لا تصح،  ولكن لا شك أنهم أكثر من ثلاثة، وقد جاء ذلك في القرآن في أمهات المؤمنين مثلاً قال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [الأحزاب:31].

وكذلك أيضًا جاء فيمن آمن من أهل الكتاب فالله -تبارك وتعالى- قال: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ [القصص:54]، في أهل الكتاب.

وقال في عموم المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28]، هذا في عموم أهل الإيمان، إلى غير ذلك ممن يعطون أجرهم مرتين مما صحت به النصوص عن رسول الله ﷺ إضافة إلى هذه الآيات.

فهنا قال: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد ﷺ، فيعطى على إيمانها الأول وإيمانه الآخر، وهذا إلى يوم القيامة وليس أولئك الذين بعث فيهم النبي ﷺ فحسب الذين عاصروه.

ومن أهل العلم من يقول: إن ذلك للمشقة، كما قيل في المملوك للمشقة؛ يعني: لانفراده عن أقاربه وعشيرته وأهله ونظرائه فآمن بالنبي ﷺ، ومثل المشقة هذه كذلك من آمن من المشركين مع أن ذلك لا يصدق على المشرك، وإنما هو خاص بأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومثل هذا لو يذكر لأهل الكتاب إذا أُحسنت دعوتهم عرض عليهم الإسلام بصورة صحيحة فهذا من المرغبات لهم من بين سائر طوائف الكفار.

ومن نظر في عقائد أهل الكتاب وديانتهم وما عندهم من البدع والخرافات، والمضحكات المبكيات، وجد دينًا كثر فيه الاختلاق والعبث والضلالة، والأمور التي لا يفعلها أجهل الجاهلين، بل لا تليق بمقام الإنسانية، ولا يقبلها العاقل، ولا يصدق بها من الخرافات هذا موجود عند اليهود، وموجود عند النصارى، وموجود عند الرافضة، هذه الطوائف الثلاث فدينهم ملئ بالكذب والخرافة، والأمور المختلقات، والأشياء التي لا يمكن أن يصدقها العاقل، ومع ذلك يصدقون ويقبلون ذلك، ويؤمنون به فلو أن هذه الأشياء عرفناها وللأسف أكثر المسلمين لا يعرفها حتى الذين يدعون النصارى، فلو أن الناس نظروا فيها وعرفوها -أعني الدعاة- الدعاة من المسلمين الذين يدعون النصارى وأبرزوها وأخرجوها للنصارى، وقالوا لهم: هذا دينكم تؤمنون بهذه الأشياء هل هذا يصدق به عاقل، فإن ذلك قد يكون سببًا لاضطرابهم وتبرمهم ورجوعهم عن دينهم، ودخولهم في الإسلام، لكن للأسف نحن لا نعرف إلا أن هؤلاء أقوياء، وقد أشادوا حضارة ضخمة، وأن ما يأتي منهم فهو جميل حسن، وصار المسلمون للأسف يتلقون أعيادهم، وهذه الأعياد لو تقرؤون ما فيها من الخزعبلات، وما أصل تلك الأعياد لرأيتم عجبًا عجابًا، اقرأوا اقرأوا إن شئتم لا تقرؤوا في كتب الفرق أو المذاهب أو الأديان دعوكم من هذا اقرؤوا في كتب البلدان التي كتبت في الأمصار والبلدان في تاريخ الشام أو مصر، خطط، ونحو ذلك، ستجدون عجائب وغرائب.

قال: ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، يعني: الأجر على التأديب وعلى التزوج وهذا يؤيد ما سبق، -والله تعالى أعلم-، من أن الأجر لأداء هذا وهذا لا للمشقة، -والله تعالى أعلم-، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده، برقم (2546)، ومسلم، كتاب الأيمان، باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله، برقم (1664).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب العلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، برقم (2658)، وابن ماجه، أبواب السنة، باب من بلغ علمًا، برقم (230)، وأحمد في المسند، برقم (21590)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6766).
  3. انظر: فتح الباري لابن حجر (5/176).
  4. أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده، برقم (2548)، ومسلم، كتاب الأيمان، باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله، برقم (1665).
  5. أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده، برقم (2548).
  6. أخرجه البيهقي في السنن الصغير، برقم (1479)، وفي السنن الكبرى، برقم (8613)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2729).
  7. أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي، برقم (2551).
  8. أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله، برقم (97)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، برقم (154).

مواد ذات صلة