الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «من قال حين يصبح وحين يمسي..» إلى «اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

ففي باب الذكر عند الصباح والمساء، أورد المصنف -رحمه الله- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثلما قال، أو زاد[1]، رواه مسلم.

قوله: من قال حين يصبح وحين يمسي عرفنا قبل المراد بالصباح والمساء، وأن ذلك يجزيه لو أنه قاله ما بين طلوع الفجر إلى ما قبل الزوال، وأن الأفضل في ذلك ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.

وأما في المساء: فإنه يجزيه لو قاله من بعد الزوال، وأنه كذلك يجزيه لو قال بعد الغروب، ولكن أفضل ذلك أن يقال بعد العصر.

من قال حين يصبح وحين يمسي يعني: حين يصبح يعني حين يدخل في الصباح، وحين يمسي: حين يدخل في وقت المساء.

سبحان الله وبحمده مائة مرة عرفنا معنى التسبيح من قبل، وأنه التنزيه، والتحميد كذلك.

لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثلما قال، أو زاد قوله: أو زاد يحتمل: أن يكون ذلك من قبيل الشك من الراوي، ويحتمل: أن يكون ذلك من قول النبي ﷺ، فيكون المعنى هكذا: إلا أحد قال مثلما قال، أو زاد الذي قال مثلما قال، يكون مساويًا له، والذي يزيد يكون أفضل؛ لأنه قد جاء بأفضل مما جاء به هذا.

وعلى كل حال قوله هنا: لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به ومضى أيضًا في الأذكار التي بعد الصلاة حديث أبي هريرة لما اشتكى فقراء المهاجرين، وقالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور، فالشاهد: أن النبي ﷺ علمهم التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وأنهم إن فعلوا ذلك أدركوا من سبقهم، ولم يسبقهم من بعدهم[2].

فهذا أيضًا لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، وكما ذكرنا هناك أن ذلك محمول على الإطلاق، يعني: ولا أهل الصيام والقيام والجهاد، فهذا عمل يسير، ومع ذلك يبلغ العبد به هذه المراتب العالية.

وعنه -أي عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ- فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك[3]، رواه مسلم.

قوله: "يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة" يعني: يقول: لقيت شيئًا عظيمًا، ومعاناة وألم من عقرب لدغتني البارحة.

قال: أما لو قلت حين أمسيت يعني: دخلت في المساء، فيمكن للإنسان أن يقول ذلك بعد الزوال، وكذلك إذا أصبح لو قاله؛ لأنها لدغته في المساء، فقال النبي ﷺ: أما لو قلت حين أمسيت طيب وفي الصباح؟ كذلك، إذا دخل في الصباح قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

قال: لم تضرك يحتمل: أنها لم تصبك أصلاً، ويحتمل: أن يكون المراد: أنها ولو أصابتك لم يحصل عليك ضرر، والنتيجة واحدة، وهذا أمر لا إشكال فيه.

قال: لم تضرك والنبي ﷺ خاطبه بهذا؛ لأنه لقي ما لقي من عقرب، وإلا فإن من قال: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء إذا قاله في المساء لم يضره في ذلك المساء شيء، وإذا قاله في الصباح لم يضره في ذلك الصباح شيء، إلى أن يمسي، فهذه أعمال يسيرة أعمال سهلة، ومع ذلك يحفظ الإنسان بها، وهذا الضرر محمول على الإطلاق، يعني: لم يحصل له ضرر من الناس، ولا من الشياطين، ولا من الهوام، ولا من السباع، ولا سائر المخاوف.

فالإنسان الذي إذا نزل منزلاً قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره في ذلك المنزل شيء، يستطيع أن ينام بالعراء، لا يخاف إلا الله ، لا يصيبه شيء من الهوام ولا السباع ولا شياطين الإنس، ولا شياطين الجن، ينام قرير العين، لكن يحتاج الإنسان أن يقول ذلك وهو موقن به.

وشواهد ذلك في حياة الناس كثيرة جدًا، ذكر لي أحد طلبة العلم: أنه نزل في بيت من بيوت المدينة، وبيوت المدينة قديمة إلى الآن، ويذكر أهلها أنها مليئة بالهوام والعقارب، يقول: فنمنا فإذا بشيء يمشي على رقبتي، فلما قمت فإذا هي عقرب سوداء، فقتلتها، فما ضرته، يقول: أول ما نزلنا قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

وآخر نزل مع أصحابه في برية، وقال لهم: إذا قلتم أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما يضركم شيء، لكن لا بد أن يكون بإيقان، ووضع يديه خلفه، ويأخذ من التراب، وإذا بشيء يتحرك بيده، فلما قال به بين يديه هكذا، فإذا هي عقرب، فما ضرته، يقول هذا، ويعلم أصحابه، يقول: لا بدّ أن يكون معه إيقان، وإذا هي بيده.

وصبيان صغيران خرجا في سفر، مع بعض القرابة، فأحدهما أدركته أمه، فقالت: أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، والثاني: انطلق من بين يديها، وما أدركته، فانقلبوا هذا لم يمس بشيء، والثاني توفي، فقالت أمهم: هذا عوذته بالله، وذاك انطلق قبل أن أدركه.

فالشاهد: أن ما قاله النبي ﷺ حق، وهو وحي من عند الله -تبارك وتعالى-، فالذي خلق هذه المخلوقات وما فيها، هو الذي نواصي الخلق بيده .

ثم ذكر حديثًا آخر لأبي هريرة مرفوعًا إلى النبي ﷺ أنه كان يقول إذا أصبح: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور[4]. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

قوله: اللهم بك أصبحنا كان يقوله إذا أصبح، هذا يدل على أن ذلك يداوم عليه، ويتكرر.

اللهم يعني: يا الله بك أصبحنا هذا من معاني قيوميته -تبارك وتعالى-: أنه لا قيام للخلق إلا به، فبه -تبارك وتعالى- وبإعانته وإبقائه وإرادته وحوله وقوته ندخل في الصباح، وإبقائه وإعانته وحوله وقوته ندخل في المساء، بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا هو الذي يقيمنا ويحيينا وبك نموت، وإليك النشور هذا معنى: لا حول، ولا تحول من حال إلى حال، ولا قوة إلا بالله -تبارك وتعالى- والخلق لا يكون قيامهم بأنفسهم، وإنما بإقامة الله لهم.

وإليك النشور إليك المرد والمعاد والبعث.

"وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا..." إلى آخره.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه

  1. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء برقم (2692).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة برقم (843) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته برقم (595).
  3. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره برقم (2709).
  4. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى برقم (3391) وأبو داود في أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح برقم (5068) وصححه الألباني.

مواد ذات صلة