الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
من أخبار السلف في تحريم سب المسلم حيًّا وميتًا
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما جاء عن السلف في باب تحريم سب المسلم حيًا أو ميتًا بغير حق شرعي:

ما جاء عن الزبرقان قال: كنتُ عند أبي وائل، فجعلتُ أسب الحجاج، وأذكر مساوئه، فقال: "لا تسبه، وما يدريك لعله قال: اللهم اغفر لي، فغفر له"[1].

فهذا قول هذا التابعي، شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل -رحمه الله-: "لا تسبه، وما يدريك" هذا كما سبق بأن الإنسان لا يشتغل بسب الناس، والوقيعة في أعراضهم، وإنما هو مطالب بما هو أرفع وأعظم وأجل من ذلك.

وجاء عن هشام بن عروة قال: قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فأجلسه معه على السرير، يعني سرير الملك، فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير، ومعلوم أن ابن الزبير -أعني عبد الله بن الزبير- وقع بينه وبين عبد الملك بن مروان حروب؛ وانتهى الأمر إلى قتل عبد الله بن الزبير ، حيث حوصر في مكة، واستتب الأمر لعبد الملك بن مروان، فوقعوا في عبد الله بن الزبير، فخرج عروة، وقال للآذن -يعني للذي يأذن للناس بالدخول-: إن عبد الله أخي، فإذا أردتم أن تقعوا فيه، فلا تأذنوا لي عليكم، فذكروا ذلك لعبد الملك، فقال له عبد الملك: حدثوني بما قلت، وإن أخاك لم نقتله لعداوته، ولكنه طلب أمرًا، وطلبناه، فقتلناه، يعني: الخلافة، وإن أهل الشام من أخلاقهم ألا يقتلوا رجلاً إلا شتموه، هذا عذر أقبح من ذنب، إن أهل الشام من أخلاقهم ألا يقتلوا رجلاً إلا شتموه، فإذا أذنا لأحد قبلك، فقد جاء من يشتمه، يعني: لا تدخل، وانصرف، فاعلم أنه إذا دخل أحد قبلك إنه إنما دخل وسيشتم أخاك[2].

ويقول عاصم بن أبي النجود: "ما سمعتُ أبي وائل شقيق بن سلمة -وهو الذي مضى نهيه عن سب الحجاج- سب إنسانًا قط، ولا بهيمة"[3].

وقد مضى في بعض المناسبات قول ابن السبكي: بأنه كان بالباب مع بعض أصحابه، فمر كلب، فقال له: يا كلب ابن كلب، فأبوه سمعه من داخل الدار، ونهاه، وزجره عن هذا، فقال: إنه كذلك، فقال: لكنك أردت السب[4]، يعني: حتى لهذا الحيوان، الذي يزجر.

وجاء عن المثنى بن الصباح قال: لبث وهب بن منبه أربعين سنة، لم يسب شيئًا فيه الروح[5].

فهذه أخلاق عالية، وضبط للسان، فإن الكثيرين في حال الغضب لربما لا يملك نفسه، فتحتدم النفس، فيقع منه السب، ثم قد يندم بعد ذلك، وإن لم يندم، فإنه لا يستفيد، ولا يخرج من هذا بطائل، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه

  1. سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 812).
  2. الأغاني (17/243).
  3. تهذيب الكمال في أسماء الرجال (12/552).
  4. الحاوي للفتاوي، ط دار الكتب العلمية (1/231-232).
  5. تهذيب التهذيب (11/167).

مواد ذات صلة