السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
الحديث عن آيات الباب، حديث ««مطل الغني ظلم..»
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه، مطل الغني يعني مماطلته في أداء الحق الذي عليه، وهذا أمر محرم، فالنبي ﷺ كما سيأتي، وصفه بأنه ظلم، وذلك أنه منع الحق عن أهله مع قدرته على الوفاء، أما إذا كان الطلب قبل أوان الأداء فإن ذلك ليس من المطل، ولا يكون ملومًا في هذه الحال، كما لو كان هذا الإنسان الذي عليه الحق لو كان غير واجد، بحيث كان معسرًا فإنه لا يكون ذلك من قبيل المطل؛ لأن هذا الوصف معتبر شرعًا مطل الغني ظلم[1] وهذا أمر محرم، ثم ذكر في صدر هذا الباب قوله -تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا هذه الآية لم تنزل في هذا، ويذكر في سبب نزولها ما روي من أن النبي ﷺ لما أخذ مفاتيح الكعبة عام الفتح، ثم هم أن يعطيها لعلي فأنزل الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وذلك لبني شيبة كما هو معلوم إلى اليوم، لكن هذه الرواية لا تصح[2].

ومهما يكن من أمر، يعني حتى لو كانت صحيحة فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن قوله هنا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ فأل هذه تدل على العموم، جميع الأمانات، ومن الأمانات التي تؤدى أن الإنسان يؤدي الحق الذي عليه، سواء كان ذلك قد وجب عليه بسبب قرض إلى أجل، فيؤديه إذا جاء الأجل، أو كان ذلك بسبب بيع، قد حد له حد في بذل الثمن، سواء كان ذلك مجزءًا يعني مقسطًا، أو كان ذلك نقدًا، ولكن جعل له وقت يؤدي فيه، فصار يماطل، يعني قال: أعطيك غدًا مثلاً قيمة هذه السلعة، وأمضى العقد، وافترق البيعان، ثم بعد ذلك جاءه في اليوم الثاني يتصل عليه ما يرد، جواله مغلق، يأتي إلى بيته ما يجده.

وهكذا كما لو أقرضه، أو أجره، فاتفق معه على أن يكون الإيجار مقدمًا، أو يكون كل شهر، أو يكون في نصف السنة، أو يكون في آخر العام، فإذا حل وقت الأداء، صار يماطل، فيبحث عنه صاحب الحق، ويتعب، ولربما زهد في حقه بسبب أنه يشعر أنه يبذل ماء وجهه وكرامته بسبب هذا المطل، والإذلال، والإهانة، وهذه مشكلة كبيرة، فهذا أمر محرم سواء كان في هذا، أو هذا، أو هذا.

والإنسان حينما يقترض، فذلك المقرض محسن إليه، فيقول له بعد أربعة أشهر، بعد سنة، على رأس العام، على رأس الشهر، ثم يأتيه الشهر، والشهران، والثلاثة، والعشرة، وما إلى ذلك، وهكذا إذا كان في مضاربة، أو نحو ذلك، فاتفق معه على أن يقسم الأرباح كل نهاية عام، أو بعد عامين، سواء كان ذلك في مضاربة عقارية، أو في غير هذا من أنواع المعاملات، ثم بعد ذلك جاء الوقت المحدد، والأجل المضروب، ومضى سنة، وعشر سنوات، وذاك يماطل، ولربما أخرج أضعاف هذا الثمن في هذه المدة الطويلة، يعني هذا الرجل يشغل هذا المال، وأصحاب الحقوق يماطلون، وهو يخرج أضعاف هذا عبر السنين، ثم بعد ذلك يعطيهم هذا المال الذي لهم بعدما عافت نفوسهم، أو يجزئ عليهم، فيرضون بأجزاء يسيرة يذهب معها هذا المال لا ينتفعون معه، هو يريد منه مائة ألف، فيقول: أعطيك كل شهر خمسمائة ريال بعد ما كان المفترض أنه يعطيه المبلغ كاملاً مثلاً في وقت حدده بعد عام، أو نحو ذلك، يصير يعطيه بعد عشر سنوات، يبدأ يقسط عليه على خمسمائة ريال، ما يتقي الله فيه من غير إعسار، ما هو بمعسر.

ولهذا جاء عن بعض السلف: أن كل ما يستفاد من هذا المال، يعني مما يعود عليه بأرباح، ومكاسب، وما إلى ذلك، فهو سحت، في هذه المدة الزائدة عن الأجل، الآن الأجل بعد اثنا عشر شهرًا، يستطيع أن يعطيه بعدين، بكره، الأسبوع القادم، بعد شهر، أمهلني شهرين، أمهلني إلى نهاية ذي الحجة، أمهلني إلى محرم، أمهلني أمهلني، وأكثر المرات ما يرد أصلاً، فيمضي سنوات على هذا، فيخرج مكاسبًا، وأرباحًا، ويعمل هذا، وفي مضاربات، وفي تجارات، وبيع، وشراء، وأحيانًا ربا، بعض هؤلاء يأخذ من هذا، ومن هذا من غير حاجة، ويضعها في بنوك ربوية، ويأخذ عليها الربا، وهذا موجود للأسف.

فكل ما يأخذه بعد الأجل -كما قال بعض السلف-: فهو سحت، حرام، يتكسب بأموال الناس بغير حق، فهنا إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ هذا من جملة الأمانات، حقوق الناس المالية، سواء كان قرضًا، أو غير ذلك، وقال تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ.

ثم ذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع[3] متفق عليه.

مطل الغني ظلم عرفنا معنى المطل، وهنا قوله: مطل الغني فأل هذه معرفة، فهي مفيدة للجنس، يعني جنس الغني، فهي للعموم، ومن ثم هل هذا العموم يدخل فيه الوالد، إذا أخذ الوالد من ولده على مدة معينة، أجل معلوم، قرض، أو قيمة بيع، عقار، أو شيء من هذا القبيل، سلعة، ثم جاء الأجل، وصار يماطله، الأب يماطل الولد، فهنا مطل الغني ظلم وفي رواية: أن النبي ﷺ قال: يحل عرضه، وعقوبته[4] أو كما قال ﷺ.

فهنا هل مطل الوالد لولده، الوالد هل هو داخل في هذا العموم مطل الغني حتى لو كان والدًا باعتبار أنه أحد أفراد العموم، من أهل العلم من قال بهذا، ومنهم من منعه باعتبار أن النبي ﷺ قال: أنت، ومالك لأبيك[5] فلا يدخل فيه مطل الوالد.

على كل حال قال: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع هذه جملة أخرى مستقلة، يعني هذا الإنسان يطلب من زيد من الناس عشرة آلاف، فجاء إليه، وقال له: أد إليّ حقي، فقال: اذهب إلى فلان، أحاله إلى مليء، هذا الشرط، إلى مليء واجد، وأيضًا غير مماطل، قال: اذهب إلى فلان، أنا أطالبه عشرة آلاف، قد حلت، اذهب إليه، وخذها منه، أعطاه ورقة، أو اتصل على ذاك، وقال أعطه العشرة الألف التي عندك، فهنا قال: فليتبع، هل هذا للوجوب باعتبار أن الأمر للوجوب؟

من أهل العلم من قال: نعم، يجب عليه ذلك، إذا أحيل إلى مليء، ما عليه إلا أن يؤدي إليه الحق الذي له، فإذا قال: اذهب، وخذه من فلان فقط بهذين الشرطين، لا يحيل إلى مفلس، وألا يحيله إلى إنسان مماطل، يذهب إليه، ويتردد عليه، ولربما يكون أحذق منه في المماطلة، ويقول: أنا أحرج، فيقول: لا حول عليه، فيتلاعب به، فهذا لا يجوز، ولا يحق له أن يحيله عليه، ولا يجب على ذاك أن يقبل، وإنما إذا كان هذا مليء، وأيضا غير مماطل، فإنه يجب عليه أن يقبل هذه الإحالة، أو الحوالة، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟، برقم (2287)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي، برقم (1564).
  2. انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري (1/523).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟، برقم (2287)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي، برقم (1564).
  4. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره، برقم (3628)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (2919).
  5. أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، برقم (2291)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1480).

مواد ذات صلة