الأربعاء 23 / جمادى الآخرة / 1446 - 25 / ديسمبر 2024
حديث "نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.."
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب كراهة الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب"، لأنه يجلب النوم فيفوت استماع الخطبة، ويخاف انتقاض الوضوء كراهة الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، هنا قيده بكون الإمام يخطب، في حال كون الإمام يخطب؛ لأن ذلك جاء مقيدًا في الحديث كما سيأتي، والاحتباء هو أن يجلس على إليتيه وينصب ساقيه ويضم رجليه إلى بطنه، ينصب ساقيه ويضم رجليه على بطنه، ويكون ذلك بوضع ثوب أو حزام أو نحو ذلك يشده من ظهره ويجمع رجليه إلى بطنه، وقد يكون ذلك باليدين يعني يشدهما بيديه.

وبعض أهل العلم يقولون: إن الاحتباء المنهي عنه هو ما كان بثوب؛ لأنه هو الذي يجلب المنهي عنه حال الخطبة هو الذي يجلب النوم؛ لأنه إذا كان قد جمع ضم رجليه بيديه فإنه يكون في حال من اليقظة، لأنه لو غفل لوقع على ظهره، والعلة في النهي مختلف فيها كما سيأتي هنا.

قال: لأنه يجلب النوم فيفوت استماع الخطبة، يعني يكون في حال من الاعتماد فيسترخي، ومن ثم فإنه ينام ويخاف انتقاض الوضوء بمعنى أنه إذا نام وهو في هذه الحال فإن هذه الجِلسة لا يكون متمكنًا فيها ومن ثم فهي مظنة لانتقاض الوضوء، هكذا قالوا، ولهذا فرق بعضهم في مسألة النقض بالنوم فيمن نام وهو جالس مثلاً قبل الصلاة، أو قبل صلاة الجمعة، أو نحو ذلك، بعض الفقهاء يفرق يقول: إن جلس متمكنًا كالمتربع فإن وضوءه لا ينتقض من نوم وهو جالس، وإن كان محتبيًا أو نحو ذلك فإن وضوءه ينتقض.

فهنا قال: مجلبة للنوم، مظنة للنوم، ثم لعله إذا نام ينتقض وضوءه فيفوت عليه أمران:

الأمر الأول: وهو الاستماع للخطبة فهو ينام، وهو مأمور بالإنصات.

الأمر الثاني: الطهارة، فينتقض وضوءه، ومن أهل العلم من يعلل بغير هذا في مسألة النهي عن الاحتباء يوم الجمعة.

بعضهم يقول: إن النهي من أجل الاشتغال، يعني نهى كما سيأتي حديث معاذ بن أنس الجهني ، أن النبي ﷺ: "نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب"[1]، رواه أبو داود والترمذي، وقالا: "حديث حسن".

فالحبوة هي التي ذكرت آنفًا يضم رجليه إلى بطنه ثم يشدهما بثوب، "نهى عن الحبوة" بعض العلماء يقول: إن المنهي عنه أن تتم هذه العملية وهي الحبوة الاحتباء والإمام يخطب ففيه اشتغال عن الخطبة، ليس هذا الاحتباء هو بمعنى أن يقول هكذا برجليه فقط ويضمهما بيديه؛ لأن هذا ليس فيه اشتغال، إنما المقصود ما كان بثوب فإنه يحتاج إلى شد هذا الثوب، أو الحزام، ثم بعد ذلك يحتاج إلى ربط وإحكام، فهذا فيه اشتغال والنبي ﷺ يقول: من مس الحصى فقد لغا[2].

فبعض أهل العلم يقول: النهي بسبب الاشتغال، لكن لو احتبى قبل الخطبة فإنه لا إشكال فيه عند هؤلاء، أما على قول النووي فإن الإشكال قائم، ولو كان قبل الخطبة؛ لما يكون في سبب ذلك من النوم، ومن ثم أيضًا الانتقاض للوضوء.

وبعض أهل العلم يقول: إن العلة في النهي هي أن ذلك يعني سواء كان باليد أو بثوب مظنة لانكشاف العورة، فقد كان الناس في ذلك الوقت يلبسون الأزر غالبًا، ولا يكون تحته السراويل نادرًا ما كانوا يلبسون السراويل، فإذا احتبى فإن ذلك يكون مظنة لانكشاف عورته، وهذه التعليلات جميعًا محتملة، يحتمل أن يكون هذا أو هذا أو هذا، لكن بعضها لو اعتبر فإن ذلك قد يحمل على الاحتباء بالثوب، أو يحمل على الاحتباء أثناء الخطبة، يعني أن يقوم بعملية الاحتباء أثناء الخطبة، لو قيل: إن السبب هو الاشتغال، فإذا كانت العلة هنا غير موضحة في الحديث فهذه علل تسمى مستنبطة، وهي ظنية، يعني يحتمل أن تكون هذه العلة، أو هذه، أو هذه، فالله أعلم ومن ثم فماذا يقال في مثل هذه الحالة؟

يقال: كل ذلك يحتمل، ومن ثم فلا يحتبي يوم الجمعة، يحتاط لنفسه سواء قلنا ذلك لكونه مظنة لانكشاف العورة فهذا قد ينتفي بلباس الناس اليوم، أو قلنا: بأنه مظنة للنوم فيفوته الإنصات والاستماع، لكن هل هذا يتأتى بالاحتباء الذي يكون باليدين؟

الجواب: لا، فإذا قلنا: بأن ذلك مظنة لانتقاض الوضوء الذي يحصل بسبب النوم، هو لن ينام إذا احتبى بيديه، إذا قلنا: إن العلة بذلك هي الانشغال أثناء الخطبة إذا كان باليدين، هذا ليس فيه اشتغال كما لو تحرك في مجلسه فهذا الذي يظهر منه، -والله تعالى أعلم- أن الاحتباء باليد أنه غير داخل في النهي، ولو كان أثناء الخطبة، إنما هو الاحتباء الذي يكون بثوب أو حزام، أو نحو ذلك، فمثل هذا يقال: لا يحتب لا قبل الخطبة فتأتي الخطبة، وهو محتب، ولا أثناء الخطبة؛ لكونه مظنة للنوم، أو لكونه مظنة لانتقاض الوضوء إذا حصل النوم، يعني علة تترتب عليها علة أخرى، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، تفريع أبواب الجمعة، باب الاحتباء والإمام يخطب، برقم (1110)، والترمذي، أبواب الجمعة، باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب، برقم (514)، وأحمد في المسند، برقم (15630)، وقال محققوه: "إسناده حسن من أجل أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون: وهو المعافري، وسهل بن معاذ، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه، فقد أخرج له البخاري في "الأدب المفرد"، وأصحاب السنن ما عدا النسائي"، والحاكم في المستدرك، برقم (1069)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1017)، وفي صحيح الجامع، برقم (6876).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم (857).

مواد ذات صلة