الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
حديث «لا تباشر المرأة المرأة فتصفها..» إلى «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل؛ إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه".

"النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل" هذه المحاسن سواء كانت من المحاسن المعنوية، والأوصاف الخلقية، فإن ذلك تنجذب إليه النفوس، ويحصل بسبب ذلك من المفسدة المتوقعة التي قصد الشارع مجانبتها، كما يحصل من وصف المحاسن الجسدية، وهي النوع الثاني.

فإذا كان الرجل أو المرأة يصف أو تصف المرأة امرأة لرجل أجنبي بذكر محاسنها من لطف كلامها، وحسن عبارتها، وتوقد ذكائها، ودماثة أخلاقها، وما شابه ذلك، مما يحصل به الافتتان بها، والانجذاب إليها لغير الغرض الشرعي المعتبر، كالتزوج منها، فإن هذا يكون منهيًا عنه.

ومعلوم أن الأوصاف المعنوية من الأخلاق، والكمالات النفسية، وما إلى ذلك، أنها تأسر الكُمَّل من الناس أعظم من أسر الأوصاف الجسمانية، وقد يقع لا سيما للنساء من الافتتان بما يسمعن من ثناء على بعض الرجال في أخلاقهم، فتنة لا تقوم لها الجبال.

وقد سمعتُ من بعض النساء: أنها تقوم الليل، وتصوم النهار، وتتهجد وتصلي، وتدعو الله أن يخرج من قلبها رجلاً سمعت به، ولم تره، ولم تعرف عنه، غير ما سمعت من أهلها من الأوصاف الطيبة الكاملة، التي يتفق عليها الأب والإخوان، فيذكرونها هكذا على سبيل الغفلة، في مجلس قد حضرت فيه هذه البنت، فتفتن بهذا الشاب، ثم بعد ذلك لا ترى في الدنيا سوى هذا الشاب، وهي ما رأته قط، ويسيطر ذلك على تفكيرها، ويشغل قلبها.

بل وجد من النساء من تلازم الصيام، وتواصل الصوم من أجل أن تخرج هذا من قلبها، تقول: ولم أستطع بمجرد سماع الأوصاف؛ ولهذا لا يحسن أن تذكر أوصاف الرجال في الجمال أو في الكمال عند النساء، وإن كان الحديث في ذكر محاسن المرأة؛ لأنه أخطر من جهة أعراض الناس، وما يتعلق بالفتنة بنسائهم، فإن الناس يغارون على أعراضهم، كما هو معلوم، ولا يقبلون بحال من الأحوال أن توصف بناتهم، أو نساؤهم للرجال الأجانب، فإذا كان ذلك لغرض شرعي، فلا إشكال فيه، والغرض الشرعي مثل الزواج، يريد أن يتزوج منها.

ولكن هذا أيضًا ينبغي أن يضبط، فأحيانًا يحصل خطأ، وهو أن رجلاً يوصي آخر أن يسأل امرأته عن فلانة التي تعرفها، أو معها في المدرسة، أو معها في التحفيظ، أو غير ذلك، ثم بعد ذلك تذكر أوصافها لزوجها، أو لأخيها، الذي يكون واسطة إلى ذلك الرجل، فهذا يحصل به المحظور، فهذا الوسيط لا شأن له بها، فلماذا يسمع هذه الأوصاف؟

والصحيح في مثل هذا أن يكون ذلك لمؤتمن بالكتابة في ورقة، تكون في ظرف مغلق، لا يراه الوسيط، ولا يطلع على ما فيه، فيذكر من الأوصاف ما يرغبه في نكاحها، ويكتفى بهذا، دون توسع.

أما ذكر الأخلاق والكمالات، وما إلى ذلك، فيمكن هذا يكون لغرض شرعي غير النكاح، مثل كون الإنسان يريد أن تكون معلمة لأولاده، أو مربية لأولاده، أو أنها تعمل معلمة في مدرسته، أو في جهة يشرف عليها، أو نحو ذلك، فيريد أن يتخير من النساء من كانت أكمل وأفضل، وما أشبه ذلك، ولو أنه عهد بذلك لنساء من ذوات الخبرة، وأخبرهن عما يريد من المواصفات، فهذا أحوط وأفضل.

قال هنا عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها، كأنه ينظر إليها[1]، متفق عليه.

المباشرة عرفنا في بعض المناسبات: أنها من ملاقاة البشرة للبشرة، فيكون ذلك بالنظر إلى بشرتها مباشرة، وممساتها لتعرف ما عليه بدنها من الطراوة، والتنعم، واللين، وما أشبه ذلك، من الأوصاف التي يرغبها الرجال، وأعظم من ذلك ما لو باشرتها في ثوب واحد، أو نحو ذلك، فترى بدنها منكشفًا، فهذا أيضًا لا يجوز بحال من الأحوال، وهو أشد.

فتصفها لزوجها، كأنه ينظر إليها بل الوصف أحيانًا يكون أبلغ من النظر، والناس يتفاوتون، فمن الناس من عنده قدرة في الوصف بارعة، ولربما إذا نظر يرتبك، وكثير من الناس حينما يرى مخطوبته بحضرة وليها، وينظر إليها النظرة الشرعية، يقول: لم أتمكن من النظر إليها، كما ينبغي؛ لأنني كنت في حال من الحرج والحياء، وما اعتدت النظر إلى النساء الأجنبيات، فما نظرت إليها بصورة كافية، فلربما تزوجها بعد ذلك، وزهد فيها، فإذا سُئل قال: لم أرها كما ينبغي؛ ولذلك نجد أن الكثيرين لربما يسألون عن تكرار النظر، يعني: يريد أن ينظر نظرة شرعية مرة أخرى، فيُسأل: لماذا لم تكتف بالأولى؟ يقول: لأني كنت في حال من الحياء والحرج والارتباك، فما رأيتها بصورة أستطيع أن أميز أوصافها، لكن الوصف من قريبته، ومن إحدى محارمه، أو نحو ذلك، وكذلك وصف الرجل لها، قد يصفها أخوها، وقد يصفها أحد محارمها، كالعم والخال، ونحو ذلك، فهذا لا يجوز إلا لهذا الغرض.

فإذا كان هذا في وصف امرأة لرجل، فكيف بجلوسها معه في المكتب ومخالطته لها؟ ويعرف منها أكثر مما يعرف أهلها، وعينه دائمًا تحدق فيها، وتنظر في مفاتنها، ومحاسنها، فهذا فيه أبلغ الفتنة، وأعظم الفتنة، والشيطان يزين له منها كل شيء، حتى لو كانت امرأته أفضل وأجمل منها بكثير، وأصغر سنًا، فقد يُفتن بها، وزوجته لربما بالعشرينات، وقد يفتن بمن تجاوزت الأربعين، وهذا أمر يحصل ويتكرر ومشاهد، والشيطان يزين ذلك جميعًا.

قال: "باب كراهة قول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت بل يجزم بالطلب؛ وذلك لعلة بينها النبي ﷺ وهو أن الله لا مكره له[2]، يعني: الإنسان قد يقول لغيره ممن يملك عليه الولاية، أو يكون له عليه أمر، كالوالد مع ولده، أو مع امرأته، أو مع تلميذه، أو مع مرؤوسه، أو نحو ذلك، فيقول له: افعل هذا الشيء، أو أحضر هذا الشيء، أو اطبع هذه الورقة، إن رأيت ذلك، إن شئت؛ لئلا يشق عليه، لكن الله -تبارك وتعالى- لا مكره له فلا يليق بأحد من الناس أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت كما يقول الإنسان مثلاً لغيره: يا فلان أوصلني معك إن شئت، أوصل معك هذه الأشياء إن شئت، إن شئت احمل معك هذا الكتاب، واذهب به إلى فلان؛ لئلا يشق عليه، فالله -تبارك وتعالى- لا مكره له فلا يليق أن يقال ذلك في حقه، وإنما يعزم في المسألة.

وبعض أهل العلم يذكرون علة أخرى، لكن يكفي ما ورد في الحديث، يقولون: كأنه زاهد في هذا الذي سأل، لا رغبة له فيه، يعني: لا رغبة أكيدة في هذا الذي سأل اللهم اغفر لي إن شئت فهو إن حصل، وإلا فليس لديه كبير رغبة، فالعبارة تشعر بهذا، لكن العلة الأصلية هو ما ذكره النبي ﷺ، ويمكن أن يلحق ذلك بالعلة التي نص عليها النبي ﷺ، فيكون النهي لأن الله لا مكره له كما أن هذا فيه أيضًا إشعار بهذا المعنى: أن هذا الإنسان زاهد بما سأل.

وهنا قال: "بل يجزم بالطلب" يعني: لا يعلق بالمشيئة، ولكن لو أنه ذكر التعليق –المشيئة- على سبيل التحقيق لا التعليق، فذكر أهل العلم أن هذا لا إشكال فيه، ولكن الأحسن أن يترك ذلك في السؤال؛ لأنه يحتمل ويوهم، فالأدب في الدعاء ألا يذكر المشيئة، وألا يعلق بها، ولو كان على سبيل التحقيق يعني: لا التعليق، يعني: على سبيل التحقيق، كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ [الفتح:27] فالله علم أنهم سيدخلون المسجد الحرام قطعًا، علم ذلك يقينًا، فهو يعلم ما كان، وما يكون ، ومع ذلك قال: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الفتح:27] فهذا على سبيل التحقيق، وليس على سبيل التعليق، تقول: لمن أنت عازم على إعطائه شيئًا من الأشياء طلبه أو وعدته إياه: سأعطيك هذا -إن شاء الله- على سبيل الجزم، فيكون ذلك تحقيقًا لا تعليقًا، والنبي ﷺ في الذكر الذي يقال عند زيارة القبور قال: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون[3]، مع أن النبي ﷺ يعلم أنه لاحق بهم قطعًا، ومن يقول هذا حينما يزور المقبرة، يعلم أنه سيلحق بهم قطعًا، فهذا على سبيل التحقيق، يعني: كأنه يذكر للتبرك، لا على سبيل التعليق، التعليق يعني: أنه متوقف على كذا، وهو أمر متحقق؛ لأن الله قضاه، وهكذا.

فالمقصود: أن مثل هذا لا يذكر في الدعاء على سبيل التعليق، وإن كان على سبيل التحقيق، فالأحسن أن يترك، فيأتي بالدعاء من غير ذكر التعليق على المشيئة بصرف النظر عن قصده.

وهنا قال: عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له[4] متفق عليه.

فالفاء هنا تدل على التعليل، فهنا لا مكره له يعني: كأنه يقول: لأنه لا مكره له ومثل هذا لما يقول الإنسان مثلاً: الله يجزيك خير -إن شاء الله-، أحسن الله عزاكم -إن شاء الله-، الله يغفر لك -إن شاء الله-، الله يعطيك ويرزقك -إن شاء الله-، الله يجزيك عنا خير الجزاء -إن شاء الله-، فهذا لا يسوغ، لكن لو سألنا هؤلاء الناس الذين يجري على ألسنتهم، هل تقصدون التعليق أو التحقيق؟ أظنهم سيقولون: لا نقصد التحقيق يعني: كأنه يؤكدها بقوله: إن شاء الله؛ ولذلك تجد العامة أحيانًا إذا أراد أن يقع شيء أو لا يقع يقول: إن شاء الله ما يكون كذا، هو يقصد بذلك التأكيد، فجرى ذلك على ألسنتهم كثيرًا، لكن الأحسن كما قلت، حتى لو كان على سبيل التحقيق، ألا يذكر.

وفي رواية لمسلم: ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة لاحظ هنا جملة، وليعظم الرغبة فيها إشارة إلى العلة الأخرى التي ذكرها بعض العلماء، كأنه زاهد في هذا الشيء، فليست عنده رغبة عظيمة في تحقق مطلوبه اللهم اغفر لي إن شئت، وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه[5].

وعن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له[6]، متفق عليه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم (5240) ولم نجده في مسلم.
  2. أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب لا يقول الرجل: اللهم اغفر لي إن شئت برقم (3854) وصححه الألباني.
  3. أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249).
  4. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له برقم (6339) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت برقم (2679).
  5. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت برقم (2679).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له برقم (6338) ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب العزم بالدعاء ولا يقل إن شئت برقم (2678).

مواد ذات صلة