الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
حديث «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه..» إلى «لا صلاة بحضرة طعام..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ:

فهذا "باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام".

رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، وكذلك أيضًا لو أنه سجد أو ركع قبل الإمام، يعني: يسابق الإمام، فإن هذا أيضًا محرم بالاتفاق، ولكن أهل العلم تكلموا فيما إذا سبق الإمام في الأركان القولية، يعني: يسبق الإمام مثلاً في قراءة الفاتحة، يقرأ قبل الإمام، فهل هذا يعد من المخالفة ويكون منهيًا أم لا؟

لكنهم اتفقوا على أنه لا يسابق الإمام في هيئات الصلاة، يعني: لا يرفع قبله، وكذلك لا يسجد، أو يركع قبله، والأولى أنه لا يقرأ الفاتحة قبل الإمام في الصلاة الجهرية.

وذكر حديثًا واحدًا.

وهو حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام: أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار[1]، متفق عليه.

فهذا الوعيد يدل على شدة التحريم؛ ولذلك لا يمكن أن يحمل مثل هذا على الكراهة، بل إن من أهل العلم كالظاهرية[2]، وهو رواية عن الإمام أحمد[3] من قال: بأن الصلاة تبطل إذا رفع قبل الإمام من الركوع، أو من السجود يعني: يسابق الإمام، قالوا: باعتبار أن النهي يقتضي الفساد، فهذا شيء منهي عنه، فالصلاة التي يحصل فيها هذا قالوا: تكون باطلة.

ومن أهل العلم من قال: إن ذلك محرم، ومتوعد عليه، بمثل هذا الحديث، ولكنه لا يبطلها، ولكن ينقصها، ويأثم.

وعلى كل حال هذا التحويل والتبديل قال: يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار هو على ظاهره أن الله يقلب صورته وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] خلافًا لمن قال: إن المقصود بذلك هو القلب المعنوي، بمعنى: أنه يصير في فهمه وبلادته بمنزلة الحمار، وهذا غير صحيح؛ لأنه حمل لظاهر اللفظ على معنى غير متبادر، وليس عليه دليل، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، إلا لدليل يوجب صرفه من هذا الظاهر إلى معنى آخر.

والله قد مسخ قومًا، كما قص لنا خبر القرية من اليهود الذين كانوا يَعْدُونَ فِي السَّبْت [الأعراف:163] قلبهم مسخهم إلى قردة قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:166] كان مسخًا حقيقيًا.

ثم ذكر "باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة" بأي صورة كان، كما في هذا الحديث الوحيد الذي ذكره، وهو حديث أبي هريرة قال: "نهي عن الخصر في الصلاة"[4]، متفق عليه.

الخصر في الصلاة: أن يضع يديه هكذا، بدلاً من أن يضع اليمنى على اليسرى على صدره مثلاً، هو يضع اليمنى على اليسرى على خاصرته، والخاصرة معروفة، فهذه صورة من التخصر في الصلاة، فيجعلها على الخاصرة، ويدخل فيه أيضًا فيما لو أنه جعل يديه على خاصرته، أو على خاصرتيه هكذا مثلاً، فهذا أيضًا أشد في المخالفة، وأوضح وأظهر، فهذا من التخصر، أن يضع اليمنى على اليسرى على الخاصرة؛ لماذا نهي عنه؟

بعض العلماء يقول: لأنه تشبه باليهود.

وبعضهم يقول: لأن هذا تشبه بالشيطان.

وبعضهم يقول: لأن هذا تشبه بأهل الكبر والترفع والتعالي والتعاظم، وما أشبه ذلك.

وعلى كل حال الحديث هنا لم يبين العلة، فيحتمل: أن يكون لهذا أو لهذا أو لهذا، فسواء كان واحدًا من هذه الأمور أو غير ذلك مما ذكره بعض أهل العلم.

فالمقصود: أنا نهينا عن التخصر في الصلاة، وبعض الناس يفعل هذا إلى اليوم، إذا صلى وضع يده اليمنى على اليسرى على خاصرته، وهذا يكثر في بعض البلاد.

فقال: "نهي عن الخصر في الصلاة" من الذي نهى؟ هو النبي ﷺ، والأصل أن النهي للتحريم، فهذه كراهة ينبغي أن تحمل على التحريم، وليست كراهة التنزيه.

وهنا أيضًا "كراهة الصلاة بحضرة طعام، ونفسه تتوق إليه" بهذا القيد، الكراهة هل تحمل أيضًا على التحريم أو تحمل على التنزيه؟ يحتمل، فالجمهور على أنها كراهة تنزيهية.

ولكن ظاهر الحديث يدل على أنها كراهة تحريمية بهذا القيد، بحضرة طعام، قال العلماء: هذا إنما يكون إذا كان الطعام موضوعًا، يعني: الطعام ما وضع إلى الآن على السفرة مثلاً، أو ما وضع، فمثل هذا ليس بحضرة الطعام، وبعض أهل العلم قال: إذا كان قريب الحضور، فله حكمه، وهذا فيه نظر، لكنه إذا وضع بشرط أن "نفسه تتوق إليه" لكن لو قال هذا الإنسان: أنا لست بحاجة إلى هذا الطعام، لو تأخرت فهو أحسن، أو يقول: هذا الطعام مثلاً حار جدًا، لو تأخرت كان أحسن، فمثل هذا ينبغي أن يتوجه إلى المسجد، ويصلي مع الجماعة.

مع ملاحظة أمر، وهو ألا يكون لهم عادة، أو يكون ذلك على سبيل التفريط والتساهل، يستطيعون وضع الطعام قبل، ولكنهم لشدة تفريطهم وتكاسلهم يضعون الطعام وقت الصلاة، فمثل هذا لا يسوغ، وقد لا تبرأ بها الذمة، لكن تحصل أحيانًا بعض الأمور الخارجة عن اليد، يكون هؤلاء الناس ينتظرون أحدًا من الضيوف، فتأخر والطعام موضوع، وكانوا يتوقعون مجيئه قبل ذلك، فجاء بعد الأذان، فهل يذهبون يصلون أو يأكلون، وهم يتحرون هذا الطعام؟

فالسنة أن يأكلوا إذا كانت نفوسهم تتوق إليه، هذا قد تكون أمور خارجة أحيانًا عن اليد، حصل تأخر بأسباب غير مقصودة، فاضطر أهل الرجل إلى التأخر إلى وقت الصلاة، فوضع الطعام، وإذا بالأذان يؤذن، ففي هذه الحال ماذا يفعل؟ يأكل، وإلى أي حد؟ هل يأكل حتى تزول نهمته، أو أنه يأكل حتى تطيب نفسه؟ الظاهر أنه يأكل حتى تطيب نفسه، لكن هذا لا يعني: أن الإنسان يفرط في الصلاة، يعلم أهله أنهم يضعون الطعام قبل الصلاة بوقت يكفي، لكن أحيانًا تحصل أمور عارضة، ليست في اليد، فماذا يصنع؟

وقال في الباب "أو مع مدافعة الأخبثين، وهما البول والغائط" وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان[5]، رواه مسلم. والأخبثان البول والغائط -أعزكم الله-.

لا صلاة بحضرة طعام الأصل أن النفي يتوجه إلى الذات، تقول: لا رجل في الدار، فإن كانت الذات موجودة، صفة الصلاة موجودة، هيئة الصلاة وجدت، فإنه يتوجه إلى الصحة، لا صلاة صحيحة، فإن دل على دليل على صحة الصلاة، فإنه يتوجه إلى الكمال المستحب، يعني: لا صلاة كاملة لمن هو بحضرة طعام أو يدافعه الأخبثان هذا قول الجمهور: أن ذلك للكمال.

وذهب الظاهرية إلى أن ذلك للصحة، يعني: لا تصح الصلاة بحضرة الطعام، ولا في حال مدافعة الأخبثين، هذا يمكن أن يقال فيه: إنه بحسب حاله، لأن العلة هي تشويش الذهن، فإذا كان ذلك يشوش ذهنه جدًا، فإنه قد لا يعقل من صلاته شيئًا، فيكون منهيًا عن الصلاة في مثل هذه الحال، كما في قوله تعالى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43].

وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أي: في حال النعاس[6]، مع أنه يعرف ويعلم جيدًا أن المقصود السكر الخمر، قبل أن تحرم، ولكنه أراد أن يلفت الأنظار إلى معنى قد يغفل عنه بعض الناس، فيصلي وهو يغالب النعاس، فيكون في حال لا يعقل معها.

وإذا أراد أن يدعو لنفسه دعا عليها، فلا يصلّ وهو يغالب النعاس، وكذلك لا يصلّ وهو يدافع البول، أو الغائط، أو تكون نفسه مشتغلة بطعام قد حضر ووضع، والله تعالى أعلم.

وصلى وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام برقم (691) ومسلم في كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما برقم (427).
  2. شرح الزرقاني على الموطأ (1/346).
  3. الشرح الكبير على متن المقنع (2/14).
  4. أخرجه البخاري في أبواب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة برقم (1219) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الاختصار في الصلاة برقم (545).
  5. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين برقم (560).
  6. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (2/546).

مواد ذات صلة