الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
حديث «من ادعى إلى غير أبيه..» إلى «ليس من رجل ادعى لغير أبيه..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا "باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه، وتوليه إلى غير مواليه"، انتساب الإنسان إلى غير أبيه يكون على أحوال، وصور مختلفة، وكل ذلك محرم، لكنه يتفاوت في مرتبة التحريم، فتارة يكون هذا الإنسان لا يعرف له نسب، فأخذه من رباه، ثم بعد ذلك حينما أدرك وعرف، وجد نفسه منسوبًا إلى هذا يظن أنه أباه.

ولا يعلم غير ذلك فهو في هذه الحال غير مؤاخذ، لكن لا يجوز لهذا أن يضيفه إليه، أن ينسبه، لا بد أن يعلمه، التبني لا يجوز، والله قال: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4].

فهنا قوله -تبارك وتعالى-: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ كما مضى في الكلام على الأمثال، من أهل العلم من يقول: هو توطئة لإبطال ما بعده، يعني: كما أن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه، فكذلك ما جعل امرأة الرجل أمه، أمًّا له.

وما جعل للدعي أبويين، فالتبني لا يجوز، ولهذا قال الله : ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، قل: فلان ابن فلان، هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5] أعدل.

فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] لا يجوز أن ينسب إلى هذا المعتق مثلا، المولى، الأعلى، وإنما يقول: أخي، إذا كان لا يعرف له أب.

ويمكن أن يركب اسم هكذا، يقال: عبد الله بن عبد الرحمن، ونحو ذلك، لكن أن ينسب إلى رجل معين هذا لا يجوز، والتبني لا يجوز.

كان جائزًا في أول الإسلام، ثم بعد ذلك أبطله الله -تبارك وتعالى- في سورة الأحزاب، وكان ذلك بعد غزوة الأحزاب، وكان زيد بن حارثه مولى النبي ﷺ، أعتقه كان يقال له: زيد بن محمد، فلما نزلت الآية نسب إلى أبيه زيد بن حارثه.

فهذا لون من انتساب الرجل إلى غير أبيه، يكون الرجل لا يعرف له أب أصلاً، إما أنه لقيط، أو أن من السبي، سبي وهو صغير ولا يعرف له أب، فانتسب إلى هذا الذي رباه، وتبناه، فيكون معذورًا إذا كان لا يعلم، أما إذا كان يعلم فلا يجوز له ذلك بأي حال من الأحوال، أما هذا الذي تبناه فليس له أن ينسبه إليه.

الصورة الثانية: من صور الانتساب إلى غير أبيه، أن يفعل ذلك لا رغبة عن أبيه، ولكن لمصلحة دنيوية، فيكون ذلك في الأوراق الثبوتية فقط، ولكنه بين أهليه، وذويه، وما إلى ذلك، ينسب إلى أبيه.

فأهله وقرابته، ومعارفه يعرفون أباه، وينسبون إليه، لكن ذهب إلى بلد لا يوجد له فيها ابن مثلاً، ومن أجل أن يحصل على الجنسية، أضافه إليه من الصغر، فقط إضافة، فصار يقال: فلان ابن فلان، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال.

ويفعلون ذلك من أجل أن يحصلوا على امتيازات، ودنيا يصيبونها، وأموال، ووظائف، وما أشبه ذلك، وهذا لا يجوز، يعني: كأن يكون له أب هنا، وله عم في بلد آخر مجاور، فهو في تلك البلد يجد فيها مثلاً امتيازات مالية أفضل، ويجد أشياء، فالعم من باب البر والإحسان إليه، أو إلى أخيه بزعمه يضيف هؤلاء الأولاد إليه.

فيقول: هؤلاء أولادي، ويسجلهم في هذه الأوراق الثبوتية، هذا لا يجوز، هذا لا يجوز، وإن كان لمصلحة دنيوية من غير انتساب حقيقي، يعني: هو ينسب لأبيه، لكن في هذه الأوراق فقط.

الصورة الثالثة: هو أن ينتسب إلى غيره، أو إلى غير مواليه، وهو يعلم رغبة عن أبيه ومواليه، هذه أشد هذه الصور، رغبة عنهم، كأن يكون هؤلاء لهم رتبة اجتماعية مثلا أعلى، أصحاب غنا، أو نحو ذلك.

وأبوه قد يكون فقيرًا، فينتسب إلى هؤلاء، وذلك من الكفران لهذا الأب، وهو من أعظم العقوق، بل من أجلى صور العقوق، إذا كان صرف العبادة لغير المنعم المتفضل يكون ذلك من قبيل الكفر.

فكذلك أيضًا من العقوق أن هذا الأب الذي هو سبب لوجوده ينتسب الولد إلى غيره، ويدر ظهره لأبيه، حتى في الانتساب، فهذا من أعظم العقوق، وهذه من أسوء الصور، وتنطبق عليه النصوص انطباقًا تامًا.

فهنا كذلك توليه إلى غير مواليه، المولى يقال: للأعلى والأدنى، بمعنى: هذا سيد وعنده مملوك، أعتق المملوك، السيد يقال له: مولى، فالمملوك يقول: يا مولاي، والمعتق هذا يقال له أيضًا: مولى، فالسيد يقول: هذا مولاي، فيقال: الموالي الأعلون، والموالي الأدنون.

فهنا انتساب الرجل، النبي ﷺ أخبر أن الولاء لمن أعتق[1]، ولا يصح بحال من الأحوال أن يتحول الولاء ولو كان بشرط، يعني: لو قال له مثلاً: أنا أريد أن أشتري هذا المملوك؛ لأعتقه مثلاً.

أريد أن أعتق رقبة، فيقول: أشترط أن يكون الولاء لي، يعني: البائع يقول هذا الكلام، يقال: هذا ما يصح، وحديث بريرة يدل على هذا، أن عائشة -رضي الله عنها- لما أرادت أن تشتريها اشترط أهلها أن يكون الولاء لهم، فالنبي ﷺ أخبر أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل[2] فلا عبرة لهذا الشرط، وهو مخالف لكتاب الله -تبارك وتعالى-.

فالولاء يكون للمعتق، وقد يقول قائل: ما الفائدة أصلا من هذا الولاء؟

له فوائد، فهذا ينتسب إليهم، هذا من موالي بني فلان، وأيضًا إذا مات وليس له وارث فإن الذي يرثه هو الولي المعتق، المولى الأعلى يرثه.

فهنا قال: عن سعد بن أبي وقاص ، أن النبي ﷺ قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام[3]، متفق عليه.

من ادعى إلى غير أبيه يعني: من انتسب إلى غير أبيه، وهو يعلم، إذا كان لا يعلم فليس عليه شيء، فالجنة عليه حرام فهذا من نصوص الوعيد العظيمة.

وبعض أهل العلم يقول: إذا استحل ذلك، وهذا من نصوص الوعيد إجرائها، إن لم يكن هناك لبس وإشكال، بحيث أنه يفهم أن أحد من أهل المعاصي يخلد في النار فهذا غير مراد، إنما يخلد في النار أهل الشرك والكفر بالله -تبارك وتعالى-.

فالمقصود أن هذا من نصوص الوعيد، لا يدخل الجنة، تحرم عليه الجنة حتى يمحص من هذا الجرم، ويطهر بكير النار، أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين منه.

قال: وعن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر[4]، متفق عليه.

هناك في الجنة عليه حرام، وهذا فهو كفر، لا شك أن هذا من أعظم الكفر، الذي هو بمعنى جحد النعمة.

لا ترغبوا عن آبائكم وكما سبق، إن فعل ذلك ليس عن رغبة عن أبيه فما الحكم؟

لا يجوز، لكنه على مراتب كما سبق، من فعله رغبة عن أبيه هذا أشد.

قال: وعن يزيد بن شريك بن طارق قال: رأيت عليًّا على المنبر يخطب فسمعته يقول: "لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب اللَّه"[5]، سُئل على ، سأله أبو جحيفة من التابعين، هل خصكم رسول الله ﷺ بشيء؟ فقال: "لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب اللَّه".

هذا رد على الرافضة الذي يزعمون أنه يوجد مصحف فاطمة، فيقول: ليس فيه من مصحفكم حرف واحد، هذا من أعظم الكذب والبهتان.

 قال: "وما في هذه الصحيفة، -صحيفة كانت في غمد سيفه مطوية-، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، -يعني: في الديات مائة من الإبل، ما أسنانها؟- وأشياء من الجراحات، -يعني: في الجنايات، في القصاص-، وفيها قال رَسُول اللَّهِ ﷺ وهذا هو الشاهد: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور.

المدينة حرم، يعني: كما أن مكة حرم، كذلك المدينة، وإن حرم المدينة يختلف عن حرم مكة، فحرم المدينة لا يحل فيه الصيد، ولا أيضًا قطع الشجر، لكن لا يقال إنه كما في مكة مثلا على القول المشهور: بأن الصلاة هناك بمائة ألف صلاة مثلاً، فتكون الصلاة في حدود حرم المدينة بألف صلاة، لا ليس كذلك.

إنما هو في المسجد النبوي فقط، وما كان خارج المسجد لا يكون كالمسجد، أما مكة فعلى القول الآخر: كل مكة إلى نهاية حدود الحرم أميال، يكون ذلك له حكم الصلاة في المسجد نفسه، فهذه أحد الفروقات، أو من أهم الفروقات بين حرم مكة، وحرم المدينة.

ما بين عير إلى ثور، العير: اسم الحمار -أعزكم الله-، وهو جبل معروف هيئته هيئة حمار، وهو الذي عند الميقات، يعني: إذا كنت في المدينة، ونظرت من الناحية الجنوبية، تجد جبلاً طويلاً مسطح الظهر، فيه ارتفاع من طرفيه قليل، هذا الذي عند الميقات اسمه: عير.

لا يخفى، إذا نظرت تجد هذا الجبل الممتد الطويل، هذا عير، وجبل ثور، يقولون: هو جبل صغير أحمر، مسنم خلف جبل أحد، جبل أحد أيضًا معروف أيضًا إذا نظرت إلى ناحية الشمال إلى الشرق قليلا تجد جبل أحد معترضًا، فهذا من هذه الناحية، وهذا من هذه الناحية، هذا جنوب، وهذا شمال.

جبل أحد كله داخل في الحرم، على طوله سبعة كيلوا مترات داخل في الحرم، فجبل ثور يكون خلفه، العلماء اختلفوا في جبل ثور، بعضهم قال: أصلاً لا يوجد جبل اسمه ثور في المدينة، وإنما ذاك في مكة، والصحيح أنه يوجد في المدينة الجبل المعروف.

في مكة: غار ثور، وفي المدينة أيضًا يوجد جبل صغير، لكنه على التحديد يصعب أن يحدد، أن يقال: هذا هو الجبل، لأنك إذا نظرت إلى الجبال الصغيرة الحمراء الذي بهذه الصفة مسنمة مثل: الخيام، تجد أنها كثيرة جدًا خلف جبل أحد، كثيرة.

أين جبل ثور من بين هذا الجبال المتشابهة جدًا؟

أحمر، مسنم، صغير، أبدا جبال مثل الخيام صغار، خلف جبل أحد، فهذه يصعب تحديد هذا الجبل.

لكن بعض المعاصرين قالوا: بأن هذا الجبل عند طرف أحد من الناحية الشمالية، ناحية مجمع الأسيال، والغابة، يعني: الطريق الذي يسمونه الآن، الذي يعرف المدينة، طريق الخواجات، طريق غير المسلمين.

يأتي على اليمين بعد، يعني: جاء من طريق القصيم قبل ما يصل أحد، في طريق اسمه طريق الخواجات يمين، من أجل ما يدخل المدينة، يذهب إلى تبوك، طريق تبوك، حينما يجاوز جبل أحد تمامًا، عند رأسه من الناحية الأخرى الشمالية.

هناك طريق إلى اليمين، طريق الخليلة يسمونه، في جبل ليس بأحمر، جبل يضرب إلى السواد، وليس بالصفة التي ذكروها، نسبيًا صغير، لكنه ليس كالجبال الحمراء الصغيرة التي خلف أحد.

مسنمة: هو جبل مستطيل أسود، أو إلى السواد أقرب في تلك الناحية، يعني: ليس خلف أحد، وإنما هو عند طرفه، وقالوا: هذا هو، بعض المعاصرين قالوا: هذا هو جبل ثور، والله أعلم.

وإثبات مثل هذا صعب؛ لأن هذا قد تنوسي، يعني: الناس ما يعرفون، والبادية الذين حوله هم نزحوا، يعني: منذ مُدد ليست بالطويلة، لا يعرفون المكان، والمنطقة، ليسوا من قديم وهم في هذه الناحية، يعرفونها إذا سئلوا عنها.

فالشاهد أن المدينة من هنا، ما بين عير إلى ثور حرم، فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، أحدث فيها حدثًا، يعني: يدخل فيه البدعة، ويدخل فيه أيضًا من أحدث فيها حدثًا، يعني: كالجرم الكبير، أو نحو ذلك، التبديل، التغيير لمعالم الدين، أو نحو ذلك.

كل هذا يدخل فيه، أحدث فيها حدثًا، أو آوي فيه محدثًا، يعني: هذا الإنسان المبدل لدين الله، مثلاً بدل شرائع الإسلام؛ هذا المبتدع، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، إلى هذا الحد.

الإمام عبد الرحمن بن مهدي من أئمة السنة الكبار جاء إلى المدينة فدخل المسجد، وكان عليه رداء، فوضعه حينما أراد أن يصلى بين يديه، وضعه بين يديه، فرمقه الناس، ثم جعلوا يرمقون الإمام مالك -رحمه الله-.

فلما انصرف الإمام نظر الإمام مالك، فدعا الحرس، وأمرهم أن يأخذوا صاحب هذا الرداء، فأخذوه وحجزوه، فقيل له: هذا عبد الرحمن بن مهدي الإمام فدعاه فقال: ما حملك على أن تحدث في مسجدنا هذا ما ليس فيه، والنبي ﷺ يقول: وذكر له حديث في الوعيد في هذا.

وضع رداء فقط، يقول: تشغل المصلين بوضع الرداء بين يده وهو يصلى، والله المستعان.

قال هنا: فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً، ما يقبل منه الصرف، ولا العدل، الصرف ما هو؟

بعضهم يقول: الصرف هو الفريضة، والعدل هو النافلة.

وبعضهم يقول: العدل هو الفدية، والصرف يكون بما يصرف عنه العقوبة ونحو ذلك، كالتوبة، يعني: لا يقبل منه توبة.

وبعضهم يقول: بأن العدل هو الفدية، أو غير ذلك من الأقاويل، لكن هذا من أقربها، -والله أعلم-، أنه لا يقبل منه الصرف، يعني: ما يصرف عنه العقوبة، والعدل هو الفداء.

قال: ذمة المسلمين واحدة، هذه مسالة أخرى، ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، العهد، يعني: إذا أحد أعطى من المسلمين، أي واحد من المسلمين أعطى عهدًا لأحد من الكفار أن يخفر في هذا العهد.

فمن أخفر مسلمًا يعني: في عهده، مسلم أعطى أحد الكفار أمانًا، أو عهدًا، فجاء إنسان وقتل هذا الكافر.

فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولهذا العلماء يقولون: بأن العهد يثبت بأدنى شبه، شبه عهد تكفي، فهذا الكافر الذي دخل بلاد المسلمين بإقامة رسمية، ودخل بتصريح، وما إلى ذلك، واستقدمه أحد الناس، وجاء به ليعلم عنده لا يجوز أن يعتدي عليه ويقتله.

فهذا الحديث فيه هذا الوعيد، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلا[6]، متفق عليه.

فهذا كله فيه هذا الوعيد الشديد.

بقي حديث واحد في هذا الباب، وهو حديث أَبي ذَرٍّ : أنَّه سَمِعَ رَسُولَ الله ﷺ يقول: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيرِ أَبِيهِ -يعني انتسب لغير أبيه-، وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ، قد مضى الكلام على هذا، وأنه إن كان مستحلاً لذلك فإنه يكفر كفرًا مخرجًا من الملة، ولا شك أن هذا من عظائم الذنوب، وأنه من كفران النعمة، حيث انتسب إلى غير أبيه الذي هو سبب لوجوده بعد الله -تبارك وتعالى-، وهو يعلمه بحيث لو كان بجهل منه يظن أنه أبوه فإنه لا يكون مؤاخذًا.

يقول: وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، يعني ليس على طريقتنا، وليس على هدينا، ولا سننا، ادعى ما ليس له، سواء كان ذلك من الأوصاف، أو كان ذلك من الذوات والأعيان والأشياء.

قال: وَلَيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، يعني وليتخذ من المباءة وهي المكان والمنزل الذي يبوء إليه الإنسان وهذا يدل على أنه من كبائر الذنوب.

قال: وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْرِ، -يعني قال له: يا كافر، أو أنت كافر-، أَوْ قَالَ: عَدُو اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ[7]، يعني رجع إليه. متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم.

فهذا يدل على أن هذه الأمور كلها من كبائر الذنوب، وأن الإنسان عليه أن يتقي الله -تبارك وتعالى- في مثل هذه الأمور التي قد يتساهل فيه من الانتساب إلى غير أبيه أو المولى إلى غير مواليه، أو يدعي شيئًا ليس له، أو يطلق مثل هذه الأحكام على إخوانه المسلمين، كالكفر أو وصفه بأنه عدو لله، ونحو ذلك، وليس ذلك بمستحق له، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الفرائض، باب الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط، برقم (6752)، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم (1504).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الولاء، برقم (2729).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه، برقم (6766)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، برقم (63).
  4. أخرجه البخاري، كتاب الفرائض، باب من ادعى إلى غير أبيه، برقم (6768)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، برقم (62).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، برقم (6755)، ومسلم، كتاب العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه، برقم (1370).
  6. أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين والبدع، برقم (7300)، ومسلم، كتاب العتق، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه، برقم (1370).
  7. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، برقم (6103)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، برقم (61).

مواد ذات صلة