الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا..»، «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- من الأحاديث في باب الدجال، ما جاء عن ربعي بن حراش، قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان فقال له أبو مسعود: حدثني ما سمعت من رسول الله ﷺ في الدجال، قال: إن الدجال يخرج، وإن معه ماءً، ونارًا، فأما الذي يراه الناس ماءً فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارًا فماء بارد عذب، فمن أدركه منكم، فليقع في الذي يراه نارًا، فإنه ماء عذب طيب قال أبو مسعود: وأنا قد سمعته، متفق عليه[1].

هنا قوله: يخرج، ومعه ماء، ونار وأن ما يراه الناس ماءً فحقيقته أنه نار تحرق، وهكذا ما يراه الناس نارًا فماء بارد عذب، من أهل العلم من يقول: يحتمل -كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أن الدجال مموه يتعاطى السحر، فيصور ذلك للناس بهذه الصورة، فيرون هذا الماء بصورة النار، ويرون النار بصورة الماء تمويهًا للحقائق، هذا احتمال.

ويحتمل أن يكون ذلك، كما يقول بعض أهل العلم: باعتبار أن الله -تبارك وتعالى- قد يهيئ من يبدي بعض نعيم الجنة بصورة نار، وبعض عذاب النار بصورة الماء، لكنه أبعد من الذي قبله.

وأحسن من هذا كله -والله أعلم- أن الله على كل شيء قدير، وأنه أعطاه هذا ابتلاءً، واختبارًا للناس، فيكون كما وصف النبي ﷺ معه ماء، ونار، فهذا الماء في صورة نار، والنار في صورة ماء؛ اختبارًا، وابتلاءً، فيكون الحديث على ظاهره، ولا حاجة للقول بأن ذلك يسخر من عذاب النار، أو من نعيم الجنة بهذه الصورة، والحديث ليس فيه ذكر للجنة أو النار، كون هذا الماء يكون نارًا لا يعني أنه نار جهنم، هذا يحتمل -الله أعلم-.

فعلى كل حال هذا فتنته عظيمة بهذه الصورة، والناس يأتون، ويرون هذا الماء العذب، فيتهافتون، فيكون نارًا محرقة، وهذا الذي يقدم على النار، لا شك أنه مقدم على أمر عظيم، وهذا يحتاج إلى يقين تام، وإلا فإن الإنسان كما هو معلوم النار عدو له، فإذا رآها نفر منها، فكيف يقدم عليها؟

وهذا من أصعب الأشياء، حيث أن الإنسان قد يقدم على القتل، ونحو ذلك، ولكن الإقدام على النار هو من أشق الأمور على النفس.

ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين لا أدري أربعين يومًا، أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم فيهلكه[2].

هناك في الحديث السابق، الطويل، الذي هو الحديث الأول في هذا الباب حديث النواس، ذكر أنه يمكث أربعين، لما سألوه -عليه الصلاة والسلام- عن مكثه، فأخبر أنه يمكث هذه المدة، وأنه يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، يعني كأسبوع، وسائر الأيام كأيامنا، فمثل هذا يدل على أن مكثه يكون أربعين يومًا، وليس فيه شك الحديث السابق، فهنا قال: "لا أدري أربعين يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا".

فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم فيطلبه، فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة يعني يكون الناس على غاية من الصفاء، والصلاح، واستقامة الحال، فتزول أسباب الشر والشحناء، فهذا يدل على كمال الإيمان والتقوى في النفوس، وما يهيئه الله من الأسباب لذلك.

فهنا يمكث الناس سبع سنين هذه السبع في هذا الحديث لا تدل على مدة مكث عيسى في الأرض، لكنهم يمكثون هذه المدة بهذه الصفة، بعد قتل الدجال، ليس بين اثنين عداوة.

وقد ورد في عدد من الروايات، أن عيسى يمكث أربعين سنة[3] لكن هذا يحتاج إلى مراجعة، لو ثبت ذلك، فيمكن أن يكون هذا مجموع بقاء عيسى قبل قتل الدجال منذ ينزل، إلى أن يقبضه الله -تبارك وتعالى- لكن هذه السبع هي التي يكون الناس فيها بهذه الصفة إلى أن يبعث الله الريح التي ذكر النبي ﷺ.

قال: ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير، أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع -نسأل الله العافية- يعني في تسارعهم إلى الشر والفساد والمنكر، في خفة الطير وإسراعهم إليها، وكذلك في أحلام السباع في العدوان والظلم، شريعة الغاب.

في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارّ رزقهم هذا يدل على أنهم لا يعبدون الأوثان، لكن لا يعني أنهم على الإيمان، وإنما هم في حال من الإعراض عن هذا كله، فهم لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، ولا يعبدون الله ولا يعبدون غيره، وإنما هم منغمسون في شهواتهم، فيأتيهم الشيطان، ويقول لهم هذا، فيأمرهم بعبادة الأوثان.

وهم في ذلك دارّ رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى ليتًا، ورفع ليتًا الليت هو: صفحة العنق، ومعناه يضع صفحة عنقه، ويرفع صفحته الأخرى، يعني من الإنصات يميل رأسه ليسمع هذا النفخ، والصوت الهائل المزعج.

وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله يلوط حوض الإبل، يعني: يطينه، يصلحه فيصعق، ويصعق الناس وهذا الصعق، هذا الصعق، بمعنى: الصعق الذي يموت فيه جميع الخلائق الأحياء، فمثل هذا الحديث يدل على هذا المعنى، وأن نفخة الفزع ليست هي هذه النفخة، إنما أول ما يسمع الناس هو نفخة الصور، هذه التي يموت فيها الأحياء.

قال: ثم يرسل الله، أو قال ينزل الله مطرًا كأنه الطّل، أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس رجح بعض أهل العلم اللفظ الأول: كأنه الطل وجاء في بعض الروايات: ماء، أنه بصفة ماء الرجال، فتنبت منه أجسام الناس، ثم ينفخ فيه أخرى يعني الآن تنبت الأجسام، باقي الأرواح، الأجسام التي تحللت في التراب، وذهبت، بقي أن ترد إليها الأرواح، فينفخ فيه أخرى هذه النفخة الثانية في الصور، فإذا هم قيام ينظرون نبتت أجسامهم، يعني هم لا ينبتون بالنفخة، إنما ترد الأرواح إلى الأجسام بالنفخة.

فيقومون ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ كما صور الله حالهم: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ من القبور كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يسرعون خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [المعارج:43-44].

ثم يقال: أخرجوا بعث النار يعني المبعوث إليها، أخرجوا الوفد، أخرجوا المجموعة، أخرجوا قسم النار، نصيب النار، أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين يعني الذي ينجو واحد من الألف، هذا في المحشر، فذلك يوم يجعل الولدان شيبًا، الصغار لما يبعثون، وتنبت أجسامهم، تشيب رؤوسهم من الهول، تصور من ذا الذي سينجو من الألف، واحد وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا [الحج:2] يقول النبي ﷺ: وذلك يوم يكشف عن ساق[4] رواه مسلم.

فهؤلاء جاء مبينًا المراد بهم، أنهم هؤلاء العدد الكبير من الألف، أن يأجوج، ومأجوج من هذه الأمة، هم في عداد هذه الأمة، فيكون ذلك النصيب منهم، فهم ما كانوا في أمة إلا كثروها، فهم في جملة أمة النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الاعتبار، يكفي هذا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3450) ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم (2935).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ في الصور، وبعث من في القبور، برقم (2940).
  3. أخرجه أحمد في مسنده، برقم (9268) وقال محققه: حديث صحيح.
  4. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض، ونزول عيسى وقتله إياه، وذهاب أهل الخير والإيمان، وبقاء شرار الناس وعبادتهم الأوثان، والنفخ في الصور، وبعث من في القبور، برقم (2940).

مواد ذات صلة