الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة..» إلى «هو أهون على الله من ذلك..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- من أحاديث هذا الباب مما يتصل بالدجال: ما جاء عن عمران بن الحصين -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال[1] رواه مسلم.

ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال يعني في الفتن، فأعظم فتنة منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة هي: فتنة الدجال، ودل هذا على أن فتنة الدجال هي أعظم من سائر الفتن التي أخبر عنها النبي ﷺ من الحروب التي تقع، وكذلك ما يكون بين يدي الساعة من خروج يأجوج ومأجوج، والملاحم الكبرى، وما إلى ذلك.

هذا بالإضافة إلى الفتن الملابسة كفتنة الولد، والمال، وفتنة النساء، كما قال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء[2] فهذا في الفتن التي يلابسها الناس، وهذا لا يعارض قوله ﷺ هنا بأن أعظم فتنة من خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال، فهذا في الفتن الكبار العظام التي تقع في وقت معين، وليست مستمرة ملابسة لكل أحد، أما الفتن الأخرى التي يلابسها الناس كالمال، فتنة الرجل في نفسه وولده، وما إلى ذلك، فإن أعظم هذه الفتن هي فتنة النساء.

والحديث الآخر الذي ذكره بعده، وهو حديث أبي سعيد عن النبي ﷺ قال: يخرج الدجال، فيتوجه قبله يعني ناحيته رجل من المؤمنين وهذا قد لا ينافي ما جاء عن النبي ﷺ من الأمر بالنأي عنه، وعن فتنته، وما جاء في الحديث أيضًا الذي قبله، وهو أن المؤمنين ينفرون من فتنة الدجال إلى الجبال.

فهذه الأحاديث ليس بينها تعارض، فالمطلوب من أهل الإيمان أن ينأوا بأنفسهم عن الدجال، ولا يقدم إليه أحد ثقة بنفسه، لكن هنا إما أن يقال: إن ذلك من قبيل الخبر، يعني النبي ﷺ يخبر عن أمر سيقع، وليس ذلك من باب الحث، أو الحض، أو الأمر، أو الترغيب، أو نحو ذلك، إنما هو خبر، يخرج إليه هذا الرجل، فالنبي ﷺ يخبر عن أمر قدري، واقع لا محالة.

وعلى كل حال، الله -تبارك وتعالى- قيض خروج هذا الرجل، وقد جاء في بعض الروايات أنه يخرج إليه رجل من خيار أهل المدينة، فهذا الرجل من المؤمنين كما في نص هذا الحديث: فيتلقاه المسالح مسالح الدجال، ومسالح الدجال، أو المسالح هم يقال: الخفراء، والطلائع، ومقدم الجيش من الجند، والعسكر، ونحو ذلك، يقال لهم: مسالح، الذين يكونون متقدمين على الجيش، أو على الجند، أو في طليعة الجيش، أو نحو ذلك فيقولون له: إلى أين تعمد ­أين تريد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الرجل، أو هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ يعني هو يتجاهل هذا الرجل، يقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، ما قال: إلى الأمير، أو قال: إلى هذا الكبير، أو إلى هذا العظيم، أو إلى هذا الصالح، أو الولي، أو نحو ذلك.

وقد جاء في حديث ضعيف الإسناد، أن الدجال أول ما يخرج يتظاهر بالصلاح والتقوى، ثم بعد ذلك يدعي النبوة، ثم بعد ذلك يدعي الإلهية، ولكن الحديث لا يصح[3].

فالشاهد: أن هذا يتجاهل هذا الرجل، ولا يعطيه شيئًا من الأوصاف، أو الألقاب التي تفيد التعظيم، وإنما يقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ كما سبق أنه يدعي الربوبية، وأن هؤلاء الذين يتبعونه يفتنون بذلك فيقول: ما بربنا خفاء يعني أن الله -تبارك وتعالى- معلومة صفاته، لا تخفى، وهذا الرجل الذي يشاهدونه أمامهم هو قزم من الأقزام، أعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن، هذه ليست بصفات الله -تبارك وتعالى- ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه يعني هذا يدل على أن هؤلاء الشبيحة أنهم مثله، وأنهم على شاكلته، ويقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه هو ربهم الآن، هو نهاهم أن يقتلوا أحدًا دونه، يعني لا بد من الرجوع إليه فينطلقون به إلى الدجال الآن ما الجريمة؟

هو يريد أن يصل إلى الدجال يريد أن يذهب إلى هذا الرجل، وما أخبرهم، ماذا يريد؟ فيقتل لماذا؟ فإذا رآه المؤمن المؤمن رأى الدجال قال: يا أيها الناس إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله ﷺ يرى صفته، ويمكن أن يكون أيضًا يقرأ ما كتب بين عينيه كافر فيأمر الدجال به، فيشبح ما معنى يشبح؟

هم شبيحة -كما سبق- يشبح: يمدد على بطنه، ثم بعد ذلك يقتلونه من التشبيح، وبعضهم يقول: إنه يرجع إلى مادة الشبح، ومنه لربما هؤلاء الشبيحة اليوم الذين يعبدون هذا الدجال الصغير فيشبح، فيقول: خذوه، وشجوه، فيوسع ظهره، وبطنه ضربًا الشج يكون في الرأس، ويكون في الوجه، فيشبح، يمدد على بطنه، ثم بعد ذلك يضربونه ضربًا مبرحًا يوسع ظهره، وبطنه ضربًا فيقول: أو ما تؤمن بي؟.

يشبه الذي يحصل الآن في سوريا، هؤلاء إذا خرج الدجال هم سيكونون من هؤلاء المسالح الذين حوله أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار يؤشر، يعني: يشق يقطع ينشر يؤشر بالمنشار من مفرقه مفرق الرأس حتى يفرق بين رجليه يعني يقطع طولاً على شقين ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا فتنة للناس ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: يا أيها الناس هذا المؤمن يقول: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس يعني لا يستطيع أن يعيد هذا مرة أخرى مع أحد فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا لا يستطيع أن يقتله، يكون هذا كله نحاس، والنحاس أقوى من الحديد، والمنشار يقطع في الحديد، وقد لا يقطع في النحاس -كما هو معروف-.

والترقوة هي هذا العظم الذي يكون إلى هذه النقرة التي في النحر، إلى العاتق، هذا العظم، والعظم الآخر الأول من اليمين، والثاني من اليسار، وهذا لا يوجد إلا في الإنسان كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة:26] يعني: بلغت الروح هنا، توشك أن تخرج، فهنا يأخذه ليذبحه فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذ بيديه، ورجليه، فيقذف به ما استطاع قتله، فيأخذه بهذه الطريقة ليقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار يعني يلقيه في نار ظاهرًا وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله ﷺ: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين[4] أعظم الناس شهادة.

يعني هناك عندنا سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره، ونهاه فقتله[5] هذا سيد الشهداء، وهنا أعظم الناس شهادة، ففرق بين سيد الشهداء، وأعظم الناس شهادة، ولا منافاة بين الأمرين، كما يقال مثلاً: أعظم سورة في القرآن كذا، وأفضل سورة في القرآن كذا، أعظم آية في القرآن كذا، وأفضل سورة في القرآن كذا، فهنا هذا أعظم الشهداء، إذا قيل: من أعظم الشهداء؟ هذا الذي يقتله الدجال، من أفضل من سيد الشهداء؟ حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر.

فسيد الشهداء كثر، يعني هؤلاء الذين يتصفون بهذا الوصف، يعني: قام إلى إمام جائر عبر القرون، قد يكن جماعة من الناس، أما أعظم الناس شهادة هو هذا، فهو رجل واحد، وهذا يدل على أن مراتب الشهداء تتفاوت، كما أن مراتب الأنبياء تتفاوت، كما أن النبي ﷺ رآهم في السماوات على مراتب، كما أن مراتب الصديقين تتفاوت بقدر ما يكمل لهم من الصدق، والتصديق، وهكذا مراتب أهل الإيمان، فهنا هذا أعظم الناس، هذا حديث رواه مسلم[6] قال: وروى البخاري بعضه بمعناه[7].

ثم ذكر حديث المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد رسول الله ﷺ عن الدجال أكثر مما سألته عنه[8].

حذيفة كان كثيرًا ما يسأل عن الفتن: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني[9].

هذا عن نوع من الفتن، وهو الدجال، قال: وإنه قال لي: ما يضرك؟ ما يضرك؟ يعني لماذا تهتم بالموضوع هذا الاهتمام؟ ما يضرك؟ إما لأن النبي ﷺ مثلاً بعدما أخبرهم عرف أنه لن يخرج في وقته هذا، أو أن المغيرة بن شعبة لن يفتن به إذا خرج، لن يكون ممن يبتلى بفتنته مثلاً، أنه ينجو منها، أن الدجال لا يضره يحتمل، أو أن النبي ﷺ حينما رأى ما بالمغيرة بن شعبة من الخوف العظيم، كأنه هاله أمر الدجال، أراد أن يهون عليه، وأن شأنه أحقر، وأصغر مما تظن، ما يضرك؟ وهذا السياق يدل على هذا المعنى الأخير، قال: قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز، ونهر ماء جبل خبز[10] وفي بعض الألفاظ: جبال الخبز[11] وفي بعضها ما يدل على الطعام والشراب[12] وهنا قال: ونهر ماء جبل خبز واللفظ الآخر: جبال كل ذلك بمعنى واحد، باعتبار أن الجبل هنا جنس، يصدق على الواحد والكثير جبل خبز.

وبعض العلماء يقول: أن المقصود هنا بجبل الخبز، عبر بالخبز عن أصله، وهو البر، فعنده جبال من البر الذي تقوم عليه أقوات الناس عادة، فهو يعطي لهؤلاء الناس من هذه الأقوات، الذين يستجيبون له، والذين لا يستجيبون يبقون في حال من مكابدة الجوع، ويمحلون، قال: هو أهون على الله من ذلك[13] متفق عليه.

ما معنى هذا؟ مع ما ذكر الرسول ﷺ أنه يقول: للسماء أمطري، وللأرض أنبتي، ويأتي على الخرب فيقول: أخرج كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل[14] المقصود -والله أعلم-: أنه أهون على الله من ذلك بمعنى: أن الله لا يمكنه من فتنة تلتبس على أهل الإيمان، فتجتالهم من إيمانهم هو أهون على الله من ذلك هذا المراد -والله أعلم- وإلا عنده أشياء كما مضى في بعض الأحاديث، لكن لا يصل هذا الأمر إلى حال أن أهل الإيمان يزلزلون، ويلتبس عليهم أمره، ويبقون في حال لربما تنطلي فتنته عليهم، فيجتالهم من دينهم، وإيمانهم، والله أعلم.

على كل حال يكفي هذا القدر، أسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال، برقم (2946).
  2. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم (5096)، ومسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، برقم (2740).
  3. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر، برقم (13/91).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في صفة الدجال، وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه، برقم (2938).
  5. أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (4079) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3673).
  6. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في صفة الدجال، وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه، برقم (2938).
  7. أخرجه البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة، برقم (1882).
  8. أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب جواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة، برقم (2152).
  9. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3606) ومسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر، برقم (1847).
  10. أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، برقم (7122).
  11. أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب جواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة، برقم (2152).
  12. أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، برقم (6782) وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم (6744).
  13. أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، برقم (7122) ومسلم، كتاب الآداب، باب جواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة، برقم (2152).
  14. أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم (2937).

مواد ذات صلة