الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
حديث «يا معشر النساء تصدقن..»
التحميل: 0
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالحديث الأخير في "باب الاستغفار" هو ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار قالت امرأة منهن: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قال: ما نقصان العقل والدين؟ قال: شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي[1]، رواه مسلم.

قوله ﷺ: يا معشر النساء تصدقن هذه اللفظة: معشر مثل (قوم) هذا يقال في الأصل لجماعة الرجال، ويدخل فيه النساء بقرينة، أو على سبيل التبع، يعني: هناك صيغ خاصة بالرجال، تطلق غالبًا على الرجال، وقد يدخل فيها النساء على سبيل التبع، وهناك صيغ مشتركة، وهناك صيغ خاصة بالنساء، فلفظ الرجال خاص بالرجال، ولفظ النساء خاص بالنساء، وهناك ألفاظ مثل: قوم، ومعشر، الأصل أنها تطلق في جماعة الذكور، وقد يدخل فيها النساء على سبيل التبع، كما قال الشاعر:

وَمَا أَدْرِي وَسَوفَ إخالُ أَدْرِي أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ؟[2]

فَفرّقَ بين القوم وبين النساء، فجعل القوم رجال، والنساء مفارقات لذلك، وأوضح من هذا قول الله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11].

فهنا: يا معشر النساء أطلق لفظ معشر على النساء، فدل على أنه قد يستعمل ذلك في النساء، لكن الغالب أنه لجماعة الذكور؛ لأنه ليس بمختص بالذكور، مثل كلمة (رجال)، كما أنه ليس بمختص بالنساء كلفظة (نساء).

قال: تصدقن أمرهن بالصدقة، ثم أمرهن أيضًا بكثرة الاستغفار، ولم يقل: واستغفرن، بل قال: وأكثرن من الاستغفار أمر بالإكثار، فذكر بعده العلة، حيث عقّب بالفاء التي تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، هناك ارتباط بين ما بعد الفاء وما قبلها، قال: فإني رأيتكن أكثر أهل النار لماذا أمرهن بالصدقة، وكثرة الاستغفار؟ فإني رأيتكن أكثر أهل النار فيدل على أن هذا الأمر بالصدقة، وكثرة الاستغفار للعلة المذكورة بعده، يعني: الفاء تدل على التعليل، كأنه يقول: لأني رأيتكن أكثر أهل النار.

إذًا هذا يُؤخذ منه: أن عذاب الله -تبارك وتعالى-، ودخول النار يدفع بكثرة الاستغفار والصدقة، كما يدفع بأشياء أخرى كثيرة، لكن هذا ما أمر به النبي ﷺ معشر النساء، وعموم النساء وليست امرأة معينة، حتى نقول: لملابسة معينة، وإنما عموم النساء.

ما الذي يدفع عنهن الاشتراك في هذه النتيجة وهذا المآل من دخول النار؟ الإكثار من الاستغفار، وكذلك الصدقة، فإن الصدقة -كما هو معلوم- يستدفع بها عذاب الله ، وتطفئ غضب الرب -تبارك وتعالى-، والاستغفار لا يخفى أنه: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33] فيدفع به عذابه العاجل، كما يدفع به عذابه الآجل في الآخرة.

إذًا إذا كان هذا وجه للنساء، فكذلك الرجال أيضًا، بماذا يدفعون عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة؟ بالصدقة والاستغفار، وهناك أمور أخرى، لكن هذا يدل على أن هذين الأمرين من أعظم ما يدفع به العذاب العاجل والآجل، فلنكثر من الاستغفار، ولنكثر من الصدقات، علّ الله أن يلطف بنا ويرحمنا، وأن يدفع عنا عذابه في الدنيا والآخرة.

قال: فإني رأيتكن أكثر أهل النار أكثر أهل النار، هل المقصود بأكثر أهل النار أهل الخلود فيها؟ يحتمل، بأي قرينة؟ ذكر أهل النار، لم يقل: فإني رأيتكن أكثر من يدخل النار، فبعض العلماء قال: إن هذا الحديث: رأيتكن أكثر أهل النار يعني: من يدخل النار، ويعذب فيها، ثم في النهاية يخرج، من المؤمنين والموحدين، فإنهم لا يخلدون في النار -كما هو معلوم-، وقالوا أيضًا: النساء كثير، أكثر أهل النار من النساء، وقد يكون أيضًا اللاتي لم يدخلن؛ لأن النساء أكثر من الرجال في بعض الأوقات، قد يكون من يدخل النساء ابتداء أكثر من الرجال مثلاً، واستدل هؤلاء على هذا الافتراض أو الاحتمال ببعض الأدلة، ولكنها ليست بواضحة وصريحة، قالوا: وكذلك بعد الخروج من النار، يعني: بعدما يعذبون يدخلون الجنة، فيكون النساء أكثر من الرجال، بعد ما يعذبن، يعني: قالوا: يحتمل أن يكون في البداية لكثرة النساء يدخل أكثر أهل النار النساء، وأن اللاتي يبقين أيضًا ربما يكن أكثر من أن يبقى من الرجال، ودخل بعض الرجال، ودخل كثير من النساء، قد يكون الذي بقي ممن دخل الجنة من النساء أكثر، هكذا قالوا افتراضًا احتمالاً، دون تقرير لذلك، وإنما من باب الاحتمال.

وعلى كل حال الذي قالوه بعده قد يكون أوضح من هذا، وهو أنه بعد التمحيص في النار يخرجن، يعني: الموحدات، ومن ثم تكون النتيجة: أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، قالوا: ولهذا يزوج الرجل امرأتين من نساء الدنيا، يكون له زوجتان، إضافة إلى الحور العين.

فقالوا: هذا يدل على أن النساء أكثر، يعني: من أهل الدنيا، أنهن في الجنة من الرجال، والله تعالى أعلم، لكن هكذا قال بعض أهل العلم.

لكن هذا اللفظ كما سبق أهل النار يحتمل: أن يكون المقصود أهل الخلود فيها، فإنه حينما يقال: فلان من أهل النار، يعني: الذين هم أهلها، وأهل الخلود فيها، كما إذا جاء أصحاب النار، فهذا يعني: أهل الخلود فيها -أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين منها- فهذا يحتمل أن المقصود بالحديث أكثر أهل النار يعني: من المخلدين، وهذا أيضًا لا يستبعد، ولكن الذي ذكر بعده يدل على أنهم دخلوا بسبب المعاصي لا بسبب الكفر بالله ؛ لأنه سألته امرأة قالت: "ما لنا أكثر أهل النار؟" لاحظ هذا كان في يوم عيد؛ لما خطب النبي ﷺ بالرجال، ثم مر على النساء، وأمرهن بالصدقة، فقال: إني رأيتكن أكثر أهل النار فسألته هذه المرأة، فقالت: "ما لنا أكثر أهل النار؟" لماذا؟ وما السبب؟ لاحظ ما اعترضت، وقالت: كيف يكون هذا؟ ولماذا يكون؟ لا، وإنما قالت: ما السبب الذي جعلنا كذلك؟ واليوم كثير من النساء لو سمعت هذا الحديث -نسأل الله العافية- يعني: أحيانًا الإنسان لربما يخطر في باله أنه يذكر تذكير وعظة للنساء في أحد هذه الوسائط في التويتر، أو غيره، والله ما يمنعني من هذا إلا أن بعض النساء قد لا تملك عقلها، فتقول كلمة قد توبقها -نسأل الله العافية- وتذهب بآخرتها.

فما يمنع الإنسان أن يتكلم ويعظ أحيانًا في قضية تتعلق بهذا، إلا الطيش، الذي قد يوجد عند كثير من النساء، إذا سمعت هذا الحديث لربما تقول كلمة تذهب بدينها، نسأل الله العافية.

فهنا قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير وفي بعض الروايات أنه قال: يكفرن قيل: أيكفرن بالله؟[3] فبيّن أنه ليس الكفر بالله، وإنما المقصود كفر العشير.

فهنا كثرة اللعن، وكفران العشير لا يوجب الخلود في النار، فدل هنا على أن قوله: رأيتكن أكثر أهل النار أن المقصود ليس الخلود، بهذه قرينة في نفس الحديث، التي تمنع من حمله على المخلدين فيها، الذين هم أهلها، والذين لا يخرجون منها، نسأل الله العافية.

فالمقصود من يدخل النار بسبب المعاصي، فأكثرهم النساء، ما هذه العلل؟ لاحظوا الآن، ما قال: تزنين، وما قال: تسرقن، وما قال: تقتلن، قال: تكثرن اللعن مباشرة ما تملك، تلعن.

ولهذا قال بعض أهل العلم في السبب في سورة النور، وذكرته لربما في بعض المناسبات في درس التفسير؛ لماذا في آية اللعان في سورة النور وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور:6] يعني: يتهم امرأته بالزنا عند القاضي، فالله أمرهم بأن يشهد أربع شهادات عليها بالزنا، والخامسة بالنسبة للرجل حينما يقوم ويشهد: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7] فاللعنة بحق الرجل؛ ولما تقوم هي تشهد أربع شهادات أنه كاذب فيما نسب إليها، ماذا تقول في الخامسة؟ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9] يعني: فيما أضاف إليها، واتهمها به؛ فلماذا قال في حق الرجل اللعن حينما يشهد، وفي حق المرأة الغضب؟ بعض العلماء أجاب عن هذا بجوابٍ وجيه، وأجيب بأجوبة أخرى، لكن هذا من أوضح الأجوبة، قال: لأن اللعن خفيف على لسانها، فإذا قال لها في الخامسة: قولي وأن عليك لعنة الله إن كان من الصادقين، عادي؛ لأنها متعودة على اللعن، فهي ما تقف عنده، فجيء لها بالغضب في حقها، أما الرجل فيقول: أن لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فهذا جواب: لماذا فرق بين شهادة الرجل وشهادة المرأة، هنا غضب، وهنا لعن؟

الشاهد هنا: تكثرن اللعن وهذا يدل على أن اللعن بغير حق: من أسباب دخول النار، فهؤلاء يكثرن اللعن، فالإنسان لا يكون لعان، هذا الذي يلعن الناس، وقد مضى باب في اللعن، وأنها ترجع على صاحبها إن لم تجد محلاً قابلاً، يعني: إن لم يكن بحق، فترجع عليه، فما بالك بالذي يلعن الدين، والرب -تبارك وتعالى-، كما هو في حال بعض البلاد للأسف الشديد؟ ونحن نشاهد اليوم في مقاطع في اليوتيوب وكذا، هؤلاء المجرمين الذين يقتلون الناس، ويفسدون في الأرض، ولا يصلحون، من هؤلاء الباطنية في سوريا، مقاطع مليئة باللعن الفاحش للدين وللرب -تبارك وتعالى-، وللأسف هذا لا يختص بهم، بل يوجد للأسف عند غيرهم كثير ينتشر في تلك البلاد، في بلاد الشام برمتها، في سوريا، وفي فلسطين، وفي غيرهما، وفي الأردن، في بلاد الشام عمومًا لعن الرب -تبارك وتعالى-، ولعن الدين، فضلاً عن لعن الناس، هذا على طرف اللسان، وهو كفر مخرج من الملة، لا يحتاج إلى إقامة حجة ولا بيان، مباشرة يخرج من الدين، وما يحتاج يبيّن له، ويقال له: تعال حتى نقيم عليك الحجة، وتعال حتى نبين لك أن هذا، فالذي يلعن الرب هذا ما يحتاج أن يبين له أن هذا ما يجوز، في أحد ما يعرف أنه ما يجوز؟! هذه قضية مثل الشمس، نسأل الله العافية.

فهؤلاء النساء اللاتي يكثرن اللعن، تلعن صاحبتها، أو زميلتها، أو واحدة أخرى تخاصمت معها، دخلن النار، والذي يلعن الدين والرب، والملة؟ ماذا يكون حاله هذا؟ نسأل الله العافية، فالأمر خطير.

تكثرن اللعن فتجدها تلعن ولدها إذا غضبت، وتلعن زوجها، وتلعن من تتخاصم معه، وتلعن البائع إذا غشها.

وتكفرن العشير والعشير هو الزوج، مأخوذ من المعاشرة؛ لأنه أكثر من تعاشر الزوج، والعشرة: الخلطة، ما معنى: تكفرن العشير؟ النبي ﷺ بينه في رواية أخرى للحديث: لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا يوم واحد بس خطأ أو تقصير قالت: ما رأيت منك خيرًا قط[4]، نسأل الله العافية، فأين هذا الإحسان، وهذا الجميل لموقف واحد فقط، تقول: أنا ما رأيت منك (ما) نافية، و(خيرًا): نكرة في سياق النفي تفيد العموم ما رأيت خيرًا يعني: لا قليل ولا كثير، أنا ما رأيت منك إلا النكد والتعب، وتعرفون من العجائب في هذا كثير، وبعض ملوك الأندلس لما زوجته أطلت من القصر، ورأت بائعات اللبن، وهن يمشين في يوم مطير في الطين، وهي مترفة، اشتهت أنها تخوض في الطين، فأمر بأن يدق لها العود، وأن يخلط بالمسك، ثم بعد ذلك تخوض، وضع لها في إناء، في صحفة من ذهب، فوضع بين يديها، وقال: هيا خوضي في هذا الطين، بعد ما تحولت الأمور، وذهبت دولتهم، وصار هذا الملك في حبس، وجاءته امرأته هذه في حال يرثى لها، وغاضبته، وقالت: أنا ما رأيت منك خيرًا قط، فقال: ولا يوم الطين، ولا يوم الطين.

لاحظ النكران، وليس كل النساء كذلك طبعًا، ولكن بعض النساء، ومضى حديث إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- لما بنيا الكعبة، ووضع أم إسماعيل؛ ولما جاء إليها، وزوجها غائب، وسألها عن حالهم، فقالت: في شر حال، وكذا، وعيشنا، فأمره أن يفارق، و"أن يغير عتبة بابه" ولما جاء إلى الزوجة الأخرى بعد ما تزوج زوجة جديدة، وزارهم إبراهيم، وما وجده، فسأل عن حالهم، فأثنت عليه، وعلى حالهم، وأنهم في خير، وأنهم كذا، أمره أن يمسكها.

فالنساء يتفاوتن غاية التفاوت، فمن النساء من تكون حافظة لدينها، حافظة لزوجها، حافظة لماله، شاكرة لأنعم الله، بل وجد من النساء من تضحي وتبيع ما عندها، من الحلي التي عليها من أجل أن تخفف عن زوجها، وأن تقضي دينًا، أو نحو ذلك من الأمور، هذا أمر معلوم.

ومن النساء من هي أفضل من كثير من الرجال، هذا أمر لا ينكر، لكن للأسف كثير من النساء لسن كذلك، والمشكلة الذي لا يعرف عواره، ويظن أنه بأحسن الأحوال، وإذا جيء له بنماذج فذة، قال: هؤلاء مرضى، وهؤلاء مجانين، وهؤلاء لا يحسنون، ولا يفهمون، ولا يعقلون، صار هو الذي يعقل ويفهم، فكيف يداوى من كان بهذه المثابة؟ نسأل الله العافية.

فالشاهد هنا قال: تكفرن العشير فدل على أن عقوق الزوج من أسباب دخول النار، فالمسألة ليست سهلة، بعض النساء تقول: هذا الذي كبر رؤوسهم علينا، هذا شرع، وهذا وحي من الله ، نقول: هذا الذي أدخل كثير من النساء النار، لكن من الذي يعقل؟

فقال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن فهذه سألت: "ما نقصان العقل والدين؟" قال: شهادة امرأتين بشهادة رجل هذا نقصان العقل أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة:282] فشهادة المرأتين برجل واحد، فهل هذه ينتظر منها أنها تقدم مشورة ورأي، لا سيما إذا حاضت، وصار عندها تقلصات في أيام الحمل، وضمور في الدماغ، وصار عقلها مشتتًا، والحالة النفسية متوترة، فما ظنكم أن هذه يمكن أن تقدم وأن تفيد وتنفع؟

ونقصان الدين قال: وتمكث الأيام لا تصلي وفي بعض الروايات: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم[5] فهذا نقصان، لكن هذا النقصان لا يؤاخذ الإنسان عليه، فالنقصان على أنواع: منه ما يكون صاحبه مذمومًا يلحقه الذم، ومنه ما لا يلحقه الذم، فهذا من النوع الذي لا يلحقه الذم، لا يذم بسببه، يعني: لا يعير بهذا ولا يعاب، ولا يذم، ولا ينتقص، وإنما هذا من قبيل الخبر ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لذي لب من إحداكن لأن الرجل العاقل الحليم اللبيب، تجد هؤلاء النساء يستطعن بحيلهن أن يفتلنه عن رأيه، الرأي جزل، فتأتي من هنا ومن هنا ومن هنا، وما تزال به حتى تحلحله، فيتغير رأيه، ويفعل بعض الأمور التي ما كان يرتضيها إطلاقًا، ولكنه وجد نفسه أمام حالة لا يستطيع الخلاص منها إلا بالتسليم لها.

ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى في البيت سترًا على الجدار، فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعامًا، فرجع[6]، فكان الجواب: فما كنت أظن أن مثلك تغلبه النساء، أو كما قيل له.

يعني: واحد بهذه المنزلة من العلم، ورجحان العقل، وفي مناسبة زواج أو كذا، تجد النساء أحيانًا يغيرن قناعات الإنسان أغلب لذي لب من إحداكن ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان في الأمور التي فيها حدود لله -تبارك وتعالى- أن يقف عندها، ولا يتزحزح، وانظروا إلى ما ذكره الله -تبارك وتعالى- في مظاهرة أزواج النبي ﷺ عليه: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4] الله، وجبريل، والملائكة، وأهل الإيمان، كل هؤلاء نصير للنبي ﷺ، حينما يتظاهرن عليه، لم يجمع في نصرة النبي ﷺ إزاء كيد قط، في أي موضع من القرآن هذه الأربعة، إلا في مقابل كيد النساء؛ ولهذا قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم [يوسف:28].

بعض النساء تقول: هذا من كلام العزيز: قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ وليس من كلام يوسف، وليس من كلام الأنبياء، نقول: نعم، هو من كلام العزيز، ذكره الله وأقره، ولم يورد قبله ولا معه ولا بعده ما يدل على رده، والأصل في القاعدة: "أن الحكاية في القرآن إن لم يرد قبلها أو معها أو بعدها ما يدل على بطلانها، فالأصل أنها صحيحة" يعني: المقالة الأصل أنها صحيحة غالبًا، وهذا يستدل به على صحة هذه القضية: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ.

وبعض النساء ما شاء الله، على الصلاح والإصلاح والتقوى والعقل الراجح، وكم من امرأة تساوي عشرات الرجال في عقلها، وحسن نظرها وتدبيرها، وكم من امرأة هي التي تدبر لزوجها، ولو ترك الأمر له لضاع، وأضاع من يعول، لا يحسن تدبير المال، لا يحسن التدبير والتصرف في إدارة شؤون الأسرة، وهي ما شاء الله امرأة عاقلة، راجحة العقل، لكن كثير من النساء قد لا يكن كذلك.

فالعاقلة من النساء هي التي تنظر فيما يكون به صلاحها ونجاحها وفلاحها، وقوام الحال، وتفعل ذلك، لا أنها تكابر وتماري، وترد الحق إذا جاء، فهذا ليس من فعل العقلاء، بل هذا من فعل السفهاء، ومن السفه ونقصان العقل والدين، نسأل الله العافية.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات... برقم (79).
  2. ديوان زهير بن أبي سلمى (ص:14).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر برقم (29) ومسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار برقم (907).
  4. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر برقم (29) ومسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار برقم (907).
  5. أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم. وفي كتاب الصوم باب الحائض تترك الصوم والصلاة برقم (304) (1951).
  6. أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة (7/25).

مواد ذات صلة