بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيُحتمل في المراد بقوله سبحانه: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ شيئان:
الأول: وارث الصبي إذا مات الوالد مثل ذلك: يعني في عدم المضارة، والمعنى أنها مأمورة بأن لا تلحق الضرر بالولد، ووالد الصبي ووارثه -في حال موت والده- مأموران بأن لا يلحقا الضرر بهذه المرأة بسبب الصبي، فهذا الجزء من الآية يتحدث عما قبله مباشرة لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ أي: في عدم المضارة.
الثاني: يحتمل أن يكون المراد من قوله: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ أي: من النفقة والأجرة التي تكون بسبب هذا الرضاع، سواء قلنا بأن الورثة هم الذين تولوا أمر هذا الصبي بعد موت الأب، أو وارث والد الصبي، أو وارث الصبي نفسه من أحد الأبوين، أو أن المقصود وارث المرضعة فهذه احتمالات وأقوال في المراد بالآية، وخلاصة القول: إن من تولى الصبي في تصريف شئونه فعليه ألا يلحق الضرر بالآخر، وعليه أن يدفع النفقة للأم المرضعة.
وهذا الاحتمال باعتبار أن الإشارة ترجع إلى المعنى الذي سيقت الآية من أجله، وهو ما يتعلق بالرضاع وأجرته ونفقته، لا إلى الأقرب من المذكورات وهو عدم الضرر.
وأما إذا جعلنا الإشارة في الآية إلى أقرب المذكورات فيكون المراد من الآية عدم الضرر، وهذا أحد المعنيين اللذين نقلهما ابن كثير قال: قيل: في عدم الضرار لقريبه قاله مجاهد والشعبي والضحاك، واختاره القرطبي -رحمه الله.
ويمكن أن تحمل الإشارة على المعنيين وهو ما نقله ابن كثير عن الجمهور بقوله: وقيل: عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل، والقيام بحقوقها، وعدم الإضرار بها فهذا القول بناءً على جمع المعنيين، كأنه جعل الآية سيقت لتقرير هذا المعنى، أن الأم ترضع الولد ويتحمل النفقة الأب، ولا يحق لأحدهما أن يلحق الضرر بالآخر، وهذا من أحسن ما يكون في التفسير أن يجمع بين المعاني.
ومثل ما يمكن أن تحمل الإشارة فيه على المعنيين ما جاء في قوله -تبارك وتعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [سورة البقرة:255] فالآية تحتمل المعنيين: بعلم الله، أو بعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، وبين المعنيين ملازمة مفادها: أنهم إذا كانوا لا يحيطون بشيء من علم الله، ومن علم ما بين أيدهم وما خلفهم فالإحاطة بعلم الله من باب أولى، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
وبعض أهل العلم يقول: الآية منسوخة، والقاعدة الأصولية أن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وبعضهم يقول: هذه الآية في المطلقة، والصواب خلافه؛ لأن الله يقول: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، ويقول في نفس الآية: وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [سورة الطلاق:6].
وهذه الآية –بالمناسبة- يحتج بها بعض الفقهاء -رحمهم الله- على جواز دفع النفقة للقريب كالأب والأم، والمسألة فيها تفصيل:
فإذا كانت الزكاة للأصول والفروع فالإجماع منعقد على أنها لا تعطى للأصول والفروع، وإن علوا أو نزلوا.
وأما إذا كانت للحواشي كالأخ والأخت فالتفصيل قائم عند طائفة من أهل العلم وأن ذلك بحسب حال هذا المعطى، فإن كان المعطي يرثه فإنه لا يعطيه، مثل مسألة هلك هالك عن أخ وأب فيجوز أن يعطى الأخ من الزكاة؛ لأنه محجوب بالأب، بخلاف لو هلك هالك عن أخ وبنت فإنه يرث في هذه الصورة فلا يعطى من الزكاة واستدلوا على هذا بقوله: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ بناءً على تفسير هذه الآية بالنفقة، إذ لو فسرناها بعدم الضرر فلا وجه للاستدلال، قالوا: فجعل ذلك حقاً على الوارث -يعني أجرة ونفقة المرضعة أو الأم.
لأنها رضاعة في غير محلها، وهذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم فقد خالف ابن القيم -رحمه الله- وذكر بأن الطفل ينتفع بالرضاع بعد الحولين، ويحسن على الأقل أن يرضع إلى منتصف السنة الثالثة، وأحسن ما يكون الفطام في وقت الاعتدال –الخريف أو الربيع، أما الربيع فلأنه يستقبل الصيف، وأما الخريف فلأنه يستقبل الشتاء فيكون نهمه للطعام أكثر منه في الصيف فتكون الحرارة الغريزية أوفر، والناس بحاجة إلى الطعام في الشتاء أكثر من حاجتهم إليه في الصيف، وكذلك أيضاً في الجماع عندهم من القدرة عليه والنهم به أعظم ما يكون في الصيف، وذلك لوفور الحرارة الغريزية.
وقوله تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [سورة البقرة:233] أي: فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر قاله الثوري وغيره.
وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره، وهو من -رحمة الله- بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما، وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه كما قال في سورة الطلاق: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [سورة الطلاق:6].
وقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ أي: إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يستلم منها الولد إما لعذر منها، أو لعذر له فلا جناح عليها في بذله، ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف، قاله غير واحد.
ويحتمل أن يكون المراد بالتسليم من المسالمة والتراضي بينهما بإرضاع الولد من مرضعة غير الأم، وهذا القول فيه بعد؛ لأن دلالة الآية واضحة في ثبوت أجرة الإرضاع للأم إذا أبته إلا بمقابل، ولذلك جاءت نسبة الولد في الآية للأب لتقرير أحقية الأم في مطالبة ولي الولد بأجرة الإرضاع قال سبحانه: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ والأكمل والأحسن أن لا تأخذ الأجرة مقابل إرضاعه إكراماً لولدها وإحساناً للعشرة مع زوجها، والله أعلم.
ويدخل في طلب تقواه ما يتصل بإرضاع الولد وعدم إلحاق الضرر بأمه، أو بوالد الصبي أو وارثه، وهذا التفسير جارٍ على عادة السلف في ربط المعنى بأقرب مذكور، والمعنى واتقوا الله فيما ذكر من الأمور السالفة.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة البقرة:234].
هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بهن بالإجماع، ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة.
ينص الفقهاء -رحمهم الله- على حكمة العدة للمتوفى عنها زوجها فيذكرون في كثير من الأحيان قضية استبراء الرحم، والملاحظ أن العدة ليست فقط لمجرد استبراء الرحم؛ لأن المرأة قد يتوفى عنها زوجها قبل الدخول بها، ويذكر الفقهاء لذلك صوراً عديدة منها: لو تزوج مشرقي بمغربية ما رآها قط ثم مات عنها، فيوجبون عليها العدة لأمرين:
الأول: لاستبراء الرحم.
وثانياً: مراعاة لحق الزوج وحرمته، وهذه القضية ليست في كل الحالات، بدليل أن المرأة إذا مات عنها زوجها ثم وضعت الحمل تنتهي عدتها بمجرد وضع الحمل، ولو كان بعد الوفاة بلحظة على قول الجمهور.
وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها، فترددوا إليه مراراً في ذلك فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، لها الصَداق كاملاً، وفي لفظ: لها صَداق مثلها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال: سمعت رسول الله ﷺ قضى به في بَرْوَع -ا، ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً[1].
وفي رواية فقام رجال من أشجع فقالوا: نشهد أن رسول الله ﷺ قضى به في بَرْوَع بنت واشق[2].
ومعنى قوله: "لا وكس" يعني لا ينقص من حقها الذي يكون لمثيلاتها، وقوله: "شطط" أي لا يزاد عليه بالإجحاف فيفرض لها أكثر مما تستحق، ويحمّل أكثر مما ينبغي أن يعطيه لمثلها.
بروع: إما بالفتح "بَروع" أو بالكسر كسر الباء.
ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل، فإن عدتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة؛ لعموم قوله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [سورة الطلاق:4]، ولما ثبتت به السنة في حديث سُبيعة الأسلمية -ا- المخرج في الصحيحين من غير وجه: أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته.
وفي رواية فوضعت حملها بعده بليال، فلما تَعَلّت من نفاسها...
يعني ارتفعت من النفاس، وذهب عنها أثره.
وخالف بعض السلف في عدة الحامل إذا توفي عنها زوجها كعليٍّ فقال: إنها تعتد بأطول الأجلين، ومستندهم قوله تعالى: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [سورة الطلاق:4] مع قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة:234] فأراد أن يجمع بين الآيتين ويحتاط للعدة، فقال: إنها تبقى الأجلين بحسب حالها، فإن كان الأكثر هو مدة الحمل بقيت، أو الأشهر الأربعة بقيت، ورد على حديث معقل بن يسار الأشجعي بقوله: لا نترك كتاب الله لقول أعرابي، كأنه لم يثبت عنده، ولم يتوثق منه لأجل ذلك رده.
وأما الجمهور فعلى خلافه فهم يجعلون الأول من باب العام والثاني من باب الخاص، ويقولون: العام وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، يحمل على الخاص وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
فالحامل سواء طال أو قصر حملها فإنها تبقى مدة الحمل -تسعة أشهر أو أكثر أو أقل- ثم تنقضي عدتها وتُستبرأ رحمها.
هذه الحكمة مراعاة في كل حالة على حسب كما سبق، فمثلاً من مات عنها زوجها قبل الدخول بها فلا مجال للاحتياط للرحم قطعاً في هذه الصورة، بدليل أنه لو طلقها زوجها فليس عليها عدة، وإنما العدة لها من باب أن حرمة الزوج مرعية، واستثنى من ذلك الحمل إذا وضعت بعد وفاته.
هذا تعليل لاعتبار هذه المدة في عدة المتوفى عنها زوجها، ووجهه ظاهر.
هذا الأثر عن عمرو بن العاص ضعفه بعض أهل العلم كالإمام أحمد، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وصححه بعض أهل العلم كالعلامة الألباني –رحمه الله- من المعاصرين، وقول الصحابي إذا خالفه غيره فإنه يفقد حجيته، ويصار حينها إلى الترجيح، ولذا بعضهم ذهب إلى أنها تعتد نصف عدة الحرة، وقيل: تعتد ثلاث حيضات.
والذي عليه الجمهور -ومنهم الأئمة الثلاثة سوى الأحناف- أنها تعتد بحيضة، فإن كانت لا تحيض لصغر سنها أو يأسها فإنها تبقى شهراً واحداً.
وأما المراد بأم الولد فهي الجارية التي لها ولد، وهي على العكس من الجارية التي لا ولد لها فإن عدتها إذا توفى عنها سيدها نصف عدة الحرة فتعتد شهرين وخمسة أيام، وهذا نقل عليه بعض أهل العلم كابن العربي -صاحب أحكام القرآن- الإجماع، والله أعلم.
وقوله تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة البقرة:234].
يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها؛ لما ثبت في الصحيحين من غير وجه عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أمي المؤمنين -ا- أن رسول الله ﷺ قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً[5]
وفي الصحيحين أيضاً عن أم سلمة -ا-: أن امرأة قالت: يا رسول الله ﷺ إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها، فقال: لا، كل ذلك يقول: لا، مرتين أو ثلاثاً[6].
مع أن الكحل قد يكون لحاجة العلاج، وقد يكون من نوع الإثمد الأحمر الذي لا لون، ومع ذلك منعها النبي ﷺ منه لكنه علل.
وجه الاستدلال على وجوب الإحداد من الحديث أنه منعها من الكحل مع حاجتها إليه، وكذا يجب أن تجتنب المرأة في العدة الزينة وكل ما يرغب الرجال بها، ولا تتزوج ولا تخطب؛ لعموم الآية: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وهذا خبر مضمن معنى الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب إلا لصارف، فيجب على المرأة أن تبقى هذه المدة في بيتها لا تخرج إلا لحاجة لا يقوم غيرها مقامها فيها، وخروجها بالنهار أسهل من خروجها بالليل، أما الأمور الأخرى فلا تمنع منها كالاغتسال، والتنظف، ومكالمة الرجال بالمعروف.
الحفش: بيت صغير ضيق نازل السقف، والمقصود أنها تبحث عن أضيق مكان في البيت وتكتن به، ولا تغتسل سنة كاملة، فهذه الهيئة التي كانت عليها المعتدة في وفاة زوجها في الجاهلية.
هذه إشارة لانتهاء العدة والخروج منها.
بمعنى أنها تمسح بهذا الطائر أو الحيوان فرجها.
وذلك لشدة ما علق بها من الأذى والقذر.
والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك، وهو واجب في عدة الوفاة قولاً واحداً، ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمة والمسلمة والكافرة لعموم الآية.
وقوله: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ أي: انقضت عدتهن، قاله الضحاك والربيع بن أنس، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ قال الزهري: أي على أوليائها، فِيمَا فَعَلْنَ يعني النساء اللاتي انقضت عدتهن، وقال العوفي عن ابن عباس -: إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج فذلك المعروف، وروي عن مقاتل بن حيان نحوه، وقال ابن جُريج عن مجاهد: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ قال: النكاح الحلال الطيب، وروي عن الحسن والزهري والسدي نحو ذلك.
فأباح الله للمعتدة عدة الوفاة أن تتهيأ للخطاب في المعروف -فتتحاشى ما لا يليق من مكارم الأخلاق أو مشين المروءات كالتبرج وإظهار الزينة أمام الرجال الأجانب ونحوه فهذا ليس من المعروف- ولا يلحقها في ذلك معرة ولا إثم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.
- رواه أبو داود برقم (2118) (2/202)، وسنن الترمذي (1145) (3/450)، والنسائي برقم (3354) (6/121)، وأحمد برقم (4276) (7/308)، وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل برقم (1939).
- رواها أبو داود برقم (2118) (2/202)، وأحمد برقم (4276) (7/308).
- رواه البخاري في كتاب المغازي –باب فضل من شهد بدرا برقم (3770) (4/1466)، ومسلم في كتاب الطلاق –باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل برقم (1484) (2/1122).
- رواه البخاري في كتاب التوحيد – باب وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [سورة الصافات:171] برقم (7016) (6/2713)، ومسلم في كتاب القدر - باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته برقم (2643) (4/2036).
- رواه البخاري في كتاب الجنائز – باب حد المرأة على غير زوجها برقم (1221) (1/430)، ومسلم في كتاب الطلاق – باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام برقم (1486) (2/1123).
- رواه البخاري في كتاب الطلاق – باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا برقم (5024) (5/2024)، ومسلم في كتاب الطلاق – باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام برقم (1488) (2/1124).