بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
وقوله تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [سورة الواقعة:20، 21] أي: ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار.
وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها، روى الإمام أحمد عن ثابت، قال: قال أنس: كان رسول الله ﷺ تعجبه الرؤيا، فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه، فإذا أُثني عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه، فأتته امرأة فقالت: يا رسول الله، رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة، فأدخلت الجنة فسمعت وَجبَة انتحبت لها الجنة، فنظرت فإذا فلان ابن فلان، وفلان ابن فلان، فسَمَّتْ اثني عشر رجلا -كان النبي ﷺ قد بعث سرية قبل ذلك، فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ -أو البيذخ- قال: فغمسوا فيه، فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر، فأتوا بصحفة من ذهب فيها بُسر، فأكلوا من بُسره ما شاءوا، فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. فجاء البشير من تلك السرية، فقال: كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عد اثني عشر رجلا، فدعا رسول الله ﷺ المرأة فقال: قصي رؤياك فقصتها، وجعلت تقول: فجيء بفلان وفلان كما قال[1].
هذا لفظ أبي يعلى، قال الحافظ الضياء: وهذا على شرط مسلم.
وقوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، روى الإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: إن طير الجنة كأمثال البخت، يرعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن هذه لطير ناعمة فقال: أكَلتُها أنعمُ منها -قالها ثلاثا- وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها[2]، تفرد به أحمد من هذا الوجه.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقوله -رحمه الله- تعليقاً على قوله تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ يقول: "هذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها" يعني: أن الطعام إن كان لوناً واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه كما قال النبي ﷺ: سمِّ الله يا غلام وكل مما يليك[3]، وإذا كان الطعام متنوعاً سواء كان فاكهة أو غير فاكهة فإن الإنسان يأكل مما يليه ومن غيره مما يتخيره، يقول:وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، إذا كانت الفاكهة نوعاً واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه، ولا حاجة إلى أن يمد يده ليأكل من أمام الآخرين؛ لأن هذا لا معنى له إلا عدم التهذيب في آداب الطعام والشراب، وهذا أمر لا إشكال فيه.
والنبي ﷺ ثبت عنه في السنة ما يدل على هذا المعنى: أن الطعام إن كان واحداً فإن الإنسان يأكل مما يليه، إنما هو طعام واحد[4]، وإذا كان متعدداً فإن النبي ﷺ كان يوجه ويرشد إلى أن الإنسان يأكل من حيث شاء، فالفاكهة ليس بإطلاقها أن الإنسان يأكل متخيراً هذا إذا كانت متنوعة، فالرطب فاكهة فهل يأكل الإنسان مما يلي الآخر مثلاً؟ إنما يأكل مما يليه.
والمقصود هنا وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أنها أنواع، فأي نوع اختاره فهو موجود مبذول بين يديه، ثم ذكر هذا الحديث المتعلق بهذه الرؤيا وهو حديث ثابت صحيح، ثم بعد ذلك تكلم على قوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ هذا وجرت عادة كثير من المفسرين، وممن يتكلم على بعض القضايا المتعلقة بمصالح الإنسان من مأكله ومشربه ونحو ذلك، يقولون: إن الإنسان يبدأ بالفاكهة ثم بعد ذلك يأكل اللحم بعدها؛ لأن الله قال: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ.
وهذا فيه نظر؛ لأن "الواو" لا تقتضي الترتيب، فالله يعدد نعيم أهل الجنة فما عسى أن يقال؟ وكيف سيذكر هذا النعيم المتعدد المتنوع؟ لابد أن يذكر بهذه الطريقة، يقال: فيها كذا، وفيها كذا، وفيها كذا، لمّا يقول: وَحُورٌ عِينٌ [سورة الواقعة:22] أيضاً الحور العين تؤكل؟! فهذا تعداد لنعيم الجنة، و"الواو" لا تقتضي الترتيب، ولذلك فإن هذه الآية لا تعني أن الفاكهة تؤكل قبل اللحم أو تؤكل بعده، بل إن الأطباء يقولون: إن الجمع بين الفاكهة وبين اللحم يضر الإنسان، ويسبب له تلبكاً، وأما الفاكهة فسهلة الهضم، والمقصود أن هذه الآية يعدد فيها نعيم أهل الجنة، ولا حاجة للتكلف في مثل تلك الفهوم فيقال: الفاكهة تؤكل أولاً ثم اللحم بعدها -والله أعلم.
في قوله: "كأمثال البخت" يعني: الإبل البختية، وهي ضخمة كما هو معروف، قال: "إن هذه لطير ناعمة"، ومعنى ناعمة يعني منعمة بمعنى أنها صارت بهذه المثابة.
بقيت بقية: فالله في هذه الآيات يقول: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ والحور المراد بها العيْن التي بها حَوَر، أي شدة البياض مع شدة السواد، ومن أهل العلم من يقول: إنه ميل قليل في العين يورثها ملاحة، يعني: إذا زاد الميل فهو الحَول فإن هذا ليس بمليح، لكن أحياناً يكون ميلاً يسيراً جداً يورث العين ملاحة، فمن أهل العلم من فسر الحَوَر بهذا، والمشهور -والله تعالى أعلم- هو شدة البياض مع شدة السواد، والعِين يعني واسعة الأعين، جمع عيناء، وهذه غاية الجمال في العين.
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ المكنون يعني: المحفوظ المصون في أصدافه، الذي لم تمسه الأيدي، ولم يقع عليه غبار؛ وذلك لشدة صفائهن حتى إن مخ ساقها ليُرى من وراء الجلد أو اللحم.
لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا اللغو هو الكلام الذي لا قيمة له، ولا منه ولا فيه فائدة، وَلا تَأْثِيمًا يشمل جميع المعاني التي ذكروها والتي تحتملها الآية، التأثيم يعني لا يسمعون فيها ما يؤثمهم من الكلام الباطل، ولا يسمعون من يؤثمهم، يعني: لا يستمعون ما يستوجب الإثم، الجنة لا إثم فيها، وليس فيها إلا الطيب من الأقوال والأعمال، فلا يسمعون من يوجه التأثيم إليهم.
يقول: إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا لا يسمعون كلاماً سيئاً قبيحاً، فليس فيها سباب ولا شتم ولا غيبة، ولا كذب، ولا شيء مما يتكلم به الناس مما لا يليق من الفحش والباطل، إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا والاستثناء هنا منقطع، فإن السلام ليس من اللغو ولا من التأثيم، يعني: لكن سَلامًا سَلامًا يعني: يسمعون التسليم، إِلا قِيلا، والقيل هو القول.
سَلامًا سَلامًا يسلم عليهم ربهم، تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [سورة الأحزاب:44]، سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ [سورة يس:58]، وتسلم عليهم الملائكة: وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [سورة الرعد:23، 24]، ويسلم بعضهم على بعض، قال: "وكلامهم أيضا سالم من اللغو إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا" باعتبار أن هذه اللفظة تدل على معنى السلامة إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا إلا قولاً سالماً من كل عيب.
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [سورة الواقعة:27-40].
لما ذكر تعالى مآل السابقين -وهم المقربون- عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين -وهم الأبرار- كما قال ميمون بن مِهْرَان: أصحاب اليمين منزلة دون المقربين، فقال: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ أي: أي شيء أصحاب اليمين؟ وما حالهم؟ وكيف مآلهم؟ ثم فسر ذلك فقال: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وأبو الأحوص، وقسَامة بن زُهَير، والسَّفر بن نُسَير، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسُّدِّيّ، وأبو حَرْزَة، وغيرهم: هو الذي لا شوك فيه، وعن ابن عباس: هو المُوقَر بالثمر، وهو رواية عن عِكرمة، ومجاهد، وكذا قال قتادة أيضا: كنا نُحَدِّث أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه.
والظاهر أن المراد هذا وهذا، فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر، وفي الآخرة على عكس من هذا لا شوك فيه، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله، كما قال الحافظ أبو بكر بن سلمان النجّاد.
قوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ القرآن حينما يتحدث عن نعيم الجنة أو حينما يخاطب من يخاطبهم فإنما يخاطبهم بمعهودهم ولا يخاطبهم بما لا عهد لهم به، فحينما يذكر آيات الله يذكر لهم الجمل، والجبل، والسماء، والأرض، والمطر وما إلى ذلك مما يشاهدون، وهناك أشياء كثيرة في أعماق البحار وتحت الأرض وفوق الأرض تدل على عظمة خلق الله ودقته وبديع صنعه لم يخاطبهم بها.
والسبب في ذلك -والله أعلم- أنه لا عهد لهم بذلك، لكن حينما يُخاطَبون بما يعهدون فإن ذلك يؤثر في نفوسهم، ويعقلونه، حينما ذكر لهم الجمل لم يذكر ما هو أضخم من الجمل الذي هو الفيل مثلاً؛ لأنه ليس بأرضهم ولا يعهدونه، وهكذا حينما ذكر نعيم أهل الجنة ذكر النخل والرمان وأشباه ذلك من الثمار، وذكر لهم السدر والطلح؛ لأن هذا هو الموجود في بلاد العرب، ليست بلادهم بلاد ثمر، إنما يوجد فيها العنب والرمان والنخل فذكر لهم هذه الأشياء، ما ذكر لهم الثمرات الأخرى التي توجد في الدنيا لهذه العلة -والله تعالى أعلم.
فالسدر يعرفونه، لكن سدر الجنة يختلف عن سدر الدنيا، فسدر الدنيا لا شأن له حقير، والله عاقب "سبأً" بأن أبدلهم بجنتيهم جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ [سورة سبأ:16]، فهو كثير الشوك قليل الثمر لا يشبع صغيراً، والعناء الذي يحصل من تطلبه أكثر من النفع الذي يحصل فيه، وبذلك لا تكاد تجد الناس ينتفعون به انتفاعاً ظاهراً كما ينتفعون بغيره في الدنيا.
فالحاصل أنه يذكر لهم هذه الأشياء التي يعهدونها لكن في الجنة الأمر يختلف تماماً، فالطير كالناقة البختية، والشجرة هذه -الطلح- التي يرونها كثيرة الشوك ومؤذية لكن فيها ظل وهم في بلاد حارة أحوج ما يكونون إلى الظل، فهذا يحرك نفوسهم، يسير الراكب تحتها مائة عام لا يقطعها، يعني أكبر شجرة من الطلح لربما يمشي الإنسان من ساقها إلى آخر حد فيها مما يقابل آخر فرع لربما لا يمشي أكثر من سبع خطوات، وهذه مائة عام لا يقطعها، فهذه أمور لا يمكن للإنسان أن يتصورها؛ لأنها من العظمة بمنزلة لا تخطر على بال، هذه في الأشياء التي يعهدونها ويعرفونها كيف لو حدثهم عن أشياء لم يسمعوا بها أصلاً من نعيم أهل الجنة؟!
يقول: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ نقل عن جماعة من السلف قال: "هو الذي لا شوك فيه"، والقول الآخر: "الموقر بالثمر" ثم جمع بينهما: الموقر الذي لا شوك فيه، وهذا الوجه في الجمع بين القولين وجه حسن ويدل عليه قول قتادة: كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه، الموقر يعني المملوء بالثمر، فهنا كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه جمَعَ بين المعنيين، وهذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن كثير -رحمه الله، والله تعالى أعلم.
هذا الحديث ثابت عن النبي ﷺ، والمقصود بـ "الملبود" من أهل العلم من يفسره بأنه قد تلبد شعره بعضه على بعض، وهناك تفسير أقرب من هذا -والله تعالى أعلم- أنه المكتنز باللحم، وكأنه لزم بعضه بعضاً فتلبد فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لونٌ آخرَ، هذا الحديث يفسر معنى "الطلح" كما سيأتي فإن من أهل العلم من قال: إن الطلح هو الموز، ومنهم من قال: الشجر المعروف من شجر العضاه، شجر له شوك معروف في بلاد العرب يستظلون به ولا ينتفعون بثمره، إنما هو للظل وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، بمعنى أن هذا الحديث يدل على أنه قُطع شوكه، وكثر ثمره، نَضَدَ، وهذا أولى ما يفسر به.
شجرة العضاه يعني كل شجر له شوك فهو من العضاه.
العرب بحاجة ماسة إلى الظل، وأعظم شجر عندهم يستظلون به هو شجر الطلح، ولكن ينغص عليهم ذلك كثرة الشوك الذي فيه إلى درجة أنه يتساقط، فإذا أردت أن تستظل تحت شجرة منه تحتاج إلى عمل وجهد من أجل تنقية المكان من الشوك الشديد الصلب القوي الذي يتأذى به من يجلس تحت هذه الشجرة، وفي الجنة طلح ليس فيه شوك، وهذا لا معهود لهم به.
"وقال مجاهد: مَنْضُودٍ أي: متراكم الثمر" يعني: نُضد، مكان كل شوكة ثمرة، فإذا تخيلت هذا هو شجر كله شوك لا تستطيع أن تحصي وتعد الشوك الذي فيه فنُضد بعضه إلى بعض، هذا الثمر الذي مكان الشوك، ومن السلف من قال: إنه الموز، والموز قالوا: يسمى بأرض اليمن بالطلح، وهذا الحديث يدل على أنه شجر الشوك المعروف، وهو المتبادر المشهور عند الإطلاق في كلام العرب.
ومن أهل العلم -كالحافظ ابن القيم- مَن وجّه قول من قال: إنه كالموز بأنه لم يقصد تفسيره وبيان حقيقته، وإنما قصد بذلك التقريب والتوضيح بالمثال، بالتمثيل كيف هذا الثمر المنضود فيه؟ قالوا: كالموز مثل الموز، كيف يكون ثمر الموز؟ قد نُضد بعضه على بعض، هكذا قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله، ويحتاج إلى تأمل؛ لأن الذين فسروه بذلك قالوا: وإن الموز يسمى في أرض اليمن بالطلح، فهم قصدوا الموز عيناً ولم يذكروه لتقريب صورة الثمر في هذا الشجر مكان الشوك.
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ والأصل أن يحمل كلام الله على المعنى الظاهر المتبادر الأشهر في كلام العرب إلا لدليل يجب الرجوع إليه، فيحمل على المعنى الآخر.
ومن أهل العلم من فسر المنضود بالذي قطع شوكه، وهذا لا ينافي ما سبق: قطع شوكه وصار مكانه ثمر، خضب شوكه، وبعضهم فسره بمعنى آخر قال: الذي لا يعقر اليد، من أراد أن يتناوله فإنه لا يصيبه الشوك فيمتنع منه، وهذا من قبيل التفسير باللازم، فإذا خضب شوكه فإنه لا يعقر اليد، ولا يجرح اليد، ولا يصيبها، فهم لم يقصدوا تفسيره تفسيراً مطابقاً بهذا، فهذا مثال على التفسير باللازم، وهو شجر قطع شوكه، وصار موقراً بالثمر -والله تعالى أعلم.
يقول: أهل اليمن يسمون الموز الطلح، ولم يحكِ ابن جرير غير هذا القول، بل إن ابن جرير قال: هذا قول الصحابة والتابعين، وعزا القول الأول أنه شجر الشوك المعروف عزاه لأبي عبيدة معمر بن المثنى فقط، أما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه يقول: هو شجر له شوك، وأما قول الصحابة والتابعين فإنه الموز، وابن جرير لم يفهم مرادهم أنهم قصدوا التمثيل فقط لطريقة الثمر في ذلك، فإن ابن جرير يذكر هذا ويذكر هذا -والله تعالى أعلم- لكن الحديث يبين أنه شجر له لشوك.
مَمْدُودٍ العرب تقول لكل شيء طويل لا ينقطع مَمْدُودٍ: ممتد لا تنسخه الشمس، ولا يزول ولا يتقاصر كما هو حال الظل في الدنيا، وهذا الظل وَظِلٍّ مَمْدُودٍ الجنة ليس فيها شمس لكن فيها هذا الظل الذي هو من النعيم، وبعض السلف كالربيع بن أنس يقول: ظل العرش، فالله يذكر نعيم الجنة، وأنها وافرة الظلال، ولا يلزم من ذلك أن يوجد فيها أماكن فيها شمس إطلاقاً، فالجنة لا شمس فيها، ولا فيها عناء ولا فيها حر، ولا فيها شيء مما يتأذى به الناس في هذه الحياة الدنيا، والناس يحدثون عما يستهوي قلوبهم من ألوان النعيم التي يعرفون، وفيها من النعيم ما هو أعظم من ذلك مما لا يخطر على بال بشر، والله أعلم.
- رواه أحمد في المسند، برقم (13698)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان -وهو ابن المغيرة- فمن رجال مسلم، وروى له البخاري تعليقا ومقرونا.
- رواه أحمد في المسند، برقم (13311)، وقال محققوه: صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2514).
- رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين، برقم (5061)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (2022).
- رواه الترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله ﷺ، باب في ترك الوضوء قبل الطعام، برقم (1848)، وابن ماجة عن عكراش بن ذؤيب قال أتي النبي ﷺ بجفنة كثيرة الثريد والودك، فأقبلنا نأكل منها، فخبطت يدي في نواحيها، فقال: ياعكراش كُلْ من موضع واحد فإنه طعام واحد...، كتاب الأطعمة، باب الأكل مما يليك، برقم (3274)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (5098).
- رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (13765)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2734).
- رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم (4599)، ومسلم بلفظ: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، برقم (2826).
- رواه أحمد في المسند، برقم (10259)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.
- رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم (3080).