الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
[1] من قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآية:1
تاريخ النشر: ١٢ / ذو القعدة / ١٤٢٧
التحميل: 3198
مرات الإستماع: 3352

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال صاحب المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير -رحمهما الله تعالى:

تفسير سورة الحديد، وهي مدنية.

وروى الإمام أحمد عن بن أبي بلال، عن عِرْبَاض بن سارية، أنه حدثهم أن رسول الله ﷺ كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: "إن فيهن آية أفضل من ألف آية"[1].

وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن بقية، به، وقال الترمذي: حسن غريب.

هذا الحديث لا يخلو من ضعف؛ لبعض رواة إسناده: بقية بن الوليد مدلس، وفيه أيضاً راوٍ آخر مجهول، والشيخ الألباني حسن الحديث.

والآية المشار إليها في الحديث هي -والله أعلم- قوله: هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

وقال بعض السلف كيحيى بن أبي كثير -رحمه الله: إنها الآية التي في آخر سورة الحشر.

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة الحديد:1-3].

يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات والأرض أي: من الحيوانات والنباتات، كما قال في الآية الأخرى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [سورة الإسراء: 44].

قال: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ التسبيح هو التنزيه، وذكره هنا بصيغة الماضي، وفي الآية الأخرى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بصيغة المضارع، وفي سورة الأعلى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [سورة الأعلى:1] والأمر للمستقبل، فالله -تبارك وتعالى- مستحق للتسبيح في الأزمنة الثلاثة في الماضي والحاضر والمستقبل.

وهنا قال: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فـ "ما" هذه تفيد العموم، ويوضح ذلك قوله -تبارك وتعالى- في الآية الأخرى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [سورة الإسراء:44]، فدل ذلك على أن المسبحات تشمل ما يعقل وما لا يعقل، ويمكن أن يقال: إنه عبر هنا بـ"ما" التي تستعمل فيما لا يعقل من باب التغليب، لأن الجمادات، وما أشبه ذلك أكثر وأغلب، فعبر به.

وهذا التسبيح على ظاهره، فهي تسبح تسبيحاً حقيقياً، لكن لا نفقه تسبيحها كما قال الله ، ولا يفسر التسبيح بالخضوع أو أنها مربوبة مخلوقة لله ؛ لأن الله قال: وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، والله قال: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سورة سبأ:10]، وهنا قال: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ، فكذلك قول النبي ﷺ: إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث[2]، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، كل هذا يدل على أنه تسبيح حقيقي، وأن الله أعطى هذه المخلوقات إدراكاً الله تعالى أعلم به، فهي تسبح حقيقة لكن نحن لا نفقه تسبيحها، وأخبر النبي ﷺ أن نقيق الضفدع تسبيح[3].

وقوله: وَهُوَ الْعَزِيزُ أي: الذي قد خضع له كل شيء الْحَكِيمُ في خلْقه وأمره وشرعه.
  1. رواه الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله ﷺ، برقم (2921)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وأحمد في المسند، برقم (17160)، وقال محققوه: إسناده ضعيف.
  2. رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2277).
  3. رواه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (3716)، وقال: لم يرفع هذا الحديث عن شعبة إلا حجاج تفرد به المسيب بن واضح، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (4788).

مواد ذات صلة