السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[3] من قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ...} آية:18‏
تاريخ النشر: ٠٦ / محرّم / ١٤٣٣
التحميل: 8308
مرات الإستماع: 9401

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

يقول الإمام الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ۝ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سورة سبأ:18، 19].

يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال تعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، قال وهب بن منبه: هي قرى بصنعاء، وكذا قال أبو مالك.

وقال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي، وابن زيد وغيرهم: يعني: قرى الشام، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.

وقال العوفي، عن ابن عباس: القرى التي باركنا فيها: بيت المقدس.

قُرًى ظَاهِرَةً أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يَقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال: وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ أي: جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى- عن هؤلاء الكافرين الجاحدين نعمه: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ هذه القرى التي بارك الله فيها قول الجمهور كما ترون ممن ذكره الحافظ ابن كثير ومن لم يذكره أنها بلاد الشام، فبلاد الشام بلاد مباركة، ولا شك أن أخص بلاد الشام بهذا الوصف هو بيت المقدس وأكنافه، ولكن هذا الإطلاق القرى التي بارك الله فيها الشام كله داخل في ذلك، فكانوا يتجرون من الشام فجعل الله -تبارك وتعالى- طريقهم إلى الصفة إلى بلاد الشام على قول الجمهور وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- أعني أنها من بلاد الشام.

وقوله -تبارك وتعالى: قُرًى ظَاهِرَةً الظهور بمعنى ما يقابل الخفاء فهذه القرى الظاهرة بمعنى أنها قرى بينة معروفة إذا خرجت من قرية لاحت لك القرية التي بعدها وقدر الله فيها السير بحيث كما يقول جماعة من المسلمين السير من قرية إلى قرية مسيرة نصف يوم إذا مشوا في أول اليوم فإن منتصف النهار يكون محل لنزولهم في قرية أخرى هو وقت لنزولهم في القرية التي تليها ثم بعد ذلك إذا ساروا فإنهم يبيتون في قرية بعدها فلا يحتاجون إلى سيرٍ طويل متواصل لقطع المفاوز والمهامه، ولا يحتاج ذلك منهم إلى حث للدواب والركاب من أجل الإسراع وشدة السير لسبب المخاوف التي يجدها المسافرين عادة في ذلك في تلك الأحوال وإنما هو سير أمن لا يحتاجون معه إلى نقل كثير من الزاد لأنهم يتزودون من القرية التي بعدها ولا يحتاجون إلى نقل كثير من الماء بخلاف من سار سيراً طويلاً بعيداً من غير أن يقف أو يصل في سيره هذا إلى قرى يستريح فيها، ويجد فيها حاجته وطالبته.

فالمقصود أن هؤلاء وجدت هذه القرى يخرج من القرية وتلوح له الأخرى فهي قرى ظاهرة لظهورها حتى قال بعضهم: بأنها بلغت أربعة آلاف وسبع مئة قرية لكن هذا لا دليل عليه، لكن لو حسبت القضية من بلاد الشام إلى اليمن هذا المسير كم يحتاج فإذا كان الراكب إذا سار سيراً قصداً يقطع في يومه وليلته على الإبل نحو أربعين كيلاً في اليوم والليلة فنصف يوم يقطع عشرين كيلاً، يعني هذا السير مثل القوافل ليس سير الراكب المسرع خفيف نحو عشرين كيلاً هذا مسيرة نصف يوم، والذين كانوا يسافرون على الإبل لهم أوقات معروفة ينزلون فيها إذا مشوا في أول النهار ينزلون في الضحى بعد مسافة قريبة لربما ما تصل إلى عشرة كيلو مترات.

وفي بعض البلاد عندنا الآن المكان الذي كانوا ينزلون فيه في الضحى هو حي من أحياء المدينة زرت ناحية من النواحي في أحد المدن ليست المدن الكبيرة مثل الرياض، فأخبرني من يسكن هناك بأن هذا كان محطة نزول للبلد بوقت الضحى يمشون من الفجر فينزلون الضحى فيه ثم بعد ذلك يسيرون وينزلون منزلاً آخر وهكذا من الضحى إلى الظهر هذا منزل آخر، فيكون مجموع ذلك نحو عشرين كيلو مترا تقريباً فلو حسبت المسافة بين الشام إلى اليمن وقسمتها بهذه الطريقة تقريباً كل عشرين كيلو مترا قرية تقريباً على الأقل تصل إلى رقم تقريبي يقرب لك الحال وإن لم يكن ذلك هو الشيء المتيقن؛ لتعرف كثرة هذه القرى التي في سيرهم -والله المستعان.

وقوله: قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ قلنا لهم: سيروا فيها ليالي وأياماً للتمكين كما في قوله -تبارك وتعالى: كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ كما سبق أن ذلك للتمكين، يعني أنهم مكنوا لهذا فهنا سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ أن الله مكنهم من ذلك وهيأه لهم فهذه نعمة عظيمة جداً الناس في ذلك الوقت أحوج ما يكون إليها أسباب من أعظمها الأمن، ومن أعظمها أيضاً قلة ما يتحملون من الطعام والشراب؛ لأن ذلك لربما أعظم ما يثقلهم بل لو قلت أنهم ليسوا بحاجة إلى حمل شيئاً من الفرش معهم لأنهم ينزلون من قرية إلى قرية ولا الأخبية، يعني ما يحتاجون إلى حمل في السبق يحملون أخبية خيام يعني إذا نزلوا ضربوا هذه الأخبية مثلاً أما هؤلاء ما يحتاجون إلى شيء من ذلك ينزلون قرى ومعنى ذلك أنهم يتخففون غاية التخفف من المتاع هذه حالة ومظهر من المظاهر النعيم والترف، الذي كان يتمناه الأولون لكن بماذا قابلوا هذا؟

فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وقرأ آخرون: "بعد بين أسفارنا "، وذلك أنهم بَطروا هذه النعمة -كما قاله ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وغير واحد-وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحَرُور والمخاوف.

قالوا: رَبَّنَا على هذه القراءة التي نقرأ بها رَبَّنَا بَاعِدْ هذا طلب بَاعِدْ يا ربنا بَاعِدْ هذا التقدير، وكذلك القراءة الأخرى ربنا بّعد وهي في المعنى ترجع إلى الأولى طلب، ولكن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى يعني أن المشدد للتكثير يريدون بعداً كثيراً من أجل أن يشعرون بالسفر والتعب، وما يجده المسافرون من غيرهم، فهاتان قراءتان ترجعان إلى معنى واحد.

وهناك قراءة أخرى متواترة وهي رواية عن ابن عامر وبها قرأ أيضاً ابن كثير وأبو عمر، رَبُنَا بَاعَدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا باعد هذا فعل ماضي على سبيل الخبر، ذاك دعاء ربنا يا ربنا باعد، وهذا ربنا خبر عن الله ، رَبُنَا بَاعَدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا يعني أخبروا عن غير الحقيقة لم يقروا بالنعمة ولم يعترفوا بها، وهذه القراءة التي ذكرها ابن كثير -رحمه الله- قال: وقرأ آخرون بّعِد بين أسفارنا هذه قراءة ابن كثير وأبو عمر، وهي رواية عن ابن عامر أن ذلك على سبيل الطلب والدعاء، وقراءة أخرى متواترة رواية يعقوب رَبُنَا بَاعَدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا.

وهناك قراءة رابعة أيضاً وهي: رَبُنَا بّعَد بَيْنَ أَسْفَارِنَا وهي ترجع إلى القراءة التي قبلها قراءة يعقوب القراءة الثالثة ويقال فيها كما قيل في التي قبلها: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى وهذه قرأ بها يحيى ابن يعمر رَبُنَا بّعَد بَيْنَ أَسْفَارِنَا فصار جماع ذلك يرجع إلى معنيين:

المعنى الأول: أن ذلك على سبيل الطلب طلبوا البعد وزهدوا في هذه النعمة.

المعنى الثاني: أنهم جحدوا نعمة الله عليهم بطريق آخر وهو أنهم لم يعترفوا بها أصلاً واعتبروا أن ذلك بعيد، ولم يعترفوا بما أنعم الله عليهم من قرب هذه المسافات، وإنما يعتبر هذا بعيداً أيضاً فقالوا: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، -نسأل الله العافية.

ومعلوم أن القراءات الصحيحة إذا كان لكل قراءة معنى فإنها بمنزلة تعدد الآيات، الآن كان عندنا أكثر من آية أنهم طلبوا وأنهم أخبروا فهل كان ذلك من قبيل الإخبار أو من قبيل الطلب، أو أن بعضهم طلب أن يحصل البعد، وأن آخرين أخبروا عن غير الحقيقة كل ذلك صدر منهم، أو أن ذلك صدر منهم في حين والآخر صدر منهم في حين آخر كما يقوله النحاس يعني أنهم طلبوا ذلك وزالت تلك القرى، وصاروا يقطعون المفاوز لم يصبروا على هذا وقالوا: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا فهم لم يطيقوا نعمة الرخاء ولم يصبروا على الشدة والبلاء هذا قاله النحاس، يعني أن ذلك في حالين لهم. 

وهذا كله هو يحصل لابن آدم في أحواله، فتارة يجحد نعمة الله عليه يكون في سعة وغنى وعافية فلا يقر بذلك، ويرى أنه محروم، ولا يلتفت إلى هذه النعمة ولا يعدها أصلاً نعمة، هذا موجود ولو فتش الإنسان في أحواله ونظر فيمن حوله لوجد من هذا شيئاً غير قليل، الحالة الثانية للإنسان وهو نوع من بطر النعمة وكفرها والزهد فيها؛ وذلك أنه يمل هذه النعمة ويسئم فيبحث ويطلب غيرها، فهذا الإنسان الذي يسافر المسافات الطويلة والمسافات القصيرة بهذه الطريقة لربما يزهد في هذه النعمة ويمل ويقول: نريد نحس بالسفر نريد أن نمشي لها، فالمفاوز التي نسمع عنها والمخاوف حتى نتذوق السفر نشعر بالتعب فعلاً بعض الناس هكذا يقول.

ولذلك بعض الناس يسلكون الطريق المسلوك المرصوف الذي يجد في كل بغيته خدمات ويذهب إلى وسط الصحراء يمشي فيها يسمونه قطوع على أساس يشعر بالتعب لربما يهلك من العطش في الصحراء ويموت وهذا موجود، وهذا نوع من الحذق والاحتراف والمهارة يستشعر فعلاً السفر هكذا يزعم بعضهم.

ولو نظرت في أحوال الناس لوجدت من هذا أشياء كثيرة لما كثرت النعمة في أيدي الناس الآن سواء كان في صنوف المطعومات المشروبات الأثاث المساكن وما إلى ذلك ما الذي حصل بدأوا يبحثون عن أشياء أخرى فتجد في اللباس لاسيماء النساء بدأوا يبحثون عن لبس الأولين فلو رأيت بعض اللباس قلت: هذه مسكينة فقيرة، والحلي تحول إلى أشياء من قطع البلاستيك التي كان يلبسها الفقراء.

ولربما تجد الرجل الذي يكون له العرض الكثير والمال الذي لربما لا يملكه قارون إذا رأيت صورته في بعض الأماكن متبذلاً في لباس يستحي الإنسان أن يلبسه لتبذله تتعجب، ولربما رأيته حافي القدمين أو يلبس أشياء على قدميه تقي حراً ويرى أن مثل هذا تغيير مثل القصة المعروفة المرأة التي لأحد ملوك الطوائف في الأندلس لما رأت بايعات الحليب اللبن يمشين في الطين في يوم مطير أطلت من الشرفة مترفة فتمنت أن تمشي في الطين أمر بطحن العود أو نوع من الطيب وعجن بالأيدي حتى صار كالطين ثم وضع في صحفة فوضع بين يديها من أجل أن تخوض في الطين تذوق الخوض بالطين، وجاءت إليه وهو في السجن وقد جرد من أمواله، فكأنه غاضبها فقالت: ما وجدت منك خيراً، قال: ولا يوم الطين!

فتجد هذا في الناس، تجده في اللباس ألبسة أحياناً تظنه فقراء يحتاجون الصدقة يكتشف هذا النوع من اللباس أن هذا جيد ويشترونه بغالي الأثمان، مرقعة أحياناً عليها رِقع وأحياناً ممزقة من غير رقع، مساكين هؤلاء لا يجدون شيء تجد في المطار أحياناً ناس يلبسون لباس متبذلاً من هؤلاء الشباب يقولون: هؤلاء فقراء عمال النظافة، كنت في بعض البلاد الشرقية مثل أندونيسيا إذا رأيت كثير من الناس كان بالكاد يجد هذه الدراجة النارية من أجل أن يركبها ويركبها الأسرة كاملة تقول: مساكين ما عندهم من المراكب، هكذا كما هو الحال عندنا ثم بعد ذلك رأيت بعض الشباب عندنا يسافرون على دراجات نارية فتعجبت فعلمت بعد ذلك أن هذا نوع وأن هذا قيمة هذه تساوي أغلى من السيارات يسافر على دراجة نارية لرأيته أشفقت عليه ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به، فهذا داخل في قوله: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا يسافر على دراجة نارية.

وهكذا بعض الناس الحمقات التي تسمع بها أنه مسافر على دراجة هوائية أو على قدميه وتلتقط له الصور، وقل مثل ذلك في أكل الناس وما صاروا يبحثون عنه من أكل الماضي الذي كان حينما كان الناس لا يجدون شيئاً، وأصبح الناس الآن يستطرفونه ويستلطفونه بل حتى وجد بعض المحلات خاصة فيما كان يباع قبل خمسين وستين سنة من المعلبات ونحو ذلك، ويقصدها فئام من الناس ويشترونه بغالي الأثمان، وأما المباني والزينة ونحو ذلك أصبح الناس يميلون في هذا كما هو معلوم، أما في بيوتهم يخصصون أماكن لذلك أو في خارجها من استراحات أو نحو هذا على طريقة الأولين من خشب من أثل وجريد ومطين الجدار، والسرج وما إلى ذلك وينفق فيها الأموال الطائلة هذا كله قد يدخل في قوله -تبارك وتعالى: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا.

ويدخل في ذلك أيضاً الذين يزهدون في النعم كالأمن مثلاً الذي أعطاهم الله إياه، فلربما يبحثون القلق والخوف وأسباب ذلك ويتقحمونها، ولو جربوا ما جرب آباءهم أو أجدادهم بحيث الواحد منهم لا يستطيع أن يذهب من مكان إلى مكان إلا وهو في حال من الخوف، لأدركوا النعمة التي هم فيها فبعض البلاد تتعجب ماذا يطلبون وماذا يريدون؟ هم لم ينتقلوا إلى حال أسوء من ما هم عليه، ولا يمكن أن يجتمعوا على شيء، وكانوا آمنين، ثم بعد ذلك تنكروا لهذه النعمة، والله أعلم- إلى أي شيء ستصير الأحوال.

وانظر ما حولك في بعض البلاد التي لا تستطيع أن تتصور الحال بها إلى أي شيء ستكون لشدة التنازع أهل تلك البلاد سواء كان تنازعا قبلياً أو كان تنازعا مذهبياً أو كان تنازعا فكرياً لا يمكن أن يجتمعوا على شيء، أعني مثل بلاد اليمن أشهر طويلة في الساحات وفي هذه الشوارع لا أدري كيف سيجتمع هؤلاء وعلى أي شيء سيجتمعون في غاية الافتراق والتنازع والتناقض هل سيصلون إلى قتال وإلا سيقسمون البلد؟ الله أعلم- ما يعرف، نعرف أن الواقع الذي يعيشونه من قبل ليس كما ينبغي وليس هو الواقع المأمول ولا المرضي لكن إلى أي شيء سيصيرون يعني هذا مثال -والله المستعان.

فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي: جعلناهم حديثا للناس، وَسمَرًا يتحدثون به من خبرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرقوا في البلاد هاهنا وهاهنا؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا: "تفرقوا أيدي سبأ" "وأيادي سبأ" و "تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ".

عبارة ابن كثير -رحمه الله- دقيقة: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ بعض المفسرين قال: معنى فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ يعني مثلاً جعلناهم مثلاً كما يقال تفرقوا أيدي سبأ، فصار يضرب بهم المثل فذلك داخل تحت قوله: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فابن كثير -رحمه الله- جمع المعنيين بعبارة يشعر القارئ الذي لم يعرف كلام المفسرين فيها أنه فعل ذلك لكن الواقع هو هذا فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ أحدوثه يتحدث الناس فيها ويسمعون، وكذلك يضربون به المثل.

وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي: إن في هذا الذي حل بهؤلاء من النقمة والعذاب، وتبديل النعمة وتحويل العافية، عقوبةَ على ما ارتكبوه من الكفر والآثام -لعبرةً وَدَلالةً لكل عبد صبار على المصائب، شكور على النعم.

روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ﷺ: عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن، إن أصابه خير حَمدَ رَبَّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حَمِد ربه وصَبَر، يؤجر المؤمن في كل شيء، حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته[1].

وقد رواه النسائي في "اليوم والليلة، وله شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: عجبًا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن[2].

وعن قتادة إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قال: كان مطرّف يقول: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.

هذا هو المتبادر الصبار الشكور، صيغة مبالغة من الشكر والصبر، فالشكر يكون على النعماء، والصبر يكون على البلاء، هذا هو المتبادر ولكن لا يخفى أن النعمة تحتاج إلى صبر، وأن البلاء قد يرتقى الحال معه قد يرتقى في الحال إلى مرتبة الشكر يعني أمام البلاء الصبر واجب وفوقه الرضى وفوقه الشكر على البلاء وفي هذه الدروس الأعمال القلبية كان كلام على هذه المعاني، وأن الثالث والثاني غير واجب وذكرت نماذج لهذا منها: أن معاذ بن جبل لما أصيب بالطاعون في يده ظهر فكان يقبلها على المنبر، وذكرت أشياء من هذا فكانوا يشكرون على البلاء يرون أنها نعمة ساقها الله إليهم يحمدونه عليها ويفرحون بها وأنها رفعة لدرجاتهم تكفير لسيئاتهم، وذكرت هناك أن البلاء يحصل فيه رفعة الدرجات على الأرجح مع تكفير السيئات.

فالمقصود أن النعمة تحتاج إلى صبر لأن الإنسان إن لم يصبر على النعمة فإن ذلك سيؤدي إلى البطر والطغيان إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6، 7] فيحتاج إلى صبر، ولهذا قد يكون صبره حال النعمة أعظم من صبره حال الحرمان والفقر ولهذا الاختلاف في المفاضلة المعروف بين الغنى والفقر أيهما أفضل؟ وحال الشاكر والصابر أيهما أفضل؟

المقصود أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ لأن الفقير ليس أمامه أصلاً إلا الصبر أو الجدار أليس كذلك! وين يذهب؟ ما بيده حيلة أصلاً لكن الغني كل ما كان الداعي إلى المعصية والطغيان أكثر فحجز العبد نفسه عن ذلك فإن ذلك يكون أرفع في مرتبته ولذلك شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال، رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله هذا مع السبعة الذين يظلهم الله، لكن لو واحد دعته عجوز فقيرة ولا منصب ولا جمال فقال: إني أخاف الله، فهذا ليس كالأول، فكل ما كان الداعي أكبر كان الأجر المرتب أعظم، وكان ذلك أرفع في مرتبة العبد، وإذا ضعف الداعي إلى المعصية فواقعها العبد كان ذلك أعظم في حقه.

ولذلك من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ذكر منهم أشيمط زان، ملك كذاب، عائل مستكبر[3]، فالداعي معدوم ومع ذلك يفجر ويفعل أو يكذب أو يتكبر على أي شيء بخلاف من قويت فيه الدواعي إلى هذا فوقع على المعصية، وهذا أمر معروف مقصود أن قوله: لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ فهؤلاء لم يصبروا على النعمة، ولم يشكروا الله عليها وكذلك على القراءتين وكما قال النحاس في الجمع بينهما ذلك في حالين هم لم يشكروا على النعمة حين كانت قائمة موجودة ولم يصبروا حينما صارت مفقودة تسخطوا رَبُنَا بَاعَدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، وفي النعمة قالوا: رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا يعني لا حيلة فيهم لا صبر ولا شكر -نسأل الله العافية.

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سورة سبأ:20، 21].

لما ذكر الله تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان، أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى، وخالف الرشاد والهدى، فقال: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ.

قال ابن عباس وغيره: هذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن إبليس حين امتنع من السجود لآدم، ثم قال: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا [سورة الإسراء:62]، ثم قال: ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [سورة الأعراف:17] والآيات في هذا كثيرة.

يعني أن إبليس حينما قال هذا الكلام قاله عن ظن ظنه لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا، وبناء على هذا على أي شيء حكم بناء على ظن ظنه، هل هذا الظن حينما قال: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ تحقق أو خاب ظنه في هؤلاء الذرية فلم يطيعوه أن يستجيبوا له، الواقع أن هذا الظن تحقق وصار أكثر الناس من جنوده وحزبه وأتباعه وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأنعام:116] فهذا بناء على ظن ظنه.

طيب وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ هذه القراءة صدق هي قراءة حمزة والكسائي وعاصم، فالظن هنا مفعول به صدق ظنه في هؤلاء، يعني صدق الظن الذي ظنه كما يقول الشنقيطي -رحمه الله- في دروسه يردد هذا المعنى يقول: إنه ليعرق الجبين من ما وقع لذرية آدم -عليه الصلاة والسلام- حيث قال الله: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ وهي ترجع إلى المعنى الأول يعني صدق عليهم ظنٌ ظنه أو صدق في ظنه أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك، كما يقول ابن جرير -رحمه الله- وغيره، صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ بنصب ظنه المعنى يرجع إلى شيء واحد.

لكن في قراءة أبي جعفر صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنُهُ مع تخفيف صدق، فيكون صدق إبليس ظنه، يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس، بدل اشتمال تقول مثلاً أعجبني زيداً خُلقه، يعني الذي أعجبني خلق زيد، أعجبني زيد كرمه وما أشبه ذلك، فهؤلاء الذين صدق عليهم ظن إبليس.

بعض أهل العلم يقول: هذه المقصود بها أهل سبأ، الحديث عنهم فالذين صدق عنهم ظن إبليس هم هؤلاء ممن قص الله خبرهم بهذه الآيات، وبعضهم يقول هذه في الخلق في بني آدم كما تدل عليه الآيات الأخرى فهي عامة فصدق ظن إبليس لهؤلاء وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ فكانوا كما ظن، ويدخل فيها قوم سبأ دخولاً أولياً، فتكون الآية عامة فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إلا فريقاً استثنى الفريق من المؤمنين وهذا يحتمل معنيين: فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ باعتبار أن تكون من تبعيضية يعني أيضاً ليس كل المؤمنين بل بعض المؤمنين باعتبار أن البعض الآخر يقعون في الكبائر واتباع الهوى فيطيعون الشيطان مع بقاءه على حال الإيمان، فيطيعون الشيطان في أمور من أهواءهم وإن لم يكونوا من حزبه، ويطيعونه طاعة مطلقة هذا معنى ذكره بعض أهل العلم.

المعنى الثاني: أن تكون من بيانيه وليست تبعيضية إلا فريقاً، فالفريق هذا من المؤمنين، تقول: إلا ثوباً من خز، باعتبار أن من بيانية إلا فريقاً هذا الفريق هم أهل الإيمان، فيكون المقصود بذلك أن المثيرين صاروا من حزب إبليس، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ يعني من أتباعه وأولياءه الكفار إلا القليل وهم أهل الإيمان بطوائفهم الثلاث ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [سورة فاطر:32]، فهؤلاء أهل الإيمان أهل النجاة، فهؤلاء ليسوا حزب إبليس وإن كان فيهم العصاة وأهل الكبائر وما شابه ذلك، المعنى الثاني إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ويكون هؤلاء بمعنى إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [سورة مريم:93] فلا يخرج أحد عن هذه الصفة وهي عبودية القهر، أما عبودية الاختيار فهي لأهل الإيمان، لأهل الإيمان على تفاوت مراتبهم في تحقيق هذه العبودية، فهذان معنيان.

والأقرب -والله تعالى أعلم- أن ذلك الاستثناء لأهل الإيمان عموماً، كما تدل عليه ظواهر الآيات الأخرى لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا، فهؤلاء أهل الإيمان وإن كانوا عصاة هل هم داخلون في هذا؟ الجواب لا، فالقليل هم أهل الإيمان الذين لم يأسرهم الشيطان أسراً مطلقاً، وأن كان لهم بعض الأسر بحسب أتباعهم وطاعتهم لإبلي.

وقوله: وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ قال ابن عباس -رضي الله عنهما: أي من حجة.

الحجة يقال لها: سلطان ولهذا في قوله -تبارك وتعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا يعني صار له حجة يتسلط بها على القاتل فيقتص منه طيب فهنا هذا السلطان ما كان عليه سلطان الحجة، وهكذا قول من قال: قوة أو تسلط كل هذه المعاني صحيحة، يعني ما أخذهم بالقوة ما أجبرهم ما أكرههم، وهذا الإلجاء والإكراه، تارة يكون بالحجة، وتارة يكون بالقهر والتسلط مباشرة على ذواتهم وأجسامهم كما يأخذ الأسير، فما كان له عليه من سلطان لا هذا ولا هذا، ما كان عليه قوة وتسلط أو حجة إنما غاية ما هنالك التسويل والتزيين والوسوسة.

ولهذا قال الله -تبارك وتعالى- عنه: وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ [سورة النساء:119]، هذا الأمر ليس أمر إكراه لكن يلقي لهم ذلك ويزينه في قلوبهم، ولهذا نهى الله عن اتباع خطوات الشيطان، ولهذا يقول لهم خطيبا في النار -نسأل الله العافية، يقول: فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم [سورة إبراهيم:22]، قبله يقول: وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ أي: بمنقذكم، وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ويتبرأ منهم ما كان لي عليكم من سلطان ما قهرتكم ولا غصبتكم ولا ألزمتكم حتى اتبعتموني دعوتكم فاستجبتم لي فهذا كان باختياركم من غير إكراه وإلجاء فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم أنتم الذين فعلتم في أنفسكم هذا، وجهت إليكم دعوة فاستجبتم -نسأل الله العافية.

وقوله: إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ أي: إنما سلطناه عليهم ليظهرَ أمر مَنْ هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء، فيُحسِنَ عبادة ربه في الدنيا، ممن هو منها في شك.

الاستثناء هنا وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ هذا الاستثناء يحتمل أن يكون منقطعاً يعني ما عليهم سلطان أصلاً لكن لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ أصلاً لكن لنعلم من يطيعه في وسوسته ويستجيب لتزيينه وتسويله فيكون الاستثناء منقطع بمعنى لكن، لكن لنعلم، ويحتمل أن يكون مفرقاً أعم الأحوال وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال إلا ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن؟ والله أعلم.

وقوله: وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي: ومع حفظه ضَلّ من ضَلّ من اتباع إبليس، وبحفظه وكلاءته سَلِم مَنْ سلم من المؤمنين أتباع الرسل.

الله -تبارك وتعالى- حفيظ، بمعنى من المعاني الداخلة تحته أنه يحفظ أعمال العباد فالله -تبارك وتعالى- لا يفوته شيئاً من ذلك، فالحفيظ فيه معنى زائد على الشهيد، والرقيب فضلاً عن العليم، والخبير، واللطيف يعني هذا من المعاني التي أو من الأسماء التي تطلب معرفتها فيما يتصل بمراقبة الله في الخطرات والسكنات والأحوال والأعمال وما إلى ذلك فالله -تبارك وتعالى- يطلع على العبد، عليم به علمه محيط ويعلم الخفايا خبير ويعلم الدقائق لطيف أحد المعاني الداخلة تحته، وهو شهيد شاهداً عليه بأعمالهم ومع ذلك هو حفيظ، فيحفظ عليهم هذه الأعمال فيجدونها مرصودة ما يذهب منها شيء وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [سورة الكهف:49]، كل واحد يخرج له سجل منشور مفتوح يقراءه يوم القيامة كل ما صدر عنه من الأقوال والأفعال، ومن تاب تاب الله عليه ومحي ذلك عنه.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ۝ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سورة سبأ:22، 23].

بَيَّن تعالى أنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا نظير له ولا شريك له، بل هو المستقل بالأمر وحده، من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، فقال: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: من الآلهة التي عبدت من دونه لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ، كما قال -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [سورة فاطر:13].

وقوله: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ أي: لا يملكون شيئا استقلالا ولا على سبيل الشركة، وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ أي: وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذا الخطاب موجه لمن للمشركين من أهل مكة، والسورة كانت مكية فوجه الخطاب إليهم بعد ما ذكر الله له قبلهم، وأحوال الشاكرين والكافرين، قص عليهم خبر داود -عليه الصلاة والسلام- وسليمان ﷺ ثم بعد ذلك ذكر حال هؤلاء هذا النموذج من الكافرين فوجه الخطاب إلى المشركين، قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ

فبعض أهل العلم وابن جرير يقول: إن ذلك موجه للمشركين من أهل مكة، ولا شك أنه يعم الكفار جميعاً، ولكن هؤلاء المشركين لما كانوا في مكة في أول الأمر قبل الهجرة كان الخطاب يتوجه إليهم في مواضع من القرآن، لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ الذر معروف هو صغار النمل، والعرب تذكر ذلك لبيان القلة، ولا يفسر بغير هذا قال: وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ يعني نفى هذه الأمور الثلاثة ثم أعقبها بقوله: وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.

فهؤلاء الذين يرجون، يرجى نفعهم إما أن يكون مالكاً فيعطي من ملكه، وإما أن يكون شريكاً فله حصة من هذا الكون مثلاً، أو أن يكون معيناً وظهيراً فلا يقوم ذلك إلا به ومن ثمَ فإنه يستطيع أن يحقق أمالهم لمكانته ومنزلته، وإن قيام ذلك إنما بإعانته ومظاهرته وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ما يمكن يفتدي نفسه بشيء آخر، ولا يمكن أن يخلصه أحد أو أن ينفعه وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ كل هذه الأمور لا بالقوة يخلص ولا بالشفاعة ولا بفدية يدفعها، فالإنسان إذا أخذ أسر مثلاً، أسره العدو إما بشفاعة يطلق أو بالقوة أو بالفدية، فهنا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ من أخذ أخذ، فعمله يطلقه إلا لمن أذن الله له في الشفاعة والله لا يأذن إلا لأهل الإيمان، وأيضاً في أهل الإيمان كما هو معلوم في شروط الشفاعة، الرضى عن الشافع والإذن له بالشفاعة، والرضا عن المشفوع له، فنفى هذه القضايا الأربع، والحافظ ابن القيم تكلم على هذا المعنى كلام جيد هذا مضمونه.

ثم قال: وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أي: لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ [سورة البقرة:255]، وقال: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [سورة النجم:26]، وقال: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [سورة الأنبياء:28].

ولهذا ثبت في الصحيحين، من غير وجه عن رسول الله ﷺ -وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله: أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء، قال: فأسجد لله فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل تُسمع، وسل تُعْطَه واشفع تشفع[4]، الحديث بتمامه.

قوله -تبارك وتعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ هذه قراءة الجمهور التي نقرأ بها إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يعني أذن له الله؛ لأن الضمير أذن هو!، وفي قراءة أخرى متواترة لحمزة والكسائي وأبي عمر إِلا لِمَنْ أُذِنَ لَهُ بالبناء للمجهول، وذلك أيضاً يرجع إلى الله! لأنه هو الذي يأذن.

وقوله -تبارك وتعالى- هنا: وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يحتمل أن يكون المعنى لا تنفع الشفاعة عند الله إلا لمن أذن له فيها يعني أن يشفع، أن يكون شافعاً لابد من الإذن للشافع فتكون الآية دليل على هذا، وعليه تكون قوله -تبارك وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يعني بخلاف العظماء من أهل الدنيا والناس الذين يشفع عندهم فإنه يشفع عنده من غير إذنهم أليس كذلك.

وحينما تريد الشفاعة لأحد تذهب إلى المشفوع عنده وتطلب منه أن يشفعك هل تحتاج إلى استئذان؟ أو أن الناس مباشرة يأتون بشفاعتهم يقولون النبي ﷺ يقول: اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء[5]؟ وفلان له حاجة في كذا أو طلب مني أن أشفع بكذا أو نحو ذلك، يعني هم مباشرة يشفعون بغير توقف على إذن؛ وهذا لنقص ملك أهل الدنيا وعظمتهم، أما الله -تبارك وتعالى- لا يحق لأحد وأن يجترئ فيتقدم بالشفاعة إلا بعد إذن الله للشافع؛ ولهذا يسجد النبي هذا السجود ويفتح عليه من المحامد ثم يأذن له الرب -تبارك وتعالى- فيقول: ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع، هذا أفضل الخلق -عليه الصلاة والسلام، فهذا لكمال ملكه وغناه .

أما المخلوق فلنقصه فإن الشفاعة عنده عند المخلوق شيء آخر؛ لأنه قد يقبل ذلك لحاجته إلى الشافع؛ لأنه لا قيام مثلاً لملكه إلا به وأمثاله يحتاجه في يوم من الأيام، أو يحتاجه في الحال، أو لخوف تقلبه عليه أن يتخلى عنه أو أن يضمر العداوة أو نحو هذا فيضطر إلى قبول الشفاعة، ويقول: من باب ارتكاب خف الضررين، أما الله لا يجري عليه شيء من هذا وتقدست أسماءه فيكون هذا المعنى الأول، يعني لا يحصل شيء من شفاعة الشفعاء المتأهلين للشفاعة يعني من الملائكة والأنبياء وأهل الإيمان إلا بإذن الله لهم بها هذا المعنى الأول.

والمعنى الثاني الذي تحتمله الآية: إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يعني في أن يشفع فيه مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [سورة البقرة:255] لكن الآية الأخيرة التي ذكرها وهي قوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى فهذا في المشفوع فيه، إلا لمن أرتضى يعني أن يشفع له، فالشفاعة لا تكون إلا لأهل الإيمان، والكفار لا تنفع لهم شفاعة الشافعين.

فهذان معنيان كل واحد منهم دل عليه القرآن، والأصل أن الآية إذا احتملت معنيين وكل معنى منها صحيح دل عليه القرآن فإنها تحمل على ذلك جميعاً، ما لم يقم مانع يمنع من هذا ولا يوجد مانع، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة فيكون قوله -تبارك وتعالى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ أن ذلك يرجع إلى الشافع ويرجع إلى المشفوع فيه، ولعل هذا يعني يكفي في تقرير هذا المعنى.

وقوله: وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ يحتمل أن يكون المقصود أنها لا توجد أصلاً ما هو فقط لا تنفع؛ لأنه لا يتقدم أحد بالشفاعة، إذا قلنا مثلاً هي في المشفوع له أو على الأقل هي تدل على هذا المعنى المشفوع له إلا لمن أذن له!، وإذا كان لا يرضى عن المشفوع له؟ هل توجد الشفاعة لكنها لا تنفع؟ هي لا توجد، ولهذا قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون المراد ولا تنفع الشفاعة أن نفي النفع نفي لأصلها؟ ولكنه عبر بالنفع لأنه المرجوا، هم يرجون النفع فنفى النفع وإلا هي غير موجودة أصلاً، ليست موجودة لكنها لا تنفع؟ تُرد، هي لا أحد يشفع أصلاً فيمن لا يرضى الله الشفاعة فيه، فيكون نفي النفع نفياً لأصل الشفاعة بالاعتبار الذي ذكرت -والله أعلم.

وقوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ، وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كلامه، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود ومسروق، وغيرهما.

حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم أي: زال الفزع عنها، قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي، وإبراهيم النَّخَعيّ، والضحاك والحسن، وقتادة في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم يقول: جُلِّى عن قلوبهم، وقرأ بعض السلف -وجاء مرفوعا: " حَتَّى إذَا فرغ" بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول.

فإذا كان كذلك يسأل بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا؛ ولهذا قال: قَالُوا الْحَقّ أي: أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.

في قوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ بعض المفسرين يقول: هذا في المحشر مما يتصل بالشفاعة، وأن هذا في الشفعاء، وأنهم في حال من الخوف لا يجترئون على الله في الشفاعة ولا يتقدمون بين يديه بذلك إلا بإذنه، ويكونون في حال من الوجل والفزع والخوف منه -تبارك وتعالى- تعظيماً، فإذا فزع عن قلوبهم أُزيل الفزع منها تقدموا بالشفاعة قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ فيسأل بعضهم بعضاً.

وبعضهم يقول: إن الذين يقولون: قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ هم طالبوا الشفاعة، يعني ليسوا الشفعاء وإنما المشفوع فيهم هم ينتظرون النتيجة والجواب، مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ يعني هل قبل شفاعاتكم فينا؟ إلى غير ذلك من المعاني التي ذكروها ولا أحب أن أطول بها لأنها جميعاً مع أن الآية تحتملها في الظاهر تحتمل أن يكون هذا في القيامة! حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فالسياق في هذا، ولكن إذا وجد الحديث عن النبي ﷺ فإنه يوقف عنده ولا يتعداه وإن كان ظاهر السياق يحتمل معنى آخر، فالنبي ﷺ لا ينطق عن الهوى -عليه الصلاة والسلام.

ولذلك المعنى الذي ذكره ابن كثير -رحمه الله- هنا هو المعنى أن ذلك انتقال إلى بيان عظمة الله من وجه آخر، وهو حال الملائكة معه وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ظاهره أنه متصل بموضوع الشفاعة وأن هذا في القيامة، وإنما تكون الشفاعة يوم القيامة أليس كذلك؟ فظاهره هذا، ولهذا قال بعض السلف: إن هذا يوم القيامة في الشفعاء، ولكن الحديث: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ يدل على أن المعنى منفصل عن يوم القيامة وما يتصل به من الشفاعة، وأن ذلك حديث آخر لبيان عظمته وذلك في حال الملائكة معه حينما يكلمهم بالوحي فذكر الحديث هنا، وهو أنه إذا تكلم بالوحي….. إلى آخره سمع أهل السموات.

هنا ذكر الحديث نفسه قال: كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع[6]، هذا في الحديث، وإذا جاءت الآية في الحديث معنى ذلك ليس اجتهاد المفسر ربط حديث لم يذكر فيه النبي ﷺ الآية فربطه المفسر بالآية قد يصيب، وقد يخطئ فيكون الحديث لا علاقة له بالآية، لكن هنا النبي ﷺ ذكر الآية فدل ذلك على أن المعنى هنا ليس في القيامة، وإنما في حال الملائكة مع الله حينما يوحي بوحيه فيصعقون، ويصيبهم الفزع وهم ملائكة الرحمن وبتلك المرتبة والمنزلة وبتلك القوة والشدة وهذا ما يقع لهم ويصيبهم، فكيف بغيرهم من المذنبين الضعفاء الذين لا يحتملون شيئاً يقتلهم الماء والهواء.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: إن نبي الله ﷺ قال: إذا قضى الله الأمرَ في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوانَ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقّ، وهو العلي الكبير فيسمعها مُسْتَرق السمع، ومسترق السمع -هكذا بعضه فوق بعض-ووصف سفيان بيده-فَحَرّفها ونشر بين أصابعه-فَيسمع الكلمة، فيلقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته، حتى يلقيَها على لسان الساحر أو الكاهن، فَربما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كَذْبَة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء[7].

انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه -والله أعلم.

هذا الحديث نص في تفسير الآية، وأن ذلك ليس في الشفاعة، لكن لبيان عظمته فبين ذلك في الشفاعة، وبينه أيضاً في إيحاء الله للملائكة وهذا الذي اختاره المحققون ومنهم الحافظ ابن القيم، ولا يصح العدول عنه، وهذا مثال على تفسير الآية في السنة على غير ما يسبق إليه الذهن بدلالة السياق -والله أعلم.

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ۝ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۝ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ۝ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة سبأ:24-27].

يقول تعالى مقررًا تفرُّدَه بالخلق والرزق، وانفراده بالإلهية أيضا، فكما كانوا يعترفون بأنه لا يرزقهم من السماء والأرض -أي: بما ينزل من المطر وينبت من الزرع-إلا الله، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره.

في قوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ فالرزق هنا يشمل أنواع الرزق المطر وما ينزله الله من خزائنه، وأما من الأرض سواء كان ذلك من الماء أو النبات أو المعادن أو غير هذا مما يستخرجه الناس من الأرض، أو ما أوجده الله فيها، لكن هنا ذكر السموات مجموعة قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الحافظ ابن القيم -رحمه الله- قارن بين هذه الآية وقوله: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [سورة يونس:31]، فهناك ذكرها مفردة لفت النظر إلى معنى لماذا هنا جمعت وهناك أفردت؟

لا بأس أن يقف عليه طالب العلم وهو ما خلاصته أن هناك ذكر أموراً مقررة معلومة لا يجادلون فيها ليتوصل بذلك تقرير الربوبية إلى الإلهية هم يعرفون أن الله هو الذي يرزقهم من السماء والمطر ينزل من السماء، والسماء يقال: للعلو فهذه القضية لا ينكرونها هو الذي يملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت إلى آخره فذلك كان تقريراً لهم بأمور يعلمونها ويقرون بها ليتوصل إلى توحيد الإلهية إذاً أعبدوه وحده، أما هنا فيقول ابن القيم -رحمه الله- في أمر لم يكن هؤلاء يقرون به تقريراً مطلقاً فذكر السموات مجموعة السموات والأرض قل الله! فأجاب ولم يترك الجواب لهم! فالسموات من الذي يرزقهم منها الوحي يأتي من فوق سبع سموات من الله -تبارك وتعالى- وهم لا يقرون بما فوق السماء ولا يعرفون شيء فوق السماء أصلاً، يعني هل الكفار الذين خوطبوا بالقرآن يعرفون أن فيه سموات فوق السماء هذه وفيها ملائكة؟ وأن الله فوق السموات العلا؟ بعضهم يعرف هذا وهم قلة كما جاء في بعض أشعارهم:

يا عَبلُ أينَ من المَنيَّة ِ مَهْربي إن كانَ ربي في السَّماءِ قَضاها

إن كان ربي في السماء قضاها هذا قول الشاعر الجاهلي، لكن هؤلاء قلة وإلا فهم أهل جهالة فلما كانوا ما يدركون ولا يؤمنون بالوحي أصلاً الذي يتنزل من فوق سبع سموات وهو أعظم الرزق الذي ينزل على الخلق، الرزق المعنوي الهدايات والكتب وما إلى ذلك، لما كانوا ما يقرون يقول ابن القيم: أجابا قال: قل الله! هناك لم يذكر الجواب؛ لأنهم يقرون فكان الاستفهام تقريري، أنتم تقرون بهذا! فلماذا تعبدون غيره، والفرق على قول ابن القيم لماذا جمع هنا وهناك أفرد؟ ليشمل هنا الوحي، فأجابهم وما ترك الجواب لهم، فهم هنا في مقام إنكار وتكذيب ومكابرة ولهذا قال: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

وقوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ: هذا من باب اللف والنشر، أي: واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله؛ ولهذا قال: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.

يقول: هذا من باب اللف والنشر، واللف والنشر يذكر قضيتين فأكثر ثم يذكر أحكامها بعدها أما مرتبة وأما غير مرتبة، فالمرتب هو الذي يقولون له اللف والنشر المرتب، وغير المرتب يقولون له: اللف والنشر المشوش، يعني هنا وأن وإياكم ذكر طائفتين لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ ذكر الأحكام بعدها، طائفة على هدى وطائفة على ضلال، فهذا مرتب، إنا وذكر الهدى أولاً في الأحكام، الهدى لنا، والضلال للفئة الثانية فيكون الأحكام مرتبة كما رتب أصحابها.

والمشوش كقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [سورة آل عمران:106] ثم ذكر الأحكام، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ بدأ بالثاني أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ثم ذكر الفريق الأخر حكم الفريق الآخر، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ [سورة آل عمران:107].

وقوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [سورة هود:105]؟ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [سورة هود:106]، ثم إلى أن قال: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ [سورة هود:108] فهذا مرتب، يذكر القضيتين ثم يذكر أحكاماً بعدها إن كانت مرتبة بحسب الترتيب السابق نصيب الأولين جاء أولاً، ونصيب الثانين جاء ثانياً هذا يسمونه لف ونشر مرتب، لف يعني يجمل وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ مجمل، ثم ذكر الأحكام بعدها نشر بين حكم كل واحد من هذه الطوائف فإن جاء بالأحكام مرتبة على نفس النسق فهذا مرتب، وإذا جاء بها فيها تقديم وتأخير يسمى مشوش، يذكر قضيتين فأكثر ثم يذكر الأحكام بعدها فإن ذكرها على التوالي نفس ترتيب ما ذكر قبله فهذا مرتب، وإن ذكرها فيها تقديم وتأخير ذكر حكم الثاني أولاً، ثم حكم الأول ثانياً فهذا مشوش.

وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول: يعني نحن أما أن نكون مهتدين، وأما أن نكون ضالين هذا يقال على سبيل التنزل في المخاصمة والمناظرة والجدل تنزل مع الخصم تقول له: لا يخلوا الحال من طائفة مهتدية وطائفة ضالة يقوله من يعلم أنه مهتدي، وأنه واثق بما عنده، لكنه لا يريد أن يبين عن ذلك، فبعضهم يقول: "أو" هنا على بابها وليست للشك كما يقوله البصريون، وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ يعني واحد من الفريقين لا يخلوا الحال إما هذا وأما هذا، لكن يقولها لغرض كالتنزل مثلاً مع الخصم.

وبعضهم يقول: بأنها بمعنى الواو، يعني وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أو في ضلال مبين أنها بمعنى الواو وهذا قول الفراء وأبي عبيدة ومعمر ابن المثنى وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ تكون بمعنى الواو، وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وكأن الأقرب -والله أعلم- أنه الأول أنها على بابها، وأن المقصود بذلك أنه يقوله على سبيل التنزل أن الحال لا يخلوا أما كذا أو كذا؟ -والله أعلم.

قال قتادة: قد قال ذلك أصحاب محمد ﷺ للمشركين: والله ما نحن وإياكم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد.

وقال عِكْرِمة وزياد بن أبي مريم: معناه: إنا نحن لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.

وقوله: قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ: معناه التبري منهم، أي: لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم بُرآء منا، كما قال تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41]، وقال: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [سورة الكافرون].

هذا كقوله: لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ بعض أهل العلم يقف عند قوله: أَجْرَمْنَا في حق أهل الإيمان، قُلْ لا تُسْأَلُونَ يعني كأن الله يأمر نبيه ﷺ أن يقول ذلك، فلماذا أضاف إليهم الإجرام إلى أنفسهم أعني القائلين أهل الإيمان؟ وبالنسبة للكافرين العمل بعضهم فهم الإجرام يعني الإساءة فقالوا هذا في غاية الإنصاف حال الحجاج، والمناظرة كأنه يعني يتنزل معهم إلى أبعد حد أن على إجرام لنا عملنا، ونحن سنجازى عليه ولن تسألوا عن أعمالنا وأعمالكم أنتم تلطف في العبارة، وقال: أعمالكم.

لكن الواقع -والله أعلم- أن أجرم وأجترم بمعنى أقترف، فهي ترجع إلى معنى العمل فهذا يقال له: اجترام، نعم وما إلى ذلك لا يلزم بالضرورة أن يكون بالمعنى بمعنى الكسب السيئ، قُل لَّا تُسْأَلُونَ فيكون هذا من باب التفنن بالخطاب والتنويع في العبارة؛ لكمال البلاغة، قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ يعني لا تسألون عما نعمل، لستم مسئولين عن عملنا ولسنا بمسؤولين عن أعمالكم، الله سيتولى الجميع ويحاسب الجميع ودعونا وشأننا ولهذا بعضهم يقول: بأن هذه الآية منسوخة بآية السيف فبعد ما نزلت أية السيف قالوا ما فيه وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل نأدبكم ونأخذ على أيديكم لكن هذا فيه نظر، -والله تعالى أعلم.

وقوله: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا أي: يوم القيامة، يجمع بين الخلائق في صعيد واحد، ثم يفتح بيننا بالحق، أي: يحكم بيننا بالعدل، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية، كما قال تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [سورة الروم:14-16]؛ ولهذا قال تعالى: وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ أي: الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.

الفتح بمعنى الحكم، والفتاحة بمعنى الحكم، والفتاح بمعنى الحاكم، أفتح بيننا وبين قومنا بالحق يعني أحكم.

وقوله: قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ أي: أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادا وصيَّرتموها له عدْلا، كَلا أي: ليس له نظير ولا نَديد، ولا شريك ولا عديل، ولهذا قال: بَلْ هُوَ اللَّهُ: أي: الواحد الأحد الذي لا شريك له الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: ذو العزة التي قد قهر بها كل شيء، وَغَلَبت كل شيء، الحكيم في أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدس.

الرؤية هنا تحتمل أن تكون بصرية أَرُونِيَ هذا المفعول الأول الياء، الذين هذا المفعول الثاني، أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ويحتمل أن تكون الرؤية هنا ليست رؤية بصرية وإنما رؤية علمية وهي قلبية، رؤية علمية.

  1. رواه أحمد في المسند، برقم (1487)، وقال محققوه: "إسناده حسن".
  2. رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم (2999).
  3. رواه البيهقي في شعب الإيمان، برقم (5405)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3069).
  4. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، برقم (7072)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، برقم (193).
  5. رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، برقم (1365).
  6. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة سبأ، برقم (4522).
  7. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة سبأ، برقم (4522).

مواد ذات صلة