الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(2) من قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية: 4 إلى قوله تعالى: {عَذَابًا كَبِيرًا} الآية: 19
تاريخ النشر: ٠٢ / ذو القعدة / ١٤٣٠
التحميل: 7130
مرات الإستماع: 2927

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد: 

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ۝ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۝ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة الفرقان:4-6].

يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن: إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ أي: كذب، افْتَرَاهُ يعنون النبي ﷺ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين، فقال الله تعالى: فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا أي: فقد افتروا هم قولاً باطلاً وهم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه.

وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا يعنون: كتب الأوائل أي استنسخها، فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ أي: تُقرأ عليه، بُكْرَةً وَأَصِيلا أي: في أول النهار وآخره.

وهذا الكلام -لسخافته وكذبه وبهْته منهم- كُلّ أحد يعلم بطلانه، فإنه قد عُلم بالتواتر وبالضرورة أن محمداً رسول الله لم يكن يعاني شيئاً من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحواً من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله ومخرجه، وصدقه ونزاهته، وبره وأمانته، وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة، حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره وإلى أن بُعِث الأمين، لما يعلمون من صدقه وبره، فلما أكرمه الله بما أكرمه به نصبوا له العداوة، وَرَموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا فيما يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون: ساحر، وتارة يقولون: شاعر، وتارة يقولون: مجنون، وتارة يقولون: كذاب، وقال الله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا [سورة الإسراء:48].

وقال تعالى في جواب ما عاندوا هاهنا وافتروا: قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ.. الآية، أي: أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين إخباراً حقاً صدقاً مطابقاً للواقع في الخارج، ماضياً ومستقبلاً، أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ أي: الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر.

وقوله تعالى: إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن رحمته واسعة، وأن حلمه عظيم، مع أن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم وكفرهم وعنادهم، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى، كما قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة المائدة:73، 74]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم ْعَذَابُ الْحَرِيقِ [سورة البروج:10]، قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ الإفك هو الكذب المختلق الذي لا شبهة فيه ولا مرية، ومأخوذ من القلب، قال الله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [سورة النجم:53] وهي قرى قوم لوط -عليه الصلاة والسلام.

إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ اختلقه، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ يشيرون إلى من نسبوا ذلك إليهم من الموالي كما جاء في بعض الروايات أو بعض الآثار كعباس ويسار وجويبر، هؤلاء كانوا من أهل الكتاب وهم أيضاً من اليهود، وربما كانوا من الأعاجم، فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا فالظلم حيث تجنوا هذه الجناية وكذبوا بالقرآن والوحي والنبوة، والزور هو الكذب، فإن مقالتهم هذه كاذبة، وحكمهم هذا زور، وجمعوا بين الظلم والزور بحكم باطل وقول مختلق.

وقوله: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا قال: يعنون كتب الأوائل، أساطير بعضهم يقول: جمع أسطورة كأحاديث وأحدوثة، وبعضهم يقول: جمع أسطارة، أو جمع أسطار كأقوال وأقاويل، والمقصود بالأساطير يعني: أحاديث الماضين وحكايات الأولين، وما سطروه في كتبهم، فيقولون: إنه اكتتبها أي: استنسخها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً، مع أنهم عجزوا عن الإتيان بمثله أو بسورة من مثله.

والله -تبارك وتعالى- يقول: لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ [سورة النحل:103] يعني: الذي أضافوا إليه القرآن أو قالوا: إنه تلقاه منه أعجمي، فكيف يأتي بمثل هذا القرآن العظيم؟! وإذا كان هذا من أساطير الأولين اكتتبها فمن أين نقلها؟ ومن الذي سطرها حتى جاءت بهذه المثابة من الإعجاز وما تضمنته من العقائد والأحكام والإخبار عن الأمور الغيبية الماضية والمستقبلة؟ من الذي سطر هذه الأساطير؟ وهل يوجد في الأساطير مثل هذا؟ ولماذا لا يجتمعون جميعاً بكل ما أوتوا من قوة ويأتون بأساطير كهذه؟ ولا زال التحدي قائماً إلى قيام الساعة، ولم يستطع أحد ولن يستطيع أن يأتي بمثله، ولا بقريب منه، والمحاولات التي بُذلت في هذا كانت في غاية الفشل، واقرءوا ما ذكر في مختلقات مسيلمة الكذاب. 

وأيضاً حاول آخرون بعده كابن المقفع وغيره ومن كان له عقل من هؤلاء لم يُخرج شيئاً، كان إذا كتب شيئاً مزقه، ثم أعلن بعد ذلك عجزه وإفلاسه، حتى إن الفيلسوف الكندي المعروف طلب منه أصحابه أن يكتب لهم مثل القرآن، والفلاسفة يعدون أنفسهم فوق الأنبياء، فقال: أفعل، فاحتبس أياماً كثيرة ثم خرج إليهم وقال: فتحت المصحف فظهرت لي سورة المائدة فنظرت في أول آية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [سورة المائدة:1] يقول: فأمر أمراً مجملاً، ثم أحل، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، واحترز ثم .. الشاهد يقول: هذا لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله، لا أستطيع، هذا الفيلسوف الكندي، والأمثلة على هذا متنوعة، يجمع ذلك جميعاً عجز البشر العرب والأعاجم من باب أولى عن الإتيان بمثل هذا القرآن.

ومن زعم أنه يستطيع، أو شك فيما ذكره الله -تبارك وتعالى- من التحدي فليجرب، فيكفي هذا في الإعجاز وإثبات الوحي والنبوة، ومن ثَمّ الاستسلام الكامل لما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ، فإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ولَمَا جاء من يرد النصوص متأولاً بعقله أو محتجاً بجهله، وهذه بلوى قديمة وقد ظهرت قرونها في هذه الأيام، والله المستعان.

وقوله -تبارك وتعالى: قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لماذا خص السر والله -تبارك وتعالى- يعلم السر والعلانية؟ يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم: إنه خص السر بما تضمنه القرآن من الأسرار البعيدة والأمور الغيبية، ما تضمنه من الأسرار العجيبة والأمور الغيبية والمعاني الدقيقة.

وقوله -تبارك وتعالى: إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا هذه لفتة مفيدة نبه عليها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وذكر نظائرها، فهي دليل على سعة الرجاء، يعني: هذه من نصوص الرجاء، والعلماء يتكلمون في أرجى آية في كتاب الله -تبارك وتعالى، والآية التي تُرجَّي برحمة الله وعفوه ومغفرته للمسيء، فمثل هذه الآية الله -تبارك وتعالى- يقول ويخاطب هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن وقالوا ما قالوا من الزور والبهتان ومع ذلك تُختم الآية بذلك، فهي دعوة ضمنية لهم إلى التوبة، وأن العبد مهما عظم جرمه فإن توبة الله -تبارك وتعالى- تسع الجميع إذا تاب العبد إليه وأناب.

وهكذا ما ذكره الحافظ ابن كثير هنا حينما نسب النصارى إلى الله -تبارك وتعالى- الصاحبة، قال: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة المائدة:74] بهذا الأسلوب بالعرض اللطيف الرقيق يدعوهم إلى التوبة، وأصحاب الأخدود الذين حرقوا المؤمنين: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا يعني: أحرقوا، فالفَتْن هو الإحراق بالنار، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [سورة البروج:10]، فهؤلاء الذين أحرقوهم بالنار يقول الله -تبارك وتعالى: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فتوبة الله تسع هؤلاء كما تسع غيرهم، إذا عرف العبد هذا فإنه لا يقنط ولا ييأس، وليس معنى هذا أنه يتكئ على سعة العفو من غير توبة، لا، وإنما يتوب.

قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ۝ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ۝ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ۝ تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ۝ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ۝ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ۝ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ۝ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [سورة الفرقان:7-14].

يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم، وإنما تعللوا بقولهم: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ يعنون: كما نأكله، ويحتاج إليه كما نحتاج إليه، وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ أي: يتردد فيها وإليها طلباً للتكسب والتجارة، لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا يقولون: هلا أنزل إليه ملك من عند الله، فيكون له شاهداً على صِدْق ما يدَّعيه! وهذا كما قال فرعون: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [سورة الزخرف:53]، وكذلك قال هؤلاء على السواء، تشابهت قلوبهم؛ ولهذا قال: أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أي: علم كنز ينفق منه، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا أي: تسير معه حيث سار، وهذا كله سهل يسير على الله، ولكن له الحكمة في ترك ذلك، وله الحجة البالغة، وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا.

قوله -تبارك وتعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ يعني: هذه الأشياء التي ذكروها يريدون أن يقولوا: لا فرق بيننا وبينه، فهم افترضوا أن النبي لابد أن يكون من غير جنس البشر، يكون ملَكاً، فإذا ادعى أحد من البشر أنه نبي فلابد أن يأتي بالملائكة، وهذا ذكره الله -تبارك وتعالى- عنهم في مواضع من القرآن، وهو في هذه السورة في أكثر من موضع كما سيأتي، فتارة يريدون أن يقترن به ملَك يسدده ويعينه ويقويه، وكانوا أحياناً يطلبون رؤية الملائكة كما سيأتي؛ ولهذا قال الله يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ [سورة الفرقان:22]، وأحياناً يطلبون أن ينزل ملَك فيوحي إليهم كما أوحى إليه، كما هو ظاهر بعض الآيات كما سيأتي.

فالشاهد: أن هذه المطالب التي يذكرها الكفار: أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ... إلى آخره، كل ذلك من قبيل التعنت؛ ولهذا كان الجواب عن هذا: سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:93]، فجميع هذه المقترحات التي كانوا يقترحونها كانوا يذكرون ذلك على سبيل المكابرة والتكذيب والتعنت؛ ولهذا ما أجابهم الله -تبارك وتعالى- إلى ذلك؛ لأنه لو جاءت هذه الآيات لكذبوا بها، كما أخبر الله -تبارك وتعالى- في مواضع من كتابه، كقوله -تبارك وتعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ [سورة الإسراء:59]. 

والمقصود بالآيات: الآيات التي اقترحها الكفار، وإلا فالأنبياء جاءوا بالآيات سواء ما كان منها من قبيل خوارق العادات، وهي التي اقترحوها، أو غير ذلك من الآيات التي هي من دلائل صدقهم، فإن دلائل النبوة التي تسمى في القرآن بالآيات منها ما هو خارق للعادة وهو ما سماه المتأخرون بالمعجزات، مثل هذا القرآن وعصا موسى -عليه الصلاة والسلام- وانفلاق البحر... إلى آخره، ومنها ما لم يكن كذلك أي ليست بخوارق العادات كالصدق في الحديث، والأمانة، وسُموّ ما يدعو إليه، والتاريخ المشرق والوجه المشرق.. إلى غير ذلك مما يعرف به صدق الإنسان؛ ولهذا أسلم من أسلم كعبد الله بن سلام بعد أن تحقق من أمور لم تكن من خوارق العادات، وبمجرد النظر إلى وجهه عرف أنه ليس بوجه كذاب، هرقل ما سأل عن أي معجزة سأل عن أشياء عرف بها أنه نبي.

فالحاصل: أن قوله هنا عنهم: مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ بمعنى: أنه بشر مفتقر إلى الطعام كما نفتقر إليه، ثم هو بعد ذلك أيضاً يحتاج بعده إلى ما يحتاج إليه البشر، ومنزلة الرسول في نظرهم ودعواهم أنه فوق ذلك، والله -تبارك وتعالى- في رده على النصارى الذين ادعوا إلهية عيسى -عليه الصلاة والسلام- كان في ضمن رده عليهم: أن عيسى -عليه الصلاة والسلام- وأمه كانا يأكلان الطعام، فهذا لا يصلح للإله، يأكل الطعام مفتقر إليه لا يقوم بذاته كما أنه يحتاج إلى الخلاء، ومثل هذا لا يصلح للألوهية، هذا الكلام في الإله، أما الأنبياء فهم بشر، ولهذا كان الرد يقول: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:93] يقول: أنا لم أخرج من وصف البشرية وإنما أنا رسول، فكانت تأتي الردود مقررة لهذا المعنى.

فهذه الآية هنا في الفرقان في هذا الموضع: لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا هذه صريحة في أن اقتراح نزول الملك من أجل الإنذار معه، ولكن ذلك ليس في كل المواضع، أحياناً لمجرد الرؤية والمشاهدة في الإثبات، نريد أن نرى الملائكة، وفي بعضها قد يفهم منه كما سبق أنه من أجل أن يحصل لهم الوحي كما حصل له: لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [سورة الفرقان:21].

في قوله هنا: أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا بمعنى أنه يُكفَى، في القراءة الأخرى المتواترة قراءة حمزة والكسائي: أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ نَأْكُلُ مِنْهَا، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، والقراءتان إذا كان لكل قراءة معنى فهما بمنزلة الآيتين، فهم يريدون أن تكون له جنة يأكل منها فيُكفَى فلا يحتاج إلى البيع والشراء والتكسب، وكذلك يريدون أن يأكلوا من هذه الجنة معه برهاناً على صدقه.

قال الله تعالى: انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا أي: جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك، من قولهم: ساحر، مسحور، مجنون، كذاب، شاعر، وكلها أقوال باطلة، كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك؛ ولهذا قال: فَضَلُّوا عن طريق الهدى، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى فإنه ضال حيثما توجه؛ لأن الحق واحد ومنهجه متحد، يُصَدّق بعضه بعضاً.

وأيضاً يعني الضلال أصله هو الذهاب عن حقيقة الشيء، كما قال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب -عليه الصلاة والسلام: إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ [سورة يوسف:95] يعني: ذهابك عن الحق في شأن يوسف، وهو ليس المقصود به الضلال عن الحق مطلقاً وإلا كانوا كفاراً بذلك، إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى: وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ [سورة السجدة:10] يعني إذا ذهبنا فيها وانساحت أجسادنا وتحللت، فالذهاب عن حقيقة الشيء يقال له: ضلال، فهنا الله -تبارك وتعالى- يقول: فَضَلُّوا يعني حينما قالوا هذه الأقوال بأن هذه أساطير الأولين اكتتبها، واتهموه بما اتهموه به، وطالبوه بأمور لم توكل إليه ولم يُبعث من أجل أن يطالب بمثل هذه المطالب: يلقى إليه كنز أو يأتي معه ملك أو يفعل كذا، فضلوا فذهبوا عن حقيقة ما جاء به وأطلقوا هذه الأقاويل والأوصاف والأحكام الكاذبة الجائرة التي لم يصيبوا فيها حقيقة ما جاء به ووصفوه بالسحر وهو أبعد شيء عما جاء به الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، يعني: النبي في طرف والساحر في طرف، والله المستعان.

ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه لو شاء لآتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن، فقال: تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ.. الآية، قال مجاهد: يعني: في الدنيا، قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصراً، كبيراً كان أو صغيراً.

يعني في قوله -تبارك وتعالى: وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا يقولون: القصر البيت المبني من الحجارة، وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا، {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا لكن هل هذا هو المتبادر من السياق؟ يعني على لغة العرب: القصر البيت المبني من الحجارة، يطلق على الكبير والصغير، لكن الذي يفهم من السياق الآن، هل لو كان غرفة كما كانوا يبنون أو ما يشبهها هل هذا هو المراد مع ذكر الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وأن الله لو شاء لأعطاه ما لم يعط البشر؟، المقصود ما هو أعظم من ذلك.

والجنات هي الحدائق التي فيها الأشجار التي تغطي من دخلها وتجنه.

وقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ أي: إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً لا أنهم يطلبون ذلك تبصراً واسترشاداً، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال.

وَأَعْتَدْنَا أي: أرصدنا، وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا أي: عذاباً أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم.

أعتدنا بمعنى أرصدنا، يعني: هذا تفسير له بما يقرب من معناه، وإلا فالأصل أن هذه اللفظة حينما يقول: أعد، أو أعتدنا أو نحو ذلك، وما يقاربه تدل على زيادة اعتناء بهذا المُعَد.

وقوله: إِذَا رَأَتْهُم أي: جهنم، مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ يعني: في مقام المحشر، سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا أي: حنقاً عليهم، كما قال تعالى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ۝ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [سورة الملك:7، 8] أي: يكاد ينفصل بعضها من بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.

إِذَا رَأَتْهُم أي: جهنم، هذا لا حاجة لتأويله والتكلف في حمله على محامل تخالف ظاهره، إِذَا رَأَتْهُم هذا يدل على أنها ترى، إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ فالنار ترى، أثبت الله لها الرؤية، كما أثبت لها الكلام، يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ [سورة ق:30] من الذي يقول: هَلْ مِن مَّزِيدٍ هل هم الكفار الذين فيها؟ قطعاً لا، هل هم الملائكة؟ أيضاً هذا خلاف ظاهر القرآن، فإذا كانت تتكلم وتجيب ويخرج عُنُق من النار ويقول: وُكلت بثلاثة، وذكر منهم المصورين[1]، فما الذي يمنع أيضاً من كونها تَرى؟ فلا يصح العدول عن هذا الظاهر، والتعسف والتكلف في حمله على معانٍ بعيدة لا دليل عليها، إِذَا رَأَتْهُم أي: جهنم، مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا وذلك أنه يؤتى بها إليهم كما جاء في الحديث: يؤتى بالنار لها سبعون ألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك[2]، يعني يقودونها، يؤتى بها، فإذا جيء بها رأتهم من مكان بعيد فسمعوا لها تغيظاً وزفيراً.

قد يقول طالب العلم: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا التغيظ هو الحنق، فالغيظ شيء في النفس، احتراق في الداخل وغليان، والزفير يسمع ولكن التغيظ هل يسمع؟ فابن جرير -رحمه الله- يقول: المعنى سمعوا لها صوت تغيظ، سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا فهي لتغيظها يُسمع لها صوت يدل على ذلك وهو صوت التلهب والتوقد الشديد، التوقد والتلهب، وأيضا أجاب عنه كثير من أهل العلم منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يقول: سمعوا صوت غليانها من بعيد، صوت الغليان، وهذا مثل قول ابن جرير: صوت التلهب والتوقد، لكن هذا الغليان الصوت الذي يسمعونه ليس بصوت النار المعتاد إذا كانت شديدة التوقد، وإنما ذلك كائن بسبب التغيظ، بسبب تغيظها، فلما كان سبب هذا الصوت سبب هذا التوقد الشديد أو الغليان سببه التغيظ أطلقه عليه، فأطلق اسم السبب على المسبب، ودل هذا على أن النار ليست كنار الدنيا من هذه الحيثية. 

أيضاً هي ليست مثلها من جهة شدة الإحراق، والنبي ﷺ أخبر أنها فضلت عليها بسبعين جزءاً، بسبعين ضعفاً، حتى لو فضلت بسبعين فهي ليست مجرد نار مشتعلة، يعني مثل الآن النار في الدنيا تختلف تتفاوت نار الحداد أقوى من النار التي يوقدها آحاد الناس ليصطلي عليها مثلاً، نار جهنم مع تفضيلها بسبعين إلا أنها ترى وتتكلم وتتغيظ ويخرج منها عنق، وفيها حنق شديد وغليان وفوران وأصوات وزفير، لها زفير، الصوت الذي يسمع من الإنسان بحال البكاء مثل النَّفَس الذي يكون مع بكاء مثلاً فيحصل منه شهيق وزفير، فهي في غاية الغيظ على هؤلاء الذين يعذبون فيها، ليست ناراً محرقة فقط، إنما نار محرقة ولها إدراك وإحساس، وهي أيضاً في غاية الحنق، وإذا كان الآدمي في غاية الحنق وظفر بعدوه فإنه يفتك به، فما بالك بهذه النار يوم تغيظ عليه بمجرد أن تراه من بعيد، يسمعون صوتاً مفزعاً يدل على شدة هذا الغيظ، عافانا الله وإياكم ووالدينا وإخواننا المسلمين منها.

وروى الإمام أبو جعفر بن جرير عن ابن عباس قال: إن الرجل ليُجَر إلى النار، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ قالت: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليُجَرّ إلى النار، فيقول: يا رب، ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: فما كان ظنك؟ فيقول: أن تَسَعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف[3]، وهذا إسناد صحيح.

الحافظ ابن كثير صحح إسناده، والمحقق ما أدخله في هذا التفسير إلا بناء على صحته عنده، وفي إسناده رجل يقال له: أبو يحيى القتات تكلموا فيه؛ ولهذا ضعفه بعض أهل العلم، ومسألة التصحيح والتضعيف هي مسألة اجتهادية لاعتبارات معينة تتصل بقواعد هذا العلم، ومن جهة أخرى في تطبيقات هذه الأصول والقواعد وما يسمى عند الأصوليين بتحقيق المناط، يعني: هل ينطبق ذلك على هذا أو لا؟ فيختلفون تارة في هذا وتارة في هذا، فتأتي أحكامهم مختلفة، وأحياناً يكون ذلك بسبب القصور، يعني يكون للحديث طرق أخرى ففاته أو بسبب وهم وقع له ظن أن هذا الراوي هو فلان فصحح الحديث أو نحو هذا من الأمور المعروفة، فهذه مسألة اجتهادية، وما كان في هذا الكتاب في هذا المختصر من هذا القبيل فهو مسبوق إلى تصحيحه، وتبقى الأحاديث التي يمكن أن يخالف فيها قليلة نسبياً على كثرة الروايات، ومن يخالفه فيها لا يزعم أن ما قاله خطأ بنحو مائة بالمائة في كل الأحوال.

وأرسل لي أحد الإخوان مرة رسالة من بعض هذه الرسائل التي ترسل للناس عن طريق اشتراك، يذكر فيها عن بعض من قال: إن الكتاب فيه كثير من الأحاديث الضعيفة، هكذا بإطلاق القول جزافاً، وهذا الكلام غير صحيح، وقد تتبعت الأحاديث التي فيه، كل الأحاديث تتبعتها على كلام أهل العلم، في كثير من الأحيان أرجع إلى أقوال المتقدمين والمتأخرين، أقول هذا الكلام عن تتبع: هذا الكلام غير صحيح، ولا يصح نشر مثل هذا الكلام، ومن قال مثل هذا أيضاً هو ليس من العلماء الذين يؤخذ عنهم هذا العلم، الإنسان يتحرى في مثل هذه الأشياء ولا يستعجل، فإن كلمة مثل هذه غير صحيحة تصل إلى آلاف مؤلفة، ربما يشترك في هذا الجوال سبعون ألفاً أو أكثر ثم ينقلونه إلى غيرهم ويرسلونه إلى مثلهم، ويتصورون بعد ذلك تصورات غير صحيحة، تصدر منهم أحكام غلط، فيبخسون الكتاب حقه، هذا الكتاب من أحسن مختصرات ابن كثير.

وهذا الحديث يدل على تغيظها، وأن الآية تدل على هذا المعنى، وكذلك الحديث الذي ذكره النبي ﷺ: لا يزال يلقى في النار وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه -في الرواية الأخرى: رجله- فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط، كفاني كفاني[4]، هذا كله يدل على أنها تدرك وتتكلم وتشعر؛ ولذلك اشتكت إلى ربها، اشتكت الجنة والنار فقالت: أكل بعضي بعضاً، وهذا يدل على أنها موجودة الآن، كما أن الجنة موجودة، والنبي ﷺ رأى الجنة والنار، ورأى عمرو بن لحي بن قمئة الخزاعي أول من غير دين إبراهيم -عليه الصلاة والسلام، وأول من سيب السائبة يجر قصبه في النار، إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على هذا المعنى.

وروى عبد الرزاق عن عبيد بن عمير في قوله: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا قال: إن جهنم تزفر زفرة، لا يبقى ملك ولا نبي مرسل إلا خَرّ لوجهه تَرْتعَد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك اليوم إلا نفسي[5].

عبيد بن عمير من التابعين، فهذا من قبيل المرسل، والمعنى له حكم الرفع في الأصل، ولو أن الكتاب جرد من مثل هذا لكان أولى.

وقوله: وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح أي من ضيقه.

الزج يعني الحديدة في أسفل الرمح، يعني هو مع الضيق يكون العذاب أشد، إذا وضع في مكان ضيق أدخل فيه كما يدخل الوتد في الحائط، فهذا أشد في العذاب.

وقوله مُقَرَّنِينَ قال أبو صالح: يعني مُكتّفين، دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا أي: بالويل والحسرة والخيبة، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا.. الآية.

قوله: مُقَرَّنِينَ يقول هنا: يعني مكتفين، يعني: ليس معنى ذلك على قول ابن كثير أنه قرن بغيره، لا، وإنما مكتف، يعني يلقى فيها مربوطاً قد غُلت يداه إلى عنقه، كما قال الله إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ۝ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [سورة غافر:71، 72]، فالأغلال تكون في أعناقهم وتغل أيديهم إلى أعناقهم فهم موثقون بالسلاسل، فهنا قوله: مُقَرَّنِينَ يقول: قال أبو صالح: يعني مكتفين، مع أن ظاهر هذه اللفظة يشعر بالاقتران، يعني: أنهم قد سلسلوا وقرنوا ببعضهم، يلقون فيها وقد قرن بعضهم إلى بعض، كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [سورة الملك:8] فهم يبقون على مجموعات قد غلوا وربطوا وقرن بعضهم ببعض، يعني كل واحد منهم مغلول وموثق بالسلاسل، وقد ربط أيضاً مع غيره في الأصفاد والسلاسل، وبعضهم يقول: مُقَرَّنِينَ أي: قرن كل واحد مع شيطانه، ولهذا يقول: فَبِئْسَ الْقَرِينُ [سورة الزخرف:38]، فحملوه على هذا المعنى، بئس القرين لكن الآية لا تدل على هذا تلاوة واضحة أعني قوله: فَبِئْسَ الْقَرِينُ المقصود أنه قارنه في الدنيا، وهو يتمنى فراقه وبُعده: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [سورة الزخرف:38].

وهم يوثقون بالحديد والأغلال والسلاسل، وكذلك يقرن بعضهم إلى بعض، وهذا فيه زيادة في النكال والعذاب، فلا مفر ولا مجال للخلاص والملائكة تحيط بهم من كل جانب، ولكن زيادة في النكال والعذاب يكونون بهذه المثابة، لو أنه حصل له شيء من هذا من غير نار لكان ذلك في غاية الإيلام النفسي والبدني، فكيف مع النار والعذاب والإحراق؟! فتكون هذه السلاسل زيادة في إيلامهم وتعذيبهم.

في قوله هنا: دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا قال: بالويل والحسرة والخيبة، لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا إلى آخره، يعني يقولون: واثبوراه، يعني كأنهم يقولون: يا حسرتنا احضري واثبوراه، يدعون على أنفسهم بالويل والثبور والحسرة، فيقال لهم ذلك تيئيساً: لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا، دعْوتكم بالثبور لا تغني عنكم ولا تخلصكم، وقد وقعتم في ما اقترفته أيديكم فلا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً، فإن الأمر الذي وقعتم فيه لا خلاص منه ولا نجاة.

الأزواج: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [سورة الصافات:22] هذا في الحشر، في النار يلقون مجموعات، هذه المجموعات التي تلقى في النار يقرن بعضهم إلى بعض بالسلاسل، الواحد منهم يصدق عليه هذا وهذا، والأزواج المذكورة في قوله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ يعني: نظراءهم، فاليهود يحشرون مع بعضهم، والنصارى يحشرون مع بعضهم، وهكذا.

قال تعالى: قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ۝ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [سورة الفرقان:15، 16].

يقول تعالى: يا محمد، هذا الذي وصفناه لك من حال أولائك الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فتتلقاهم بوجه عبوس وتغيظ وزفير، ويُلقَون في أماكنها الضيقة مقرَّنين، لا يستطيعون حراكاً، ولا استنصاراً ولا فكاكاً مما هم فيه، أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم، وجعلها لهم جزاء ومصيراً على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها؟

لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ من الملاذ: من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَر على قلب أحد، وهم في ذلك خالدون أبداً دائماً سرمداً بلا انقطاع ولا زوال، ولا انقضاء، لا يبغون عنها حوَلاً، وهذا من وَعْد الله الذي تفضل به عليهم، وأحسن به إليهم، ولهذا قال: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً أي: لابد أن يقع وأن يكون، كما حكاه أبو جعفر بن جرير، عن بعض علماء العربية أن معنى قوله: وَعْدًا مَسْئُولاًأي: وعداً واجباً.

يعني بهذا الاعتبار يكون المعنى: وَعْدًا مَسْئُولاً أي: وعداً محققاً ثابتاً، يُسأل ويُطلب، هذا المعنى الذي أراده هنا، وبعض أهل العلم يقول: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً أي: أن أهل الإيمان يسألونه: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [سورة آل عمران:194] فهم سألوا ذلك في الدنيا، كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً سألوه فحقق لهم سؤلهم وأعطاهم ما طلبوا، كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً، وهذا وإن كان واقعا أن أهل الإيمان يسألون ذلك ربهم، ولكن السياق قد يفهم منه المعنى الأول -والله تعالى أعلم، كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاًأي: ثابتاً محققاً يُسأل ويُطلب.

فلو قيل: إن هذا السؤال يكون في الآخرة باعتبار الوعد لكان أولى -والله تعالى أعلم، كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً يسألونه أن ينجز لهم ما وعدهم، فالمقصود تحقيق الوعد، وأنه ثابت، إذا أردت أن توثق مثل هذا توثق الوعد تقول: هذا على مسئوليتي، تقول: هذا وعد أُسأل عنه، فهذا أوكد وأثبت ما يكون في الوعد.

وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار، ثم التنبيه على حال أهل الجنة، كما ذكر تعالى في سورة الصافات حال أهل الجنة، وما فيها من النضرة والحبور، ثم قال: أَذَلِكَ خَيْرٌ نزلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ۝ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ۝ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ۝ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطـِينِ ۝ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّ لَهُم عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ۝ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبـَاءَهُمْ ضَالِّينَ ۝ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [سورة الصافات:62-70].

يعني هنا في قوله -تبارك وتعالى- وإن لم تكن هذه من السورة: إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ شجرة الزقوم، تحتمل المعنيين، يعني جعلها الله فتنة بمعنى عذاب يعذبون بها في النار، فإنهم لآكلون منها.

وأيضاً فُتنوا بذلك حينما سمعوا كيف أن شجرة تخرج في أصل الجحيم، والشجر إنما يخرج حيث الرطوبة والماء فكيف يجتمع مع أضداده كما هو في النار الإحراق، فهذا فتنة بالنسبة لهم، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى- كما سيأتي: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً فهؤلاء فُتنوا ببعث الرسل -عليهم الصلاة والسلام، فجعلوا يقولون: لولا أنزل عليه كذا، لولا ألقي عليه كذا، أو حصل له كذا، فتنوا بهذا، وجعلوا يقترحون هذه الاقتراحات ويعترضون بهذه المعارضات.

في قوله: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً هنا الحافظ ابن كثير قال: لابد أن يقع وأن يكون كما حكاه ابن جرير عن بعض علماء العربية، أن معنى قوله: وَعْدًا مَسْئُولاً أي: وعداً واجباً، هذه حكاية ابن جرير عن بعض علماء العربية، لكن اختار ابن جرير أنه وعد يُسأل ويُطلب، وذلك أنهم سألوا ربهم في الدنيا، هذا قول ابن جرير، كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا أي: أنهم سألوه في الدنيا: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ [سورة آل عمران:194] فحقق لهم ذلك وأجابهم وأعطاهم، هذا اختيار ابن جرير، إن ما ذكره في الأصل ما ذكره.

اختيار ابن جرير: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولًا أي: أنهم سألوا ذلك في الدنيا، كما قال الله تعالى عنهم: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ [سورة آل عمران:194، يعني كأنه إخبار عن هذا، إخبار عن هذا الذي حصل لهم من دخول الجنة أنه أمرٌ سألوه في الدنيا أن يحقق؛ لأن الله وعد أهل الإيمان بذلك، فسألوه في الدنيا، فحقق لهم وأنجز لهم ذلك في الآخرة فأدخلهم الجنة.

قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ۝ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تـَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [سورة الفرقان:17-19].

يقول تعالى مخبراً عما يَقَع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم مَن عبدوا من دون الله، من الملائكة وغيرهم، فقال: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

الله -تبارك وتعالى- يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ما يعبدون "ما" هذه تفيد العموم، ولهذا تستعمل لغير العاقل، والمعبودون من دون الله منهم ملائكة وأنبياء وصلحاء، ومنهم أيضاً جمادات من الأصنام والأحجار والأشجار، ومنهم حيوانات كالأبقار، فهنا الله -تبارك وتعالى- يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

ابن كثير -رحمه الله- العبارة التي عبر بها يقول: تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله من الملائكة وغيرهم، هكذا هذه العبارة تشعر أن ذلك يشمل الأصنام والأحجار والجمادات، كما يشمل أيضاً الملائكة والأنبياء والصلحاء، على هذا الاعتبار، ويحتج لذلك... في قوله: وَمَا يَعْبُدُونَ هذا من جهة، ويحتج له أيضاً بأنه جاء بـ"ما" التي لغير العاقل من باب التغليب، وقد تستعمل هذه مقام هذه تغليباً، فمن عُبد من دون الله من غير العقلاء أكثر من العقلاء؛ لأن غالب المعبودات من دون الله هي من الأحجار والأشجار وما إلى ذلك، ومن أراد أن يرى هذا أو يعرف هذا فليذهب إلى بلاد الهند على سبيل المثال، فيرى كل شيء يعبد، حتى الفئران لها معابد ويأتي الناس يتقربون إليها ويوضع لها الحليب، فهاتان قرينتان على العموم.

وكذلك الآيات التي تدل على هذا المعنى في القرآن، كقوله -تبارك وتعالى- في سورة يونس: وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ۝ فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيـْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ [سورة يونس:28، 29]، فهذه تدل على هذا المعنى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [سورة الأحقاف:5، 6] هذه تصدق على الأصنام، مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، ففي الآخرة يصدق عليهم مثل هذا: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء

ومن أهل العلم من حمله على الملائكة والأنبياء والصلحاء وما إلى ذلك كما نَقل هنا عن مجاهد -رحمه الله- قال: هو عيسى وعزير والملائكة، على سبيل التمثيل هنا، وإلا لو جاء أحد وقال غير هؤلاء ممن عُبد من دون الله من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والصالحين فكذلك، وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم منهم الحافظ ابن القيم -رحمه الله.

واحتجوا بأن الله يسألهم يقول: أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء فيجيبون: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا فيُكذّبون هؤلاء الكفار ويتبرءون منهم، فيقولون: الجمادات ليست محلاً لهذا ولا تُسأل فتجيب، وإنما ذلك في من يعقل، ولكن ما ذكرته من الأدلة، سواء كانت قرائن من نفس الآية أو الأدلة الأخرى تدل على أن هؤلاء المعبودين يتبرءون في الآخرة ولو كانوا من الأصنام من هؤلاء العابدين؛ ولذلك لو قيل بأن الأقرب الحمل على العموم وهو ظاهر القرآن لكان هذا -والله تعالى أعلم- أكثر موافقة، وهو الأسعد بالدليل، والله أعلم.

فقال: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قال مجاهد: هو عيسى وعُزَير والملائكة، فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ.. الآية، أي: فيقول الرب -تبارك وتعالى- للمعبودين: أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم؟ كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مـَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعـْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ۝ مَا قُلْتُ لَهُم إلا ما أمرتني به.. [سورة المائدة:116] الآية.

ولهذا قال تعالى مخبرًا عما يُجيِب به المعبودون يوم القيامة: قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيـَاءَ قرأ الأكثرون بفتح النون من قوله: نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ أي: ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحداً سواك لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ.. [سورة سبأ:40، 41] الآية.

يعني هذا في جواب الملائكة وسؤال الملائكة، والذين قالوا هم الملائكة وعيسى -عليه الصلاة والسلام- قالوا: القرآن يدل على هذا، فالله أخبر عن سؤال الملائكة وأخبر عن سؤال المسيح، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فهذا هو السؤال الذي يتوجه إليهم ذكره الله في موضع آخر.

وقرأ آخرون: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ أي: ما ينبغي لأحد أن يعبدنا، فإنا عبيد لك، فقراء إليك، وهي قريبة المعنى من الأولى.

يعني الآن على القراءة المشهورة: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ الآن السؤال الذي يتوجه إليهم: أأنتم أمرتم هؤلاء؟ قلتم لهؤلاء اعبدونا؟ فكيف جاء الجواب على هذه القراءة التي نقرأ بها؟ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء على هذه القراءة يرد السؤال: هل أمرتموهم بعبادتكم؟

فالجواب الذي قد يتبادر أنهم يجيبون به أنهم سيقولون: لم نأمرهم بعبادتنا، وهم بماذا أجابوا؟ قالوا: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء، ولم يكن السؤال هل اتخذتم من دوني معبودات؟ أَسَألَ المعبودين: هل اتخذتم من دوني معبودات تعبدونها من دون الله حتى يقولوا له: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء؟ لا، وإنما السؤال: هل أمرتم هؤلاء بأن يعبدوكم؟

حاول جماعة من المفسرين أن يجيبوا عنه، كيف توجه إليهم السؤال عن شيء فأجابوا بقولهم: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء هو لم يسألهم: هل اتخذتم من دوني أولياء؟ هم اتُّخِذوا أولياء من دون الله يعني معبودات، فبعض أهل العلم قال: إنهم أجابوا بذلك مخبرين عن عموم الخلق، سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أي: معاشر المخلوقين، أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء فيصدق ذلك على العابدين الذين عبدوا هؤلاء، فيكون الجواب عن عموم الخلق، تكلموا مجيبين عن عموم الخلق وما كان ينبغي لهم.

ومن أهل العلم من قال: إنهم قالوا ذلك: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء يعني: إذا كنا نحن لا نفعل هذا فمن باب أولى أننا لا يمكن أن نرضى وأن نقر أن يُتخذ من دونك أولياء، لا سيما أن نكون نحن الذين نُعبد، إذا كنا نحن لا نفعل هذا ولا نعتقد هذا، فالله هو الولي هو المعبود وحده، فكيف يسوغ لنا أن نتعبد الناس بذواتنا؟! نحن لا نفعل هذا، ما نتخذ من دونك أولياء، فكيف نقبل أن يتخذ أحد من الناس ولياً من دون الله معبوداً، بل كيف نرضى أن نُعبد نحن من دونك؟!

ويمكن أن يجاب بجواب ثالث ما رأيته لأحد من المفسرين لكن الآية تحتمل ذلك، يمكن أن يجاب بأن الولي يقال للولي الأعلى والأدنى، كما يقال هذا بالنسبة في كلام العرب، الآن السيد يقال له: ولي والمملوك يقال له: ولي، السيد يقال له: مولى، والمملوك يقال له: مولى، سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء فيكونون أطلقوا ذلك على هؤلاء الذين عبدوهم، فالمعبود بالنظر إلى العابد تُعتبر العلاقة التي بينهم من الطرفين، يقال للعابد بفعله مع المعبود: إنه اتخذه ولياً، وهؤلاء العابدون بالنسبة للمعبود يعتبرون أولياء أيضاً بهذا الاعتبار، سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء يصرفون العبادة لنا، هذا من ناحية اللغة صحيح لا إشكال فيه، ويزول به الإشكال من وجه قريب جداً، نحن لم نتعبدهم: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وإنما التعبد لله -تبارك وتعالى- وحده لا شريك له، فهذا احتمال، ولكن لم أجد ذلك في كلام أحد من المفسرين، وهذا معنى مغاير للمعاني الأخرى -للأجوبة الأخرى، وهو جواب عن إشكال لكنه من ضمن ذلك يعد تفسيراً، وإذا كان الإنسان لم يجد هذا لأحد من المفسرين فإن الجراءة على أن هذا هو المعنى لا شك أن هذا فيه مجازفة، فرق بين أن يذكر الشيء على سبيل الاحتمال وبين أن يقال: هذا هو المعنى.

وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ أي: طال عليهم العمر، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا.

لاحظ الآن يقولون: وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ يعني: بطول العمر، وإدرار الأرزاق، فنتج عن ذلك الإعراض والغفلة، وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يقول هنا: أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، لاحظ العبارة في غاية الدقة، يعني أقوال المفسرين: حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ نسوا هنا بمعنى تركوا، النسيان هنا بمعنى الترك، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ [سورة الحشر:19] يعني: تركوا عبادته، فهنا بعض المفسرين يقول: إن الذكر التوحيد، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ نسوا الإيمان والتوحيد وعبادة الله ، نسوا توحيده وعبادته.

لاحظتَ؟ ابن كثير عبر عن هذا بعبارة دقيقة تتلاءم مع الظاهر ظاهر اللفظ، يعني اللفظ الذكر، هل الذكر هو التوحيد؟ يقول: نسوا ما أنزلته إليهم، هذا الذي أنزله إليهم ذكر، من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، إذن هذا يوافق القائل بأن المقصود بذلك نسوا الذكر أي التوحيد، وهذا التفسير صحيح لكن قد يستشكله السامع أو الناظر فيقول: الذكر هل هو التوحيد؟ يعني هل كلمة الذكر تساوي التوحيد؟ معنى كلمة الذكر تعني التوحيد؟

من حيث الأصل اللغوي لهذه المادة فإن الذكر يطلق ويراد به معنى المصدر، ويطلق ويراد به معنى المفعول، يعني: المذكور ما يُذكر، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ يعني: ما ذُكّروا به، ما الذي ذُكّروا به؟ هو التوحيد والإيمان الذي أوجب تركه لهم الخلود في النار، وإلا فإن الذي تركوه وأعرضوا عنه إذا قيل التوحيد، يعني: وما يتفرع عنه، كل ما أُمروا به من عبادة الله  وطاعته كل ذلك تركوه ونسوه، فإذا قيل التوحيد يعني بمعنى أن ذلك هو الأصل الكبير الذي يتفرع عنه كل معروف وطاعة مما أمر الله به، وهو سبب دخول الجنة، وتركه سبب الخلود في النار، يعني: بهذه الطريقة نفهم هذا التفسير إذا قيل التوحيد، وإلا فليس معنى كلمة الذكر، لو قيل لك: فسر كلمة الذكر ما تفسرها بالتوحيد، لكن كيف جاء هذا التفسير وهو تفسير صحيح؟ بهذه الطريقة.

وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا قال ابن عباس: أي هلْكى، وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري: أي لا خير فيهم.

هذه المعاني متقاربة، يعني حينما يقول: هلكى، قال ابن عباس: هلكى، وهذا الذي اختاره ابن جرير، وبه قال كثير من أهل العلم، والشنقيطي -رحمه الله- رجح هذا المعنى، بوراً أي هلكى، لكن حينما يقول بعض السلف: لا خير فيهم، نفس المعنى، الذي لا خير فيه ولا جدوى ولا نفع ولا دفع فهو في عداد الهلكى، وهكذا حينما يقال: إن ذلك بمعنى الكساد تقول: بارت السلعة وبارت المرأة، بمعنى: كسدت لم تتزوج، والسلعة لم يحصل لها نفاق، بارت الأسواق بارت السلع، فكل ذلك يرجع إلى معنى واحد، هذه الأرض أرض بور، يعني: لا نبات فيها، فمعنى الكساد قريب من هذا، وهكذا أيضاً قول بعض السلف: لا خير فيهم، أرض بور لا خير فيها لا نبات فيها، فلا حاجة للترجيح ترجيح أحد هذه المعاني.

وقال الله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ أي: فقد كذبكم الذين عَبَدْتُم فيما زعمتم أنهم لكم أولياء، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، كقوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [سورة الأحقاف:5، 6].

قوله: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ كذبوكم، هذا خطاب من الله -تبارك وتعالى- متوجه إلى الكافرين، يقول: إن هؤلاء المعبودين حينما سئلوا: أأنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم؟ فتبرءوا منهم، فقال الله للعابدين: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ يعني: ما تدعون وتزعمون من أن هؤلاء آلهة وتنفع وتضر، فتقربتم إليها من دون الله وعبدتموها، كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ وبعض أهل العلم يقول: إن هذا الخطاب متوجه لأهل الإيمان: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ من وحدانية الله ، وأنه هو المعبود، فلا يعبد أحد سواه، كذبوكم بما تقولون، لكن هذا بعيد، وفي القراءات الأخرى: فقد كذبوكم بما يقولون.

وكما ذكر في ما سبق: مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نُّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء نعم بضم النون فعلى هذه القراءة أنه اتُّخذ من دون الله، لا إشكال في الآية السابقة، هنا: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ على هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير أو هذا المعنى الذي ذكره هو المتبادر، كذبكم أيها الكفار من عبدتم من دون الله -تبارك وتعالى- وتبرءوا منكم.

وقوله: فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًاأي: لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم.

وفي القراءة الأخرى: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا ما يستطيعون: يعني بعضهم يقول: فما يستطيعون لكم صرفاً للعذاب ولا نصراً فيخلصوكم مما أنتم فيه، فما يستطيعون لكم صرفاً ولا نصراً، من قال بأن ذلك الخطاب يتوجه في قوله: فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ لأهل الإيمان، فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا يعني: صرفاً عن الإيمان، عن الحق، فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا لأنفسهم بما ينزل عليهم من العقوبة بسبب تكذيبهم إياكم، هذا المعنى لا يخلو من إشكال، والله تعالى أعلم.

وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ أي: يشرك بالله، نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا.

قال: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني: يشرك؛ لأن الشرك هو الظلم العظيم، كما قال الله وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13]، وقوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] يعني: بالشرك كما فسره النبي ﷺ.

  1. رواه الترمذي، كتاب صفة جهنم عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في صفة النار، برقم (2574)، والإمام أحمد في المسند، برقم (8430)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (8051)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (512).
  2. رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، برقم (2842).
  3. جامع البيان في تأويل القرآن، لأبي جعفر الطبري (19/ 244).
  4. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [إبراهيم:4]، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات:180]، وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ [المنافقون:8]، ومن حلف بعزة الله وصفاته، برقم (7384).
  5. جامع البيان في تأويل القرآن، لأبي جعفر الطبري (19/ 244).

مواد ذات صلة