الأحد 26 / شوّال / 1445 - 05 / مايو 2024
[39] تابع لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ}.
تاريخ النشر: ١٧ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 3041
مرات الإستماع: 2071

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله- تعالى:

قوله: وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ [سورة النساء:155] وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جمّعًا غفيرًا من الأنبياء -عليهم السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول -تبارك وتعالى: وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ [سورة النساء:155] هذا القيد وأمثاله "بغير حق" إنما جرى لإيضاح الواقع فذلك من الصفات الكاشفة وإلا فإن قتل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا يكون بحق بحال من الأحوال.

فهذا ونظراؤه في القرآن كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة آل عمران:21] وما شابه ذلك هذا كله ذكر فيه هذا القيد "بغير حق" لبيان الحال الواقع فيها من الصفات الكاشفة وليست مقيدة، وإنما تكون مقيدة إذا كان ذلك يقع بحقٍ وبغير حق.

ومن الأمثلة على ما ذكرنا قوله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [سورة المؤمنون:117]، فهل يمكن أن يدعو أحد من دون الله إلهًا له فيه برهان؟ يعني هل يمكن أن نقول: إن مثل هذا له مفهوم مخالفة معتبرة، يعني لو أن أحدًا قال: مفهوم المخالفة من الآية السابقة أنهم إذا قتلوا النبيين بحق فلا إشكال، فهل هذا القول معتبر؟

 أبدًا، لا أحد يقتل النبيين بحق ولا أحد يدعو مع الله إلهًا آخر له به برهان، فهذه الآيات هي كقوله -تبارك وتعالى: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38] والمقصود أن كل هذه القيود هي من الصفات الكاشفة، أي التي تكشف وتوضح حقيقة الأمر وجليته لا أنها تزيد قيدًا يخرج الصور الأخرى وإن كان الأصل في الصفات أنها مقيِّدة، بمعنى أنه كلما زادت الأوصاف زادت القيود، فلو قلت مثلًا: أريد أن اشتري بهذه الدراهم كتابًا ثم قلت: عربيًا، ثم قلت: في التفسير ثم قلت: من المأثور ثم قلت: للمتقدمين ثم قلت: يجمع بين الآثار وبين توجيهها، فما بقي إلا أن تقول: لابن جرير، فهذه الأوصاف التي ذكرتها هي أوصاف مقيدة أخرجت كتب التفسير كلها، لكن القيد في قوله تعالى: وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ [سورة النساء:155] لا يخرج طوائف تقتل الأنبياء بحق.

وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ [سورة النساء:155] قال ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جُبَير، وعكرمة، والسّدّي، وقتادة، وغير واحد: أي في غطاء، وهذا كقول المشركين: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ الآية [سورة فصلت:5].

هذا سبق الكلام عليه في سورة البقرة وما قاله بعض المفسرين من أن المراد أنها أوعية للعلم أو غلاف للعلم فلا تحتاج إلى هذا الذي تأتينا به، فنحن مستغنون عنه، لكن هذا المعنى فيه بعد، وإنما المقصود أنهم يقولون: قلوبنا غلف أي: أنها لا تعي؛ لأن عليها ما يغلفها فيحول بينها وبين الانتفاع.

قال الله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [سورة النساء:155] كأنهم اعتذروا إليه بأن قلوبهم لا تعي ما يقول؛ لأنها في غلف وفي أكنة، فقال الله بل هي مطبوع عليها بكفرهم، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة البقرة.

فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا [سورة النساء:155] أي: مَرَدت قلوبهم على الكفر والطغيان وقلة الإيمان.

قوله: فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا [سورة النساء:155] هذا يحتمل معنيين: الأول: فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلًا وذلك أنهم يؤمنون ببعض الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ويكفرون ببعض، فمثل هؤلاء كفرهم ببعض الأنبياء وببعض الكتب وقولهم: إن جبريل -عليه الصلاة والسلام- هو عدوهم وما أشبه ذلك هذا يفسد عليهم إيمانهم، فيكون إيمانهم بهذا الاعتبار قليلًا.

الاحتمال الثاني: أن يكون المعنى لا يؤمن منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام ومن آمن من اليهود.

ومعلوم أن اليهود من أقل الطوائف دخولا ً في الإسلام على مدى التاريخ فلا يدخل فيه منهم إلا الواحد بعد الواحد، كما أن أقل الطوائف رجوعًا إلى أهل السنة هم الرافضة فلا يرجع منهم إلا الواحد بعد الواحد، وذلك لوجوه من الشبه بين الطائفتين، ولغلبة الغل والحسد والحقد الذي يرضعونه مع حليب أمهاتهم من الصغر فلذلك كانوا بهذه المثابة خلافًا للطوائف الأخرى.

وعلى كل حال لعل أقرب المعنيين في الآية -والله تعالى أعلم- هو الأول أي لا يحصل منهم إلا القليل من الإيمان.

وأحيانًا يأتي مثل هذا التعبير ويراد به العدم، وهذا معروف في كلام العرب وفي أشعارهم حيث يعبرون بالقلة ويقصدون العدم المحض كقول من قال: مررت بأرض قليل بها الكرَّاث، يعني لا يوجد بها الكراث، وهكذا سُمع في أشعارهم مثل هذا التعبير.

وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [سورة النساء:156] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا: "يعني أنهم رموها بالزنا" وكذلك قال السدي، وجُوَيْبِر، ومحمد بن إسحاق وغير واحد، وهو ظاهر من الآية أنهم رموها وابنها بالعظائم فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك.

البهتان هو الافتراء العظيم والكذب الواضح الذي يبهت سامعه لفداحته، ذلك أنهم قالوا لمريم -رحمها الله: يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [سورة مريم:28] أي اتهموها بالزنا، من أين جئت بالولد، حيث قالوا لها: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [سورة مريم:27] يعنى بفاحشة

فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك، زاد بعضهم: وهي حائض وكان من خبر اليهود، فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ [سورة النساء:157] أي هذا الذي يدعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء، كقول المشركين: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6].

التهكم هنا باعتبار أن من جملة قولهم: "رسول الله" في قولهم: "إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله"، وذلك أنهم لا يؤمنون أنه رسول لكن قالوها هنا من باب التهكم، كما في قوله تعالى عن المشركين: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سورة الحجر:6] فهم لا يؤمنون أنه نزل عليه الذكر يعني النبي ﷺ وإنما من باب التهكم. 

لكن أيضًا الآية تحتمل شيئًا آخر وهو أن قوله: رَسُولَ اللّهِ [سورة النساء:157] هو من كلام الله، وقولهم فقط هو: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [سورة الحجر:6] ولا شك أن قولهم هذا في غاية البجاحة، وكذلك قولهم على مريم بهتانًا عظيمًا هو من البجاحة والظلم، وهذا كله ولَّد عند النصارى في مقابل ذلك ردود أفعال قوية جدًا فعبدوا المسيح، وهكذا تنشأ الطوائف ويقع الانحراف بهذه الطريقة غالبًا. 

كما حصل لما تكلم من تكلم من العلماء وغيرهم في يزيد بن معاوية وقتلِ الحسين إضافة إلى الشناعة على يزيد والوقيعة فيه ولعنه، جاءت طائفة في المقابل فصاروا يؤلهون يزيد وهذه هي الطائفة اليزيدية الموجودة في العراق، فهؤلاء لم يقولوا بتبرئته وأنه إنسان بريء وأنه إنسان جيد لا يستحق أن يقال فيه هذا، بل ألهوه وعبدوه من دون الله، وهكذا كثير من النفوس تنتقل من طرف إلى طرف في ردود أفعالها، والله المستعان.

وكان من خبر اليهود -عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه- أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصور من الطين طائرًا ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا يشاهَدُ طيرانه بإذن الله ، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه وخالفوه، وسَعَوْا في أذاه بكل ما أمكنهم، حتى جعل نبي الله عيسى لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه -عليهما السلام. 

ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان -وكان رجلًا مشركًا من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته: اليونان- وأنهوا إليه أن ببيت المقدس رجلًا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه؛ فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه على الناس، فلما وصل الكتاب امتثل مُتَولِّي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى وهو في جماعة من أصحابه اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل: سبعة عشر نفرًا، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك، فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه عليهم قال لأصحابه: أيكم يُلْقَى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتَدَب لذلك شاب منهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا يَنْتَدبُ إلا ذلك الشاب، فقال: أنت هو، وألقى اللهُ عليه شبه عيسى حتى كأنه هو، وفُتحَت رَوْزَنَة من سقف البيت وأخذت عيسى سِنةٌ من النوم فرُفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالى: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ الآية [سورة آل عمران:55]

فلما رُفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم، حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت، ويقال: إنه خاطبها، والله أعلم، وهذا كله من امتحان الله عباده؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة.

وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبينه وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم المؤيد بالمعجزات والبينات والدلائل الواضحات فقال تعالى -وهو أصدق القائلين ورب العالمين، المطلع على السرائر والضمائر، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، العالم بما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [سورة النساء:157] أي: رأوا شبهه فظنوه إياه.

جملة وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [سورة النساء:157] محتملة في المعنى فهي يمكن أن تكون كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وهو المشهور- أنهم رأوا شبهه فظنوه إياه، ويمكن أن يكون أنهم ما كانوا يعرفون شخصه فجاءوا وقتلوا من قتلوا وهم غير متأكدين أن هذا هو المسيح؛ لأنهم لا يعرفون شخص المسيح ولم يروه قبل. 

ويحتمل أن يكون ألقي شبهه على جميع من كان معه في الدار فقتلوا واحدًا منهم وهم غير متأكدين هل الذي قتل هو المسيح أو غيره، وبهذا الاعتبار وقع الاشتباه حتى على النصارى الذين معه، كما قال الله : وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [سورة النساء:157] وهذا القول يقول به أبو جعفر بن جرير -رحمه الله- أعني يقول: إن الشبه ألقي على جميع من في الدار فقُتل من قتل ظنًا أنه المسيح وبقي الأمر ملتبسًا حتى على من كان معه، لكن هذا لا يخلو من إشكال؛ لأنه رفع -عليه الصلاة والسلام- فإذا كانوا معه في الدار فإنهم سيشاهدون رفعه. 

فالحاصل أنه وقع لهم التباس لنقص واحد من العدد، حيث ورد في بعض الروايات أن الذين جاءوا لقتله عرفوا عدد من في الدار فألقي الشبه على الجميع فلما جاءوا وجدوا أن العدد قد نقص واحدًا، فهم قتلوا واحدًا وهم يظنون أنه هو، فبقي الأمر ملتبسًا عليهم لاسيما وقد نقص العدد الذي قد عرفوه، وعلى كل حال لم يصح من هذه الروايات شيء عن رسول الله ﷺ وإنما هي متلقاة من بني إسرائيل، فالله أعلم.

ويحتمل أن يكون أصحاب المسيح قد خرجوا وما بقي معه إلا ذلك الذي ألقي عليه الشبه فرفع المسيح وقتل الذي ألقي عليه الشبه، فخرج اليهود يقولون: قتلنا المسيح، فبقي أصحاب المسيح الذين خرجوا أولًا في لبس أيضًا وذلك أن المسيح فُقِد، فهم لا يدرون هل قُتل حقيقة، فلما صلب الشخص الذي يُشبه المسيح ظنوا أنه هو.

وبعض أهل العلم يقول: إن ذلك لا يقدح في أصحاب المسيح لأنهم حكموا بحسب ما شاهدوا وما عرفوا وهذا هو مبلغهم من العلم فهم معذورون بهذا الاعتبار، واللوم يبقى على اليهود الذين قتلوه وتسببوا في قتله، فهذه معانٍ تحتملها هذه الجملة، لكن المشهور أنه ألقي شبهه على واحد من أصحابه ثم التبس على اليهود وعلى طوائف من النصارى أن الذي قتل هو المسيح. 

وعلى كل حال فالله قال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ [سورة النساء:157] كما قال الله أيضًا في طوائف من أهل الكتاب: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [سورة الشورى:14] فهم لا ثقة لهم باعتقادهم. 

وأعظم عقيدة من عقائد النصارى هي عقيدة التثليث، وعقيدة الصلب، ولذلك إذا أردت أن تناظر النصارى فابدأ بكسر عقيدتهم من خلال هذين الأمرين، ثم انتقل إلى بيان براهين الحق مما جاء به الرسول ﷺ فهؤلاء عندهم عقيدة الصلب والتثليث وليس لهم بذلك علم محقق راسخ بل ذكر الله الذي يعلم حقائق ما في النفوس وما تنطوي عليه القلوب أنهم في شك وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ [سورة الشورى:14] وهذا يدل على أن عقائدهم هشَّة، وهذا من أنفع ما يكون للمسلمين وذلك أنهم لو تأملوا في مثل هذه النصوص لعرفوا كيف يدخلون من أبواب واسعة على هؤلاء المنحرفين الذين تُعد عقيدتهم وصمة عار في جبين البشرية كما قال أهل العلم. 

فعقيدة النصارى من مدنسات البشر حيث ادَّعوا أن اللاهوت حلَّ بالناسوت، أي أن الله –تعالى وتقدَّس- حلَّ بالبشر، وهذه عقيدة هشة لو وُجد من يناظرهم بصورة جيدة وصحيحة لرأيتهم مساكين، وأنا رأيت بعض من يناظرهم مصوَّرًا فهالني ما رأيت، حيث كان يناظرهم رجل بطلاقة فكانت الكاميرا تأتي على وجوه الحضور أثناء المناظرة، وقد كانت المناظرة في الرياضيات في الكتاب المقدس، فكان المناظر طليقًا جدًا ويتكلم بسرعة وبقوة وبدون أن يحمل ورقًا وكان يذكر الأرقام والحسابات الخاطئة في الكتاب المقدس ويقول: هذه يعرفها الطالب في الإعدادي، وإذا رأيت الكاميرا وهي تنتقل على وجوههم دون أن يشعروا تراهم قد انشدّت أبصارهم وقلوبهم إلى الذي يتحدث، فصورهم في غاية التعجب والدهشة، فالمقصود أنهم لا عقائد سوية لهم.

لكن للأسف نجد أن القضية قد انقلبت وانعكست حيث صاح الشيطان صيحته فتضعضعت الأقدام وتراجع من تراجع من المسلمين عن عقيدتهم ومناهجهم وولائهم وبرائهم وموقفهم من عدوهم، وبدءوا يتهافتون ويتساقطون -نسأل الله العافية- وانكشف الأمر عن هشاشة في الاعتقاد وفي القناعات وفي التربية وفي صحة التصورات وفي الثبات على المبادئ مع أنهم أهل حق وأهل إسلام، وهذا لما صاح دجال صغير من الدجاجلة من أعداء الله -تبارك وتعالى- فكيف إذا ظهر الدجال الأكبر ورأوه يمر على الخربة ويقول لها: أخرجي كنوزكِ فتخرج كنوزها، ويمر على الناس لا يؤمنون به فيبقون ممحلين، ويمر على الناس فيتبعونه فتنبت أرضهم وتدر السماء وترجع إليهم سارحتهم وهي ممتدة الخواصر وأوفر ما كانت لبنًا، والذين لا يؤمنون به يحصل لهم القحط والأذى والشدة والفقر؟ وإذا كان لصيحة دجال صغير تضعضع من تضعضع من المسلمين وتراجع من تراجع وتهشم من تهشم وسقط من سقط وزلت كثير من الأقدام وظهرت بلايا وخبايا ومصائب ما كنا نتوقع أن نعيش حتى نسمعها فكيف هو الحال إذا فتنوا بالمسيح الدجال؟ نسأل الله العافية والسلامة.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

مواد ذات صلة