السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[1] من قوله تعالى: {حم ۝ عسق} الآية:1 إلى قوله تعالى: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} الآية:15
تاريخ النشر: ٠٦ / جمادى الآخرة / ١٤٣٤
التحميل: 8359
مرات الإستماع: 10815

بسم الله الرحمن الرحيم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

حم ۝ عسق ۝ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ۝ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۝ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [سورة الشورى:1-6].

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

يقول الإمام الحافظ ابن كثير:

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة.

وقوله : كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: كما أنزل إليك هذا القرآن كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك.

وقوله تعالى: اللَّهُ الْعَزِيزُ أي: في انتقامه.

الْحَكِيمُ في أقواله وأفعاله.

روى الإمام مالك -رحمه الله- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، فيَفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يأتيني الملَك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة -رضي الله عنها: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنّ جبينه ﷺ ليتفصد عرقًا"[1]، أخرجاه في الصحيحين، ولفظه للبخاري.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: حم ۝ عسق هذه كما سبق أنها حروف مقطعة، وأنها حروف تهجٍّ، وأنه لا معنى لها في نفسها، وإنما يؤخذ من ذلك، أو يفهم، أو تشير إلى أن هذا القرآن معجز، ولهذا لا تكاد تذكر إلا ويأتي ذكر القرآن، أو ما يدل عليه بعدها، هذا غالبًا، وقد مضى هذا مرارًا.

والعلماء -رحمهم الله- بعضهم من يقول: إنها في هذا الموضع تدل على معنى، كما يقولون في طه وفي: يس مثلاً، ونحو ذلك.

والذي يظهر أنها كغيرها.

وقوله: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، كَذَلِكَ يُوحِي هذه قراءة الجمهور.

القراءة الأخرى المتواترة قراءة ابن كثير: "يُوحَى" بالبناء للمجهول.

ومعلوم أن الموحِي هو الله -تبارك وتعالى.

على القراءة الأولى: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الله -تبارك وتعالى- فاعل يُوحِي، من الذي يوحِي؟ الله.

وعلى القراءة الأخرى: "كذلك يُوحَى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" يكون لفظ الجلالة فاعلا لفعل مقدر محذوف، أي يُوحِي الله العزيز الحكيم.

وقوله -تبارك وتعالى: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ على القراءة الأخرى: "كذلك يُوحَى إليك" بعضهم حمل ذلك على المُوحَى، باعتبار أن المراد المُوحَى به، وبعضهم يقول: إن المقصود هو المعنى المصدري يعني الإيحاء، كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

فـ"كذلك يُوحَى إليك" يُوحِي إِلَيْكَ يعني باعتبار المعنيين: "كذلك يُوحَى إليك" يعني ما أُنزل إليك من الشرائع والإيمان والهدايات، وما إلى ذلك ليس ببدع، وليس بجديد كَذَلِكَ يعني كما أوحينا إلى الرسل قبلك أوحينا إليك، يعني كهذا الذي نزل عليك من التوحيد والإيمان والشرائع أُنزل على سائر الأنبياء.

كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ بمعنى المضمون الذي هو التوحيد، وشرائع الإيمان أنزلها الله ، وأوحى بها إليك، وإلى الذين من قبلك، يعني فسروه بالمُوحَى كَذَلِكَ المُوحَى يعني المنزل.

المعنى الثاني: أن المقصود به الإيحاء، يعني المعنى المصدري: "كذلك يوحَى إليك"، كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ كذلك الإيحاء يُوحِي إليك الله -تبارك وتعالى، بمعنى أن الإيحاء إليك، وإلى الذين من قبلك.

والوحي مصدر -كما هو معروف- ويأتي تارة مرادًا به المفعول، وتارة يراد به المعنى المصدري، يعني هذا القرآن الذي بين أيدينا الآن ماذا يقال له؟

وحي، هذا وحي، يعني مُوحًى.

لما تتناقش مع إنسان، وتذكر له آية من كتاب الله -تبارك وتعالى، وتقول له: "هذا وحي، ليس برأي"، هذا وحي يعني موحًى.

وتارة يراد به المعنى المصدري، يعني هي العملية نفسها، الوحي يعني الإيحاء، نفس عملية الوحي.

تقول: الوحي تارة يأتي مثل صلصلة الجرس، وتارة يأتي بصورة رجل، وتارة.. وهكذا، تقصد نفس الإيحاء.

فهنا ذُكر في قوله: كَذَلِكَ يُوحِي كذلك الإيحاء يوحِي إليك، أو كذلك الموحَى يوحِي إليك.

الزمخشري حمله على معنى المفعول، الموحَى.

والشنقيطي -رحمه الله- رجح أن يكون المراد به المعنى المصدري، الإيحاء: يُوحِي.

في سؤال الحارث بن هشام: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟

هنا أمر غيبي، يسأل عن الكيفية، المقصود به الصور والحالات التي يأتي بها الوحي، وذكر له النبي ﷺ هاتين الحالتين، مع أنه توجد حالات أخرى -كما هو معلوم، كأن النبي ﷺ ذكر له الأغلب، غالب الحالات، يأتي كصلصلة الجرس، والصلصلة معروفة صوت، يعني بعض أهل العلم قالوا: إن النبي ﷺ أول ما يأتيه الوحي يسمع مثل صلصلة الجرس ليتهيأ لذلك، ثم بعد ذلك يعي ما قال، كما قال ﷺ: فيَفصِم عني، وقد وعيت ما قال[2].

وبعض أهل العلم يقولون: إن ما ورد من صفة مجيئه أنهم كانوا يسمعون عند وجهه ﷺ مثل دوي النحل، قالوا: ربما يكون النبي ﷺ يسمع مثل صلصلة الجرس، وهم يسمعون هذا الصوت، مثل دوي النحل، يعني بعضهم قال: هي حالة واحدة -والله تعالى أعلم.

وهكذا قد يأتيه في غير القرآن، في المنام، الرؤيا المنامية.

وقد يحصل النفث في الروع، كما في الحديث: إن روح القدس نفث في روعي[3] يعني في قلبي.

وبعض أهل العلم فسره: بالإلهام، يعني النفث في الروع.

وبعضهم فرق بينهما، وقال: ما كان بواسطة الملك فهو النفث في الروع، وما كان من قبيل الإلقاء في القلب من غير واسطة الملك فهو الإلهام، وكل ذلك من الوحي.

وتارة يأتيه الملك على صورته الحقيقية، هذا من صور مجيء الوحي، لكن منه ما يكون جاءه بالقرآن، ومنه ما لا يكون كذلك.

والوحي أوسع من القرآن، وسورة اقرأ -كما هو معروف- جاءه بها الملك على صورته الحقيقية.

هنا قول عائشة -رضي الله عنها: "فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصد عرقًا".

مضى الكلام في بعض المناسبات في سورة النور -ربما في أصول التفسير، أو شيء من هذا- أن ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- في قصة الإفك أنها ذكرت مثل هذا: "وإنه لينزل عليه في اليوم الشديد البرد" ففهم منها: أن آيات الإفك نزلت في وقت الشتاء، فيجعلونه مثالاً على الشتاء، وقد ذكرت هذا في شرح رسالة أصول التفسير للسيوطي، وبينت هناك أن هذا لا دليل عليه، وإنما هي تصف الحالة، شدة الوحي، وأنه يأتي بشدة البرد، ولا يعني ذلك أن نزول آيات الإفك كان في شدة البرد.

قال: وقوله -تبارك وتعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [سورة الشورى:4] أي: الجميع عبيد له وملك له تحت قهره وتصريفه.

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ؛ كقوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعَال [سورة الرعد:9]، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سورة سبأ:23]، والآيات في هذا كثيرة.

وقوله : تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى:5].

وقال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والسدي، وكعب الأحبار: أي فَرَقًا، من العظمة.

قوله: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ التفطر هو التشقق.

يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني يتشققن من فوقهن، كما قال الضحاك، والسدي: يتفطرن من عظمة الله من فوقهن.

مِن فَوْقِهِنَّ الضمير يرجع إلى ماذا؟

الأكثرون على أنه يرجع إلى السموات، فإذا كان يرجع إلى السموات: مِن فَوْقِهِنَّ فما المراد بذلك؟

بعض أهل العلم يقول: مِن فَوْقِهِنَّ يعني كل سماء تكاد أن تتفطر من فوق التي تليها: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ كل واحدة تكاد تتفطر من فوق التي تليها، السموات سبع سموات، كل واحدة تكاد تتفطر من فوق التي تليها مِن فَوْقِهِنَّ.

فهذا معنى ذكره بعض أهل العلم.

وبعضهم يقول: إنه: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين.

وهنا يكون الضمير عاد إلى غير مذكور، لكن هؤلاء الذين يحملونه على هذا المعنى يقولون: يمكن أن يعود الضمير إلى غير مذكور، لكونه يفهم من السياق، مثل: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فالضمير هنا يرجع إلى القرآن، ولم يرد للقرآن ذكر، لكنه معلوم من السياق، وهذا المعنى اختاره ابن جرير -رحمه الله: مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين، مع أن الشنقيطي -رحمه الله- ضعف هذا القول، ولم يعتبره، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين.

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ لكن هل هذا هو المعنى المتبادر، حينما يسمع ذلك: مِن فَوْقِهِنَّ؟

المعنى المتبادر أن ذلك يرجع إلى نفس السموات، وليس للأرضين.

وبعضهم يقول: إن مِن هنا: مِن فَوْقِهِنَّ لابتداء الغاية، يعني أن التفطر يبدأ من الجهة العليا للسموات، لماذا يبدأ من الجهة العليا؟

قالوا: لأن إلى الجهة الأعلى هناك من الأمور التي هي أدعى للعظمة والخوف والخشية، وما إلى ذلك، فهي أقرب إلى الآيات العظام، إلى أعلى، يعني العرش، الكرسي، والله فوق العرش، فيبدأ التفطر من الجهة الأعلى للسموات، وذلك؛ لأن الجهة الأعلى هي التي تكون مما يلي الآيات العظام، فيكون ذلك أدعى للخشية والخوف.

وبعضهم يقول: هذا على سبيل المبالغة، كأن كلمة الكفار حيث نسبوا لله الصاحبة والولد والشريك، وما إلى ذلك لما صدرت من أسفل كادت السموات أن تتفطر من فوقهن، يعني لشدة تأثيرها، الآن هذه السموات مثلاً الكلمة هذه صدرت من أسفل، فلشدة وقعها وعظمتها كادت السموات أن تتفطر من فوقها، فما كان من أسفل منها فمن باب أولى، يعني لشدة وقع هذه الكلمة، وأثر هذه الكلمة، أو هذا الإشراك، أو نسبة الصاحبة أو الولد، والجرأة عليه -تبارك وتعالى- أثر ذلك في أعالي السموات، كادت تتفطر، فلا تسأل عن أسفلها، لشدة وقعها أثّرت، هي صادرة من أسفل، فأثرت في الجهة العليا من السموات، كادت أن تتفطر، فتأثيرها في الجهة الأسفل أشد، لكن هذا من باب بيان شدة أثر هذه الكلمة، أو الإشراك: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ۝ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [سورة مريم:91، 92].

هذا التفطر: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ما سببه؟ ما علته؟

بعض أهل العلم يقولون: خشية من الله، وخوفًا منه، وإشفاقًا وتعظيمًا، تكاد تتفطر لعظمة ربها، ومليكها وخالقها ، هيبة وإجلالاً له، هؤلاء يقولون: توجد قرائن تدل على هذا الوجه، أو هذا المعنى أنه هو المراد، قالوا هنا في هذه الآية: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ قال: وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ فهم أيضًا كذلك معظمون لله -تبارك وتعالى، كما قال الله: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [سورة النحل:50] فهم خائفون وجِلون، معظمون لله .

ثم أيضًا قبله قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۝ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى:4، 5] يعني من عظمته وخشيته، كما قال الله : وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [سورة الرعد:13].

والقول الثاني: أن هذا التفطر إنما سببه ما يزعمه المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله -تبارك وتعالى، وجعل الشريك له، فهذه مقالات عظيمة من شدتها وعظمها كادت السموات أن تتفطر؛ كما قال الله : وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا [سورة البقرة:116]، قال: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ۝ تَكَادُ السَّمَوَاتُيَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ۝ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [سورة مريم:89-91].

فهنا ذكر التفطر، وأنه بسبب مقالتهم هذه، فهذان قولان لأهل العلم، وهما في مضامين كلام السلف حينما يفسرون: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ونجد حينما يذكرون: ما معنى "يتفطرن من فوقهن"؟

نجد عبارات وإضافات، يؤخذ منها: أن هذا التفطر، إما لكذا، وإما لكذا، إما لمقالة المشركين وشركهم، أو لعظمة الله ، والخوف منه، والإشفاق، وإجلاله، وما أشبه ذلك.

وإذا كان القولان لكل واحد منهما ما يدل عليه من القرآن، أو من غيره، كالحديث، ولم يوجد ما يمنع من الحمل على هذه المعاني فالأصل أن ذلك كله داخل في الآية، -والله تعالى أعلم.

ولو نظرت في القولين، فإن مقالة المشركين التي سببت هذا، إنما يحصل هذا التفطر والتشقق بسبب ماذا؟

هذا يرجع إلى تعظيم الله، وخشيته والخوف منه، لو قال قائل مثل هذا لم يكن بعيدًا -والله تعالى أعلم.

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ؛ كقوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [سورة غافر:7].

هنا قوله: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ التسبيح -كما بينا- هو التنزيه بحمد ربهم، يعني متلبسين بحمد ربهم: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ [سورة الشورى:5] يعني هم يسبحون بحمد الله ينزهونه عما لا يليق به وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ.

بعض أهل العلم يقول: التسبيح هنا يعني موضع التعجب: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يعني يتعجبون من جرأة المشركين على الله -تبارك وتعالى، حيث نسبوا إليه الأنداد والشركاء والصاحبة والولد وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ.

والمتبادر: أن التسبيح يراد به التنزيه، ينزهون الله عما لا يليق بجلاله وعظمته: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ هذا الاستغفار بعض أهل العلم قال: إن ظاهره العموم، فهم يستغفرون لمن في الأرض، لجميع من في الأرض، حتى الكفار؟! قالوا: حتى الكفار، وأنّ أثر ذلك في تأخير العذاب، وعدم المعاجلة بالعقوبة، فيستغفرون لهم، فيكون الإمهال، لا يعاجلهم الله بالعقوبة.

ومن أهل العلم -وهذا هو الأقرب والله أعلم- من قال: إن هذا العموم: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ مخصص بالآية الأخرى، وهي قوله -تبارك وتعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.

والعام يحمل على الخاص، فهم يستغفرون لأهل الإيمان ممن هم بهذه الصفة: لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.

وهكذا في قوله -تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [سورة الأحزاب:43] ومعلوم: أن صلاة الملائكة بمعنى: الاستغفار.

وقوله أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إعلام بذلك، وتنويه به.

باعتبار: أَلا.

وكذلك ما يُشعر بالحصر من دخول ضمير الفصل هنا "هو" بين طرفي الكلام.

يعني مثل هذا: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فيه تأكيد لعظيم غَفْره -تبارك وتعالى- ورحمته.

وقوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ يعني: المشركين.

اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أي: شهيد على أعمالهم، يحصيها ويعدها عدًّا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء.

وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ أي: إنما أنت نذير، والله على كل شيء قدير.

تأمل هنا: أن الله -تبارك وتعالى- ذكر بعد قوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ، قال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ فهذا أيضًا قرينة تدل على أن المراد بقوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أنهم أهل الإيمان، ثم ذكر غيرهم، وهم الكفار: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ.

حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ قال: شهيد على أعمالهم يحصيها ويعدها عدًّا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء.

وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ أي: إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [سورة هود:12] يعني لست بموكل عليهم.

بعض أهل العلم فهم منها: وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ بمعنى لست أنت الذي تحاسبهم، وتحملهم على الهدى والإيمان، وما إلى ذلك، ولهذا قال من قال: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة براءة: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [سورة التوبة:5]، فهذه الآية قالوا: إنها نسخت مائة وأربعًا وعشرين آية، كل آية فيها عفو وصفح وغفر، وإعراض عن المشركين، وتجاوز، وإخبار بأنك: لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية:22]، وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ إلى آخره: أن هذا كله منسوخ بآية السيف.

ولكن هذا الكلام فيه نظر.

والراجح: أن هذه الآيات لم تنسخ بآية السيف، لست عليهم بوكيل، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يتولى عباده.

وبعض أهل العلم مثل الشنقيطي -رحمه الله- حمل ذلك على معنى الهداية، لست عليهم بوكيل، لست موكلاً بهدايتهم: إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ [سورة هود:12] يعني أنت ترشدهم، والله -تبارك وتعالى- هو الذي يوفق من شاء -هداية التوفيق، وكما قال الله : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [سورة القصص:56] لست عليهم بوكيل فتهدي قلوبهم، تدخلهم في الإيمان، فذلك ليس إليك: إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ يعني: عليك أن تؤدي الرسالة، وتبلغ عن الله ، والله هو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويحاسب عباده، ويتولاهم.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ۝ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [سورة الشورى:7، 8].

يقول تعالى وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك: أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أي: واضحًا جليًّا بينًا.

لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وهي مكة.

وَمَنْ حَوْلَهَا أي: من سائر البلاد شرقاً وغرباً، وسميت مكة "أم القرى"؛ لأنها أشرف من سائر البلاد، لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها، ومن أوجز ذلك وأدله: ما رواه الإمام أحمد: عن عبد الله بن عَدِي بن الحمراء الزهري أخبره: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول وهو واقف بالحَزْوَرَة، في سوق مكة: والله، إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت[4]، وهكذا رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: "حسن صحيح".

قوله -تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا مكة أم القرى، وأم الشيء: يقال في الأصل وما يرجع إليه غيره، كما يقال: المأمومة أم الرأس، أم الدماغ، والراية التي يجتمع حولها الجنود في الجيش، الراية الكبيرة يقال لها: أم، وهكذا.

قوله -تبارك وتعالى: لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا المقصود بقوله: وَمَنْ حَوْلَهَا يعني سائر البلاد، ومعلوم أن النبي ﷺ أُرسل للأحمر والأسود، ويدل على هذا النصوص الأخرى وهي واضحة وصريحة، كقوله -تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ [سورة سبأ:28].

وكذلك في كتبه ﷺ حينما كتب إلى قيصر وكسرى، وملك مصر، فدعا النبي ﷺ أهل الأقاصي والبلاد البعيدة، دعاهم إلى الإسلام، وقال ﷺ: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة[5].

والنصوص في هذا كثيرة جدًّا.

فقوله: وَمَنْ حَوْلَهَا يعني سائر البلاد.

وعلى فرض كما يقول بعض أهل العلم: إن ما حولها يعني من البلاد المجاورة، فهل هذا يعني أن بعثته ﷺ خاصة بالعرب؟ يعني ما جاور مكة قبائل العرب وبلاد العرب؟

يقال: هذا غير مراد، فالله قال لنبيه ﷺ: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء:214].

ومعلوم أنه ﷺ منذر للجميع، والقاعدة: أن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخصصه.

النبي ﷺ مرسل للجميع، مرسل لأم القرى، وغيرها، فكون الله -تبارك وتعالى- يذكر: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يذكر بعض أفراد العام بحكم فإن ذلك لا يخصص، أو لا يدل على تخصيص العام به.

فالأول هو الأقرب، وهو أن المقصود بقوله: وَمَنْ حَوْلَهَا سائر البلاد.

لكن على فرض؛ لأن من الناس من يجادل في هذا، أعني بعض أهل الكتاب ممن يقولون بنبوة محمد ﷺ، ولكنهم يخصصونه بأنه مبعوث للعرب، دون غيرهم، ويحتجون بهذه الألفاظ، أو المواضع المتشابهة.

وهؤلاء يمكن أن يرد عليهم بأقرب طريق، النصوص الأخرى طبعًا كثيرة جدًّا، وكتابات النبي ﷺ للملوك.

هكذا أيضًا يرد عليهم بأقرب طريق: إذا كنتم تؤمنون أنه نبي، وأنه صادق، وأنه من عند الله ، فقد أخبر أن بعثته لكل الناس: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة[6].

وهكذا دعوته ﷺ لغير العرب، فهو نبي، فكيف يقول على الله -تبارك وتعالى- ما ليس بحق؟!

وقوله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ وهو يوم القيامة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد.

وهذا مضى مرارًا، وذكرنا: أنه أيضًا من أهل العلم من يقول: يجمع بين العامل وعمله، يجمع بين أهل العالم العلوي والسفلي، يجمع الله فيه بين الظالم والمظلوم، يجمع الله فيه الأولين والآخرين، يجمع بين الثقلين.

كل هذه المعاني ذكرت في وجه تسميته بيوم الجمع: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ۝ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [سورة الواقعة:49، 50] فهذا يدل على أن المقصود به جمع الأولين والآخرين، وإن كان ذلك لا ينفي أيضًا المعاني الأخرى.

وقوله: لا رَيْبَ فِيهِ أي: لا شك في وقوعه، وأنه كائن لا محالة.

وقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ كقوله: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [سورة التغابن:9] أي: يَغْبن أهل الجنة أهل النار، وكقوله : إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ۝ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ ۝ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [سورة هود:103- 105].

هذا كقوله هنا: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، فـفَرِيقٌ نكرة، والأصل أنه لا يبدأ بالنكرة ما لم تفد، فهنا هذا المقام مقام تقسيم: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ فهذا سوغ الابتداء بها، ولا حاجة لقول من قال: إن هذا خبر، أو إنه مبتدأ لخبر محذوف مقدم مقدر، إلى غير ذلك، هذا لا حاجة إليه، والأصل عدم التقدير، فهذا مقام تقسيم: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

روى أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: خرج علينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ قال: قلنا: لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا، ثم قال للذي في يساره: هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا فقال أصحاب رسول الله ﷺ: فلأي شيء إذًا نعمل إن كان هذا أمرٌ قد فُرِغ منه؟ فقال رسول الله ﷺ: سَدِّدُوا وقاربوا، فإنّ صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة، وإنْ عَمِلَ أيَّ عَمل، وإنّ صاحب النار يختم له بعمل النار، وإنْ عمِلَ أيَّ عمل ثم قال بيده فقبضها، ثم قال: فرغ ربكم من العباد ثم قال باليمنى فنبذ بها، فقال: فريق في الجنة ونبذ باليسرى، فقال: فريق في السعير[7]، وهكذا رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.

وكما في الحديث الآخر: قبض قبضة، فقال: هذه في الجنة ولا أبالي، وقبض قبضة، وقال: وهذه في النار، ولا أبالي[8].

وروى الإمام أحمد -رحمه الله: عن أبي نضرة قال: إن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ يقال له: أبو عبد الله، دخل عليه أصحابه - يعني يزورونه، فوجدوه يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله ﷺ: خذ من شاربك ثم أَقِرَّه حتى تلقاني قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، قال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي فلا أدري في أي القبضتين أنا[9].

هنا يقولون له: ما يبكيك، ألم يقل لك رسول الله ﷺ: خذ من شاربك؟ يعني قال له في مناسبة: خذ من شاربك يعني بمعنى: حف الشارب، قص الشارب، أرشده إلى أمر من سنن الفطرة، وأن يلتزمه، ثم أقِرَّه حتى تلقاني، يعني وعده النبي ﷺ، أو جعل له عدة، وهي أن يلقاه على الحوض، يعني هذا تطمين له أنه سيرد الحوض على النبي ﷺ، فيقولون: لماذا تبكي، النبي ﷺ وعدك على الحوض؟!

وأحاديث القَدَر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدًّا، منها: حديث علي وابن مسعود وعائشة وجماعة جمّة –رضي الله عنهم أجمعين.

لا شك أن الله -تبارك وتعالى- قدر مقادير الخلق، وأن الله قد قدر الهداية لقوم، والضلالة على قوم، بعلم وحكمة، وأن الله -تبارك وتعالى- قد علم أهل الجنة وأهل النار، ولكن القدر هو سر الله في خلقه، ونحن لم نطلع على ذلك، ولا على هذا الكتاب، فالشقي من قدر نفسه في الأشقياء، ثم بعد ذلك ترك طاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، ومثل هؤلاء الذين يعتذرون بالقدر فيتركون الإيمان والعمل الصالح لا يفعلون ذلك في دنياهم، فتجد الإنسان منهم يبذل الأسباب في دفع المكروه، وجلب المحبوب، فهذا الإنسان يبتعد عن الحفرة، ويتوقى في الطريق، وكذلك أيضًا إذا جاع يأكل، وإذا شعر بالحر أو البرد بذل الأسباب لتجنب ذلك، والبعد عنه، إلى غير ذلك من المزاولات، ومن أدناها المشي، فإن هذا بذل للسبب بالحركة، وتحريك الأقدام في طلب الحاجات، وما إلى ذلك، فهذا كله من التسبب.

فلو أن هؤلاء يقولون: قد قدر لنا، وكتب علينا ما سيأتينا، ومن ثم لا داعي للحركة، ولا داعي للذهاب، ولا للدراسة ولا للعمل، ولا للأكل ولا للشرب، ولا للباس، ولا أي حركة، سيبقى هؤلاء لا يأكلون ولا يشربون، ولا يلبسون، وهذا لا يقول به عاقل، لكن لربما يأتي صاحب الهوى، فيحتج بمثل هذا في عمل الآخرة، فيقال: فما بال عمل الدنيا؟ حتى عمل الدنيا لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها.

وقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: إما على الهداية أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحق، وأضل من يشاء عنه، وله الحكمة والحجة البالغة؛ ولهذا قال: وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [سورة الشورى:8].

قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ [سورة هود:118، 119]، قال: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ بعض السلف يقول: خلقهم للرحمة.

وبعضهم يقول: ليس ذلك هو المراد، وإنما: ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم، يعني للاختلاف، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ يعني أنهم يفترقون إلى أهل الإيمان وأهل الكفر والشقاء، ولذلك خلقهم، وهما قولان معروفان.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ۝ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۝ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سورة الشورى:9-12].

يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، ومخبرًا أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، فإنه القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ [سورة الشورى:9]، أَمِ هذه هي المنقطعة، بمعنى: بل، والهمزة، يعني: بل أتَّخذ الكافرون من دونه أولياء - يعني معبودين- يطلبون منهم النصر والعز والرزق، وما إلى ذلك: فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ.

ثم قال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور، وهذا عام في جميع الأشياء: فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: هو الحاكم فيه بكتابه، وسنة نبيه ﷺ؛ كقوله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [سورة النساء:59].

هذا معنى ذكره الحافظ ابن كثير، وذكره كثير من أهل العلم: أن المقصود: فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ أي: أن الرد فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

والمعنى الآخر: فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ يعني أن الله يحكم بينكم يوم القيامة، أن هذا الحكم في الآخرة: فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ الله -تبارك وتعالى- يحكم بين عباده في الآخرة، وكما ذكر الله -تبارك وتعالى: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [سورة الحج:69] فحكم الله -تبارك وتعالى- بين المختلفين واقع في الآخرة، وكذلك أيضًا الله -تبارك وتعالى- إليه الحكم والتشريع وحده فيما اختلف فيه الناس: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.

فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة النساء:59].

فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:65]، وغير ذلك من النصوص.

وهذا معنى صحيح، ومن ثم فإنه لا يجوز التحاكم إلى غيره، وكل من تحاكم الناس إليه وكان يحكم بينهم بغير ما أنزل الله -تبارك وتعالى- فذلك حكم الطاغوت، بأي اسم كان، سواء بمجلس الشعب، مجلس تشريع، برلمان، أو غير ذلك، فمثل هذا لا يُرد إليه ما اختلف الناس فيه، وإنما يحكم فيه بما شرعه الله -تبارك وتعالى.

وحكم أولئك ولو كان موافقًا للشرع فإنه حكم بالطاغوت؛ لأنه حكم بأهواء الناس، باعتبار غالبية الأصوات، أغلب هؤلاء ممن هم يمثلون الشعب، فصار الحكم بهذا الاعتبار.

يعني لا لأن الله شرّعه، فليس ذلك بحكم الله، وإن كان موافقًا له في هذه الجزئية، -والله المستعان.

أهل الصلاح والمصلحون، ونحو ذلك يرون أنهم حققوا انتصارًا كاسحًا في بلاد كثيرة، وصارت الغلبة، والظهور لهم، وأعداؤهم من العلمانيين والليبراليين يقولون: بل نحن الذين انتصرنا، بأي اعتبار؟

يقولون: نحن حملنا هؤلاء على المبادئ التي ندعو إليها، وهي الديمقراطية، وحكم الشعب للشعب، وأن المرجع هو الشعب، وأن الشعب هو مصدر السلطات، فصاروا يلهجون بذلك ويرددونه، ويقررونه، ويعملون بمقتضاه، فصرفناهم عن حكم الشرع، يقولون: نحن الذين انتصرنا، نحن استطعنا أن نحول هؤلاء من مبادئهم وعقيدتهم إلى مبادئنا وعقيدتنا، يقولون: نحن الذين انتصرنا، وإن فاز هؤلاء بالانتخابات، ولكن الواقع نحن الذين انتصرت مبادئنا، هم حصلوا على أصوات كثيرة، لكن المبادئ التي انتصرت وراجت، وهم صاروا يتسابقون إليها، ويرفعون هذه الشعارات، يقولون: هي شعاراتنا وليست مبادئهم وعقيدتهم، هكذا يقولون، والله المستعان.

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي أي: الحاكم في كل شيء.

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي: أرجع في جميع الأمور.

تأمل النصوص دائمًا، يعني هنا: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّالأولياء هنا يدخل فيها معانٍ، قد يكون هؤلاء الأولياء أصنامًا، قد يكون هؤلاء من البشر ممن ينتصرون بهم، ويتقوون بهم: فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

فالرب هو الذي يشرّع، وهو الذي يصرّف عباده وخلقه، فهو المستحق للطاعة والعبادة.

ثم انظر هذا التعقيب: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فهذا الرب المعبود الذي يتحاكم إليه دون أحد سواه، يكون التوكل عليه وحده لا شريك له، فلا يخاف الإنسان من المخلوقين أن يوصلوا إليه أذى أو ضررًا، أو أن يمكروا به، وتجد النصوص في القرآن كثيرة: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [سورة الزخرف:43] الله يأمره: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ۝ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ۝ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ [سورة هود:112-114] تأمل هذه النصوص كيف تربي القلوب على الطاعة المطلقة لله ، والتحاكم إليه، والعمل بشرعه، مع الاستقامة، والتوكل، هؤلاء لن يستطيعوا أن يوصلوا إليك الأذى والضرر وأنت تركن إلى الله -تبارك وتعالى، فلماذا تخافهم؟ لماذا تتنازل؟ لماذا تحاول أن تلتقي معهم في منتصف الطريق؟

ولهذا يقول الله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۝ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [سورة الأحزاب:1-3].

لأنه حينما يطيع الله وحده، يطيع ربه وحده، يتحاكم إليه وحده، قد يعاديه بل سيعاديه أكثر الخلق، فهنا يأتي التوكل: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ هذا هو تعليم القرآن، ما هو المخرج؟ ما هو الطريق؟

يستقيم كما أمره الله ، ويتوكل عليه، ويثق به، والله ينصره، ابتلاء ثم تمكين، لكن منتصف الطريق هذا هو الذي يحصل معه الخذلان، الاستنصار بالمخلوقين، التقوي بأعداء الله من أجل أن يمكنوه، أن ينصروه هذا هو الخذلان والفشل الحقيقي.

وقوله : فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أي: خالقهما وما بينهما: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا أي: من جنسكم وشكلكم، منّة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرًا وأنثى.

يعني هنا: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا يحتمل أن يكون المراد خلق لكم من جنسكم، كما يقول ابن كثير، فالزوجة من جنس الآدميين، وهذه قضية معلومة لا إشكال فيها، إلا عند من أعمى الله بصائرهم، يعني في فرنسا يعقد اجتماع قبل أكثر من قرن، يناقشون فيه: المرأة هل هي إنسان أو ليست بإنسان؟ يعني هل هي من جنس الآدميين أو ليست من جنس الآدميين؟

ورجحوا في النهاية: أنها ليست من جنس بني آدم.

فهنا: جَعَلَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ يعني من جنسكم.

ويحتمل أن يكون المراد: جَعَلَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ يعني من حواء، خلقها الله من آدم -عليه الصلاة والسلام، من ضلع: جَعَلَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ فيكون المقصود بذلك خلق الله حواء من ضلع آدم، فهي جزء منه.

ولا منافاة -والله أعلم- بين القولين جَعَلَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ فإن النساء من جنس بني آدم، وهي مخلوقة منه، ولهذا لو تأملت عبارة ابن جرير -رحمه الله- تجد أنه جمع بين القولين: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا يعني من جنسكم، وقد خلق حواء من ضلع آدم ، هذان قولان مشهوران.

وهناك قول ثالث قال به مجاهد: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا يعني نسلاً بعد نسل، لكن بمعنى أن ذلك لا يختص بآدم وحواء.

وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج.

وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا فسر بهذا وهذا قول مشهور: وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يعني خلق لكم الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام.

والقول الآخر: وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يعني خلق لكم من الأنعام أصنافًا من الذكور والإناث، من يقول: هي الثمانية، المقصود بها الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، هذا قول الجمهور، واختاره ابن كثير، وقبله ابن جرير، وذهب إليه الشنقيطي، وغيره.

لكن القول الآخر: وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا أي: خلق لها من جنسها أزواجًا، كما خلق لكم من جنسكم أزواجًا خلق للأنعام من جنسها أزواجًا.

والقول الآخر: خلق لكم من جنسكم أزواجًا، وخلق لكم هذه الأنعام، أصنافًا من الأنعام.

أي: وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا إما من جنسها خلق لها أزواجًا كما خلق لكم أزواجًا، أو خلق لكم من أنفسكم أزواجًا، وخلق لكم أصنافًا من الأنعام تأكلونها، وتنتفعون بها.

وقوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: يخلقكم فيه، أي: في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا، خلقا من بعد خلق، وجيلا بعد جيل، ونسلا بعد نسل، من الناس والأنعام.

قوله: يَذْرَؤُكُمْ بعض أهل العلم فسره بالبث، يعني يبثكم فيه: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني يبثكم فيه الذرء باعتبار البث، أو يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني يخلقكم وينشئوكم فيه، يعني فيما جعل لكم من أزواجكم، وابن جرير -رحمه الله- يذكر هذا المعنى، ويضيف إليه: ويعيشكم فيما خلق لكم من الأنعام.

يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ وتأمل هنا ذكر الأمرين، ابن جرير: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ومع أن الضمير مفرد، بعد ذكر هذين الأمرين، لكنه على طريقة العرب أنهم قد يذكرون شيئين، فيعود الضمير لواحد منهما، لمعنى، لسبب يعني، فهنا: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني كما قال الشاعر:

فيها خطوطٌ من سواد وبَلَقْ كأنه في الجلدِ توليعُ البَهَقْ

 كأنه: يعني كأن المذكور.

 ما قال: كأنهما في الجلد توليع البهق.

والأمثلة والشواهد على هذا كثيرة في القرآن، وفي كلام العرب.

يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الضمير هنا في يَذْرَؤُكُمْ للمخاطبين على قول ابن جرير: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ فيما خلق لكم من الأزواج وما أوجد لكم وخلق من الأنعام، فالله -تبارك وتعالى- يُقِيتكم فيها، ويعيّشكم في ذلك.

وعلى القول الآخر: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني فيما خلق لكم من الأزواج، وكذلك الأنعام، فإن الله يذرؤها ويبثها ويخلقها وتتناسل عن طريق هذه السنّة التي جعلها الله ، خلق لها من أنفسها أيضًا أزواجًا، فيحصل بسبب ذلك التناسل: يَذْرَؤُكُمْ يبثكم فيه، فتتناسل الأنعام، كذلك يتناسل الناس، لكن هنا: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ما قال: يذرؤها، فإن مثل هذا التركيب: يَذْرَؤُكُمْ هنا خاطب فيه العقلاء من باب أنهم الأشرف، أنهم المقصود بالخطاب، أن الخطاب موجه لهم، فما قال: يذرؤها فيه، وإنما قال: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِوالواقع أنه يذرؤكم ويذرؤها أيضًا بهذه السنّة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في هؤلاء الخلائق.

فيكون هذا غير قول ابن جرير، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِويذرأ أيضًا الأنعام.

وعلى قول ابن جرير: يذرؤكم في هذا الخلق، في هذا التناسل، خلق لكم من أنفسكم، وفي الأنعام أيضًا، حيث جعلها سببًا، أو جعلها لكم معايش، أو جعل لكم فيها معايش، ومنها تأكلون.

والمعنى الثاني: يذرؤكم ويذرؤها، وهذا الذي اختاره الشنقيطي -رحمه الله- يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني في هذا الجعل المذكور، المشار إليه، فيرجع إلى المذكورين، يعني من الذكور والإناث يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني فيهما، يذرؤكم فيهما.

وبعضهم يقول: إن الضمير في قوله: فِيهِيرجع إلى التدبير: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ هذا التدبير الذي دبر به شأن الخلائق، وصرفها هذا التصريف .

وبعضهم فسر الذرء بالتكثير، وهذا لا ينافي ما سبق: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني يكثركم فيه، فهذا معنى يبثكم، فيحصل التناسل والتوالد، ويبقى نسلهم ويمتد.

وهناك أقوال أخرى لا تخلو من بعد، بعضهم يقول: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يعني الزوج.

وبعضهم يقول: جَعَلَلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ بحيث هذه الزوجة تكون محلاً، يعني هي مزدرع للرجل.

ولهذا قال بعضهم: يرجع الضمير في قوله: فِيهِإلى البطن، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: في البطن، لكن هذا لا يخلو من بعد، وهكذا قول من قال: الرحم، والله تعالى أعلم.

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس كخالق الأزواج كلها شيء؛ لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذه الآية إذا قرأناها لا يشكل معناها إطلاقًا، يعني كلنا نفهمها، ولكن كما ذكرت في بعض المناسبات: أن شق الشعرة والشعيرة هو الذي يولد الإشكال، ولذلك نجد في كثير من كتب الاعتقاد، وكذلك في كلام المفسرين كلامًا طويلاً في هذا الموضع، أعني قوله -تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌفدخول "الكاف" على "مثل"، فإنهم يوردون فيه سؤالات: "الكاف" هذه هل زائدة أو "مثل" زائدة؟

فهنا نفى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ نفى المثل عن مثله، وهل نفي المثل عن المثل نفي عنه؟

ثم أيضًا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هل الله مثلٌ أصلاً حتى ينفى عنه المثل؟

فيوردون مثل هذه السؤالات، مع أنها لأول وهلة حينما يقرأ الإنسان الآية لا يشكل عليه المعنى بحال من الأحوال، فبعضهم يقول: إن ذكر المثل هنا من باب المبالغة، نفي المثل من باب المبالغة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيكون معناه: أنه ليس كالله -تبارك وتعالى- شيء، لا يماثله شيء: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنفى المثيل، أو الشبيه عن المثل يقولون: من باب المبالغة.

وبعضهم يقول: إن "الكاف" زائدة لتقوية الكلام، يعني ليس مثل الله شيء.

وبعضهم يقول: إن "مثل" هي الزائدة، ولا يليق إطلاق الزيادة في شيء من كلام الله -تبارك وتعالى، ولكنهم يقصدون الزائدة إعرابًا، ولهذا بعضهم يسميها: صلة، من باب التأدب في العبارة، وإلا فالقرآن ليس فيه حشو، كما هو معلوم.

ولعل -والله تبارك وتعالى أعلم- ذلك على طريقة العرب، أنها تقيم المثل مقام النفس، ولا يقال: فيه شيء زائد، وإنما العرب تقيم المثل مقام النفس، تقول: مثلي لا يقال له كذا، تقصد: أنا لا يقال لي كذا، مثلك لا ينبغي أن يقول كذا، مثلك لا ينبغي أن يفعل كذا، ولست تقصد أنه من كان مثيلاً له، وإنما تقصد مخاطبته هو مباشرة، وهو يفهم هذا عنك، فهذا من أحسن ما قيل -والله تعالى أعلم، وهو الذي ذهب إليه ابن قتيبة -رحمه الله، أن هذا على طريقة العرب، تقيم المثل مقام النفس.

وقتْلاكَ كمثلِ جذوعِ النخل .....

كمثل جذوع النخل يعني مثل جذوع النخل.

وهكذا في البيت المشهور:

ليس كمثلِ الفتى زُهير .....

يعني ليس كزهير، أو ليس مثل زهير، وغير ذلك من الشواهد.

وكما:

..... ما إنْ كمثلِهم في الناس مِن أحدٍ

يعني ما مثلهم في الناس.

هذه طريقة العرب ولا داعي لتشقيق ذلك، وتوليد الإشكالات منه.

وقوله: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ تقدم تفسيره في "سورة الزمر"، وحاصل ذلك: أنه المتصرف الحاكم فيهما: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ.

يعني في سورة الزمر مضى الكلام على المقاليد: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الزمر:63] ابن كثير قال: قال مجاهد: المقاليد هي المفاتيح بالفارسية، وهذا الذي قال به عامة المفسرين، أن المقاليد هي المفاتيح، سواء قيل بالفارسية، أو غير ذلك، مسألة الكلام في المعرَّب معروفة، لكن المقاليد هي المفاتيح، وهو اختيار ابن جرير وعامة المفسرين، قالوا: إذا كان يملك مفاتيح السموات والأرض، مفاتيح الخزائن، والرزق، ومفاتيح كل خير من الهدى والضلال، وما إلى ذلك: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فهو يملك إذًا الخزائن، يعني الذي يملك مفاتيحها هو مالك لها، يقول هنا: مفاتيح، إلى آخره، وكذا قال قتادة وابن زيد وسفيان بن عيينة، وقال السدي، والضحاك، وجماعة: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يعني خزائن السموات والأرض.

وهناك قال: والمعنى على كل القولين أن أزمّة الأمور بيده -تبارك وتعالى، ولعلي ذكرت هناك أن القولين بينهما ملازمة، وأنه لا حاجة للترجيح، بصرف النظر عن المقاليد هذه، يعني هل هي جمع إقليد أو جمع مقلاد، أو غير ذلك، مما مضى الكلام عليه، أو أنه لا واحد لها من لفظها أصلاً، والمقصود مفاتيح الرزق، ومفاتيح السموات والأرض، ومفاتيح الرحمة.

قال: يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ۝ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [سورة الشورى:13، 14].

يقول تعالى لهذه الأمة: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فذكر أول الرسل بعد آدم وهو نوح ، وآخرهم وهو محمد ﷺ، ثم ذكر مَن بين ذلك من أولي العزم، وهم: إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم -عليهم السلام.

وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة، كما اشتملت آية "الأحزاب" عليهم، في قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الآية [سورة الأحزاب:7].

مضى الكلام على هذا في أكثر من مناسبة من أن أولي العزم: أن الكثيرين من أهل العلم يربطون الآيتين هذه وآية الأحزاب مع قوله -تبارك وتعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [سورة الأحقاف:35] ويقولون: أولوا العزم: خمسة.

وسبق أن هذا الوجه في الارتباط لا يوجد دليل واضح وصريح عليه، فالله أمر نبيه ﷺ بالصبر، كما صبر أولوا العزم -عليهم الصلاة والسلام- ولم يذكرهم هناك.

وهذه الآيات ذكر الله -تبارك وتعالى- هنا أنه شرع لنا: مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [سورة الشورى:13] إلى آخره.

وهكذا في آية الأحزاب في أخذ الميثاق: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [سورة الأحزاب:7] فهذا في أخذ الميثاق عليهم، فليس في الآيتين أن هؤلاء هم أولو العزم -عليهم الصلاة والسلام.

ولهذا لو قيل: إن أولي العزم يعني أصحاب العزائم العظيمة، والصبر الكبير في طاعة الله ، والبلاغ، وتحمل الأذى، ومن ثم فإن هؤلاء الخمسة هم من أعظمهم وأفضلهم، ولكن ذلك لا يختص بهم، فبعض أهل العلم يقول: كل الرسل من أولي العزم، وإن كانوا يتفاوتون.

وبعضهم يذكر مجموعة من الرسل أكثر من الخمسة.

وكثير من أهل العلم يخصه بالخمسة.

ولا أعلم دليلاً على التخصيص بالخمسة، وإنما يربطون بين هذه الآيات بهذه الطريقة التي ذكرناها، وليس فيها شيء صريح في هذا.

والمقصود بقوله: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا [سورة الشورى:13] المقصود به أصول الدين، وشرائع الدين العظام، يعني أصول هذه الشرائع موجودة في ما بعث الله به رسله -عليهم الصلاة والسلام: التوحيد، إقام الصلاة، إيتاء الزكاة، الصيام، الحج، هذه الأركان الخمسة موجودة عندهم في شرائعهم، وكذلك أيضًا أصول الأخلاق، وما أشبه ذلك، أما تفاريع الشريعة فإنها تختلف: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [سورة المائدة:48].

والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو: عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [سورة الأنبياء:25].

وفي الحديث: نحن معشر الأنبياء أولاد علّات، ديننا واحد[10] أي: القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم؛ كقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [سورة المائدة:48]؛ ولهذا قال هاهنا: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: وصى الله جميع الأنبياء -عليهم السلام- بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.

هذه من المحكمات، يعني: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [سورة آل عمران:103] لكن هذا الاعتصام بماذا؟

بحبل الله، الاعتصام بالحق، الاعتصام بالتوحيد، بالإيمان الصحيح، بما أنزله الله -تبارك وتعالى، بهذا الوحي.

وهنا: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ [سورة الشورى:13] يعني الإيمان، والتوحيد، وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، هذا إقام الدين، إقامة شرائع الإسلام.

وقوله: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي: شق عليهم، وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد.

ثم قال: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي: هو الذي يُقدّر الهداية لمن يستحقها، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد؛ ولهذا قال: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغيُ والعنادُ والمشاقة.

وَمَا تَفَرَّقُوا هنا بعضهم يقول: المقصود قريش، ومن جاء بعدهم.

وبعضهم يقول: المقصود أمم الأنبياء الذين بعث إليهم الرسل -عليهم الصلاة والسلام، وابن جرير -رحمه الله- عبارته عامة، يقول: وَمَا تَفَرَّقُوا يعني أمم الكفر، الكفار: إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ يعني لم يكن ذلك بسبب خفاء الحق، وإنما بسبب البغي، وذلك بسبب العداوات والحسد بينهم، فإن الذين يختلفون بعد مجيء الحق، وظهور الحق، وبيان الشارع له على الوجه الذي لا يترك فيه لبسًا إنما يكون ذلك بسبب البغي، وهذا الخلاف الواقع بين طوائف هذه الأمة إنما هو بسبب البغي بينهم، إمّا أن يعرف الحق ويتمسك بالباطل، وإمّا أنه يحمّل الأمور ما لا تحتمل، فيقع الاختلاف والتنازع والتفرق الذي نهى الله عنه، بمعنى تكون الأمة طوائف متناحرة، يعادي بعضها بعضًا على أمور لا توجب هذا، فيكون ذلك بسبب الهوى والبغي.

بعضهم يخص هذا باليهود والنصارى: وَمَا تَفَرَّقُوا يعني اليهود والنصارى.

ثم قال وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: لولا الكلمة السابقة من الله بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد لعجل عليهم العقوبة في الدنيا سريعًا.

وبعضهم يقول: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى الوقت الذي حدده الله لإنزال العذاب بهم، فلا يعاجلهم بالعقوبة، وإنما لهم وقت معلوم محدد يجازيهم الله ويعاقبهم، يعني قبل يوم القيامة.

وقوله -جلت عظمته: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني: الجيل المتأخر بعد القرن الأول المكذّب للحق: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أي: ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا بُرهان، وهم في حيرة من أمرهم، وشك مريب، وشقاق بعيد.

هنا قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ إذا قيل: مِن بعد أمم الأنبياء: الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ يكون مَن هؤلاء؟

بعضهم يقول: اليهود والنصارى أورثوا بعد تلك الأمم: أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ.

شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ يعني يبعث على الريب، والريب -كما بينا- شك مقلق، فهذا على هذا المعنى يدل على دواخل اليهود والنصارى أنهم في شك من كتابهم، أنهم ليسوا على يقين، وهذا يدل عليه أدلة أخرى من كتاب الله ، فهم مرتابون ليسوا على يقين، ومن ثم فإن مواجهة هؤلاء بالدعوة، والرد على باطلهم، وما إلى ذلك ينبغي أن ينطلق من قاعدة واضحة لدى من يناظرهم، وهي أن يعرف أن هؤلاء ليسوا على يقين، بل هم مرتابون، وأعظمهم ريبًا هم كبارهم الذين عرفوا من الحقائق ما لا يعرفه عوامهم وجهالهم، فعندهم ريب، ليس عندهم يقين.

وبعضهم يقول: المراد بذلك كفار قريش: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ فبعد تلك الأمم صار الكتاب إلى العرب وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ أورثوا هذا القرآن بعدما أورث أهل الكتاب كتابهم، فهؤلاء من المشركين في شك منه مريب، هذان قولان معروفان.

هناك قول آخر لا يخلو من غرابة: أن قوله: مِنْ بَعْدِهِمْ المراد به من قبلهم، كأن ذلك من الأضداد، وهذا مروي عن مجاهد -رحمه الله: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من قبلهم، من قبل هؤلاء المشركين، والمقصود بذلك مَن على هذا الاعتبار؟

قبل مشركي مكة يعني اليهود والنصارى: لَفِي شَكٍّيقول: كما شك هؤلاء من أهل مكة من المشركين، وارتابوا في الكتاب، فكذلك الذين من قبلهم، لما أورثوا الكتاب هم أيضًا في شك منه مريب.

لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ قال: "وهم في حيرة من أمرهم، وشك مريب، وشقاق بعيد"، حيرة في أمرهم.

وبعضهم يقول: لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ أي: القرآن.

وبعضهم يقول: لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ أي: محمد ﷺ.

وهذه المعاني بينها ملازمة، إذا حملنا ذلك على العرب.

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [سورة الشورى:15].

اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات، كل منها منفصلة عن التي قبلها، لها حكم برأسها،  قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضًا عشرة فصول كهذه.

قوله: فَلِذَلِكَ فَادْعُ أي: فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة، كأولي العزم، وغيرهم، فادعُ الناس إليه.

وقوله: وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ أي: واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله، كما أمركم الله .

وقوله: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ يعني: المشركين فيما اختلقوه، وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان.

وقوله: وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ أي: صدقت بجميع الكتب المنـزلة من السماء على الأنبياء، لا نفرق بين أحد منهم.

وقوله: وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ أي: في الحكم كما أمرني الله.

وقوله: اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ أي: هو المعبود، لا إله غيره، فنحن نقر بذلك اختيارًا، وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارًا فله يسجد من في العالمين طوعًا واختيارًا.

وقوله: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ أي: نحن برآء منكم؛ كما قال تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41].

وقوله: لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ قال مجاهد: أي لا خصومة.

قال السدي: وذلك قبل نزول آية السيف.

وهذا مُتَّجه؛ لأن هذه الآية مكية، وآية السيف بعد الهجرة.

وقوله: اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا أي: يوم القيامة، كقوله: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سورة سبأ:26].

وقوله: وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع والمآب يوم الحساب.

قوله : فَلِذَلِكَ فَادْعُ يعني ما وصى الله -تبارك وتعالى- به من إقامة الدين، وعدم التفرق فيه، فلهذا تكون الدعوة متوجهة مع الاستقامة من الناحية العملية، وقد تكون الدعوة إلى هذا مدة متطاولة، أو مددًا متطاولة، ثم بعد ذلك إذا جاء العمل والتطبيق وقع خلاف ذلك، وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْلا تطع هؤلاء فيما يدعونك إليه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم:9].

وهنا قوله -تبارك وتعالى: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ليس ذلك بمعنى أنه كما يقول السدي: كان ذلك قبل آية السيف، وكأن ابن كثير يستحسن هذا القول، يعني كأن هذا نسخ، والواقع أن هذا لم ينسخ، وإنما: لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُْ يعني المقصود به نفي الخصومة، والجدال حال كون ذلك لا يجدي، يعني بمعنى: إذا ظهر الحق، وبان لم يعد للحجة، أو الخصومة، أو الجدال محل، وهذا الذي ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وغير هؤلاء: أن المقصود هنا في حال ظهور الحق، إذا ظهر وتجلى وانكشف لم يعد للخصومة مجال، هؤلاء يجادلون لإبطال الحق، لإظهار الباطل، ومن كان مجادلاً لإبطال الحق، أو لإظهار الباطل فإن جداله لا يلتفت إليه، إنما يكون الجدال لبيان الحق وتجليته، فهنا: لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ أي: بعد ظهور الحق، وإلا فالآيات الأخرى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة النحل:125]، وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة العنكبوت:46] والقرآن رد عليهم في مواضع كثيرة.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله: "قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال الكلبي: يكثركم في هذا التزويج، ولولا هذا التزويج لم يكثر النسل، والمعنى يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعله لكم أزواجًا، فإن سبب خلقنا وخلق الحيوان بالأزواج.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله: "قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال الكلبي: يكثركم في هذا التزويج، ولولا هذا التزويج لم يكثر النسل، والمعنى يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعله لكم أزواجًا، فإن سبب خلقنا وخلق الحيوان بالأزواج.

والضمير في قوله: فِيهِ يرجع إلى الجعل.

ومعنى: الذرء الخلق، وهو هاهنا الخلق الكثير فهو خلق وتكثير، فقيل: فِيهِ بمعنى: الباء، أي: يكثركم بذلك، وهذا قول الكوفيين - يعني باعتبار تضمين الحرف معنى الحرف، والصحيح أنها على بابها، والفعل تضمن معنى: ينشئكم، وهو يتعدى بـ"في"، كما قال تعالى: وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة الواقعة:61] فهذا تفسير الآية.

ولما كانت الحياة حياتين: حياة الأبدان، وحياة الأرواح، وهو سبحانه الذي يحيي قلوب أوليائه، وأرواحهم بإكرامه ولطفه وبسطه كان ذلك تنمية لها، وتكثيرًا وذرءًا، والله أعلم"[11].

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ هذه الآية من الأصول التي بنى عليها أهل السنة باب الأسماء والصفات، وردوا فيها على المخالفين، فإن قوله -تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ نفي للمماثلة.

وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ هذا أصل في الإثبات، فذكر هاتين الصفتين: السمع والبصر اللتين هما في نظر هؤلاء المخالفين من الجهمية أوغل في التشبيه -السمع والبصر، فالله -تبارك وتعالى- في جزئها الأول نفى المماثلة، وفي جزئها الثاني وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ أثبت له الصفات، فكأن الله -تبارك وتعالى- يقول: يا عبدي، لا تمثل صفاتي بصفات المخلوقين، ولا تنفِ عني صفات الكمال، بل أثبِتْ ما أثبتُّه لنفسي، فجمع بين النفي والإثبات، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي وسط بين الجهمية المعطلة، وبين الغلاة من الممثلة.

قال الإمام ابن القيم: "ثم قال: لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ -والحجة هاهنا هي الخصومة- أي: للخصومة، ولا وجه لخصومة بيننا وبينكم بعدما ظهر الحق، وأسفر صبحه، وبانت أعلامه، وانكشفت الغمة عنه، وليس المراد نفي الاحتجاج من الطرفين، كما يظنه بعض من لا يدري ما يقول، وأن الدين لا احتجاج فيه، كيف والقرآن من أوله إلى آخره حجج وبراهين على أهل الباطل قطعية يقينية، وأجوبة لمعارضتهم، وإفساد لأقوالهم بأنواع الحجج والبراهين، وإخبار عن أنبيائه ورسله بإقامة الحجج والبراهين، وأمر لرسوله بمجادلة المخالفين بالتي هي أحسن، وهل تكون المجادلة إلا بالاحتجاج، وإفساد حجج الخصم؟

وكذلك أمر المسلمين بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وقد ناظر النبي ﷺ جميع طوائف الكفر أتم مناظرة، وأقام عليهم ما أفحمهم به من الحجج، حتى عدل بعضهم إلى محاربته بعد أن عجز عن رد قوله وكسر حجته، واختار بعضهم مسالمته ومتاركته، وبعضهم بذل الجزية عن يد وهو صاغر، كل ذلك بعد إقامة الحجج عليهم، وأخذها بكظمهم، وأسرها لنفوسهم، وما استجاب له من استجاب إلا بعد أن وضحت له الحجة، ولم يجد إلى ردها سبيلاً، وما خالفه أعداؤه إلا عنادًا منهم، وميلاً إلى المكابرة، بعد اعترافهم بصحة حججه، وأنها لا تُدفع، فما قام الدين إلا على ساق الحجة"[12].

من أقر بأن دعوة النبي ﷺ عامة -والنصوص الأخرى شاهدة بهذا- فهذا يبقى محلا للنظر، هل هذه مرحلة من المراحل: لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا هل كانت كذلك؟ يعني كانت هذه مرحلة من مراحل الدعوة أن النبي ﷺ كان ينذر أم القرى ومن حولها فقط، هل كان هذا مقصودًا له في أول دعوته -عليه الصلاة والسلام- بحيث تحمل عليه الآية؟

هذا يحتاج إلى إثبات، لكن لو قيل: إن ما حولها يعني سائر البلاد فهذا الذي يوافق سائر النصوص، والله أعلم.

  1. رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، رقم (2)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، رقم (2333).
  2. رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم (2) ومسلم، كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي ﷺ في البرد وحين يأتيه الوحي، رقم (2333).
  3. رواه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة، (2144)، وابن حبان، رقم (3239)، وقال الألباني: "صحيح لغيره"، كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (1698).
  4. رواه الترمذي، كتاب أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ، باب في فضل مكة، رقم (3925)، والنسائي، كِتَابُ المناسك، باب فَضْلُ مَكَّةَ، رقم (4238)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل مكة، رقم (3108)، وأحمد (18715)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم (2725).
  5. رواه البخاري، في أوائل كتاب التيمم، رقم (335 )، ومسلم في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم (521).
  6. المصدر السابق.
  7. رواه الترمذي، كتاب أبواب القدر عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار، رقم (2141)، وأحمد (6563) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف"، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (96).
  8. رواه أحمد (17594)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح".
  9. رواه أحمد (17593)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح".
  10. رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا [سورة مريم:16]، رقم (3443) بلفظ: (والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد).
  11. مدارج السالكين (3/ 280).
  12. مفتاح دار السعادة (2/ 58).

مواد ذات صلة