الأحد 09 / ربيع الآخر / 1446 - 13 / أكتوبر 2024
[1] من قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} الآية:5
تاريخ النشر: ١٠ / رمضان / ١٤٣٤
التحميل: 5082
مرات الإستماع: 15735

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين ولجميع المسلمين يا رب العالمين.

روى الإمام أحمد عن ابن عمر يقول: قال رسول الله ﷺ: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وإِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ، وإِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ[1]، وهكذا رواه الترمذي.

سورة التكوير إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ تتحدث عن يوم القيامة، وأهواله وأوجاله، وفي شقها الآخر أقسم الله -تبارك وتعالى- فيها على أن ما جاء به الرسول ﷺ وحي من الله، وأنه حق ثابت، وأنه ليس كما يقولون من أنه مجنون -عليه الصلاة والسلام، وما إلى ذلك من الأقاويل الباطلة التي ينسبونها لرسول الله ﷺ أو لهذا الوحي.

وهذا -والله أعلم- لا  يخرج عن موضوع السورة الذي ذكره الله في صدرها من الحديث عن اليوم الآخر، فلما ذكر لهم طرفاً من مشاهد اليوم الآخر أخبر أن هذا أمر حق وأنه ليس بالتخرصات والأباطيل، إنما هو قول رسول كريم جاء به من عند الله -تبارك وتعالى، وليس ذلك من قبيل الاختلاق والافتراء والكذب على الله ، ولهذا قال بعده: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ [سورة التكوير:28].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ۝ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ۝ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ۝ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ۝ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ۝ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ۝ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ۝ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ۝ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ۝ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [سورة التكوير:1-14].

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ يعني: أظلمت، وقال العوفي عنه: ذهبت، وقال قتادة: ذهب ضوءها، وقال سعيد بن جبير: كُوِّرَتْ غُوِّرت.

وقال أبو صالح: كُوِّرَتْ ألقيت.

والتكوير جَمعُ الشيء بعضه إلى بعض، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله تعالى: كُوِّرَتْ جُمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها.

روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: الشمس والقمر يكوران يوم القيامة[2]، انفرد به البخاري وهذا لفظه.

قوله -تبارك وتعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ هذه العبارات عن السلف: أظلمت، ذهبت، ذهب ضوءها، غُورت، كل ذلك يرجع إلى معنى واحد، وهو أثر ونتيجة للمعنى الآخر الذي ذكروه، قال: والتكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض، هذا أصله، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فيكون المعنى: جُمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها، يعني أن التكوير: أن يُجمع بعضها إلى بعض، فبهذا تكون غوّرت، صارت مظلمة، ذهب ضوءها، انطفأ نورها، كل هذه المعاني نتيجة لكونها لفت وجمع بعضها إلى بعض.

وهنا جاء عن أبي صالح قال: ألقيت، كُوِّرَتْ يعني: ألقيت، وجاء عن الربيع: رُمي بها، قال: كورتُه فتكور يعني: سقط، كل هذه المعاني تحصل للشمس، تُكور، يضم بعضها إلى بعض، فينطفئ نورها، ويلقى بها في النار كما أخبر النبي ﷺ، هناك من الناس من عبد الشمس، والله قال: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [سورة الأنبياء:98]، فتلقى هذه الشمس في النار، وفي الحديث: الشمس والقمر يكوران يوم القيامة، وما ذكره هنا قال: جُمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل.. هنا جمع بين المعاني والأقوال التي ذكرها السلف، وهذا عزاه الواحدي للمفسرين واختاره ابن جرير، وذكر ابن جرير أن المعاني الأخرى لا تنافيه، فكأنها نتيجة وأثر لهذا التكوير.

قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض.

وهو نفس المعنى الذي ذكره ابن كثير.

وقوله تعالى: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي: انتثرت، كما قال تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ [سورة الانفطار:2]، وأصل الانكدار: الانصباب.

قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبيّ بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة.

قوله: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ قال: انتثرت، وفسرها بالآية الأخرى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، أصل الانكدار قال: الانصباب، أصله الانصباب، يقال: انكدر الطائر في الهواء يعني: انصب وانقض وانحدر، وكما يقول الخليل بن أحمد: انكدر القوم، يعني انكدر عليهم القوم، يعني: جاءوا أرسالاً فانصبوا عليهم، ويقول عطاء: تمطر السماء يومئذٍ نجوماً، فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على الأرض.

وبعضهم يقول: انطمس نورها، فهذا كأنه أثر لهذا الانكدار؛ لأنه تغيُّر، فابن جرير -رحمه الله- ذكر المعنيين: تناثرت فتساقطت، باعتبار أن أصل الانكدار الانصباب، والله تعالى يقول: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ فيقول: تناثرت فتساقطت، وهذه الآيات أبيّ بن كعب يقول: منها ما يكون قبل يوم القيامة، ست، ومنها ما يكون بعد قيام الساعة، هذه الأشياء المذكورة.

قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبيّ بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة، بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحوش، فماجوا بعضهم في بعض: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال: اختلطت.

وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ قال: أهملها أهلها، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ قال: قالت الجن: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم[3]، رواه ابن جرير وهذا لفظه.

فهذه الست التي تكون قبل النفخ في الصور، تكوير الشمس، انكدار النجوم، تسيير الجبال، تعطل العشار، الوحوش تحشر، والبحار تسجر، إلى هنا، فإذا قامت القيامة زُوجت النفوس، أُلحق كل إنسان بمن يشاكله، مَن كان على دينه وملته وعمله وحاله، وتُسأل الموءودة، وتتطاير الصحف، وتكشط السماء، وتسعر الجحيم، وتقرب الجنة، وعندئذٍ يعلم الإنسان -كل إنسان- ما قدم وما عمل في دنياه.

هذا قول أُبيّ -رضي الله تعالى عنه، يعني هذه الأشياء تكون بعد النفخة الأولى، أو تكون قبلها، بينما الناس في أسواقهم، يعني قبل النفخة الأولى، قال: قبل يوم القيامة، ويوم القيامة يكون حينما ينفخ في الصور، طبعاً هنا على تفسير بعض المواضع مثل قوله: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [سورة التكوير:5] قال: اختلطت، يعني هنا على أساس أنه يفسر أن الوحوش تختلط بحيث ما يفر بعضها من بعض، ولا يخاف بعضها من بعض، وكما يقول بعضهم أيضاً: تأتي عند الإنس لا تخافهم ولا يخافونها، هذا قبل يوم القيامة، ولكن على المعنى الآخر أنها تحشر يوم القيامة، فيقتص بعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني تراباً، فهذا على أحد المعنيين، ويأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله تعالى: وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ أي: زالت عن أماكنها ونُسِفت، فتركت الأرض قاعاً صفصفاً.

وقوله: وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ قال عكرمة، ومجاهد: عشار الإبل، قال مجاهد: عُطِّلَت تُركت وسُُيّبت.

وقال أبي بن كعب، والضحاك: أهملها أهلها، وقال الربيع بن خُثَيم: لم تحلب ولم تُصَرّ، تخلى منها أربابها.

وقال الضحاك: تركت لا راعي لها.

والمعنى في هذا كله متقارب، والمقصود: أن العشار من الإبل -وهي: خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر، واحدتها عُشَراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع- قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعدما كانوا أرغب شيء فيها، بما دَهَمهم من الأمر العظيم المُفظع الهائل، وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها، ووقوع مقدماتها.

يعني العشار جمع، والواحدة منه يقال لها: عُشراء، فهذه التي قد استتم لها عشرة أشهر في حملها، يعني هي قريبة الولادة، وهذه أنفس الأموال عند العرب، وأصحابها يُعنون بها غاية العناية، بل إن بعضهم يقدمها ويفضلها على ولده، ويقدم إطعامها والنفقة عليها على طعام أولاده، ويسميها، ويحصل له من المؤانسة لها والمخالطة أعظم مما يحصل مع أولاده، حتى تألفه، ولربما دعاها فأجابته؛ لكثرة مخالطته لها تعرفه من بين الناس، وأهل الإبل يعرفون هذا جيداً، ولها عندهم من المنزلة والمكانة ما لا يُقادَر قدره.

حتى إن بعضهم يأبى كل الإباء أن يبيع شيئاً منها، وبعضهم يأبى كل الإباء أن ترحل في سيارة أو نحو ذلك، فيمشي على قدميه معها مئات الكيلومترات؛ لأنه يرى أن حملها ورفعها ووضعها في نقالة أن هذا نقيصة في حقها وإزراء بها، هذا كله واقع وموجود.

تجد الرجل الكبير يمشي معها مئات الكيلومترات حتى ينقلها إلى المكان الآخر، فلربما ركبته الديون وكثرت المطالبات وعنده هذه الإبل التي يمكن أن تباع بالملايين ويأبى أن يبيع واحدة منها، لا يمكن أن يفرط بها، يرى أن نفسه أرخص منها بكثير، هذا واقع، ومن سأل أصحاب الإبل  يخبرونه من هذا بعجائب.

فهذه كلها تترك ولا يلتفت الناس إليها، فكيف بالأشياء الأخرى من المزارع والسيارات، أو الناطحات، أو غير ذلك؟! الناس يشتغلون، والله خاطب العرب بما يعهدون، بما هو في بيئتهم، الإبل عندهم هي أنفس الأموال، فيمكن أن تقول: يتركون نفائس ما يملكون وينشغلون بما رأوا من الأهوال والأوجال، فيشغلهم ذلك عما سواه، إذا كان الإنسان يترك أعظم الأشياء وأنفس الأشياء عنده فما دونه من باب أولى، فينبغي أن يشتغل لذلك اليوم لا أن يشتغل عنه، وأن يستعد المرء حتى يكون آمناً يوم القيامة -والله المستعان.

وقوله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ أي: جمعت، كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [سورة الأنعام:38]، قال ابن عباس: يحشر كل شيء حتى الذباب، رواه ابن أبي حاتم.

قال الله تعالى: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [سورة ص:19]، أي: مجموعة.

هنا وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً جاء به من أجل بيان معنى الجمع، مَحْشُورَةً يعني: مجموعة، لكن ليس المراد يوم القيامة هنا في الآية، وإنما ذلك لما أعطى الله لنبيه ﷺ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ [سورة ص:19]، فهذه من الأشياء التي خصه الله بها، أعني سليمان -عليه الصلاة والسلام.

لكن الآية الأخرى التي ذكرها في سورة الأنعام وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38] إلى أن قال: ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ، هذا الحشر يوم القيامة، فهذا دليل من القرآن على حشر هذه الدواب والبهائم، وهنا وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ هل المقصود به حشر يوم القيامة أو أن ذلك في الدنيا؟

الرواية السابقة عن أبي بن كعب أن ذلك في الدنيا، أنها تختلط مع الناس، تختلط مع بعضها، لا يفر بعضها من بعض، والوحش يقال لكل ما لم يأنس من الحيوان، سواء كان ذلك من الصيود أو كان من غيرها، يعني السباع، كله يقال له: وحش، يعني: آكلة اللحوم، وكذلك أيضاً التي تأكل النباتات: الظباء وغيرها، كل ذلك يقال له: وحش، الحُمر الوحشية، السباع؛ لأنها لا تأنس، فهي تفر من الناس ومن مجامعهم، فعند ذلك على قول أُبيّ: تختلط.

والمعنى الآخر أنها تحشر يوم القيامة، تبعث حتى يقتص بعضها من بعض، وبعضهم يقول: حشْرُها موتُها، وجاء هذا عن ابن عباس ، وبعضهم يقول: تضم في ذلك اليوم إلى الناس، تختلط بالناس، تكون يعني أليفة، لا تستوحش من مخالطتهم.

والربيع يقول: أتى عليها أمر الله، ما هو أمر الله؟ ابن عباس يقول: ماتت، لكن كلمة الربيع مبهمة -أتى عليها أمر الله، يحتمل أن يكون الموت، ويحتمل أن يكون أنها تختلط مع الناس ويذهب ما بها من الاستيحاش أو غير ذلك.

ابن جرير جمع بين معنيين، الجمع والإماتة، قال: جُمعت فأميتت، وهذا يمكن أن يحمل على أنها تجمع –تحشر- يوم القيامة، فيقتص بعضها من بعض ثم يقال لها: كوني تراباً، هذا الذي دل عليه الحديث، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، فتبقى هذه الآية محتملة أن يكون هذا الحشر في الدنيا، ولها حشر في الآخرة، ثم يقال لها: كوني تراباً، ويحتمل أن يكون المراد بهذا الحشر يوم القيامة يقتص بعضها من بعض، لكن الحشر يوم القيامة -ولو حملت هذه على الدنيا كما جاء عن أبيّ ثابت لهذه الوحوش أو الحيوانات.

هنا ذكر الوحوش مع أن كل الحيوانات تحشر حتى غير الوحوش، كما قال النبي ﷺ: حتى تقتص الشاة الجَلحاء[4]، يعني التي ليس لها قرون من الشاة القرناء، هذه ليست من الوحوش، ولعل هذا هو السبب الذي جعل بعض السلف كأُبيّ يقول: هذا في الدنيا، أي أنها تختلط؛ لأنه خص الوحوش، وإلا فيوم القيامة كل الحيوانات تحشر فلماذا خص الوحش؟

يمكن لقائل أن يقول: إنه إذا كان المراد يوم القيامة خصت الوحوش لأنها نافرة لا تأنس، ومع ذلك فإن الله قادر على جمعها وحشرها مع تفرقها وشدة نفورها، ولذلك الشيء بالشيء يذكر، الله -تبارك وتعالى- لما ذكر الحجيج وذكر التعجل والتأخر قال: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [سورة البقرة:203]، مناسبة ذكر الحشر هنا في نفور الحجيج كما لفت بعض أهل العلم قال: الناس يتفرقون من كل ناحية بعد الحج، لا يلتقون إلا يوم القيامة، كيف تجمع هؤلاء الحجيج الذين جاءوا من أصقاع الدنيا بعدما يتفرقون في اليوم الثاني عشر والثالث عشر؟ ما الذي يجمعهم؟

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [سورة البقرة:203]، يجمعهم يوم الحشر، هؤلاء الذين يذهبون بعضهم يموت، وهذا في المشرق، وهذا في المغرب، وهذا لا يحج غير هذه الحجة، لا يمكن أن يجتمعوا جميعاً في سنة واحدة، ويحج كل هؤلاء الذين حجوا، ولذلك هذا المشهد في تفرق الناس –الحجيج- في اليوم الثاني، وفي اليوم... هو يذكِّر بأشياء من الآخرة لا تخفى على ذي لُب.

  1. رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة "إذا الشمس كورت"، برقم (3333)، وأحمد في المسند، برقم (4806)، وقال محققوه: "إسناده حسن"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6293).
  2. رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، برقم (3200).
  3. رواه ابن جرير في تفسيره، في تفسير سورة التكوير، (24/ 237).
  4. رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (8847)، وقال محققوه: "إسناده صحيح".

مواد ذات صلة