الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
[6] من قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} إلى آخر السورة.
تاريخ النشر: ٠٨ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 2887
مرات الإستماع: 11405

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير سورة الذاريات:

وقوله تعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سورة الذاريات:57، 58].

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: أقرأني رسول الله ﷺ: إني لأنا الرزاق ذو القوة المتين[1].

ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح.

ومعنى الآية: أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم.

ومعنى الآية: أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم.

روى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله: يا ابن آدم، تَفَرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى وأسدّ فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك[2].

ورواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، يقول الحافظ ابن كثير هنا: إنه -تبارك وتعالى- خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، وأخبر أنه غير محتاج إليه بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهذه العبارة التي ذكرها الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عبارة مجملة، بمعنى أنها تحتمل أن يكون مراده مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني: أن يرزقوني، وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي: أن يطعموني.

وتحتمل معنى آخر وهو الذي قال به جمع من أهل العلم، ومنهم كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني: أن يرزقوا خلقي، وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي: يطعموا خلقي، واستدلوا بالحديث، استطعمتك فلم تطعمني، فقال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: استطعمك عبدي فلان، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي[3]، فقالوا: إن قوله: وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ يعني: أن يطعموا خلقي، ولهذا قال بعدها: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، هو الذي يطعمهم ويعطيهم ويرزقهم ويكلؤهم، فالحاصل أن الآية تحتمل هذا وهذا، وابن كثير -رحمه الله- أجمل العبارة.

وقوله: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا [سورة الذاريات:59] أي: نصيبا من العذاب، مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ.

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا، يقول الحافظ -رحمه الله: أي نصيباً من العذاب، وهذا التفسير ذكر فيه الحافظ  -رحمه الله- المعنى المقصود بالآية مباشرة، يعني ذكر لك الخلاصة والنتيجة، وإلا فإن أصل الذَّنوب الدلو العظيمة المملوءة، ومنه الحديث في بول الأعرابي لما أمرهم أن يصبوا عليه ذَنوباً من ماء، الدلو الكبيرة يقال لها: ذَنوب، وما علاقة هذا -أعني الدلو الكبيرة الدلو العظيمة- بموضوع الذنوب والسيئات؟ العلاقة هي أنه من عادة العرب في بلادهم في الصحراء أنهم كانوا يقتسمون الماء بالدِّلاء، يستخرجونه من الآبار بالدلاء، فيستخرجون هذه الدلو وينتصفون ويتفقون على أن تكون القسمة بينهم بالسوية، فيكون لهذا ذَنوب، ولهذا ذنوب، ولهذا ذنوب، بمعنى أنه لا يغلب عليه واحد منهم، كما قال بعض الشعراء الجاهليين:

ونشرب إنْ وردنا الماء صفواً ويشرب غيرُنا كدراً وطيناً

الماء بعدما يترك مدة لا تكدره الدلاء يكون صافياً، فيأتي هؤلاء وينزحون البئر بالدلاء، فلا يبقى إلا عكره، فيأتي غيرهم ويشرب من هذا المختلط بالطين، فكانوا ينتصفون، لكم دلو ولنا دلو، فهذا نصيبهم وهذا نصيبهم، فعبر بالذَّنوب عن النصيب بهذا الاعتبار، هذا وجه الارتباط، ليس المقصود به الذُّنوب، الذَّنوب -بالفتح وهي الدلو العظيمة- علاقتها هنا هو ما ذكرت.

فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر النتيجة وهي النصيب، لهم نصيب، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مأخوذ من مقاسمة السقاة كما ذكرنا، أي نصيباً، فهذا تمثيل، أعني التعبير بالذَّنوب، ولأن ذلك مستعمل عندهم، فجعل الذنوب مكان الحظ والنصيب، هذا الذي فسره به كثير من أهل العلم من أهل اللغة وغيرهم من المفسرين كابن جرير، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله.

ومما يدل على أن المراد به النصيب قول الله -تبارك وتعالى: فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا [سورة الزمر:51]، فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ لا يستعجلون العذاب؛ لأنهم استعجلوه، قالوا: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [سورة الأحقاف:22] الكفار يقولون لأنبيائهم: هاتوا العذاب الذي وعدتمونا به، كما سمعتم في الآيات التي قرأناها من سورة الأعراف، وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [سورة الأعراف:77]، والنبي ﷺ قال له الله : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ [سورة الرعد:6]، العقوبات العامة المستأصلة.

فلا يستعجلون أي: فلا يستعجلون ذلك، فإنه واقع بهم لا محالة.

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [سورة الذاريات:60]يعني: يوم القيامة.

كما قال الله : فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [سورة ص:27]، ووَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سورة إبراهيم:2]، وأشباه ذلك من الآيات، وكلمة ويل كلمة تستعمل للوعيد والتهديد، وأيضاً كثير من أهل العلم يقولون: هو وادٍ في جهنم، وويل لهم: لو قيل بمعنى الوادي في جهنم فهذا وعيد وتهديد، ولو قيل: فالنار للمكذبين فهذا وعيد.

آخر تفسير سورة الذاريات، ولله الحمد والمنة.  

  1. رواه أبو داود، في كتاب الحروف والقراءات، برقم (3993)، والترمذي، كتاب القراءات عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الذاريات، برقم (2940)، وأحمد في المسند، برقم (3771)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سعيد -وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، مولى بني هاشم- فقد أخرج له البخاري متابعة، وهو ثقة، إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السبيعي".
  2. رواه الترمذي، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2466)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدينا، برقم (4107)، وأحمد في المسند، برقم (8696)، وقال محققوه: " إسناده محتمل للتحسين لأجل زائدة بن نشيط، فقد روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأبو خالد -وهو الوالبي- روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، فهو صدوق حسن الحديث"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1914).
  3. رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، برقم (2569).

مواد ذات صلة