بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير لجماعة من العلماء -رحمهم الله تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ كَلا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ إِنَّهَا لإحْدَى الْكُبَرِ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [سورة المدثر:31-37].
عدد خزنة جهنم وما قاله الكفار حول ذلك:
يقول تعالى: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ أي: خُزَّانها، إِلا مَلائِكَةً.
وقوله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى، لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط.
وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله ﷺ أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه آخر ما عليهم[1].
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في قوله -تبارك وتعالى: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ دليل على أن القول الراجح في معنى قوله -تبارك وتعالى: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [سورة المدثر:30] أي: تسعة عشر ملكاً، خلافاً لمن قال بأن هؤلاء التسعة عشر أنهم من الأصناف، تسعة عشر صنفاً أو تسعة عشر صفاً من الملائكة، ومقدار الصف لا يعلمه إلا الله ، أو من قال بأنهم تسعة عشر نقيباً، ومع كل نقيب جماعة لا يعلمها إلا الله من الملائكة، إنما هم هذا العدد الذي ذكره الله من الملائكة، ثم عقب ذلك بقوله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ أي: أنه اختار هذا العدد لحكمة يعلمها وإلا فإن جنوده من الملائكة وغيرهم لا يحصيهم إلا هو -تبارك وتعالى، وهذا الحديث يدل على هذا، وهو كثرة من يحج البيت المعمور من الملائكة، يأتيه في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثانية، فكم عدد هؤلاء الملائكة والجنود لله -تبارك وتعالى؟
وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى ذكر ابن كثير -رحمه الله- عن مجاهد أن الضمير هنا يعود إلى النار، أي: نار الآخرة التي وصفها الله أن عليها تسعة عشر وذكر خبرها، وبعض أهل العلم يقول: إن الذكرى هي نار الدنيا، أنها تذكر بنار الآخرة.
وبعض أهل العلم يقول: وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى أي: المواعظ والحجج والبينات التي ذكرها الله في هذا القرآن، وَمَا هِيَ أي: مواعظ القرآن وحجج القرآن وبراهين القرآن، هذه كلها.
وبعضهم يقول: هذا المراد به ما ذكر في السورة من خبر النار، وما ذكر الله قبل ذلك، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى هذه الآيات التي ذكرها الله قبل هذه الآية إنما هي ذكرى للبشر، وبعض أهل العلم يقول: وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى أي: آيات القرآن، وبعضهم قال: الآيات السابقة التي سبقت هذه الآية، وبعضهم يقول: أقرب مذكور وهو قوله: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ أي: أن عدد خزنة جهنم إنما هو ذكرى للبشر، ولعل أقرب هذه الأقوال -والله تعالى أعلم- وهو الملائم للسياق أن النار المحدَّث عنها التي عليها تسعة عشر أنها ذكرى للبشر، أي: أن الله يخوفهم بذلك، ويعظهم بها فيعتبرون، فيعمل كل إنسان لآخرته ويتقي هذه النار.
وإذا قلنا: إن المراد هم خزنة جهنم على قول من قال بذلك وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ قالوا: ليدلل على قدرته ، ولكن هذا فيه بُعد، والذي يدل عليه السياق هو ما ذكرت، والله تعالى أعلم.
يعني هنا في قوله: كَلا وَالْقَمَرِ هذا رد على من قال: إنه يستطيع أن يقاوِم، هؤلاء تسعة عشر كما قال بعض المشركين، فالله يرد على مثل هؤلاء، أي ليس الأمر كما يقولون.
كَلا وَالْقَمَرِ أقسم بالقمر، وأقسم بالليل، وبينهما ملازمة ظاهرة إذ إن القمر إنما يخرج ليلاً كَلا وَالْقَمَرِ فالقمر هو آية الليل، كَلا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ أقسم بالليل حالة إدباره، وذلك مظهر تتجلى فيه عظمة الله وكمال قدرته، وتصريفه لأحوال هذا العالم، فهذا لا شك أنه يدل على خالق عظيم قدير عليم يدبر شئون هذا الكون، وأقسم الله به في حال إقباله كما قال: وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [سورة الضحى:2]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [سورة الليل:1]، وأقسم بالأمرين في قوله -تبارك وتعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [سورة التكوير:17] أي: أقبل وأدبر.
وهذا مما يقوي أن المراد في قوله: وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ أنها النار، فهي ذكرى للبشر وهي إحدى الكُبر.
هذا يجمع المعاني التي قالها السلف، نَذِيرًا لِلْبَشَرِ أي: أن النار للنذارة، ذكر الله خبرها؛ لينذر البشر، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ يتقدم بالعمل الصالح فيعتق نفسه، أو يتأخر بعمله، أو عكس ذلك أي لمن شاء أن يتقدم بعمله الفاسد فيدخل النار، أو يتأخر عن النار.
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [سورة المدثر:38-56].
ما يدور بين أهل الجنة والنار من الحوار:
يقول تعالى مخبرًا أن كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أي: معتقلة بعملها يوم القيامة، قاله ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وغيره، إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فإنهم فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولائك في الدركات قائلين لهم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي: ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا.
يقول الله عن أصحاب اليمين يقول: فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ظاهره أنه يسأل بعضهم بعضاً عن المجرمين، كما في قوله -تبارك وتعالى: قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [سورة الصافات:51]، فالحاصل أنهم يتساءلون عن المجرمين، وعن مصيرهم، وما لهم لا يرونهم معهم في نعيم الجنة؟ فهذا ظاهر الآية -والله تعالى أعلم.
ولكن قوله -تبارك وتعالى- بعده: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، حمل بعض أهل العلم -بعض المفسرين- على القول بأن المراد بيتساءلون عن المجرمين أي: أنهم يسألونهم، يسألون المجرمين.
ومن أهل العلم من توسطوا في هذا فقالوا: إنهم يتساءلون عن المجرمين فإذا عرفوا خبرهم ووقفوا عليهم عند ذلك يوجهون هذا السؤال إليهم، وهذا من البلاغة في الاختصار بحذف ما يعلم، والله تعالى أعلم.
أي: يسألون المجرمين وهم في الغرفات وأولائك في الدركات قائلين لهم:
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي: ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا.
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ أي: نتكلم فيما لا نعلم، وقال قتادة: كلما غوي غاوٍ غوينا معه.
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ما الذي أدخلكم النار؟ كلمة يتساءلون على وزن يتفاعلون، والمفاعلة كثير من أهل العلم يقولون: إنما تكون بين اثنين فأكثر؛ ولهذا يقولون: من الخطأ أن تقول، ملاحظة، قل: ملحوظة، إذا أردت أن تستدرك شيئاً تقول: ملحوظة، ولا تقل: ملاحظة؛ لأن الملاحظة إنما تكون بين اثنين، تقول: مناظرة، مشاكسة، مقاتلة، مصارعة، مكالمة وما أشبه ذلك.
والذي يبدو -والله تعالى أعلم- أن هذا هو الغالب، ولكن يمكن أن يأتي في كلام العرب ما كان على هذه الزنة وليس بين اثنين ولا أكثر، وإنما يكون في كلام الواحد فيما يكون بينه وبين نفسه؛ ولهذا لا يقال: إنه من الخطأ أن تقول: ملاحظة، فلك أن تقول: ملاحظة، ولك أن تقول: ملحوظة، وله نظائر، فإذا أردنا أن نحمل هذا على هذا المعنى وتخلصنا من ذاك القيد وقلنا: إنه ليس بلازم يكون يَتَسَاءَلُونَ أي: بمعنى يسألون، عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما أدخلكم في النار؟
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ يعني: الخوض بالباطل بالقول والفعل؛ ولذلك لا منافاة بين قول من قال: نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ أي: أن نتكلم بالباطل، وبين قول: إذا غوى غاوٍ غوينا معه، فهذا كله صحيح، فهم يخوضون بالباطل بقولهم وفعلهم.
وبعض أهل العلم ينقل الإجماع على أن المراد باليقين الموت.
قال الله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ أي: من كان متصفاً بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه؛ لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلاً، فأما من وافى الله كافراً يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالداً فيها.
النكير على إعراض الكافرين وموقفهم:
ثم قال تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أي: فما لهؤلاء الكفرة الذين قِبَلك عما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أي: كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حُمُر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه.
وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما: الأسد بالعربية، ويقال له بالحبشية: قسورة، وبالفارسية: شير، وبالنبطية: أوبا.
هذه المعاني وغيرها مما يذكره السلف في معنى الآية كلها داخلة فيه -والله تعالى أعلم، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فهذا من المشترك اللفظي، والقاعدة في هذا الباب: أنه يصح حمل المشترك على جميع معانيه ما لم يوجد مانع يمنع من ذلك، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فرت مما تفر منه عادة؛ لأنها وحشية، فالمعاني التي يذكرها السلف يقولون: أصوات الناس، ويقولون: عصبة الرجال، ويقولون: النبل، ويقولون: الصياد أو الرامي، ويقولون: الأسد، كل هذه المعاني صحيحة، فهي وحشية لا تألف الناس، تفر منهم، وتبتعد عن مواطن اجتماعهم وأصواتهم، وهي تفر أيضاً من الصياد كما أنها تفر من الأسد، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أي: أنها فرت مما تفر منه عادة، من هذه الأمور جميعاً أو واحد منها.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ هذا أبلغ مما لو قال: كأنهم حمر نافرة، مستنفرة: أي كأنه ينفر بعضها بعضاً من شدة النفير، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وهذا يدل على شدة نفورها، وكأنه يحض بعضها بعضاً على ذلك، وكذا لو قيل بالفتح: مُسْتَنْفَرَةٌ -والله تعالى أعلم، وهي قراءة، يعني: مستنفَرة أنها نفرت، أو نافرة مذعورة خائفة، ومستنفِرة: ينفر بعضها بعضاً من شدة ما تجد من الخوف.
يعني يريد كل واحد منهم أن يؤتى صحفاً منشرة، أي: صحفٌ فيها براءته وهو لم يعمل ولم يؤمن، لكن المعنى الأول أولى؛ لأن الله قال في الآية الأخرى: وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ فالحاصل أن هؤلاء كل واحد منهم يريد أن ينزل عليه كتاب، فهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن.
فقوله تعالى: كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ أي: إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها، وتكذيبهم بوقوعها.
القرآن تذكرة:
ثم قال تعالى: كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ أي: حقاً إن القرآن تذكرة، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه كقوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ [سورة الإنسان:30].
وقوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي: هو أهل أن يُخاف منه، وهو أهل أن يَغفر ذنب من تاب إليه وأناب، قاله قتادة.
آخر تفسير سورة المدثر، ولله الحمد والمنة.
هذه الآيات تضمنت معانيَ كثيرة جداً مما يتعلق بالاعتقاد، والقدر، وما يتعلق بغيره، ولكن ليس المقصود من هذه الدروس الخروج عن منهج ابن كثير -رحمه الله- في التفسير، لا نريد أن نحول هذا التفسير إلى شيء آخر، وإنما المقصود أن يُعلَّق على هذا الكلام، ويجمع بين الأقوال التي يذكرها السلف قدر الإمكان، ويبين وجه القول الذي قال به ابن كثير -رحمه الله- أو غيره، بحيث إنه تتربى الملكة في التفسير، هذا هو المقصود.
- رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم (3207)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله ﷺ إلى السماوات وفرض الصلوات، برقم (162).
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (27457)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي كامل -وهو مظفَّر بن مُدرِك الخراساني- فقد روى له أبو داود في "التفرد" والنسائي، وهو ثقة، يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد الزُّهري".