بسم الله الرحمن الرحيم
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:1-10].
تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ: هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى[1].
هذه السورة من السور النازلة بمكة، والموضوع الذي تدور عليه في مجملها هو ما يتصل بالنفس من جهة تزكيتها وتدسيتها، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا وما ذكر بعده من ضرب المثل بثمود في قوله: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [سورة الشمس:11]، وما وقع منهم من عقر الناقة، فهذا نموذج ومثال لتدسية هذه النفس لقوم لم تزكُ نفوسهم بل حصل ضد ذلك من تدسيتها وإفسادها، وهذه السورة سورة الشمس يقال لها: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا تمييزًا لها من [سورة التكوير، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا فهذه السورة تدور على موضوع النفس من جهة التزكية والتردية -التدسية، والله أعلم.
الآن أقسم الله بالشمس وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا بعض العلماء تجدهم في ثنايا كلامهم في التفسير -وهذا يذكره غير واحد من المفسرين، ويبدو أن بعضهم لم يطلع على كلام بعض- يربطون هذه الأشياء المقسم بها وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا إلى آخره وما ذكره في مضامين السورة، يعني مثلاً تكذيب ثمود مع ما جاءهم من الآية الواضحة التي لا لبس فيها ولا خفاء من هذه الناقة التي كانت آية لهم، أن هذا في غاية الوضوح، ومع ذلك حصل منهم هذا الكفر والتكذيب فعقروا الناقة لا عن لبس وإنما كان ذلك مع وضوح هذا البرهان والدليل، فلم يكن تكذيبهم عن خفاء للحجة.
قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا فهنا أضاف الضحى إلى الشمس؛ لأنه يكون عند ارتفاعها، إذا ارتفعت الشمس، فالضحى مراتب فحينما ترتفع الشمس بقدر رمح فإن هذا يكون وقتًا لدخول الضحى، ولكن هذا أول الضحى، فالضحى له أول وأوسط وأعلى، الضحى الكبير هو حينما ترتفع الشمس ارتفاعًا كثيرًا ويشتد حرها، ولهذا جاء: صلاة الأوابين حين تَرمَض الفصال[2]، فتكون الأرض حارة، فأضاف الضحى إليها هنا؛ لأنه إنما يكون عند ارتفاعها.
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، هنا قول من قال: أي: وضوئها، وضحاها أي وضوئها؛ لأنها في الضحى تكون في غاية الإضاءة، فهذا كأنه تفسير على المعنى وليس من قبيل التفسير على اللفظ؛ لأن الضحى هو الوقت المعروف فحينما يفسر بهذا قال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا الضحى جزء من اليوم، جزء من النهار، فما فسره به، وإنما فسرها بالضوء، وقول قتادة أيضًا: النهار كله باعتبار أن هؤلاء نظروا إلى أنه في حال الضحى يكون النهار جليًّا في غاية الإضاءة، فكأنهم نظروا إلى أنه عبر به للدلالة على معنى أوسع وهو النهار، ولكنه عُبر عن النهار بأجلى حالاته وهو الضحى، والله -تبارك وتعالى- أقسم بالضحى، والضحى هو الوقت المعروف، وإن كان بعضهم يفسره بالنهار كله، ولكن تفسيره بذلك على المعنى أيضًا وليس على اللفظ.
فهنا وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا إذا فسرناه على اللفظ يكون للوقت -للجزء- المعروف من النهار، وهذا هو المتبادر، وابن جرير يرجح أن يكون ذلك بمعنى النهار، يعني يرجح قول قتادة، وذكر العلة قال: لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار، يعني عبر عن النهار بأجلى حالاته، وهو حينما ترتفع الشمس، والنهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، ولكنه في طرفيه يكون النهار ضعيفًا، أو ضوء الشمس يكون ضعيفًا، بخلاف الضحى.
إذا تأملت في هذه الأقوال تجد أن بعضها محمول على عود الضمير الهاء إلى الشمس، وأن بعضها محمله على عود الضمير على النهار، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا إذا فُسر هذا بالنهار وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا فهنا قال: وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا قال مجاهد: تبعها، تبع ماذا؟
هذا يرجع إلى الشمس يعني تبع الشمس، وابن عباس من طريق العوفي قال: يتلو النهار وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا القمر يتلو النهار، والقمر هو آية الليل فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [سورة الإسراء:12]، فالشمس آية النهار، والقمر آية الليل، تلاها أي: تلا النهار، وقول قتادة مقيد وهو على أن الضمير يرجع إلى الشمس لكن ليس ذلك بإطلاق، يعني أن القمر يكون بالليل، يكون بعد غروب الشمس مثلاً، وإنما قال: إذا تلاها ليلة الهلال، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال.
هنا هذا تفسير محمله على اللفظ لكن في أدق وأخص معانيه، يعني هنا فسرت على اللفظ لكن بمعانٍ متفاوتة، فهنا هذا أدق معانيه، متى يكون القمر يتلو الشمس مباشرة؟
هو لاحَظَ لفظة "تلاها" هذا في الليلة الأولى من الشهر يسقط قرص الشمس فيبدو الهلال، هذا لا يكون في وسط الشهر، ولا يكون بعد ولادة الهلال بأيام، ولا يكون ذلك في آخر الشهر بحال من الأحوال كما هو معروف، فهنا هذا لاحظ لفظة "تلاها"، متى يتلوها مباشرة؟ في أول ليلة يسقط قرص الشمس مباشرة يُرى الهلال في وقت يسير بعد غروب الشمس كما هو معلوم حينما يتراءاه الناس في أول ليلة.
لاحظ الآن هذا المعنى، ابن جرير لاحظ تفسيره على اللفظ لكنه وسعه قليلاً، يعني ما قيده بأول ليلة، وإنما قيده في النصف الأول من الشهر، النصف الأول من الشهر إذا غابت الشمس يتلوها الهلال وفي كل يوم يكون طلوعه متفاوتًا عن اليوم الذي قبله، بهذا يقول ابن زيد من السلف.
النصف الثاني العكس يكون القمر أمامها فهنا حينما لاحظ هؤلاء اللفظ، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا لما لاحظوا اللفظ نظروا إلى أن القمر يتلو الشمس إما مباشرة كقول من قيد ذلك في أول ليلة، أو في النصف الأول من الشهر، بمعنى أنه بعد غيابها هنا يكون طلوع القمر، والذين نظروا إلى المعنى حملوه على ما هو أوسع من ذلك، بمعنى أن القمر يكون طلوعه ليلاً، والله أعلم.
هذا الذي اختاره أيضًا ابن جرير -رحمه الله، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا يعني أضاء، وبعضهم يقول: أظهر الشمسَ وضوءَها، "جلاها" يعني الضمير يعود إلى الشمس، وبعضهم يقول: الضمير في "جلاها" يعود إلى الظلمة، جلّى الظلمة، والذين قالوا: يعود إلى الشمس نظروا إلى اتحاد مرجع الضمائر قالوا: هو أولى من تفريقها، يعني وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا الضمير يرجع إلى الشمس، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا تلا الشمس، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا جلّى الشمس، النهار يُجلي الشمسَ وضوءَها، أو يجلي الظلمة فيكون ذلك من عود الضمير إلى غير مذكور يفهم من السياق، وهذا لا إشكال فيه، ومن أوضح الأمثلة على ذلك إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [سورة القدر:1] يعني القرآن ولم يكن له ذكر قبل هذا.
وهذا الذي اختاره ابن جرير، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا لاحظ الآن كل الضمائر على هذا ترجع إلى الشمس، الليل يغشى الشمس، وبعضهم يقول: يرجع إلى الآفاق فيكون رجوعه إلى غير مذكور لكنه يفهم من السياق، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا، يعني يغشى الآفاق، وبعضهم يقول: يرجع إلى الأرض، وهو أيضًا يكون الضمير فيه قد عاد إلى غير مذكور لكن يفهم من السياق، يغشى الأرض يعني يغطيها بظلامه.
الآن قال: وَالسَّمَاء أقسم بالسماء السقف والبناء المحفوظ، وَمَا بَنَاهَا فإذا قلنا: إن "ما" بمعنى "مَن" كما ذكرت في الأمس أن "ما" تستعمل لغير موصوف بالعلم، يقولون: لغير العاقل، وأن "مَن" لمن يوصف بالعلم يعني يقولون: للعاقل، فهنا "والسماء وما بناها" على هذا المعنى أن "ما" بمعنى "مَن" فيكون القسم بالبناء والباني، المصنوع والصانع، فالسماء آية عظيمة دالة على قدرة الله حيث رفعها بلا عمد، وجعلها بناء وسقفًا محفوظًا محكمًا لا يتشقق ولا يتصدع مع مضي الدهور والأزمان الطويلة، ولا يسقط، وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا فأقسم بها وأقسم بنفسه يعني ومَن بناها على هذا المعنى، هذا الذي قاله مجاهد، وهو الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.
والمعنى الآخر على أن "ما" مصدرية يكون هكذا: وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا أقسم بالسماء وببنائها، وهذا الذي اختاره بعض أصحاب المعاني كالفراء والزجاج، وابن كثير يقول: وكلاهما متلازم، كيف يكون متلازمًا؟ أقسم بالسماء قال: ومَن بناها، فإذا قلنا: ومَن بناها فإن الإقسام بالسماء هو إقسام ببنائها، فبين القولين ملازمة، والآية إذا احتملت معنيين فأكثر وبينهما ملازمة ولم يقم مانع يمنع من حملها على هذه المعاني فإنها تحمل عليها، فإذا أقسم الله بالسماء فإن ذلك إقسام ببنائها ومن بناها، "وما بناها" يعني ومن بناها، وإذا فسر بالبناء أن "ما" مصدرية فيكون الإقسام بالسماء وببنائها وهكذا.
لاحظ هنا "والأرض وما طحاها" يقال فيها كما سبق في "والسماء وما بناها"، يعني أقسم بالأرض وما طحاها والأرض ومن طحاها، أو تكون "ما" مصدرية، قال مجاهد: طحاها دحاها تفسير الطحو بالدحو.
وهذا الذي عليه عامة أهل العلم، هذا قول الجمهور، بسطها، وقد مضى في بعض المناسبات السابقة أن طحا بمعنى بسط، وابن القيم -رحمه الله- يفسر الطحو بمد الأرض وبسطها وتوسيعها؛ ليستقر عليها الناس والحيوانات، ويمكن البناء عليها والغرس والحرث والزرع، طحاها: بسطها.
وهذا الذي اختاره ابن جرير في تفسيرها بالبسط، الطحو البسط، وإذا فُسر ذلك بالبسط فيكون بمعنى الدحو؛ لأنه سبق تفسير ذلك بالبسط، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [سورة النازعات:30] أي: بسطها وهو أحد المعاني المشهورة في تفسيره.
الآن في قوله: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، كما سبق أقسم بالنفس ومن سواها، أو تكون "ما" مصدرية يعني أقسم بالنفس وتسويتها، وتسوية النفس ما المراد بها؟
قال هنا: أي: خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، فهذه التسوية تنتظم التسوية في الباطن على الفطرة، كما تنتظم -والله تعالى أعلم- التسوية في الظاهر، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ولكن لو قيل: إن ذلك يحمل على التسوية في الباطن لكان لذلك قرينة تدل عليه وترجحه، وهو أولاً: أنه ذكر النفس، والثاني: أنه ذكر بعده فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا فالكلام في النفس والنفس غير الجسد.
هنا قال: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا خلقها سوية مستقيمة على الفطرة مع أن بعضهم كما سبق حمله على هذا وهذا كقول من قال: خلقها وأنشأها وسوى أعضاءها، باعتبار أنه قد تطلق النفس ويراد بها الإنسان، أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ [سورة المائدة:32]، والله أعلم.
وقوله: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بيّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها.
قال ابن عباس: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا بين لها الخير والشر، وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والثوري .
وهذا اختيار ابن جرير، فيكون هنا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا بين لها طريق الخير وطريق الشر كما قال: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [سورة البلد:10] هذا اختيار ابن جرير.
هذه العبارة مجملة يحتمل أن يكون المراد بها علمها وبين لها، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أخص من هذا، قال ابن زيد: جعل فيها فجورها وتقواها، هذا كله كأنه تفسير على المعنى، جعل فيها بمعنى أنه إذا بين له طريق الخير وطريق الشر يكون قد جعل ذلك فيه -والله أعلم، والإلهام يقولون: إنه يعبر به عن حدوث علم في النفس من غير اكتساب، يعني حدوث علم في النفس من غير تعليم ولا تجربة ولا تفكير، فهو حاصل بغير دليل، ألهمها فجورها وتقواها فهذا بمعنى قول من قال: جعل ذلك فيها ونحو هذا.
وقال ابن زيد: جعل فيها فجورها وتقواها.
وروى ابن جرير عن أبي الأسود الديلي قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه، أشيء قُضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ﷺ وأُكدت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قُضي عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً، قال: قلت له: ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، قال: سددك الله، إنما سألت لأخبُر عقلك، إن رجلا من مُزينة -أو جهينة- أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ﷺ، وأكدت به عليهم الحجة؟ قال: بل شيء قد قضي عليهم، قال: ففيم نعمل؟ قال: من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يُهيئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا[5] رواه أحمد ومسلم.
ظاهر هذا الحديث أن الإلهام هنا ليس بمجرد الإرشاد والبيان، بل ما هو أخص من هذا، وذلك بما يجبل أو يخلق عليه العبد من الهدى والضلال، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا فالله -تبارك وتعالى- يوفق قومًا للهدى فيكونون مهتدين، ويخذل آخرين فيكونون ضالين، والقرينة الدالة على هذا أيضًا من الآيات لاحظ هنا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ من دَسَّاهَا.
سيأتي في الكلام على عود الضمير أن من أهل العلم من يقول: إنه يعود إلى الله زكاها الله، زكى نفسه، وقول من قال وهو الأشهر الذي عليه الجمهور: زكاها أي: زكى نفسه، فعلى هذا القول يكون الجزء الأول فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا يكون في الهدى والضلال الذي هو بمعنى التوفيق والحرمان، فهذا فعل الرب -تبارك وتعالى- عن علم وحكمة.
والجزء الثاني قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا على المعنى الذي ذكرنا المعنى الآخر أن الضمير يرجع إلى صاحبها إلى الإنسان قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا يكون ذلك في إثبات الاختيار والمشيئة للعبد، وأن ذلك لا يخرج عن مشيئة الله ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ [سورة التكوير:29] فمشيئة العبد لا تخرج عن مشيئة الله -تبارك وتعالى، فالعبد له مشيئة واختيار وفعل، والرب -تبارك وتعالى- له مشيئة واختيار، ومشيئة العبد لا تخرج عن مشيئة الرب، فالحديث يدل على هذا المعنى فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، والله أعلم.
- رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، برقم (705)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم (465).
- رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، برقم (748).
- رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، برقم (1358)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، برقم (2658).
- رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، برقم (2865).
- رواه مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم (2650)، وأحمد في المسند، برقم (10088).