بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللمسلمين، أما بعد:
فيقول ابن كثير -رحمه الله- عند قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [سورة الشمس:9، 10]: يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله -كما قال قتادة- وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل، ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير.
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: دسَّسها، أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله .
وقد يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وروى الطبراني عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ إذا مر بهذه الآية: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا وقف، ثم قال: اللهم آتِ نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها[1].
روى الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله ﷺ يقول: اللهم، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم، والجُبن والبخل وعذاب القبر، اللهم، آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع، ومن نَفْس لا تشبع، وعِلْم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها، قال زيد: كان رسول الله ﷺ يعلمُناهنّ ونحن نعلمكموهنّ[2]، رواه مسلم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا هذا هو جواب القسم، فهذه الأقسام المتتابعة التي تبلغ سبعة أو ثمانية هذا جوابها، فأقسم الله -تبارك وتعالى- بـوَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا [سورة الشمس:1-5] -وهذان اثنان، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [سورة الشمس:6، 7] كم صارت؟ أحد عشر قَسَمًا على قضية واحدة وهي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا، وإن شئت أن تجعلهما قضيتين، فهذا لا يخفى ما فيه من أهمية تزكية النفس، ولا شك في هذا؛ لأنه يتوقف عليه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.
فتزكية النفس أول ما يكون ذلك بالإيمان بالله -تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك بطاعته وتقواه بامتثال أوامره، ثم باجتناب نواهيه، وأعظم هذه النواهي الإشراك، فتزكية النفس هو الأمر الذي يترتب عليه الفلاح، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا و"قد" تفيد التحقيق، فهذا هو جواب القسم، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، والفلاح هو تحصيل المطلوب والنجاة من المرهوب، فهنا ذكر احتمالين في المعنى:
الأول: أن يكون قوله: زَكَّاهَا أي: مَن زكى نفسه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا زكى نفسه بالإيمان وطاعة الله ، واجتناب مساخطه من الإشراك فما دونه فهذا معنى، قال: ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن القيم -رحمه الله.
المعنى الثاني: في التدسية أيضًا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: دسّى نفسه على المعنى الأول بأن ذلك يعود إلى صاحب النفس، "دساها"، قال: دسّسها أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله فهذا معنى التدسية وأصله في كلام العرب من التدسيس إخفاء الشيء في الشيء، ولا زالت هذه اللفظة مستعملة إلى اليوم في هذا المعنى، تقول: دسّ كذا، يعني أخفاه، يَدُسُّه يخفيه.
فهذا الذي قد أخمل نفسه بمعصية الله -تبارك وتعالى- يكون قد دساها يعني أخملها من التدسية كأنه هبط بها وانسفل، فالتزكية فيها المعنيان المعروفان النماء والتطهير ولهذا قال هنا: زكى نفسه أي: بطاعة الله وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل وهذه هي حقيقة التربية إذ إنها تعنى تكميل النفس بالكمالات، ومن الإيمان والعمل الصالح، فهذا ما تبنى به النفوس وهو المقصود بالقصد الأول.
والشق الثاني: هو تطهير النفس من الشرك والرذائل والمعاصي وهذا مقصود لغيره من باب التخلية، فإن المحل لا يكون قابلاً ولا يحصل النماء حتى يكون خاليًا نقيًّا من الرذائل والمدنسات، وذلك كالأرض لا تكون صالحة للزرع حتى تكون التخلية -حتى تقع التخلية- قبل ذلك من النباتات الطفيلية وما إلى ذلك، فيكون المحل صالحًا للبذر والزرع والغرس، فهذه هي التزكية من الزكاء وهو النماء، زكَا بمعنى نمَا تقول: زكَا الزرعُ، بمعنى نما، وكذلك أيضًا هي تعني التطهير، فهذه المادة تتضمن هذين المعنيين.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا من زكّى نفسه هذا المعنى الأول، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: دسّى نفسه هبط بها؛ لأن المعاصي تهبط بالنفس وبصاحبها، والطاعات ترتفع بها؛ ولهذا كانت العزة لأهل الإيمان، وبقدر ما يكون عندهم من الإيمان والطاعة، والتقوى تكون لهم العزة، والعلماء كابن قتيبة وغيره يتكلمون على تدسية النفس، واستعمالات هذه المادة، ويذكرون في ذلك أن الطاعة ترفع النفس، وأعمال البر والخير، ولهذا يقولون: تجد الأجواد والكرام يسكنون أعالي الأرض علّ أحدًا أن يأتيهم من عابر سبيل ونحوه، وأما أهل اللؤم يقول: فيسكنون في المهابط في الأماكن المتدنية الهابطة النازلة من أجل أن لا يراهم أحد، فلا يرِد عليهم ضيف ولا عابر سبيل، فهذا الذي عمل بطاعة الله كأنه قد ارتفع بل هو قد ارتفع وسما بنفسه، حلق عاليًا، وذاك الذي أتبع نفسه هواه يكون قد انسفل وهبط فهو يحوم حول الجيف، ويتنقل في الوهاد، ولا يكاد يسمو ويرتفع بفضيلة.
ثم ذكر المعنى الثاني: قال: وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا زكاها الله يعني زكى نفسه، وقد خاب من دسّى الله نفسه، وهذا قال به طائفة أيضًا من السلف، وهو مروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومقاتل والكلبي، وهو اختيار ابن جرير، هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير بقوله: وقد يحتمل.. اختاره ابن جرير باعتبار أن التزكية إنما تكون بفعل الله -تبارك وتعالى- وهدايته وتوفيقه، بهذا الاعتبار.
يقولون: فالله -تبارك وتعالى- يقول: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [سورة النجم:32] فنهى عن تزكية النفس، لكن المنهي عنه تزكية النفس بالنسبة وليس بالفعل، فإن التزكية تقال لهذا وهذا، فالمنهي عنه هو ما يكون من قبيل النسبة يعني لا ينسب نفسه إلى الزكاء يزكيها، وكذلك أيضًا لا يزكي بعضهم بعضًا؛ ولهذا إذا كان ولابدّ فيقول: أحسبه، والله حسيبه، ولهذا نهينا أن يقال: فلان شهيد، كما جاء عن عمر : تقولون لقتلاكم: فلان شهيد، فلان شهيد، الله أعلم بمن يقاتل في سبيله.
ولهذا لا نستطيع أن نحكم لأحد بأنه في الجنة مثلاً إلا لمن شهد الله له ورسوله ﷺ، كل هذا يدخل في باب التزكية بالنسبة، يعني ينسبه إلى الزكاء، أمّا ما يتعلق بالفعل كون الإنسان يعمل على طاعة الله وعلى تزكية نفسه وعلى إصلاحها وتهذيبها وتشذيبها وتقويمها وترويضها على الطاعة فهذا العمل هو تزكية، فهذا هو المطلوب الذي لا يتأتى إلا بالمجاهدة، فهذا واجب على كل مكلف، فالمنهي عنه بقوله: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هو ما كان من قبيل النسبة لا من قبيل الفعل.
فالحاصل أن أصحاب القول الثاني يقولون: إن التزكية إنما تكون من الله، فالله هو الذي يهب ذلك، ويتفضل به على من شاء من عباده، ولو نظرنا في المعنيين قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا فهذا الذي يعمل بطاعة ربه -تبارك وتعالى- ويجاهدها على ذلك، ويكفها ويزجرها عما حرم الله لا يتحقق له مطلوبه إلا بتوفيق الله -تبارك وتعالى، فالمعنيان يلتئمان بهذا الاعتبار.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا حملها على طاعة الله -تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يحصل له ذلك إلا بتوفيق الله، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، ومن ثمّ يمكن أن يجتمع المعنيان، والله أعلم.
وهذا الحديث الذي ذكره عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه كان إذا مر بهذه الآية: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، قال: اللهم آتِ نفسي تقواها، هذا في سنده ابن لهيعة، وهنا يمكن أن يَحتج بمثله من يقول: إن ذلك يرجع إلى الله -تبارك وتعالى، يعني هنا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا فيقول: اللهم آتِ نفسي تقواها، إذًا الذي يزكيها هو ربها -تبارك وتعالى.
كذلك الحديث الآخر في قول النبي ﷺ: اللهم آتِ نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، فهذا يحتج به أيضًا من يقول بالمعنى الثاني كابن جرير أن الذي يزكي النفوس هو الله؛ ولهذا يُسأل ذلك، اللهم آتِ نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، إذًا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا أي: من زكى الله نفسه بهذا الاعتبار، لكن إذا جمعنا بين المعنيين قلنا: إن ذلك يكون بفعل العبد الذي أُمر به، ولكن الوصول إلى المطلوب لا يكون إلا بتوفيق الرب .
وللإمام ابن القيم -رحمه الله- كلام نفيس في الجمع بين المعاني والتفنن في إبراز المعنى، والتعامل مع أقوال المفسرين، فمن الضروري أن تُقرأ بعض المقاطع، لا يكفي أن نقول: اختار ابن القيم هذا، أو احتج له بكذا، اسمعوا كلامه فيكون عندنا قدرة على التعامل مع أقوال المفسرين من السلف فمن بعدهم.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى: "وكذلك النفس أقسم بها وبمن سواها وألهمها فجورها وتقواها فإن من الناس من يقول: قديمة لا مبدع لها، ومنهم من يقول: بل هي التي تبدع فجورها وتقواها، فذكر سبحانه أنه هو الذي سواها وأبدعها وأنه هو الذي ألهمها الفجور والتقوى، فأعلمنا أنه خالق نفوسنا وأعمالها، وذكر لفظ التسوية كما ذكره في قوله: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [سورة الانفطار:6، 7].
وفي قوله: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [سورة الحجر:29]، و [سورة ص:72] إيذاناً بدخول البدن في لفظ النفس كقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [سورة الأعراف:189]، وقوله: فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ [سورة النور:61]، وقوله: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم [سورة النساء:29]، وقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [سورة النور:12] ونظائره، وباجتماع الروح مع البدن تصير النفس فاجرة أو تقية وإلا فالروح بدون البدن لا فجور لها.
وقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا الضمير مرفوع في "زكاها" عائد على "مَن"، وكذلك هو في "دساها" المعنى قد أفلح من زكى نفسه وقد خاب من دساها هذا القول هو الصحيح، وهو نظير قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى [سورة الأعلى:14] وهو سبحانه إذا ذكر الفلاح علقه بفعل المفلح"[3].
احتجاج أصحاب القول الأول: زكى نفسه.
وقال -رحمه الله: "كقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [سورة المؤمنون:1، 2] إلى آخر الآيات"[4].
يعني في مقام الثناء إنما هو فعل العبد بمجاهدته وعمله بطاعة الله.
وقال -رحمه الله: "قال الحسن -رحمه الله: قد أفلح من زكى نفسه وحملها على طاعة الله، وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله، وقاله قتادة، وقال ابن قتيبة: يريد أفلح من زكّى نفسه أي: نمّاها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: نقصها وأخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي، والفاجر أبدًا خفيُّ المكان زَمِنُ المروءة غامض الشخص ناكس الرأس، فكأن المتصف بارتكاب الفواحش دس نفسه وقمعها، ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبى، و يفاع الأرض لتشهر أنفسها للمعتفين، وتوقد النيران في الليل للطارقين، وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام لتُخفى أماكنها على الطالبين، فأولئك أعلوا أنفسهم وزكوها، وأولئك أخفوا أنفسهم ودسوها، وأنشد:
وبَوّأتَ بيتَكَ في مَعْلَمٍ | رحيبِ المَباءةِ والمَسرحِ |
كَفيتَ العُفاةَ طِلاب القِرى | ونبحَ الكلابِ لمُستنبحِ |
وقال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي عن قوله: وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا فقال: دسّى معناه دس نفسه مع الصالحين وليس منهم، وعلى هذا فالمعنى أخفى نفسه في الصالحين يُرِى الناس أنه منهم وهو منطوٍ على غير ما ينطوي عليه الصالحون.
وقال طائفة أخرى: الضمير يرجع إلى الله سبحانه، قال ابن عباس في رواية عطاء: قد أفلحت نفسٌ زكاها الله وأصلحها، وهذا قول مجاهد وعكرمة والكلبي وسعيد بن جبير ومقاتل، قالوا: سعدت نفسٌ وأفلحت نفسٌ أصلحها الله وطهرها ووفقها للطاعة حتى عملت بها، وخابت وخسرت نفس أضلها الله وأغواها وأبطلها وأهلكها، قال أرباب هذا القول: قد أقسم الله بهذه الأشياء التي ذكرها لأنها تدل على وحدانيته وعلى فلاح مَن طهّره وخسارة من خذله حتى لا يظن أحد أنه هو الذي يتولى تطهير نفسه، وإهلاكها بالمعصية من غير قدر سابق وقضاء متقدم.
قالوا: وهذا أبلغ في التوحيد الذي سيقت له هذه السورة، قالوا: ويدل عليه قوله: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قالوا: ويشهد له حديث نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: انتبهت نفسي ليلة فوجدت رسول الله ﷺ وهو يقول: ربِّ أعطِ نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها[5].
قالوا: فهذا الدعاء هو تأويل الآية، بدليل الحديث الآخر أن النبي ﷺ كان إذا قرأ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَاوقف ثم قال: اللهم آتِ نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وزكها أنت خير من زكاها، قالوا: وفي هذا ما يبين أن الأمر كله له سبحانه فإنه هو خالق النفس وملهمها الفجور والتقوى، وهو مزكيها ومدسيها، فليس للعبد في الأمر شيء، ولا هو مالك من أمر نفسه شيئًا.
قال أرباب القول الأول: هذا القول وإن كان جائزًا في العربية حاملًا للضمير المنصوب على معنى "مَن"، وإن كان لفظها مذكرا كما في قوله: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ [سورة يونس:42] جمعَ الضمير وإن كان لفظ "مَن" مفردًا حملا على نظمها، فهذا إنما يحسن حيث لا يقع لبس في مفسر الضمائر، وهاهنا قد تقدم لفظ "مَن"، والضمير المرفوع في زَكَّاهَا يستحقه لفظًا ومعنى فهو أولى به، ثم يعود الضمير المنصوب على النفس التي هي أولى به لفظًا ومعنى، فهذا هو النظم الطبيعي الذي يقتضيه سياق الكلام ووضعه.
وأما عود الضمير الذي يلي "مَن" على الموصول السابق وهو قوله: وَمَا سَوَّاهَا وإخلاء جاره الملاصق له وهو "مَن" ثم عود الضمير المنصوب وهو مؤنث على "مَن" ولفظه مذكر دون النفس المؤنثة فهذا يجوز لو لم يكن للكلام محمل غيره أحسن منه، فأما إذا كان سياق الكلام ونظمه يقتضي خلافه، ولم تدعُ الضرورة إليه فالحمل عليه ممتنع، قالوا: والقول الذي ذكرناه أرجح من جهة المعنى لوجوه:
أحدها: أن فيه إشارة إلى ما تقدم من تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره كما هي طريقة القرآن.
الثاني: أن فيه زيادة فائدة وهي إثبات فعل العبد وكسبه وما يثاب وما يعاقب عليه، وفي قوله: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا إثبات القضاء والقدر السابق، فتضمنت الآيتان هذين الأصلين العظيمين وهما كثيراً ما يقترنان في القرآن كقوله: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [سورة المدثر:54-56]، وقوله: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [سورة التكوير:28، 29] فتضمنت الآيتان الرد على القدرية والجبرية.
الثالث: أن قولنا يستلزم قولكم دون العكس فإن العبد إذا زكّى نفسه ودساها فإنما يزكيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنما يدسيها بعد تدسية الله لها بخذلانه، والتخلية بينه وبين نفسه، بخلاف ما إذا كان المعنى على القدر السابق المحض لم يبق للكسب وفعل العبد ههنا ذكر ألبته"[6].
فالوجوه والاستدلال لكل قول ومناقشة هذه الأقوال، وما خرج به من أن القول بأن ذلك يرجع إلى فعل العبد أنه يستلزم القول الآخر ويقتضيه، فإنه لا يتوصل إلى هذا إلا بتوفيق الله ، هذه المناقشة وهذا العرض والاستدلال لكل قول لا تجد مثل هذا في شيء من كتب التفسير أبدًا، ولا تجد قريبًا منه.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [سورة الشمش:11-15].
يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي.
قال مجاهد وقتادة وغيرهما: فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم -عليه الصلاة والسلام- من الهدى واليقين.
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا أي: أشقى القبيلة، هو قُدَار بن سالف عاقرُ الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وكان هذا الرجل عزيزًا فيهم، شريفًا في قومه، نسيبًا رئيسًا مطاعًا، كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن زَمْعَةَ قال: "خطب رسول الله ﷺ، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَاانبعث لها رجل عارِم عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة"[7].
ورواه البخاري في التفسير، ومسلم في صفة النار، والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما.
هنا الله لما علق الفلاح على تزكية النفوس وتطهيرها، وأن الخيبة تكون بتدسيتها، ذكر نموذجًا ومثالاً على من لم يوفق ودسّى نفسه وهم ثمود، فهؤلاء كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله: إن جرمهم بالنسبة لغيرهم ممن ذكر الله ممن وقع لهم العذاب المستأصل مثل فرعون الذي ادعى الإلهية والربوبية، وكذلك قوم عاد الذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [سورة فصلت:15]، وكذلك قوم لوط حيث أشركوا بالله -تبارك وتعالى- وفعلوا هذه الفاحشة التي لم يسبقوا إليها، وقوم شعيب الذين أشركوا، وكانوا يطففون المكاييل والموازين، ويقعدون للناس يقطعون الطريق وما إلى ذلك، فثمود كان جرمهم وهو عقر الناقة أخف من جرم أولئك، فذكرهم الله مثلاً لتدسية النفوس، وغيرهم من أولئك الذين وقع بهم العذاب المستأصل من باب أولى أنهم دسوا نفوسهم.
وقوله -تبارك وتعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا هنا فسره الحافظ ابن كثير: أنهم كذبوا بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي وعزا ذلك إلى مجاهد وقتادة وغيرهما، وهذا هو المشهور من أقوال المفسرين أن ذلك بسبب طغيانهم وتجاوزهم الحد وبغيهم.
وابن جرير -رحمه الله- ذكر معنى آخر ورجحه على هذا المعنى: أن قوله: بِطَغْوَاهَا أي: بعذابها العذاب الذي خوفهم منه نبيهم ﷺ قال: وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة الأعراف:73] فهنا كذبوا بهذا العذاب فعقروا الناقة، وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [سورة الأعراف:77] فهم استخفوا بذلك ولم يصدقوا به، فابن جرير يفسر قوله: بِطَغْوَاهَا يعني بعذابها الذي وعدهم به نبيهم صالح -عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك العذاب طاغيًا عليهم كما قال الله -تبارك وتعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [سورة الحاقة:5].
فابن جرير يفسر الآية بهذا.، والمشهور هو الأول، وكأنه -والله أعلم- هو الأقرب، كذبت بطغواها، فتكون الباء للسببية يعني بسبب طغيانهم وبغيهم، يقول: فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم -عليه الصلاة والسلام- من الهدى واليقين.
إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا العامل في الظرف "إذ" هو "كذبت" كذبت إذ انبعث يعني تكذيبهم مفسر بهذا إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا، أو "بطغواها" كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انبَعَثَ ببغيهم وطغيانهم إذ انبعث، فيكون الظرف هنا متعلقًا بقوله: بِطَغْوَاهَا، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ما هذا الطغيان الذي حصل؟ انبعث أشقى القوم أشقى القبيلة وهو عاقر الناقة "قُدَار بن سالف" وهو أحيمر ثمود، رجل أحيمر يعني في صفته، في هيئته، في شكله، فيه حُمرة، فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29] يقول: وكان هذا الرجل عزيزًا، والنبي ﷺ شبهه من هذه الحيثية أنه في قومه بهذه المنزلة بأبي زمعة وهو الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأهل التواريخ وفي بعض كتب التفسير يذكرون تفاصيل وأشياء مرجعها إلى الإسرائيليات كيف وقع ذلك، ومن الذي اشترك معه، وما سببه.
هنا قوله: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا يعني هذا على النصب على سبيل التحذير، فهذا كما يقول الفراء: كل تحذير فهو نصب، يعني النصب أحيانًا يكون على الإغراء، وأحيانًا يكون على سبيل التحذير، وبعضهم كالزجاج يقول: إنها منصوبة على معنى ذروا، يعني فيه مقدر محذوف ذروا ناقةَ الله، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ فنصب على التحذير، احذروا ناقة الله، هذا هو التقدير، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.
يعني كما قال ابن كثير، وكما ترون في طول هذا التفسير وعرضه نذكر أقوال ابن جرير، ونجد أن أقواله مع أقوال ابن كثير تارة تتفق وتارة تختلف، وأن المواضع التي يختلف فيها ابن جرير مع ابن كثير ليست قليلة، فما قد يتوهمه بعض طلبة العلم من أن ابن جرير وابن كثير أن أقوالهم وأن هذه الكتب أو أن ذلك من مدرسة واحدة، فإن قُصد به أنه يرجع إلى التفسير بالمأثور فهذا لا إشكال فيه.
أما أن يظن أن أقوالهم متوافقة فهذا غير صحيح، وأبعد من هذا كله قول من يظن أو يتوهم أن تفسير ابن كثير هو تهذيب أو اختصار لابن جرير، هذا لا أصل له إطلاقًا، هذا كتاب، وهذا كتاب، وليس هذا الكتاب مقتبسًا من تفسير ابن جرير بحال من الأحوال، لكنه استفاد من تفسير ابن جرير ومن غيره، كنت أبحث عن طبعة الشيخ أحمد شاكر تحقيق محمود شاكر -رحم الله الجميع- قديماً في حدود سنة 1402هـ، وأذهب إلى المكاتب هنا وهناك فرآني شخص وقال: ماذا تريد بتفسير ابن جرير؟! تفسير ابن كثير يكفيك، ابن كثير تهذيب لابن جرير، فلا زلت أعجب من هذه الكلمة إلى اليوم، ابن كثير تهذيب لابن جرير! هذا غير صحيح.
هنا قوله: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا يحذرهم من الاعتداء على هذه الناقة أن يمسوها بسوء، وكذلك أيضًا من سقياها؛ لأنها تشرب في يوم ويشربون في يوم، وهنا قال: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا كذبوه فيما جاءهم به، عبارة ابن جرير: كذبوه في خبره من أن الله جعل لها شربًا في يوم، ولهم شربًا في يوم، وأن الله يحل بهم عقوبته إذا عقروها، كذبوه، وهذا التكذيب يشمل ذلك جميعًا كذبوه فعقروها، كذبوه أنها آية، كذبوه فيما أخبرهم به وما حذرهم منه من نزول العقاب بهم إذا تعرضوا لها بسوء، كذبوه من أن ذلك كان بأمر الله -تبارك وتعالى- لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [سورة الشعراء:155].
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ أي: غضب عليهم، فدمر عليهم، فَسَوَّاهَا أي: فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.
قال قتادة: بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها.
هنا الدمدمة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ قال: أي غضب عليهم فدمر عليهم فالدمدمة تعني التدمير، وهذا الذي قاله ابن جرير -رحمه الله.
وقوله: فَسَوَّاهَا يعني فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء، يعني استووا في ذلك، جاءهم العذاب العام المستأصل، هنا قال: إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا وهو أحيمر ثمود، الذي عقرها واحد "فتعاطى فعقر" فكيف وقع العذاب على الجميع؟
الجواب: لأنهم تواطئوا على ذلك ورضوا به، فصاروا بمنزلة العاقر لها، ولهذا نسب ذلك الفعل إليهم جميعًا، فَعَقَرُوهَا مع أن الذي عقرها واحد، ولكن لمّا توافق هؤلاء على هذا العدوان والشر والإجرام كان العذاب واقعًا بالجميع، فجعل العقوبة نازلة عليهم، وهكذا القوم إذا رضوا بالمنكر وإن لم يصدر من جميعهم فإن العقوبة تنزل بالجميع، بل إذا سكتوا عنه، ولم يأخذوا على يد الظالم وهم يستطيعون ذلك فإن العذاب ينزل على الجميع، فهنا قوله: فَسَوَّاهَا يعني أن العقوبة نزلت على السواء فعمت القوم جميعًا.
وقوله تعالى: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا وقرئ: فلا يخاف عقباها.
قال ابن عباس: لا يخاف الله من أحد تبعةً، وكذا قال مجاهد، والحسن، وبكر بن عبد الله المزني، وغيرهم.
آخر تفسير وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا.
"ولا يخاف عقباها" هذا هو المشهور الذي نقله عن هؤلاء السلف ، أي: أن الله -تبارك وتعالى- لما فعل بهم ما فعل من العقوبة فإنه لا يخاف عقباها، عقبى ذلك يعني عاقبته، وذلك بخلاف البشر الضعفاء فإنهم قد يُعاقِبون ثم بعد ذلك يتخوفون الغوائل بسبب عقوبتهم، فالقاضي قد يحكم أو الأمير قد ينفذ أو يعاقب أو الجيش قد يغزو قومًا أو نحو ذلك، ولكنه يبقى على حال من التخوف في جرائر هذا الفعل وما يعقبه وما ينتج عنه من الآثار والعواقب السيئة التي قد ترجع إليه، فيبقى في حال من الترقب والتخوف.
أما الله -تبارك وتعالى- فهو العظيم الأعظم، فلمّا فعل بهم ما فعل وعاقبهم بهذه العقوبة فإنه -تبارك وتعالى- لا يتخوف من جراء ذلك أحدًا من خلقه، فهو رب الخلق ونواصيهم بيده، وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا مع أن بعضهم قال: إن ذلك يرجع إلى العاقر، هذا الذي تعاطى فعقر لم يخف عاقبة فعله من العقر بنزول العذاب الذي خوفهم نبيهم -عليه الصلاة والسلام- منه، ولكن الأول أرجح، والله -تبارك وتعالى- ذكر فعله بهم فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا فهذا الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الرب .
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى: قوله تعالى: وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا فنفى عن نفسه خوف عاقبة ما فعله من إهلاك أعدائه بخلاف المخلوق فإنه إذا انتقم من عدوه يخاف عاقبة ذلك إما من الله، وإما من المنتصرين لعدوه، وذلك على الله محال، والخوف يتضمن نقصان العلم والقدرة والإرادة"[8].
فالخوف منشؤه نقصان العلم أو القدرة أو الإرادة.
وقال -رحمه الله: "فإن العالِم بأن الشيء لا يكون لا يخافه، والعالم بأنه يكون ولابد قد يئس من النجاة منه فلا يخاف، وإن خاف فخوفه دون خوف الراجي، وأما نقص القدرة فلأن الخائف من الشيء هو الذي لا يمكنه دفعه عن نفسه، فإذا تيقن أنه قادر على دفعه لم يخفه.
وأما نقص الإرادة فلأن الخائف يحصل له الخوف بدون مشيئته واختياره، وذلك محال في حق من هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، ومن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهذا لا ينافي كراهته سبحانه وبغضه وغضبه فإن هذه الصفات لا تستلزم نقصًا لا في علمه ولا في قدرته ولا في إرادته بل هي كمال؛ لأن سببها العلم بقبح المكروه المبغوض المغضوب عليه، وكلما كان العلم بحاله أهم كانت كراهته وبغضه أقوى، ولهذا يشتد غضبه -سبحانه- على من قتل نبيَّه أو قتله نبيُّه"[9].
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (11191).
- رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2722).
- التبيان في أقسام القرآن (ص:20).
- المصدر السابق (ص:21).
- رواه أحمد في المسند، برقم (25757)، وقال محققوه: "رجاله ثقات رجال الشيخين غير صالح بن سعيد فقد روى عنه نافع ابن عمر الجمحي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
- التبيان في أقسام القرآن (ص:21-25).
- رواه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة والشمس وضحاها، برقم (3343)، وأحمد في المسند، برقم (16223)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (4/ 1445).
- المصدر نفسه.