الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
[1] من قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى} إلى قوله تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى} الآية:13
تاريخ النشر: ١٤ / ذو القعدة / ١٤٣٤
التحميل: 4934
مرات الإستماع: 3221

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الليل، وهي مكية.

تقدم قوله -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: فهلا صليت بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى[1].

بسم الله الرحمن الرحيم

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ۝ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ۝ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ۝ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ۝ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [سورة الليل:1-11].

سورة الليل، يمكن أن يقال: إنها تدور على موضوع واحد، وذلك فيما يتصل بسعي الإنسان بنوعيه: السعي المحمود، والسعي المذموم، وما ينشأ عن ذلك ويعقبه من الجزاء، فتتفاوت أحوال الناس بناء على ذلك في المآل والمصير.

والله -تبارك وتعالى- يذكر في آخرها الهُدى وأنه هو الذي يبيِّن ذلك على المعنى المشهور -كما سيأتي، وأنه مالك الدنيا والآخرة، ويحذرهم من النار التي هي مصير الأشقياء.

هذا كله يرجع إلى هذا الموضوع الأساس، ويرتبط به، فإن حال هؤلاء الناس الذين قد تفاوتت أعمالهم إنما كان بعد البيان، فلم يكن ذلك لخفاء الحق، كما أن ذلك أيضًا إنما هو ما يحصل لهم من هدى وضلال، وما ينشأ عن ذلك من النعيم والشقاء؛ فإن الله -تبارك وتعالى- هو مالك الدنيا والآخرة، فهو الذي يوفق من شاء للهدى، ويضل من يشاء، وينعِّم عباده من أهل الإيمان في الدنيا، ويعجل لهم من ثواب الطاعات، مع ما يدخر لهم في الآخرة من النعيم.

كما أن الله -تبارك وتعالى- يعجل من العقوبات والشقاء لأهل الكفر، مع ما يدخره لهم من العذاب في الآخرة، فهو مالك الدنيا والآخرة.

وهذه السورة، كما قال: هي سورة مكية، في قول الجمهور، مع أن بعضهم قال: مدنية.

وبعضهم استثنى بعض الآيات بناءً على ما لاح له من معنى، كقوله: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وقوله: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ۝ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّ ۝ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى.

باعتبار أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر -رضي الله تعالى عنه، ولا شك أن أبا بكر داخل في هذه الآيات، ولكن المعنى أعم من ذلك.

فالسورة مكية.

وفيما يتعلق بموضوع السورة، فقد لخص ابن عباس موضوعها في كلمتين: أنها نزلت في السماحة والبخل.

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، فالسورة تتحدث عما سبق، وهذا جزء من المعنى، والله تعالى أعلم.

وتتحدث عن أعمال العباد وما ينشأ عن ذلك من العاقبة الحميدة، أو العاقبة السيئة.

أقسم الله تعالى بـوَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى أي إذا غشّى الخليقة بظلامه.

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى غشى الأرض بظلامه، وإذا غشى الأرض فهو غشى الخليقة، وعبر ابن جرير عن هذا، فيقول: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى أي: يغشى النهار بظلامه.

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وهذه أقوال متقاربة.

فالليل إذا يغشى، فهو يغشى الأرض، ويغشى الخلق، كما أنه يغشى النهار، أي يغطيه بظلامه؛ لأن المعمول هنا محذوف: يغشى فلم يقل: يغشى النهار، أو يغشى.. فكل ذلك يغشاه الليل.

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى أي: بضيائه وإشراقه.

فأنار وظهر للأبصار ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته، كما يقول ابن جرير -رحمه الله.

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىظهر واتضح، اتضحت به الأشياء، وظهر ما كان خافيًا في الليل.

هنا ذكر الليل والنهار في أقوى أحوالهما، أقسم بهما في أقوى حالتيهما.

الليل إذا يغشى، يغطي بظلامه، وهنا عبر بالفعل المضارع: يَغشى فهو يغشى شيئًا فشيئًا، حتى يشتد.

وأقسم بالنهار في أكمل حالاته، وذلك إذا تجلى، اتضح وظهر، وانكشفت الأشياء التي غطاها الليل بظلامه.

وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كقوله: وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [سورة النبأ:8]، وكقوله: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [سورة الذاريات:49].

وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى "ما" هنا يقال فيها -كما سبق- في قوله -تبارك وتعالى: وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ۝ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ۝ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [سورة الشمس:5-7].

فقد ذكرنا فيها القولين، أو الاحتمالين: أن "ما" بمعنى "مَن" فيكون القسم هنا: وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أي: ومَن خلق الذكر والأنثى، فيكون الله قد أقسم بنفسه.

أو تكون "ما" هذه مصدرية، فيكون الله -تبارك وتعالى- قد أقسم بخلق الذكر والأنثى.

ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم عليه أيضا متضادًا، ولهذا قال: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أي: أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة، فمِن فاعلٍ خيرًا، ومِن فاعلٍ شرًّا.

الليل والنهار متضادان، الذكر والأنثى، كذلك، فهذه أشياء متضادة، هنا أيضًا المقسم عليه جواب القسم: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فأقسم بالليل في أكمل حالاته، وبالنهار في أكمل حالاته، وقال: وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ۝ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى.

فهذا جواب القسم، فسعيهم متفاوت، وهذه الأشياء المقسم بها متقابلة.

وبعض العلماء يذكرون أشياء أخرى هنا في ارتباط هذه الأمور بالمقسم عليه.

بل يذكرون أشياء أدق من هذا أيضًا، فيقولون: هنا ابتدأ بسورة الليل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى، وفي سورة الضحى ابتدأ بالشمس التي هي آية النهار: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ۝ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [سورة الشمس:1- 3].

ثم ذكر سورة الليل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا [سورة الشمس:4] يتحدثون هنا، لماذا ابتدأ بالليل وهناك ابتدأ بالنهار والشمس؟

فيذكرون تعليلات قد تكون من قبيل التكلفات -والله تعالى أعلم- يقولون: هذه السورة من أوائل ما نزل -سورة الليل، فكان الشرك هو الغالب، وتجلى ذلك شيئًا فشيئًا، فذكر النهار بعده.

أما سورة الضحى فنزلت بعد مدة من بعثة النبي ﷺ، وكان الإسلام قد انتشر، فابتدأ بهذا.

وهذا قد يكون فيه شيء من التكلف، وإن ذكره بعضهم.

قوله -تبارك وتعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هذا جواب القسم، و"شتى" جمع شتيت، وهذا يقال للمختلف لتباعد ما بين بعضه وبعض، تقول: شتان بين فلان وفلان، شتان بين هذا وهذا.

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى أي: مختلف غاية الاختلاف.

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى فهو سبحانه يقسم بالليل في جميع أحواله، إذ هو من آياته الدالة عليه، فأقسم به وقت غشيانه، وأتى بصيغة المضارع؛ لأنه يغشى شيئا بعد شيء.

وأما النهار فإنه إذا طلعت الشمس ظهر وتجلى وهلة واحدة.

ثم أقسم بخلق الذكر والأنثى، وذلك يتضمن الإقسام بالحيوان كله على اختلاف أصنافه ذكره وأنثاه، وقابل بين الذكر والأنثى، كما قابل بين الليل والنهار.

وكل ذلك من آيات ربوبيته، فإن إخراج الليل والنهار بواسطة الأجرام العلوية كإخراج الذكر والأنثى بواسطة الأجرام السفلية، فأخرج من الأرض ذكور الحيوان وإناثه على اختلاف أنواعها، كما أخرج من السماء الليل والنهار بواسطة الشمس فيها.

وأقسم سبحانه بزمان السعي، وهو الليل والنهار، وبالساعي وهو الذكر والأنثى على اختلاف السعي، كما اختلف الليل والنهار، والذكر والأنثى.

وسعيه وزمانه مختلف، وذلك دليل على اختلاف جزائه وثوابه، وأنه سبحانه لا يسوي بين من اختلف سعيه في الجزاء، كما لم يسوِّ بين الليل والنهار، والذكر والأنثى"[2].

وإذا ذُكر السعي في كتاب الله -تبارك وتعالى، أو أمر به فما المراد به في القرآن؟

يقول ابن القيم -رحمه الله: "ولفظ السعي هو العمل، لكن يراد به العمل الذي يهتم به صاحبه، ويجتهد فيه، بحسب الإمكان"[3].

فتأمل، هنا عمل خاص: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة:9] ما المراد به؟

قال ابن القيم: "فإن كان يفتقر إلى عَدْوِ بدنِه عدا، وإن كان يفتقر إلى جمْع أعوانه جمَع، وإن كان يفتقر إلى تفرغ له، وترك غيره"[4].

تأمل هذه المعاني: إذا كان يفتقر إلى إسراع في المشي أسرع، تقول: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [سورة القصص:20].

العمل الذي يعتني به صاحبه، ويوليه اهتمامه، إن كان يقتضي إسراعًا في المشي أسرع، وإن كان يقتضي جمعًا جمع، فذلك سعي؛ كما قال الله عن فرعون: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى [سورة النازعات:22].

هل المقصود يشتد بالمشي أو المقصود يجمع جنده وأعوانه كما سبق؟

وإذا كان يقتضي عملاً يعمله من جهة التهيؤ للصلاة مثلاً، والتطهر، أو الاغتسال: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ  [سورة الجمعة:9].

اعملوا على حضورها بالتطهر والاغتسال، وما إلى ذلك، والمشي إليها: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، في كل مقام بحسبه، لكن كل ذلك يقتضي عملاً خاصًّا.

قال ابن القيم: "وإن كان يفتقر إلى تفرغ له وترك غيره فعل ذلك، فلفظ السعي في القرآن جاء بهذا الاعتبار، ليس هو مرادفًا للفظ العمل كما ظنه طائفة، بل هو عمل مخصوص يهتم به صاحبه، ويجتهد فيه، ولهذا قال في سورة الجمعة: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا[5].

فلم ينهَ عن السعي إلى الصلاة -فإن الله أمر بالسعي إليها، بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون، فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه، والإتيان فعل البدن وسعيه عدْو البدن، وهو منهي عنه، وأما السعي المأمور به في الآية فهو الذهاب إليها على وجه الاهتمام بها، والتفرغ لها عن الأعمال الشاغلة من بيع وغيره، والإقبال بالقلب على السعي إليها"[6].

قال الله -تعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى أي: أعطى ما أمر بإخراجه، واتقى الله في أموره، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي: بالمجازاة على ذلك، قاله قتادة.

وقال خصيف: بالثواب.

قوله تبارك وتعالى: فَأَمَّا مَن أَعْطَى تأمل هنا، قال: أي أعطى ما أمر بإخراجه.

أَعْطَى لم يذكر هنا المقتضى، لم يذكر المعمول، أعطى ماذا؟ لم يقل: أعطى المال للمستحقين، وإنما قال: أَعْطَى فبعض المفسرين قال: أعطى المال، وبعضهم أطلق ذلك كما أطلق الله -تبارك وتعالى، فيكون باذلاً، إن كان عنده علم بذل علمه، وإذا كان المقام يقتضي عملاً باللسان من أمر بمعروف ونهي عن منكر، ونحو ذلك فإنه يبذل، وإذا كان ذلك يقتضي عملاً بالبدن عمل ببدنه، وهكذا في كل لون من الأعمال والمزاولات.

فَأَمَّا مَن أَعْطَى ويدخل فيه العطاء المالي دخولاً أوليًّا؛ لأنه قابله بالبخل، وغالب ما يقال ذلك للبخل بالمال، والعطاء يكون بالمال.

قال: وَاتَّقَى أي: اتقى الله في أموره، اتقى كل ما يجب اتقاؤه، مما يسخطه الله -تبارك وتعالى.

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى قال: أي بالمجازاة على ذلك، قاله قتادة.

يعني وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي: بالخَلف من الله -تبارك وتعالى، والعوض، وأن الله يعطيه ويجازيه على هذا العطاء، وهذا الإحسان والبذل، كما قال الله -تبارك وتعالى: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ [سورة التوبة:98].

فهو لا يرجو الخلف، ولا يرجو عائدة على هذا البذل والإنفاق، لكنه يجد أنه يضطر أحيانًا لإخراجه، كأنه قد قطع من قلبه مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا فهو شيء كالغرم الذي يثقله ويرهقه، ولا يرجو عائدته، بخلاف الفريق الآخر: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ [سورة التوبة:99]، فهؤلاء كما قال الله -تبارك وتعالى: سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ [سورة التوبة:99].

فهنا: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أي بعائدة ذلك، والعوض والمجازاة على ذلك بالثواب، هذا روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وعكرمة ومجاهد وقتادة، واختاره ابن جرير -رحمه الله.

وقال خصيف: بالثواب، وهو قريب من الأول.

وقال آخرون كما يروي عن الضحاك وأبي عبد الرحمن السلمي: إن "الْحُسْنَى" لا إله إلا الله.

وروي عن مجاهد أن "الحسنى": الجنة.

وجاء عن زيد بن أسلم أن "الحسنى" الصلاة والزكاة والصوم.

والمشهور الذي عليه الجمهور أن "الحسنى": الثواب.

فمن صدق بالحسنى، أي بالعوض، فإن الله يعطيه، ويجزيه على ذلك.

هذا قول الجمهور، وهو المتبادر -والله تعالى أعلم.

وقول من قال: إن المقصود: لا إله إلا الله، أو إن المقصود: الجنة، يمكن أن يلتئم مع هذا المعنى المشهور، وذلك أن: لا إله إلا الله هي رأس البر والمعروف، وهي الأصل الذي يتفرع عنه جميع أعمال البر والطاعات، فهي داخلة تحتها، فإذا صدق بها، وآمن بها، وأيقن فإن ذلك يتفرع عنه البذل المالي، والعمل بطاعة الله ، فيثمر ذلك كل خير.

ومن قال: الجنة، فإن من صدق بالجنة، وآمن بها، فهو يعمل من أجل ذلك، وينفق في سبيل الله -تبارك وتعالى، ويبذل كل مستطاع.

فهذه الأقوال بهذا الاعتبار يمكن أن تلتئم جميعًا، ولا يكون بينها منافاة.

وقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى قال ابن عباس: يعني للخير.

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى قال: يعني للخير، يعني سنهيئه للخصلة الحسنى التي هي عمل الخير، نيسره، نهيئه، نيسر له عمل الخير، ونجريه على يده، كما يقول ابن جرير -رحمه الله- أيضًا.

ولهذا قال تعالى: وَأَمَّا مَن بَخِلَ أي: بما عنده: وَاسْتَغْنَى قال عكرمة عن ابن عباس: "أي: بخل بماله، واستغنى عن ربه " [رواه ابن أبي حاتم][7].

وهذا الذي اختاره ابن جرير، وقال به من السلف أيضًا قتادة -رحمه الله، يعني: استغنى عن ربه.

وهكذا قول من قال: زهد في الأجر والثواب، فهذا يرجع إلى ما سبق، استغنى عن الجزاء.

وبعضهم يقول: "اسْتَغْنَى" يعني بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة.

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي: بالجزاء في الدار الآخرة، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى كما سبق: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى الجمهور على أنه الجزاء والعائدة التي تعود عليه، والخَلف الذي يكون له.

وبعضهم يقول: الجنة، وبعضهم، يقول: لا إله إلا الله.

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى أي: بالجزاء في الدار الآخرة: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أي: لطريق الشر؛ كما قال تعالى:  وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة الأنعام:110].

والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى يعني نهيئه للشر، والعسرى يعني: طريق الشر، كما قال ابن كثير وابن جرير -رحمهما الله تعالى.

هذا الموضع من كتاب الله -تبارك وتعالى- هو من المواضع المهمة التي تجلي مسألة القضاء والقدر.

فينبغي أن يكون العبد عاملاً بطاعة الله مجاهدًا للنفس، كما قال -تبارك وتعالى- في هذا الموضع: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، فيعمل العبد بطاعة الله ويجد ويجتهد، ولم يطلع على ما في القدر، كما هو حاله أيضًا في أعماله ومصالحه الدنيوية، فإنه لا يترك ذلك اتكالاً على القدر، مع أن النبي ﷺ قال: فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها[8].

فالرزق مكتوب، ومع ذلك هؤلاء الذين يحتجون بالقدر فيما يتعلق بأعمال البر، والأعمال الصالحة، وأعمال الآخرة، يقول: إن هذا قد كتب عليّ، إذا عمل السيئات، ويحتج بالقدر، ويترك طاعة الله ، ويذكر أن ذلك مقدر عليه، وينسى أن يحتج بذلك في أمور دنياه، فهو لا يقعد عن الكسب، ولا يقعد عن الدراسة، ولا يقعد عن الأكل والشرب، ولا يقعد عن دفع ما ينزل به من أذى الناس وضررهم، أو غير ذلك مما يحل به من المرض مثلاً، فهو يتداوى، ويدفع ذلك عنه بالأسباب التي يستطيع التوصل إليها، ولا يبقى يواجه الأمراض والأخطار بحجة أنه قد قُدر عليه ما قدر، وأن ذلك لا ينفعه.

فلماذا يكون الاحتجاج بالقدر في أعمال الطاعات أو المعاصي دون الشهوات والمصالح الدنيوية، فتجد الناس يجدّون ويجتهدون في تحصيلها، ولا يقعدون اتكالاً على القدر؟!

روى الإمام أحمد عن أبي بكر قال: قلت لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، أنعمل على ما فُرغ منه أو على أمر مُؤتَنَف؟ قال: بل على أمر قد فُرغ منه قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: كل ميسر لما خلق له[9].

روى البخاري عن علي بن أبي طالب : كنا في جنازة في بقيع الغَرقد، فأتى رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله، ومعه مِخْصرة -مِخصرة يعني عصا صغيرة- فنكّس -نكّس يعني نكس رأسه- فجعل ينكت بمِخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد -أو ما من نفس منفوسة- إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْبَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وقد أخرجه بقية الجماعة[10].

روى الإمام أحمد عن ابن عمرقال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه أفي أمر قد فُرغ أو مبتدأ أو مبتدع؟ قال: فيما قد فرغ منه، فاعمل يا ابن الخطاب، فإنّ كلًّا ميسر، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء [ورواه الترمذي في القدر، وقال: حسن صحيح][11].

روى ابن جرير عن جابر بن عبد الله أنه قال:يا رسول الله، أنعمل لأمر قد فرغ منه، أو لأمر نستأنفه؟ فقال: لأمر قد فرغ منه فقال سراقة: ففيم العمل إذًا؟ فقال رسول الله ﷺ: كل عامل ميسر لعمله [ورواه مسلم][12].

وروى ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: "كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني، أراك تعتق أناسًا ضعفاء، فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟! فقال: أيْ أبت، إنما أريد -أظنه قال- ما عند الله: قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"[13].

وقوله: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى قال مجاهد: أي إذا مات.

وقال أبو صالح، ومالك عن زيد بن أسلم: إذا تردى في النار.

قوله تبارك وتعالى: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى "ما" هذه تحتمل أن تكون نافية، يعني أن ماله لا يغني عنه إذا تردى، هذا الذي بخل واستغنى عن ربه -تبارك وتعالى- وعن جزائه وثوابه.

ويحتمل أن تكون: "ما" هذه استفهامية، "وما يغني عنه ماله إذا تردى" ماذا يغني عنه ماله إذا تردى؟

هذا يحتمل، والأول كأنه الأقرب والمتبادر، والله أعلم.

وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى فذلك نفي لإغناء ماله عنه إذا تردى.

قال مجاهد: إذا مات.

وقال أبو صالح ومالك عن زيد بن أسلم: إِذَا تردّى في النار.

وهذا الذي اختاره ابن جرير، وعلل ذلك بأن هذه اللفظة، هذه المادة: تَرَدَّى إنما تقال لمن وقع أو سقط، أو نحو ذلك، فهذا معناه تردى في النار.

أما الذي يكون بمعنى: الموت، فذلك يرجع إلى مادة أخرى تقاربها، يقول: لا يكاد يستعمل تَرَدَّى إلا في السقوط والوقوع، تردّىفي النار.

ومن يقول: إنه مات قريب منه من يعبر يقول: هلك، إذا هلك.

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ۝ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى ۝ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ۝ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ۝ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ۝ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ۝ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ۝ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ۝ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ۝ وَلَسَوْفَ يَرْضَى [سورة الليل:12-21].

قال قتادة: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى أي: نبين الحلال والحرام.

وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله، وجعله كقوله تعالى: وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، حكاه ابن جرير.

قوله تبارك وتعالى: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ذكر ابن كثير هذين القولين: الأول: أي نبين الحلال والحرام، كما قال قتادة: على الله البيان، يعني: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى يعني بيان الحرام والطاعة والمعصية، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله.

أي علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وهذا قال به بعض أصحاب المعاني كالزجاج.

وقوله هنا: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى لم يذكر الضلال، قالوا: إن ذلك من باب الاكتفاء، يعني كقوله: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [سورة النحل:81] يعني: والبرد.

فذكر أحد القبيلين -يعني المتقابلين- ليدل على الآخر.

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى يعني: والضلال، كقوله -كما سبق- في أحد القولين: فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى أي: وإن لم تنفع.

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى قال: وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله، وجعله كقوله تعالى: وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [سورة النحل:9] حكاه ابن جرير.

وقال غيره -ممن اختار هذا القول الثاني الفراء: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى يعني: أن طريق الهدى يوصل إلى الله، من سلك طريق الهدى فإنه يصل إلى الله -تبارك وتعالى، وهذا الذي اختاره ابن القيم -رحمه الله.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ۝ وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى.

قيل: معناه: إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، قال قتادة: على الله البيان بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، اختاره أبو إسحاق -يعني الزجاج، وهو قول مقاتل وجماعة، وهذا المعنى حق، ولكن مراد الآية شيء آخر.

وقيل المعنى: إن علينا للهدى والإضلال.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في رواية عطاء: يريد أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي وبين أن يعملوا بطاعتي.

قال الفراء: فترك ذكر الإضلال كما قال: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [سورة النحل:81] أي والبرد، وهذا أضعف من القول الأول، وإن كان معناه صحيحًا، فليس هو معنى الآية"[14].

هذا يتأتى أصلاً على القول الأول: إن علينا البيان، بيان الحق: لَلْهُدَى [سورة الليل:12] يعني: والضلال أيضًا، يبين الحق من الباطل.

لكن على القول الآخر: "إن علينا للهدى" أي طريق الهدى يوصل إلى الله -تبارك وتعالى- لا يكون هنا يعني: والضلال.

قال ابن القيم: "وقيل المعنى: من سلك الهدى فعلى الله سبيله؛ كقوله: وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وهذا قول مجاهد وهو أصح الأقوال في الآية.

قال الواحدي: علينا للهدى، أي إن الهدى يوصل صاحبه إلى الله، وإلى ثوابه وجنته.

وهذا المعنى في القرآن في ثلاثة مواضع: هاهنا، وفي النحل في قوله: وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وفي الحجر في قوله: هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ  [سورة الحجر:41].

وهو معنى شريف جليل، يدل على أن سالك طريق الهدى يوصله طريقه إلى الله ولابد، والهدى هو الصراط المستقيم فمن سلكه أوصله إلى الله، فذكر الطريق والغاية، فالطريق الهدى والغاية الوصول إلى الله، فهذه أشرف الوسائل، وغايتها أعلى الغايات، ولما كان مطلوب السالك إلى الله تحصيل مصالح دنياه وآخرته لم يتم له هذا المطلوب إلا بتوحيد طلبه والمطلوب منه، فأعلمه سبحانه أن سواه لا يملك من الدنيا والآخرة شيئًا، وأن الدنيا والآخرة جميعًا له وحده، فإذا تيقن العبد ذلك اجتمع مطلبه ومطلوبه على من يملك الدنيا والآخرة وحده، فتضمنت الآيتان أربعة أمور هي المطالب العالية: ذكر أعلى الغايات وهو الوصول إلى الله سبحانه، وأقرب الطرق والوسائل إليه وهي طريقة الهدى، وتوحيد الطريق فلا يعدل عنها إلى غيرها، وتوحيد المطلوب وهو الحق فلا يعدل عنه إلى غيره، فاقتبس هذه الأمور من مشكاة هذه الكلمات، فإن هذه غاية العلم والفهم، وبالله التوفيق.

والهدى التام يتضمن توحيد المطلوب وتوحيد الطلب، وتوحيد الطرق الموصلة، والانقطاع وتخلف الوصول يقع من الشركة في هذه الأمور، أو في بعضها، فالشركة في المطلوب تنافي التوحيد والإخلاص، والشركة في الطلب تنافي الصدق والعزيمة، والشركة في الطريق تنافي اتباع الأمر.

فالأول يوقع في الشرك والرياء، والثاني يوقع في المعصية والبطالة، والثالث يوقع في البدعة ومفارقة السنة، فتأمله، فتوحيد المطلوب يعصم من الشرك، وتوحيد الطلب يعصم من المعصية، وتوحيد الطريق يعصم من البدعة، والشيطان إنما ينصب فخه بهذه الطرق الثلاثة"[15].

لو قال قائل: إن ذلك جميعًا يدخل تحت قوله: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى يعني: بيان الهدى من الضلال، لو قال قائل: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى أي: بيان ذلك، وأن طريق الهدى يوصل إلى الله -تبارك وتعالى، لكن إذا أردنا أن نجمع بين القولين فلا يقال: إن قوله: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى أي: بيان الحق من الباطل والهدى من الضلال وإنه قد سكت عن الآخر اكتفاء بذكر مقابله، والعلم عند الله .

وقوله تعالى: وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى أي: الجميع ملكنا، وأنا المتصرف فيهما.

لما بين -تبارك وتعالى- أنه يبين الهدى ويجليه ويوضحه، أو أن الهدى يوصل إليه -من سلك هذا الطريق فإنه يصل إلى ربه -تبارك وتعالى، وينجو ويسلم- قال: وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى الجميع ملكنا، فمن أرادهما -أي الآخرة والأولى- أو أراد إحداهما فليطلب ذلك منا.

وبعضهم يقول: لنا ثواب الآخرة وثواب الدنيا.

فهذا الذي كذب وتولى يتولى الله عقابه في الدنيا والآخرة.

وهكذا الأتقى يتولى الله جزاءه في الدنيا والآخرة، فإن ثواب الدنيا والآخرة عند الله -تبارك وتعالى.

وبنحو هذا قال ابن جرير -رحمه الله، أي أن الله يوفقه للطاعة، يوفق للطاعة من شاء، ويكرمه بثواب الدنيا ونعيم الآخرة، والعكس.

  1. رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، رقم (705).
  2. التبيان في أقسام القرآن (55، 56).
  3. المصدر السابق (6، 7).
  4. المصدر السابق (7).
  5. رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، رقم (908)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيًا، رقم (602).
  6. التبيان في أقسام القرآن (7).
  7. تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3440) (19360).
  8. رواه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة، رقم (2144) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (1698).
  9. رواه أحمد في المسند، رقم (19)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الراوي عن طلحة بن عبد الله"، والطبراني في الكبير، كتاب نسبة أبي بكر الصديق، باب ومما أسند أبو بكر الصديق عن رسول الله ﷺ، رقم (47)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2033).
  10. رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله، رقم (1362)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم (2647).
  11. رواه الترمذي، كتاب أبواب القدر، باب ما جاء في الشقاء والسعادة، رقم (2135) وأحمد في المسند، رقم (5140)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عاصم بن عبيد، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين".
  12. رواه أحمد في المسند، رقم (14599)، وأصله في مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم (2648).
  13. جامع البيان في تأويل القرآن (24/ 471).
  14. التبيان في أقسام القرآن (69).
  15. المصدر السابق (69، 70).

مواد ذات صلة