السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[1] من أول السورة إلى قوله تعالى: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} الآية:18
تاريخ النشر: ٠٢ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 7095
مرات الإستماع: 3249

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

قال المصنف -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ۝ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ۝ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا [سورة المعارج:1- 7].

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ فيه تضمين دل عليه حرف الباء، كأنه مقدر: استعجل سائل بعذاب واقع، كقوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [سورة الحج: 47] أي: وعذابه واقع لا محالة.

وقال العوفي عن ابن عباس: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: "ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله"، وهو واقع بهم.

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ دعا داعٍ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ يقع في الآخرة قال: وهو قولهم: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال:32].

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه السورة يقال لها: سورة المعارج.

ويقال لها: سورة سَأَلَ سَائِلٌ.

وهي سورة مكية باتفاق أهل العلم.

وقوله -تبارك وتعالى- في صدر هذه السورة: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، سَأَلَ سَائِلٌقراءة الجمهور هكذا بالهمز: سَأَلَ.

وهذا من السؤال، وما أورده الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من التفسير فإنما يرجع إلى هذه القراءة، هذه الأقوال التي ذكرها، قال: "فيه تضمين دل عليه حرف الباء، كأنه مقدر: استعجل سائل بعذاب واقع" يعني طلبَ وقوعَه.

السؤال هنا يعني طلب الوقوع: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [سورة الحج:47].

وليس على هذا المعنى السؤال: متى يكون العذاب؟ متى يقع العذاب، على هذا المعنى ليس كذلك، وإنما سَأَلَ بمعنى استعجل، طلب وقوعه: عَجِّل لَّنَا قِطَّنَانصيبنا يعني قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [سورة ص:16].

وهكذا أيضًا قول من قال: إن ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله، وهو واقع بهم، متى يقع ذلك؟ متى يحصل ما تعدنا به؟

وهنا سواء كان ذلك السؤال بمعنى الطلب، أو كان ذلك بمعنى الاستفهام عن هذا العذاب عن وقت مجيئه، متى يقع؟ متى يحصل لهؤلاء الموعودين به؟ فكل ذلك الذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا يرجع إلى هذه القراءة، بالهمز: سَأَلَ سَائِلٌ ويكون ذلك على هذا: دعا داعٍ سَأَلَ بمعنى دعا، طلب، أو استفسر واستفهم عن وقت مجيء هذا العذاب.

وبعضهم على هذا يقول: إن "الباء" بمعنى "عن" سَأَلَ سَائِلٌ عن عذاب واقع.

وكما هو معلوم أن حروف الجر يحصل فيها التضمين، يضمن بعضها معنى بعض سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ أي: عن عذاب واقع.

إذا قلنا: هذا بمعنى الاستفهام، السؤال بمعنى الاستفهام، أو يكون ذلك لتضمين سَأَلَ معنى طلب، دعا، والأفعال أيضًا فيها التضمين، كما ذكرنا ذلك في مناسبات سابقة.

القراءة الأخرى، وهي قراءة متواترة، قراءة نافع وابن عامر: "سال" بدون همز، فما معنى هذه القراءة؟

يحتمل أنها تكون بمعنى القراءة السابقة على التخفيف "سال" تخفيف الهمزة، فتكون بمعنى القراءة السابقة، وهذا معروف في اللغة أن الهمزة تنقلب ألفًا، للتسهيل والتخفيف في النطق، وهذا كثير، أو يكون من السيلان كما يقول بعضهم.

ما هذا السيلان؟ ما المراد به؟

بعضهم يقول: سال وادٍ في جهنم، بعذاب واقع.

طيب سائل؟

قالوا: هذا الوادي يقال له: سائل، سال سائل، هذا جاء عن زيد بن ثابت، وقد يبدو هذا القول بعيدًا لأول وهلة، ولكن يؤيده قراءة ليست متواترة مروية عن ابن عباس، وكما هو معلوم أن القراءة الشاذة تفسر القراءة المتواترة، هذه القراءة الشاذة: "سال سيل" هذه لا يمكن أن تفسر بتسهيل الهمز، "سال سيل بعذاب واقع". وبعضهم يفسر: "سال" بمعنى التمس، يعني التمس ملتمس بعذاب أو عذابًا للكفار، لكن هذا يرجع إلى معنى قراءة الهمز: سَأَلَ بمعنى طلب، هل هو طلبه لنفسه كما سبق في القراءة الأولى أنهم يستعجلون: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا [سورة ص:16]، إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال:32]، فهذا يرجع إليه، -والله أعلم.

وسَأَلَ سَائِلٌ عذابًا للكفار، هؤلاء يقولون: "الباء" زائدة بِعَذَابٍ وَاقِعٍ.

والأولون يقولون: إن ذلك بمعنى "عن"، يعني "الباء" بمعنى "عن"، مضمنة "عن"، أو أن الفعل سَأَلَمضمن معنى الطلب، وقد بينا أن تضمين الفعل معنى الفعل أولى وأكمل بالمعنى.

فهؤلاء الذين يقولون: إنها زائدة، يقولون كقوله تعالى: تَنبُتُ بِالدُّهْنِ [سورة المؤمنون:20] -كما سبق- يعني تُخرِج الدهن، فإنه يعصر منها.

ولكن هذا أحد الأقوال في الآية، والأصل عدم الزيادة، والله أعلم.

وهناك قراءة شاذة أخرى، عن ابن مسعود : "سال سال" يعني من غير همزة في الأولى والثانية.

وبعض أهل العلم يقولون: إن حذف الهمزة من قوله: سَأَلَ من باب التخفيف، وله نظائر أيضًا في اللغة.

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ هذا السائل هنا مبهم، ولا حاجة لتحديده، وقد روي عن السلف روايات كثيرة في هذا السائل من هو، لكن ظاهر الآية أن هذا السائل من الكفار، وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- عن سؤالهم عن العذاب متى يقع، تارة على سبيل الاستهزاء، أو الاستبعاد.

وأيضًا صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- تحديد هذا السائل، ولكن لا حاجة إلى هذا.

ابن جرير -رحمه الله- ذهب إلى أن المعنى: سَأَلَ سَائِلٌ من الكفار عن عذاب الله بمن هو واقع.

وسؤالهم كانت مقاصده متفاوتة، كما هو معلوم، لكن الغالب أنهم كانوا يسألون استبعادًا لهذا العذاب.

قول الحافظ ابن كثير -رحمه الله: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ قال: فيه تضمين دل عليه حرف "الباء".

وقد ذكرنا: أن التضمين أن يشرب الفعل، أو ما يقوم مقامه معنى فعل آخر، أو ينوب حرف في المعنى عن معنى حرف آخر، فهنا يقول: "فيه تضمين دل عليه حرف "الباء" سَأَلَ مضمن معنى فعل آخر يصح أن يعدى بـ"الباء".

ما الذي يصح أن يعدى بـ"الباء"؟

"دعا" دعا داع بعذاب واقع، دعا بعذاب، لكن سَأَلَ إذا قلنا: إن التضمين بالحرف، يكون بمعنى "عن"، الباء بمعنى "عن" سَأَلَ سَائِلٌ عن عذاب واقع، وقلنا: إن تضمين الفعل معنى الفعل أبلغ؛ لأنه يكون أوفر في المعنى، فيحصل معنى الفعل المصرح به، والفعل الآخر المشرب بهذا الفعل المضمن فيه، الذي دلت عليه التعدية، الحرف المعدى به.

وسَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ أي: حاصل لا محالة.

وقوله تعالى: وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي: مُرصَد معد للكافرين.

وقال ابن عباس: وَاقِعٍ جاءٍ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ أي: لا دافع له إذا أراد الله كونه، ولهذا قال تعالى: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ.

في قوله -تبارك وتعالى: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ هنا قال: وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي: مرصد معد للكافرين.

وقال ابن عباس: وَاقِعٍ جاءٍ، أي آت لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ.

قوله: لِّلْكَافِرينَ هذه صفة أخرى لهذا العذاب، الصفة الأولى: أنه واقع.

الصفة الثانية: أنه وَاقِعٍ ۝ لِّلْكَافِرينَ أي: كائن لهم لا محالة.

ويحتمل أنه متعلق بـ وَاقِعٍ وأن اللام للعلة، وعلى هذا وصْلُ هذا الموضع بقوله: وَاقِعٍ۝ لِّلْكَافِرينَ يعني يكون قوله: لِّلْكَافِرينَ مرتبطًا بـوَاقِعٍ، واضح الفرق؟

الفرق الأول: أنه يرتبط بقوله: بِعَذَابٍ ما هذا العذاب؟ وَاقِعٍ هذه صفته الأولى.

هذا العذاب للكافرين، وهو واقع بهم لا محالة، فأوصاف هذا العذاب: أنه واقع، وأنه معد للكافرين.

المعنى الثاني: أنه متعلق بقوله: وَاقِعٍ سأل سائل بعذاب واقع للكافرين.

ويحتمل أنه متعلق بـسَأَلَ على تضمينه معنى: دعا، يعني: دعا للكافرين بعذاب واقع.

على هذا من الذي دعا؟

بعضهم يقول: يحتمل أن يكون النبي ﷺ هو الذي سأل بعذاب واقع، يعني طلب عذابًا يقع للكفار، سأل للكافرين، دعا للكافرين، طلب للكافرين عذابًا يقع بهم.

ويحتمل أن تكون "اللام" في لِّلْكَافِرينَ بمعنى "على"، مضمنة معنى "على"، سأل سائل بعذاب واقع على الكافرين، وهذا تؤيده قراءة أُبيّ، وهي قراءة غير متواترة، يقول: بعذاب واقع على الكافرين.

والفراء يقول: التقدير: بعذاب للكافرين واقع بهم.

وهذه كلها احتمالات.

وإذا تأملتَ في هذه الجملة القصيرة رأيت هذه الاحتمالات القريبة -وإنما تركتُ الاحتمالات البعيدة قصدًا- فتدرك أن هذا القرآن أولاً يحتاج إلى عناية، وأن يقبل العبد عليه بكليته، فإنه قد لا يخطر بباله من هذا الموضع إلا معنى واحدًا لا يحتمل، هذا إذا فهم ظاهر الآية، لكن حينما يتفتق الذهن عن هذه المعاني يدرك الإنسان تقصيره مع كتاب الله ، وإن لم يكن المكلف مطالبًا بالتعرف على هذه المعاني والتفاصيل، لكن يدرك أنه لم يعرف من معاني القرآن إلا النزر الأقل، وليس القليل.

لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ لا دافع له إذا أراد الله كونه، ولهذا قال: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ذِي الْمَعَارِجِ يعني العلو والفواضل.

وقال مجاهد: ذِي الْمَعَارِجِ معارج السماء.

هنا ذِي الْمَعَارِجِ عن ابن عباس: "يعني العلو والفواضل" يعني فسره بأمر معنوي، أنه رفيع الدرجات.

وقول مجاهد: الْمَعَارِجِ معارج السماء، يعني فسره بأمر حسي ذِي الْمَعَارِجِ معارج السماء، يعني الدرجات التي تصعد فيها الملائكة.

وبعضهم فسر هذه بالسموات، كما جاء عن الكلبي، باعتبار أن الملائكة تصعد فيها ذِي الْمَعَارِجِ تعرج فيها.

وبعضهم يقول غير ذلك كمن فسره بما سبق من الفضائل والمراتب، أو الدرجات، أو العظمة.

وقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: تَعْرُجُ تصعد.

وأما الروح فقال أبو صالح: هم خلق من خلق الله يشبهون الناس وليسوا ناسًا.

قلت: ويحتمل: أن يكون المراد به جبريل، ويكون من باب عطف الخاص على العام.

ويحتمل: أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء، كما دل عليه حديث البراء.

قوله -تبارك وتعالى: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ابن جرير -رحمه الله- فسره بذي العلو والدرجات، والفواضل والنعم، يعني فسره بهذا الذي يرجع إليه -تبارك وتعالى، ولهذا فإن بعض السلف فسر: ذِي الْمَعَارِجِ بمراتب النعم.

وابن جرير جمع هذا النوع من المعاني، وترك الآخر: أن ذلك معارج الملائكة: مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ.

هذا يمكن أن يكون قرينة للقول الآخر: أنها معارج الملائكة، ولا يبعد أيضًا أن تكون الآية منتظمة للنوعين من المعنى، أنه ذو المراتب والدرجات العالية: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ [سورة غافر: 15] فذكر رفعة الدرجات مع العرش، العلو، وهنا قال: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فهذا قد يكون قرينة على أن المراد بهذه المعارج معارج الملائكة، وكل هذا يدل على العلو، فإن من أنواع الأدلة الدالة على علو الله على خلقه: الإخبار بعروج الملائكة والروح إليه، تعرج إليه، صعود بعض الأشياء إليه، هذا أحد الأنواع، وتحته أفراد من الأدلة.

والحافظ الذهبي في كتابه: "العلو" لما ذكر الأنواع، كذلك في شرح الطحاوية، وهو مأخوذ من كلام الحافظ ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، ذكروا من أنواع الأدلة الدالة على العلو هذا، الإخبار بعروج بعض الأشياء، صعود بعض الأشياء إليه، فهذا يدل على علو الله ، فالله -تبارك وتعالى- رفيع الدرجات، له العلو المطلق، علو الذات، وعلو القدر والمنزلة، وعلو القهر، وكل ذلك حاصل له مع علو الذات، وكذلك هنا هذه الآية تحتمل هذا وهذا، وقد تكون دالة على المعنيين، والله أعلم.

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فذكْرُ عروج الروح والملائكة قد يكون قرينة تدل على المعنى الآخر أن المعارج: معارج الملائكة، هنا: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِالملائكة تصعد، وَالرُّوحُ، ما المراد بالروح؟

وسيأتي الكلام على هذا في قوله -تبارك وتعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ [سورة النبأ:38] ما المراد بالروح؟

هنا قال: قال أبو صالح: هم خلق من خلق الله، يشبهون الناس وليسوا ناسًا، وهذا لا دليل عليه.

يقول ابن كثير: ويحتمل أن يكون المراد به جبريل .

وهذا هو الأقرب، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله، أن الروح هو جبريل ﷺ؛ لأن القرآن يفسر بالقرآن، وجبريل ﷺ سماه الله بذلك: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [سورة النحل:102].

ويكون ذلك من قبيل عطف الخاص على العام: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فخص جبريل ﷺ لكونه بمنزلة عند الله -تبارك وتعالى، لعظم منزلته، لعظم شرفه ومكانته، ولهذا قال الله : مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [سورة البقرة: 98] مع أن جبريل وميكال -عليهما السلام- من جملة الملائكة، فيكون من قبيل عطف الخاص على العام، وهذا يكون لغرض -كما هو معلوم- من التشريف والاهتمام، ونحو ذلك.

يقول: ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم، فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء، كما يدل عليه حديث البراء.

وهذا بمعنى قول من قال: إن الروح أرواح الموتى، يصعد بها، هذا معنى كلام ابن كثير -رحمه الله.

وبعضهم يقول: الروح ملك عظيم من الملائكة، يقال له: الروح.

يعني هؤلاء لا يقولون: إنه جبريل ، وإنما يقولون: ملك يقال له: الروح.

لكن أقوى هذه الأقوال قول من قال: إنه جبريل ﷺ؛ لأن الله سماه روحًا.

وأيضًا لا يبعد قول من قال: إن المراد به أرواح بني آدم؛ لأن النبي ﷺ أخبر أنها تصعد، كما يدل عليه حديث البراء، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.

وقوله تعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المراد بذلك يوم القيامة.

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: "يوم القيامة" وإسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يوم القيامة، وكذا قال الضحاك وابن زيد.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: هو يوم القيامة، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة[1].

وقد وردت أحاديث في معنى ذلك.

هنا هذا اليوم الذي كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هذا قول الأكثر، أنه يوم القيامة، يوم طويل، عسير على الكافرين، ويخفف على المؤمنين، لكن هذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم، فإن بعضهم يقول: إن هذه المدة المذكورة ليست يوم القيامة، وإنما هي مدة الصعود بالنسبة لغيرهم، يعني عروج الملائكة إلى المكان، أو عروجها إلى ربها -تبارك وتعالى- في وقت، يعني بعضهم يقول: إلى المكان الذي هي فيه، يعني منازلها، من السماء، لكن هنا قال: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِفمقدار ذلك بالنسبة لغيرهم لو تهيأ له الصعود يحتاج خمسين ألف سنة، هذا قال به جماعة من السلف، وروي عن مجاهد والكلبي ووهب بن منبه وابن إسحاق.

وجاء عن بعض السلف كمجاهد أيضًا رواية وعكرمة: أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار، فلا يدري أحد كم مضى، ولا كم بقي، لا يعلم ذلك إلا الله، ولكن هذا بعيد.

هنا الكلام عن العروج: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فالأكثر أن المراد به يوم القيامة، يوم طويل، وبعضهم يقول: المراد أن مقدار الأمر فيه -يعني يوم القيامة- لو تولاه أحد من المخلوقين، فإنه يحتاج إلى خمسين ألف سنة كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ بالنسبة لغير الله ، وأنه يفرغ من حساب الخلق في ساعة.

لكن هذا لا يخلو من إشكال، بالنسبة ليوم القيامة، ومدة يوم القيامة يعني لو تولاه غيره، بل هو يوم القيامة يوم طويل، ولكنه يخفف على المؤمن، ولهذا قال بعضهم: إن مدة الوقوف للحساب هي بهذا المقدار، ثم يصير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.

وقيده بعضهم بالنسبة للكافرين؛ لأنه يطول عليهم.

لكن على كل حال هو مدة ذلك اليوم، لكن يخفف على المؤمن، وهذا هو الأشهر والأقرب.

وهذه الآية فيها سؤال معروف عند أهل العلم، وهو وجه الجمع بينها وبين الآية الأخرى في سورة السجدة: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [سورة السجدة:5] الله -تبارك وتعالى- يقول: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ۝ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ۝ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [سورة السجدة:3- 5].

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ هنا لم يذكر يوم القيامة، هذه الآية لا تعلق لها بيوم القيامة، وإنما في تدبير الأمر، وعروج ذلك إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما يعده الخلق، فبعض أهل العلم ممن لم يفسر اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة بيوم القيامة يقولون: إن مدة العروج من الأرض السابعة إلى السماء السابعة بخمسين ألف سنة، والنزول من أعلى من السماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة مع العروج، يعني يقولون: إن ما بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة عام، فينزل ويصعد، فالمجموع ألف سنة: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا من السماء إلى الأرض، نزولاً وعروجًا، يقولون: خمسمائة سنة نزول، وخمسمائة سنة عروج.

لكنّ الخمسين ألفًا المذكورة هنا في سورة المعارج، يقولون: إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش فهذا يكون خمسين ألف سنة.

وبعضهم يقول غير ذلك.

وابن عباس -رضي الله عنهما- سئل عن هذا، قال: "هما يومان أخبر الله عنهما"، وتوقف عن الجواب، تورع عن الجواب.

وعلى كل حال هما يومان: المشهور: أن الأول هو يوم القيامة: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

وبعض أهل العلم قال: كلاهما في الصعود والعروج، لكن هو صعود وعروج متفاوت، فما كان من الأرض السابعة إلى العرش هذا في خمسين ألف سنة، وما كان دون ذلك من الأرض إلى السماء نزولاً وصعودًا، هذا في ألف سنة.

وهذه السنوات هل هي بالسنوات التي عند الخلق؟ "خمسين ألف سنة"، هذا ظاهره -والله أعلم؛ لأنه قال: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ يعني مقداره في حسابكم، وهو يوم واحد، وكذلك أيضًا في قوله في الآية الأخرى: مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا اليوم عند الله -تبارك وتعالى- بألف سنة: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ [سورة الحج:47] فهذا بحساب الله -تبارك وتعالى- اليوم الواحد، لكن يوم القيامة يوم طويل، بخمسين ألف سنة.

صعود الملائكة وعروجها في غير يوم القيامة تصعد وتنزل في يوم من أيام الله -تبارك وتعالى، هذا اليوم من أيام الله بمقدار ألف سنة عند المخلوقين.

وإذا كانت هذه التقديرات هي بحساب المخلوقين يعني: مِّمَّا تَعُدُّونَ فهذا يكذب ما يقوله أهل الفلك من المعاصرين، مما يذكرونه من السنوات الضوئية، فهم يتكلمون ليس على السماء ولا على العرش، وإنما يتكلمون عن النجوم، فيتحدثون عن مئات السنوات الضوئية، ومعروف سرعة الضوء، وأنها لا تقاس بغيرها، ولهذا يتكلمون عن هذه النجوم التي نشاهدها، ويذكرون أن بعضها قد زال منذ زمن طويل جدًّا، وإنما بقي ما نشاهده فقط؛ لأن ذلك لم يصل إلينا؛ لأنه يحتاج إلى مدة طويلة، حتى نرى الأثر، وأن بعض النجوم تذهب وتضمحل وتتلاشى، لكن نبقى نشاهدها سنوات طويلة؛ لبعدها، فهي تلاشت لكن متى يصل إلينا بسرعة الضوء؟ هذا يحتاج إلى وقت طويل، سنين طويلة عند هؤلاء، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [سورة الذاريات:10] هؤلاء يرمون: بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [سورة سبأ:53].

وللأسف يجدون من يصدقهم، فكل ذلك إنما هو أشياء يفترضونها، وظنون يظنونها، ولكن الذي أخبر عن هذا الخلق يخبرنا عن هذه الأمور في الصعود والعروج، والله تعالى أعلم.

الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله- في الخمسين ألفًا: أن ذلك مقدار صعود الملائكة، وليس يوم القيامة، مقدار صعود الملائكة في يوم لغيرهم من الخلق، لغير الملائكة لو صعدوا يحتاجون خمسين ألف سنة، يصعدون في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يعني فيما لو أراد أحد أن يصعد يحتاج خمسين ألف سنة حتى يصعد، حتى يقطع هذا الذي يقطعونه في يوم.

وروي الإمام أحمد عن أبي عمر الغُدَاني قال: "كنت عند أبي هريرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة، فقيل له: هذا أكثر عامري مالا، فقال أبو هريرة: ردوه إليّ، فردوه، فقال: نبئت أنك ذو مال كثير؟ فقال العامري: إي والله إن لي لمائة حُمرًا ومائة أُدْمًا.

يعني بالحمر والأدم الإبل بألوانها، فهي أشرف أموال العرب، حمر النعم.

حتى عد من ألوان الإبل، وأفنان الرقيق، ورباط الخيل، فقال أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل وأظلاف النعم، يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير، فقال: ما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورِسْلها قلنا: يا رسول الله ما نجدتها ورسلها؟ قال: في عسرها ويسرها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره، ثم يُبطح لها بقاع قَرقر -أي مستوٍ.

وقوله: في عسرها يعني في حال كونها هزيلة، ويسرها في كون هذه الدواب ممتدة الخواصر متصفة بالسمن، فهو يخرج حق الله فيها، ..فتطؤه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين الناس فيرى سبيله....

تأمل في هذا الحديث يفسر الآية: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وإن لم يكن النبي ﷺ قد تطرق لها، فهذا من تفسير القرآن بالسنة، من النوع الآخر الذي يربط فيه المفسر بين الآية والحديث، مع كون النبي ﷺ لم يتطرق للآية، فهذا نوعان: نوع منه في غاية الوضوح، مثل هذا، ومثل: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [سورة الفجر:23] مع قوله: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها[2]، ما ذكر النبي ﷺ الآية: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ لكن واضح الارتباط.

وتارة يكون هذا الارتباط بين الآية والحديث ليس بذلك الوضوح، فقد يخطئ المفسر، حيث يجتهد في الربط بينهما، ولا يوجد ارتباط، ولهذا ذكرنا في بعض المناسبات: أن تفسير القرآن بالسنة على نوعين: نوع لا يدخله الاجتهاد -اجتهاد المفسر، وهو ما ذكر فيه النبي ﷺ الآية، مثل: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82] فسرها النبي ﷺ بالآية الأخرى في سورة لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13] فهذا لا مجال للاجتهاد فيه، فإذا صح سنده فإنه يوقف عنده.

النوع الثاني: ما لم يتطرق فيه النبي ﷺ للآية، فهذا نوعان من جهة الوضوح، هذا يجتهد فيه المفسر، لكن منه ما يكون في غاية الوضوح، ومنه ما لا يكون كذلك، وقد يقع فيه الخطأ للمفسر من كونه يجتهد في الربط بين الآية والحديث، فإذا قيل: التفسير في السنة هل يدخله الاجتهاد؟ هل للاجتهاد فيه مدخل؟ يقال: فيه تفصيل.

وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورِسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره، ثم يُبطح لها بقاعٍ قَرقر فتطؤه كل ذات ظِلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين الناس فيرى سبيله، وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأسمنه وآشره، حتى يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظِلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله فقال العامري: وما حق الإبل يا أبا هريرة؟ قال: أن تُعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتُفقر الظهر، وتسقي الإبل، وتُطرق الفحل وقد رواه أبو داود والنسائي[3].

قوله: في عسرها ويسرها فإنها تأتي يوم القيامة، في عسرها ويسرها قلنا: إذا كانت هزيلة أو كانت في حال من السمن، في حال من السمن يشتد عليه إخراجها، يصعب عليه إخراجها؛ لأنها تكون في حال تنجذب إليها النفوس، ويحرص عليها صاحبها، بخلاف ما إذا كانت في حال من الهزال والضعف، فهنا قوله: فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت فسر أغذ بأسرع ما كانت.

وقوله -عليه الصلاة والسلام- عن الغنم: تنطحه كل ذات قرن بقرنها ليس فيها عقصاء ولا عضباء.

"العقصاء": ملتوية القرنين.

و"العضباء": التي انكسر قرنها الداخل.

وقوله ﷺ: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة يغني غزيرة اللبن، يعطيها لآخر، من أجل أن ينتفع بلبنها، وتُفقر الظهر يعني تمنحه للركوب والحمل، يُحمل عليه لمن ليس عنده ذلك.

والمقصود بالظهر الدابة، تعير الدابة لمن يركب، أو لمن يحمل عليها متاعه، وتُطرق الفحل يعني تعطيه لمن له نوق من أجل الضِّراب، لا يمنع من ذلك، ولا يكون ذلك بأجرة، بمقابل، لا يجوز بيع عسْب الفحل، هذا حرام لا يجوز، أيًّا كانت صفته، لا من الإبل، ولا من البقر، ولا من غيرها، وهذا الآن يباع، وأحيانًا بالملايين، البقر مثلا يقال: الثور الهولندي ضخم جدًّا، منذ أن يخرج من هناك يبدأ العد بالساعة، إلى أن يصل إلى أقاصي الدنيا، من أجل الضراب، بالساعة إلى أن يرجع إلى مكانه، كل هذه مدة محسوبة، هذا لا يجوز، وكذلك ما يباع من أمصال فيها من ماء هذا الثور أو الحيوان، يعني بدلاً من أن يخرج هذه المسافة إلى الشرق تباع أمصال فيها حيوانات منوية من هذا الحيوان، فهذا لا يجوز.

روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جُعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل -كما تقدم- وفيه: الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر إلى آخره، ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفردًا به دون البخاري، والغرض من إيراده هاهنا قوله: حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة[4].

هذا هو المشهور الذي عليه الجمهور، أن المراد بـ"خمسين ألف سنة" هو يوم القيامة، والأحاديث تدل على هذا، وأن المراد بـ"ألف سنة" هو يوم الصعود والعروج غير يوم القيامة.

وقوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا أي: اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، واستعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه؛ كقوله: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [سورة الشورى:18] ولهذا قال: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا أي: وقوع العذاب.

وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع، بمعنى مستحيل الوقوع، وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: المؤمنون يعتقدون كونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب، وواقع لا محالة.

قوله -تبارك وتعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا الصبر الجميل هو الذي لا جزع معه ولا تسخط.

والهجر الجميل الذي لا أذى معه.

وقوله -تبارك وتعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا يعني يرون العذاب الذي سألوا عنه الواقع بهم لا محالة، يرون ذلك بعيدًا، المقصود به عذاب يوم القيامة، لكونهم ينكرون البعث، وقيام الساعة.

وقوله -تبارك وتعالى: وَنَرَاهُ قَرِيبًا ابن كثير -رحمه الله- حمل ذلك على المخلوقين: "نراه" يعني أهل الإيمان، يعني يعتقدونه قريبًا، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب.

لكن هذا قد يقال: إنه خلاف الظاهر؛ لأن ذلك جاء بضمير المتكلم: وَنَرَاهُ قَرِيبًا جاء بصيغة المتكلم: نراه قريبًا، نراه نحن قريبًا، فكون ذلك يحمل على المؤمنين ولم يكن لهم ذكر، قد يقال: إنه خلاف الظاهر، لكن الذي حمله على هذا هو باعتبار أن ما كان في علم الله -تبارك وتعالى- فهو جزم، وليس من قبيل الشيء الذي يكون مرجحًا، أو نحو ذلك، مع أن هذا ليس فيه ما يدل على هذا، نراه قريبًا، يعني الرؤيا هنا علمية، يعني نعلمه قريبًا، فهذا علم وليس بظن ولا توقع، ولهذا فإن بعض أهل العلم فسره بهذا، قال: نعلمه كائنًا قريبًا، أن الله يقول: وَنَرَاهُ قَرِيبًا أي: نعلمه واقعًا كائنًا قريبًا، في الوقت الذي حدده وعلمه -تبارك وتعالى، وجهله خلقه.

وبعضهم فسر ذلك أيضًا بما يرجع إلى الله -تبارك وتعالى، ولكنه ذهب به إلى معنى آخر: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا مستبعد الوقوع، كيف إذا ماتوا وصاروا ترابًا يبعثون من جديد، ويحاسبون، وَنَرَاهُ قَرِيبًاأي: سهلاً هينًا علينا.

ولكن الأول أظهر، الأول أعني به أنه كائن وواقع لا محالة: "نراه" نعلمه واقعًا، فيكون ذلك عائدًا إلى الله -تبارك وتعالى- بهذا الاعتبار، والله أعلم.

يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ۝ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ۝ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ۝ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ۝ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ۝ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ۝ نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ۝ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ۝ وَجَمَعَ فَأَوْعَى [سورة المعارج:8- 18].

يقول تعالى: العذاب واقع بالكافرين: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد: أي: كدردي الزيت.

"دُرْدِيّ الزيت" هذا مضى الكلام عليه.

و"دُرْدِيّ الزيت" هو كما يقول بعضهم: ما يبقى من أسفله: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ دُرديّ الزيت، ما يبقى في أسفله، يعني مثل الحثالة، ما يكون متخثرًا ثقيلاً ثخينًا في أسفل الزيت.

وبعضهم يقول: المهل ما أذيب من النحاس، أو الرصاص، أو الفضة.

وبعضهم يقول: إن ذلك -كما يقول مجاهد- هو القيح والصديد، الدم الذي يخرج: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ.

ابن جرير فسره بمعنى أعم، وكأن هذا أسلم: أن الشيء المذاب يقال له: "المهل" يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ فيشمل ذلك قول من قال: إنه دُرْدِيّ الزيت، أو ما أذيب من النحاس والرصاص والفضة، كل هذا يقال له: المهل، الشيء المذاب.

وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ أي: كالصوف المنفوش، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وهذه الآية كقوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [سورة القارعة:5].

وبعضهم قيد هذا، يعني هي: تكون كالعهن كالصوف، وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ قال الله: كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ والقرآن يفسر بالقرآن.

وبعض أهل العلم قيده بقيد زائد من جهة اللغة -إن صح ذلك- يعني بعضهم يقول: إن العرب لا تقول للصوف عهن إلا إذا كان مصبوغًا، يصبغون الصوف، فيكون ألوانًا، كما هو معلوم، فيقول: العرب لا تقول له عهن إلا إذا كان مصبوغًا، فيكون المعنى كالصوف المصبوغ، بهذه الزيادة، هذا القيد عرف من جهة اللغة -إن صح ذلك- إن ثبت أنه لا يقال إلا إذا كان مصبوغًا.

وعلى هذا يحمل قول من قال من السلف: إنه كالصوف الأحمر، يعني ذكروا ألوانًا، هذه الألوان بأي اعتبار، من أين جاء بالأحمر؟ يعني قد يقول قائل: الله قال: كَالْعِهْنِ كالصوف من أين للحسن البصري مثلاً -رحمه الله- أنه قال: كالصوف الأحمر؟ بأي اعتبار؟

قالوا: بهذا الاعتبار، أنه الصوف المصبوغ.

لماذا الأحمر؟

قال: هو أضعف الصوف، أي تكون الجبال في غاية الوهاء، ولهذا تكون هباء، ثم تذهب وتزول وتتلاشى، فتكون سرابًا، تكون أثرًا بعد عين.

وبعضهم يقول: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الصوف الملون.

وبعضهم يقول: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ يعني ذهب به إلى قوله -تبارك وتعالى- عن الجبال وتكوينها وأشكالها: جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ [سورة فاطر:27] الجدد البيض مضى الكلام عليها، والحمر ألوان الجبال، بعضهم يقول: هي الخطوط، ونحن نرى الجبال يكون فيها خطوط، طبقات، وإذا قطع ظهر ذلك جليًّا، طبقات سوداء، وأحيانًا بيضاء، وحمراء.

وبعضهم يقول: لا، هي نفس الكتل، نفس الجبال، منها أبيض، ومنها ما هو أحمر، ومنها ما هو أسود، فهي متفاوتة الألوان، فبعضهم يقول: كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ أي: ذي الألوان، فإذا بُست وطيرت في الهواء أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.

لكن ابن جرير -رحمه الله- فسر ذلك بالصوف مطلقًا: كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ كالصوف، العهن هو الصوف، لكن هل في اللغة لابدّ فيه من هذا القيد، أنه بألوان أو لا؟

وقوله تعالى: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ۝ يُبَصَّرُونَهُمْ أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره.

قال العوفي عن ابن عباس: يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض بعد ذلك، يقول الله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [سورة عبس:37] وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [سورة لقمان:33]. 

وكقوله تعالى: وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [سورة غافر:18]، وكقوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ [سورة المؤمنون:101].

وكقوله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [سورة المعارج: 34- 37].

قوله -تبارك وتعالى: يُبَصَّرُونَهُمْ هنا نقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما: يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم.

لكن لا يغني أحد عن أحد، ولا يقف أحد مع أحد، يفر بعضهم من بعض، هو يراه، لكن كل هذه المعاني المذكورة، قال: أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله، وهو يراه في أسوأ الأحوال، تشغله نفسه عن غيره، بالعادة الناس إذا تقابلوا خاصة بعد طول عهد فإنه يقف معه، يسأله عن حاله، وهو لا يرى به بأسًا، فكيف إذا كان يراه في حال من الشدة والبؤس؟! ومع ذلك يراه ولا يقف معه، ولا يسأل عن حاله، فضلاً عن أن يعرض عليه مساعدة، أو نحو ذلك.

يُبَصَّرُونَهُمْ فهو يرى هؤلاء القرابات.

وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا السؤال هنا يشمل السؤال عن حاله، وكذلك أيضًا: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يعني ماذا تريد؟ ماذا تحتاج؟ ليس هناك مجال لوقوف أحد مع أحد، أو مساعدة أحد لأحد، أو نحو ذلك، كل إنسان إنما يطلب نجاة نفسه، في الحياة الدنيا نجد أن الإنسان قد يفدي غيره بنفسه، ومعروف من حال الوالدين أنهما يقدمان أنفسهما في سبيل حفظ هؤلاء الأولاد، وعافيتهم وسلامتهم، وما إلى ذلك، فيتمنون وقوع المرض والأوصاب بهما، على أن لا يقع ذلك أو شيء منه لهؤلاء الأولاد.

هذا معروف، يتمنى أنه هو الذي يمرض ولا يمرض هذا الولد، أنه هو الذي يتعب ولا يتعب هذا الولد، ومن جاءه أولاد فإنه يجد مثل هذا، يتألم لما يقع لهم، ويسألهم صباح مساء عن حالهم، وينظر إلى وجوههم، إذا دخلوا وإذا خرجوا، هناك: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ بدأ بهؤلاء الذين هم أعلق بالكبد والقلب، يود، يتمنى أن يلقوا في النار، لكنه ينجو، فكيف يقف معه، ويسأل عنه؟

فهذا يدل على شدة هذا الهول والموقف، أقرب الناس إليه!، في حال الحرب في حال الشدة في حال الذهول، الأسارى، في قصة المرأة التي رآها النبي ﷺ في سبي أوطاس تبحث هنا وهناك، حتى لقيت صبيًّا فأخذته وضمته وأرضعته، فقال النبي ﷺ: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه"[5].

فالمقصود أن هذا في حال شدة وذهول، أسارى يساقون كما تساق الأنعام، وهذه المرأة تجري هنا وهناك، تبحث عن الصبي، ولا تسأل عن حال الناس، في وقت حرب وشدة وأسر، وهم يساقون ويُذادون كما تذاد البهائم، وهذه المرأة تبحث هنا وهناك عن ولدها، ما أصابها ذهول عنه، لكن في القيامة يصيبها الذهول، ويكفي في هذا ما مضى في قوله -تبارك وتعالى- في صدر سورة الحج: يَوْمَ تَرَوْنَهَا يعني القيامة والساعة: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [سورة الحج:2].

وذكرنا هناك: أن المرضعة بـ"التاء" هكذا فيما كان من أوصاف الإناث، أنه إذا جاء بـ"التاء" فإن ذلك يعني المباشرة بالفعل مُرْضِعَةٍ يعني تباشر الآن الإرضاع، وإذا جاء من غير "تاء" مرضع، فإن ذلك يعني مطلق الاتصاف، أن من شأنها الإرضاع، ولو كانت في لحظتها لا ترضع، يقال: هذه امرأة مرضع، يعني لها ولد ترضع، لكن مُرْضِعَةٍ يعني الآن، فهذه أجلى صورة يتدفق فيها الحنان، لا نعرف أبدًا صورة يتدفق فيها العطف والحنان أعظم من هذه الحال، واسألوا النساء، هي بمجرد ما تضمه إلى صدرها، هكذا، قبل أن ترضع، يبدأ الحليب يخرج من تلقاء نفسه، هذا معروف، والولد يجد من الحنان المتدفق من الأم مع حليبها ما لا يخفى، ولهذه عملية الإرضاع ليست مجرد إرضاع فقط، بل إرضاع وإشباع لهذا الصغير بعواطف الأم ومشاعر الأم والأمومة والحنان والرعاية، وما إلى ذلك.

فالمقصود إذا كانت تذهل عن صغيرها في حال إرضاعه، إذا رأت يوم القيامة، فما بالك إذًا بما هو دون هذه الحال؟ لقيه هكذا، الأب لقي ولده، الولد لقي أباه، يراه، يشاهده، لكن هو في شغل شاغل عنه، فهذا يدل على شدة هول ذلك اليوم الذي يحتاج إلى عمل.

الناس في الدنيا يتواصلون ويواسي بعضهم بعضًا، فيتحمل بعضهم عن بعضٍ ما ينوبه، أو بعض ما ينوبه، لكن في الآخرة ليس من ذلك شيء، فلابدّ من الجد والاجتهاد من أجل أن يخف ذلك اليوم، وتخف وطأته على الناس، فالأمر ليس بالسهل.

فلا يصح بحال من الأحوال أن يضيع الإنسان نفسه لشهوة عابرة، وعبث في حطام زائل، يذهب ويجيء صباح مساء مضيعًا لحقوق ربه -تبارك وتعالى، في صَفْقٍ سرعان ما يتلاشى ويذهب، مع ما يحتفّ به من أذى ومنغصات وأكدار في هذه التعاملات، وما يحصل فيها من كساد في الأسواق، وغبن وغش، وتعليق وتعطيل، وكف يد عن التصرف فيها، وما إلى ذلك من تأخر وبطء في هذه المعاملات والمساهمات، والتحالفات التجارية، وما إلى ذلك، تتعطل على أصحابها سنين طويلة، ويبقون في ألم وحسرات وهمٍّ، يرونها في ليلهم إذا ناموا، ويتقلبون في نهارهم في طلب فك أسرها، وإطلاق عَوْقها.

وكل هذا عما قريب حينما يفتح الإنسان عينيه بعد الموت، يبصر الحقائق، ويعرف أنه كان مضيعًا غافلاً، اشتغل بدنياه في شيء يجمعه لأحفاد أحفاد أحفاد أحفاده، وعنده ما يكفيه ويدفنه من المال، لو جلس في وسطه اندفن، ومع ذلك كدٌّ وكدحٌّ في الصباح وفي المساء، ولربما يكون قد بلغ من الكبر عتيًّا، ومع ذلك مثل الساعة في الصباح الباكر في المكتب لا يتأخر دقيقة واحدة إلى الليل، إما بعمل متواصل، أو يصلي العصر عند المكتب -إذا كان يصلي العصر، لا يؤخره ترفُّهٌ ولا تنزه، ولا تباطؤ ولا تلكؤ، ولا شاي العصر، أبدًا، يفتخر الواحد منهم أنه من خمس وعشرين سنة ما جلس على وجبة مع أولاده في مقابلة يقرؤها الناس كلهم، خمس وعشرون سنة، على ماذا؟ رأسه أبيض، ليس فيه شعرة سوداء، على ماذا؟ ينبغي العمل لهذا اليوم، والله المستعان.

وقوله تعالى: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ۝ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ۝ كَلَّا أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يُقبل منه.

قوله -تبارك وتعالى: يُبَصَّرُونَهُمْ هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير -رحمه الله- يعني أنه يراه، يبصره، ونقله عن ابن عباس: يعرف بعضهم بعضًا، فيتعارفون بينهم.

وهذا يرجع إلى المعنى الذي قبله، فهو يتعارفون حينما يراه، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله: يُبَصَّرُونَهُمْ يعرف بعضهم بعضًا، يتعارفون، ثم يفر منه، لماذا؟

لأنه كما قال الله لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [سورة عبس:37].

وقوله -تبارك وتعالى: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ۝ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ، ثُمَّ يُنْجِيهِ ماذا؟

ثُمَّ يُنْجِيهِ هذا الافتداء، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا يعني يفتدي بكل ما يمكن الافتداء به، ابتداء من أقرب الناس إليه، الأم، والأب، والأولاد والزوجة، هل يوجد أقرب من هؤلاء؟!

يُلقَى أبوه وأمه في النار، وزوجته وأولاده على أساس أن ينجو هو ثُمَّ يُنْجِيهِ أي: ثم ينجيه هذا الافتداء، والعطف بـ"ثم" يدل على استبعاد النجاة، لا فكاك ولا خلاص كَلَّا أي: لا يقبل منه فداء، ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجد من المال، هذا الذي سيفتدي بأمه وأبيه، وزوجته وأولاده الذين من أجلهم هذا الكد.

وإذا سئل عن هذا التعب والعناء ومواصلة الليل والنهار، قال: "عيش العيال"، "عيش العيال" عند ربهم، وليس عنده، وسيأتي في الكلام على اسم الله "الرزاق" -إن شاء الله تعالى- أشياء من هذا القبيل، إحداهن ذُكر لها زوجها وأنه المُعيل، فقالت: ليس بالمُعيل، بل هو الأكّال، الذي يرزق الأقوات، ويعيل الخلائق، ويرزقهم ويعافيهم ويعطيهم هو الله -تبارك وتعالى، هذه امرأة تقول: إن زوجها هو الأكّال، وليس المُعيل.

يقول: إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه.

قال مجاهد والسدي: وَفَصِيلَتِهِ قبيلته وعشيرته.

وقال عكرمة: فخِذه الذي هو منهم.

وقال أشهب عن مالك: وَفَصِيلَتِهِ أمه.

نحن ذكرنا الكلام على الفصيلة فيما سبق، في الكلام على الشَّعْب: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [سورة الحجرات:13] والقبيلة والفخذ والعشيرة والفصيلة، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ قال هنا: قال مجاهد والسدي: قبيلته وعشيرته.

أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- فسر الفصيلة بأنها دون القبيلة، وهذا صحيح، وقد مضى الكلام على هذا.

ويقول الإمام ثعلب -رحمه الله: إن الفصيلة هم الآباء الأدنون، يعني الأقرب إليه.

وابن جرير -رحمه الله- فسره: بالعشيرة.

وعكرمة قال: فخِذه الذي هو منهم.

وقال أشهب عن مالك: "فصيلته" هي أمه، يعني التي تربيه، أي فصيلته هي التي ترضعه، وفصاله فطامه.

فالفصيلة هم قرابته الأقربون.

الفصيلة إذا فسر بالعشيرة، أو ما هو أقرب من العشيرة فلكونه يأوي إليهم، ويضمونه في النسب، وعند الشدائد الإنسان يأوي إلى العشيرة، العشيرة قيل لها: عشيرة بعضهم -كما سبق- في قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء:214] يقول: "عشيرة" من المعاشرة، لكثرة المخالطة، فهؤلاء القرابة القريبة يعني، ليسوا القبيلة، فإنه لا يلتقي بالأبعدين، وإنما بالقريبين.

هؤلاء القريبون يعاشرهم ويخالطهم، فهم أقرب إليه.

وبعض أهل العلم فسر ذلك -يعني كونهم القرابة القريبة: أن الله -تبارك وتعالى- لما قال لنبيه ﷺ: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي ﷺ على الصفا، فماذا قال؟

اختلفت الروايات في قوله ﷺ، ومن هنا اختلف العلماء في الاستدلال بهذا على المراد بالعشيرة، ففي بعضها: أنه ذكر الجد الرابع، فقالوا: هم الأدنون.

وبعضهم يقول: ذكر الجد العاشر، فقال بعضهم: إن العشيرة هم من يرتبطون به إلى الجد العاشر، يتفرعون من الجد العاشر.

وقوله تعالى: إِنَّهَا لَظَى يصف النار وشدة حرها.

نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى قال ابن عباس ومجاهد: "جلدة الرأس".

وقال الحسن البصري وثابت البناني: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى أي: مكارم وجهه.

وقال قتادة: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى أي: نزاعة لهامته ومكارم وجهه، وخَلقه وأطرافه.

وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا.

وقال ابن زيد: الشَّوَى الآراب العظام.

فقوله: نَزَّاعَةً قال: تقطع عظامهم، ثم تُبدَّل جلودهم وخَلقهم.

قوله -تبارك وتعالى: كَلَّا هذه كلمة ردع وزجر، ردع للمجرم عن تلك الودادة، وبيان امتناع ما وده: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي ما وده من الافتداء: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى، لَظَىهذا اسم من أسماء جهنم -أعاذنا الله وإياكم وإخواننا المسلمين منها.

إِنَّهَا لَظَى بعضهم يقول: مشتق من التلظِّي في النار، وهو التلهب.

نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىنقل هنا عن ابن عباس ومجاهد: جلدة الرأس، يعني أن جلدة الرأس تسقط لشدة حرها.

بعضهم يقول: إذا أراد أن يشرب من الحميم سقطت فيه جلدة رأسه، من شدة الحر.

وقال الحسن وثابت البناني: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىأي: مكارم وجهه، وهذا قال به جماعة كأبي العالية وقتادة.

وأيضًا عن قتادة: نزاعة لهامته ومكارم وجهه، وخلقه وأطرافه.

وقال الضحاك وهو مروي أيضًا عن قتادة: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا.

وعن ابن زيد: الشوَى الآراب العظام، الآراب يعني الأعضاء، يعني أنها تقطع عظامهم، وتفري لحومهم، وتحرق وتنزع ما في وجههم من اللحم والجلد.

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- له كلام في هذا، يقول -رحمه الله تعالى- معلقًا على قوله تعالى: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى: "في الآية تفسيران مشهوران:

أحدهما: أن الشَّوَى الأطراف التي ليست مَقاتِل كاليدين والرجلين تنزعها عن أماكنها، ومنه قولهم: "رمى الصيد فأشواه" إذا أصاب أطرافه دون مقاتله، فإن أصاب مقتله فمات موضعه قيل: رماه فأصماه، فإن حمل السهم وفر به ثم مات في موضع آخر قيل: رماه فأنحاه.

والتفسير الثاني: أن الشوَى جمع شواة، وهي جلدة الرأس وفروته"[6].

الشوى جمع شواة، وقد فسر الشوى بالأطراف، أو جلدة الرأس.

وبعضهم فسره: بالمفاصل، كالكسائي، أو أطراف اليدين والرجلين -كما سبق، وبه قال أبو صالح.

وابن جرير -رحمه الله- جمع بين بعض هذه المعاني، وفسر الشوى بجلدة الرأس وأطراف البدن، أي المعنيين اللذين ذكرهما الحافظ ابن القيم -رحمه الله، أن الشوى يأتي لهذا وهذا، فابن جرير -رحمه الله- على عادته حينما يكون المعنى ثابتًا في اللغة، ولا يوجد ما يدل على أحد هذين المعنيين أنه هو المراد، يقول: ليس عندنا دليل، وأخبر أنها نزاعة للشوى، والشوى يقال لهذا وهذا، ومن ثَم قال: إنها -نسأل الله العافية- تنزع جلدة الرأس، وأطراف البدن، اليدين والرجلين، يعني غير المَقاتِل، يقول: جمع شواة، وهي جوارح الإنسان، ما لم يكن مقتلاً "رمى فأشوى إذا لم يصب مقتلا".

يعني رمى الصيد في موضع برجله، أو نحو ذلك في عضده، ما أصابه في مقتل.

وقوله تعالى: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ۝ وَجَمَعَ فَأَوْعَى أي: تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلْق ذَلْق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب، وذلك أنهم كما قال الله : "كانوا ممن: أَدْبَرَ وَتَوَلَّى أي: كذب بقلبه وترك العمل بجوارحه وَجَمَعَ فَأَوْعَى أي: جمع المال بعضه على بعض فأوعاه، أي أوْكاه، ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة، وقد ورد في الحديث: لا تُوعِي فيُوعِيَ الله عليكِ[7].

قوله -تبارك وتعالى: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ۝ وَجَمَعَ فَأَوْعَى هذه النار تدعو، كما أخبر الله عنها أنها ترى: إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [سورة الفرقان:12] فهي تتغيظ عليهم، تكون في غاية الغيظ على هؤلاء الكفار، فهي ترى وتتغيظ، وكذلك: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ۝ وَجَمَعَ فَأَوْعَى أعرض عن الحق، وتولى عنه، وجمع المال فأوعى، لم يَخرج من يده شيء، لم يُخرج حق الله منه، جمع فأوعى، هذا معنى: أوعى، أوعاه يعني أوكاه، منع الحق الواجب لله ولخلقه.

وبعضهم فسر قوله -تبارك وتعالى: تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى بعضهم قال: يعني تُهلك، تقول العرب: دعاك الله أي: أهلكك تَدْعُو أي: تُهلك.

وبعضهم قال: المراد أنها تتمكن، يعني تصوير تمكن النار من عذابهم.

وقيل: إن الذين يدعون هم خزنتها.

كل هذا صرف للفظ عن ظاهره، باعتبار أن النار لا إدراك لها، لكن الله يقول: إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ فهي ترى، فهنا أخبر، وأخبر هناك أنهم: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا.

والنبي ﷺ أخبر عن النار بقوله: لا يزال يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد[8].

والله قد ذكر هذا في كتابه: وَتَقُولُهَلْ مِن مَّزِيدٍ؟ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ [سورة ق:30] فأضاف القول إليها: هَلْ مِن مَّزِيدٍ؟

ولا يقال: إن القائل هنا هم الخزنة، فالأصل حمل الكلام على ظاهره، تقول: هَلْمِن مَّزِيدٍ؟ حتىيضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط، قط[9].

وكذلك لما: اشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربِّ أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف[10].

وكذلك: احتجت النار والجنة، فقالت هذه: يدخلني الجبارون، والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء، والمساكين، فقال الله لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء -وربما قال: أصيب بك من أشاء- وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها[11]، فالنار تشتكي وتتكلم.

وكذلك ما جاء من الاستجارة من عذاب النار، وسؤال الجنة، الذي يقول: اللهم أجرني من النار في بعض ألفاظه ثلاثًا، وفي بعضها سبعًا، وكذلك يسأل الجنة، تقول النار: اللهم أجره مني[12] أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.

فهذا كله على ظاهره، والله أعلم.

  1. شعب الإيمان (1/ 555).
  2. رواه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، رقم (2842).
  3. رواه الإمام أحمد في المسند، رقم (10350)، وابن خزيمة (2322) وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في حقوق المال، رقم (1658، 1659،1660)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف" وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح أبي داود (1463)
  4. رواه أحمد، رقم (7563)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب إثم مانع الزكاة، رقم (987).
  5. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5999)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم (2754).
  6. بدائع الفوائد (3/ 114، 115).
  7. جزء من حديث رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما استطاع، رقم (1434)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء، رقم (1029).
  8. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سورة إبراهيم:4]، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  [سورة الصافات:180]، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ [سورة المنافقون:8]، ومن حلف بعزة الله وصفاته، رقم (7384).
  9. المصدر السابق.
  10. رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، رقم (537)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، رقم (615، 617).
  11. رواه مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (2846).
  12. رواه أحمد، رقم (12170)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، رقم (5079)، والنسائي في السنن الكبرى، كِتَابُ عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَوْنُكَ يَا رَبِّ عَلَى مَا بَقِيَ، ثَوَابُ مَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، رقم (9859)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن".

مواد ذات صلة