السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[2] من قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} الآية:19 إلى آخر السورة
تاريخ النشر: ٠٣ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 8284
مرات الإستماع: 16387

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد.

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ۝ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [سورة المعارج:19-35].

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا لما ذكر الله -تبارك وتعالى- النار، وما فيها من العذاب، وأنها تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وتوعد هؤلاء المكذبين بها، وباليوم الآخر سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [سورة المعارج:1] ذكر حال هذا الإنسان المكذب الكافر، على قول بعض أهل العلم كابن جرير -رحمه الله: إِنَّ الْإِنسَانَ يقول: يعني الكافر، أن هذه صفة الكافر، واستثنى أهل الإيمان، يعني أن قوله: إِلَّا الْمُصَلِّينَإلى آخره يقول: يعني أهل الإيمان، فهم متصفون بهذه الأوصاف.

وعلى القول الآخر، وهو الذي اختاره الحافظ ابن كثير -رحمه الله، وهو الأقرب -والله أعلم: أن ذلك وصف الإنسان من حيث هو، ما لم تتروض نفسه بالإيمان، وتتهذب بطاعة الله -تبارك وتعالى، كما قال الله : وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [سورة العصر:1، 2]، وكما قال: إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6،  7].

وكل ذلك في الإنسان من حيث هو، هكذا طبيعته الغالبة، فتحتاج إلى ترويض وتهذيب، فيتخلص من هذه الأوصاف: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [سورة الفجر:15، 16].

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا هنا فسر الهلوع بما بعده: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا.

هذا تفسير له بأوصاف وأحوال قد اتصف بها، لكن ما أصل المعنى؟ يعني ما معنى الهلوع في كلام العرب؟

الهلوع، الهلع، يقال: فلان فيه هلع، صاحب هلع، موصوف بالهلع: فسر بأشد الحرص، حريص، مع أسوأ الجزع، الذي في يده لا يخرج، وهو حريص على زيادته غاية الحرص، وهو أيضًا يتصف بأسوأ الجزع، وأفحشه.

وعبارات السلف متقاربة، يعني كما يقول عكرمة: هو الضَّجور، كثير الضجر، ولكن هذا تفسير له ببعض معناه -والله تعالى أعلم- كون الإنسان إذا مسه الشر جزوعًا، فهو يتضجر ويتسخط، قليل الصبر.

وذكر الواحدي عن المفسرين: أنهم يقولون: إن الهلع مفسر بما بعده، وهذا لا إشكال فيه، لكن الكلام على أصل معناه، بمعنى أنه إذا أصابه الشدة، الفقر، المرض، ونحو ذلك فهو كثير الجزع، وإذا أصابه الغنى والخصب فهو كثير المنع، والحرص، يمنع حق الله، وحق المخلوقين، ولا يشكر هذه النعمة، فهو قليل صبره، وقليل شكره، في حالتيه، الشدة والرخاء، ويُظهر أشد الجزع في الشدة، ويَظهر منه البخل، ومنع الحقوق في حال الرخاء.

وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا أي: إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره، ومنع حق الله تعالى فيها.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: شر ما في رجل: شحٌّ هالعٌ، وجبنٌ خالعٌ ورواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح عن أبي عبد الرحمن المقرئ به، وليس لعبد العزيز عنده سواه[1].

ابن جرير -رحمه الله- فسر الهلع بشدة الجزع مع شدة الحرص والضجر، هذا تفسير له لا يعارض قول من قال: إنه مفسر بما بعده، بمعنى أن الله ذكر أبرز خصال هذا الإنسان الهلوع.

وهؤلاء فسروه في أصل معناه، يقول: إذا حصل له، إذا مسه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب، وأيسَ أن يحصل له بعد ذلك خير، هذا الهلوع، هذا الإنسان إذا قل توكله على الله ، وقل يقينه فإنه يقل صبره وشكره في حالتيه، فيصير هذا الإنسان في حال من الاضطراب والقلق الدائم، والضعف أمام ما يعرض له من السراء والضراء، فيكون بين جزع وبطر، ويكون بين ضعف وانكسار تارة، ومنع للحقوق وحرص على هذا الحطام تارة أخرى، ينسى سريعًا، إذا حصلت له العافية والغنى صار في حال من التيه، ونسي شكر الله على هذه النعم، وأنه قد يسلب ذلك في أي لحظة، وإذا ترحل عنه شيء من هذا فإن الدنيا تظلم في عينه، ويظن أن هذا نهاية المطاف، فيظن أن هذا هو المرض، هو النهاية، هي القاضية، فييأس، ويبتئس، ويحصل له الجزع والضعف، فيتلاشى ذلك التعاظم والترفع والقوة التي كان يتوهمها، ثم بعد ذلك أفضى الحال إلى قلق وضعف وعجز ومسكنة، وتجد الواحد من هؤلاء بعدما كان في حال يرى نفسه فيها أنه غير مسبوق ولا مدفوع عن هذه النعم التي حصلت له، يصير -نسأل الله العافية- إلى حال من الانهيار النفسي، فيبكي كما يبكي الصغير، يقول: قال النبي ﷺ: شر ما في رجل: شحٌّ هالعٌ، وجبنٌ خالعٌ[2].

الشح الهالع، هالع أي موصوف بأشد الجزع والضجر.

والجبن الخالع يعني الشديد، كأنه يخلع فؤاده من شدته، يعني كما يقال: ينقطع قلبه من شدة الخوف.

هنا قال: رواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح عن أبي عبد الرحمن المقرئ به، وليس لعبد العزيز عنده سواه، عبد العزيز المقصود به ابن مروان بن الحكم، هو الراوي عن أبي هريرة .

الحافظ ابن القيم له كلام على هذا، يقول -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا الآيات: "فأخبر تعالى أن الإنسان خلق على هذه الصفة، وأن من كان على غيرها، فلأجل ما زكاه الله به من فضله وإحسانه"[3].

وقال -رحمه الله: "وتفسير الهلوع: قال الجوهري: الهلَع أفحش الجزع، وقد هلِع بالكسر فهو هلِعٌ وهلوع، وفى الحديث: شر ما في العبد: شحٌّ هالعٌ، وجبنٌ خالعٌ[4].

قلت: هنا أمران: أمر لفظي، وأمر معنوي.

فأما اللفظي: فإنه وصف الشح بكونه هالعًا، والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمى هلوعًا، ولا يقال: هالع له، فإنه لا يتعدى، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه على النسب كقولهم: ليلٌ نائم، وسرٌّ كاتم، ونهار صائم، ويوم عاصف، كله عند سيبويه على النسب، أي ذو كذا، كما قالوا: تامر، ولابن.

والثاني: أن اللفظة غيرت عن بابها للازدواج مع "خالع" وله نظير.

وأما المعنوي: فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد، ولاسيما اذا كان شحه هالعًا أي: مُلقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة ولا شجاعة، ولا نفع بماله ولا ببدنه، كما يقال: لا طعْنة ولا جَفْنة -لا طعنة ولا جفنة يعني لا هو شجاع ولا هو بكريم- ولا يَطْرد ولا يَشْرد، بل قد قمَعَه وصغَّره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع.

وإذا أردت معرفة الهلوع فهو الذي إذا أصابه الجوع مثلاً أظهر الاستجاعة وأسرع بها، وإذا أصابه الألم أسرع الشكاية وأظهرها، وإذا أصابه القهر أظهر الاستكانة وباء بها سريعًا، وإذا أصابه الجوع أسرع الانطراح على جنبه وأظهر الشكاية، وإذا بدا له مأخذ طمع طار إليه سريعًا، وإذا ظفر به أحله من نفسه محل الروح، فلا احتمال ولا إفضال، وهذا كله من صغر النفس ودناءتها وتدسيسها في البدن، وإخفائها وتحقيرها، والله المستعان"[5].

يشير إلى قوله تعالى: وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس:10].

ثم قال تعالى: إِلَّا الْمُصَلِّينَ أي: الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم، إلا من عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير، ويسر له أسبابه، وهم المصلون.

هنا كما أشرت قبل قليل: أن من أهل العلم من فسر المصلين بأهل الإيمان والتوحيد، يعني إلا الموحد، ونظروا إلى أن طبيعة الإنسان إنما تكون مغالبتها وتحويلها عما هي عليه بالإيمان، فأهل الإيمان ليسوا كذلك، يعني هم قالوا: إن هذه طبيعة الإنسان، هذا ابن جرير يقول: هذا وصف الإنسان الكافر، قال: إلا المصلين، يعني إلا أهل الإيمان، ولكن القول بأن ذلك على ظاهره يعني أن الله استثنى المصلين، فهذا في ضمنه ذكر الإيمان؛ لأن هؤلاء المصلين هم على حال من الإيمان، فاتصفوا بهذه الأوصاف من ملازمة الصلاة، والمداومة عليها، إلى غير ذلك من الأوصاف المذكورة، فهؤلاء من المؤمنين الكمل، وكلما كان الإيمان أتم كانت هذه الصفة أضعف وأقل: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا تضعف، فطبائع الإنسان مما جبل عليه من الغرائز وحب التملك والطمع والشح، كما قال الله وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128] فهو شيء حاضر في النفوس.

وقال: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [سورة الحشر:9] فأضاف الشح إليها، لشدة ملازمته لها، هو ملازم لها: شُحَّ نَفْسِهِ فهذه إنما يكون الخلاص منها بترويض النفس على الإيمان وشرائعه، فإذا صار متحققًا بالتقوى والتوكل على الله ، واليقين، وحسن الظن بربه -تبارك وتعالى، وأن عوائد الله عليه غادية ورائحة، وأن الله حينما يبتليه فإن ذلك ليس لهوانه عليه، أو ليضيعه، أو ليكسره، وإنما فعل ذلك به ليرفعه.

فإذا تحقق من هذه الأمور، وأن الله أرحم به من أمه وأبيه، ومن أرفق الناس به فإنه يطمئن إلى قضاء الله .

وإذا حصلت بيده النعم فإنه يذكر تحولها عن غيره، وأن ذلك أيضًا عما قريب ستتحول عنه النعم المادية، فإنه إن لم تفارقه في هذه الحياة الدنيا، في أيام حياته، فإنه سيفارقها بعد موته.

فهو لا يبطر بالنعمة، ويذكر أنها عارية في يده، وأن ذلك إفضال من الله وابتلاء، لينظر عمله، فلا يحصل له البطر بحال من الأحوال، وأنه يتعاطى النعمة وهو وجِل من الله، قد امتلأ قلبه حياءً من ربه -تبارك وتعالى، حيث لا يؤدي شكر هذه النعم، وأن الله ساقها إليه من غير حول منه ولا قوة، وأنه قد حُرم منها الكثيرون، والله -تبارك وتعالى- ناظر إلى شكره وعمله وحاله، فهو بين وجل وحياء، فمثل هذا لا يصلح له التعاظم وأن ينسى نفسه، ويبطر، ويكون في حال من الغفلة بسبب هذه النعمة.

وإذا جاء المكروه فهو أيضًا على حال من الرضا، أو الشكر، أو الصبر، فهو يتقلب بين هذه المراتب الثلاث، لكنه لا يجزع؛ لأنه يعلم أن الله اختار له ذلك، وأن الله عليم حكيم، فهو يرضى بما اختاره الله له، ويعلم أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، هكذا تتروض النفس، فقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ.

وهذا يدل على أن هذه الأوصاف المذكورة هي المخرج، وأن لها تأثيرًا بليغًا لعلاج هذه الجوانب في نفس الإنسان، بعيدًا عن كثير من الفلسفة، وما قد يقوله القائلون في هذا الباب في معالجة طبائع الإنسان، وما يحصل له في حياته من مخاوف وقلق يفتك بكثير من النفوس، ويحول عافيتها وسعادتها إلى علل وأوصاب موهمة، أو يتوقعها ويتخوفها في المستقبل، أو أن ذلك يكون في حال من التخوف والقلق على مستقبله، وماله وما يصير إليه في الأمور المادية الدنيوية، فهذا عامة ما يعصف بالنفوس، ويورثها القلق.

فتجد الذي لا زال في أيام دراسته، ومقتبل العمر يفكر كثيرًا أين سيذهب؟ وأين سيعمل؟ وإذا تخرج هل سيجد ما يكفيه أو يغنيه، ومن يعمل فهو أيضًا يتوقع أمورًا، ومن كان في عافية يتوقع المرض، ومن كان مريضًا فهو يتوقع العطب، وهكذا تجد هذه المخاوف تنتاب الإنسان، وتتوارد على نفسه، فيكون ذلك على حساب عافيته وراحته، وطمأنينته وسكينته.

فإذا كان الإنسان بهذه الأوصاف من أهل الصلاة الذين يداومون عليها، وكذلك أيضًا يكون من أهل الإنفاق لاسيما الزكاة، ومع يقينه بالآخرة، وخوفه من عذاب الله ، مع صيانةٍ وعفاف وحفظ للفرج، فإن هؤلاء مع ما ذُكر من الأوصاف التي تدل على كمال التقوى والإيمان، فمثل هذا لا مكان للقلق في نفسه، ولا للجزع ولا للطمع، والشح والحرص والمنع، كل ذلك يزول ويذهب بحسب إيمان العبد.

فإذا رأى العبد من نفسه اتصافًا بشيء من هذه الأوصاف المذمومة فليعلم أن ذلك لنقص في تحقيق هذه الأوصاف المذكورة من أحوال أهل الإيمان، هي هكذا، ولا يحتاج الإنسان إلى كلام كثير يقال له من توصيف لربما يفتقد العلاج الحقيقي، ولربما أدوية قد لا تزيده إلا وهنًا، فلربما تضع من قوته ونشاطه وعافيته، فيصير في حال من الخمول والضعف البدني، بسبب تعاطي هذه الأدوية التي تعالج جانبًا -إن عالجته- أو تسكن ذلك، ولكنها أيضًا تهدم جوانب أخرى.

يرفع العبد رأسه عاليًا، ويتوكل على الله ، ويقبل عليه بكليته، وإذا ذكره بقلبه قبل أن يذكره بلسانه، ويكون قلبه منكسرًا لله ، مخبتًا، وتكون يده تجود بالنفقة فمثل هذا لا مكان لهذه المخاوف والقلق والأوصاب والعلل النفسية بحال من الأحوال إلى نفسه، وإلا فما نقص من هذه الأوصاف -أوصاف أهل الإيمان- لابد أن يكون في المقابل هذه المخاوف والقلق والضيق والضجر، ويكون في حال من الاضطراب في أيام العافية وفي أيام البلاء، هو يكون هكذا -نسأل الله العافية.

وهذا حال كثير من الخلق وإن لم يفصح الكثيرون عنه، يعتري هذه النفوس ما يعتريها مما يدرى سببه أو لا يدرى سببه، والسبب هو يرجع إلى هذا، السبب الحقيقي يرجع إلى هذا، مما علم سببه يقول: عندي صفقة خسرت، عندي كذا، انخفاض كذا، الأسواق، كساد، أمراض، في كذا، أو مما لا يعرف سببه، سواء عرف أو لم يعرف، هي قضية اليقين هذا، والإيمان ضعُفَ فقويت الجوانب الأخرى، وإذا قوي تلاشت الجوانب الأخرى، حتى يكون العبد في جنة قبل جنة الآخرة.

الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ قيل: معناه يحافظون على أوقاتها وواجباتها، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي.

وقيل: المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع، كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [سورة المؤمنون:1، 2] قاله عقبة بن عامر، ومنه الماء الدائم، وهو الساكن الراكد، وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة، فإن الذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده ليس بدائم على صلاته؛ لأنه لم يسكن فيها ولم يدم، بل ينقرها نقر الغراب، فلا يفلح في صلاته.

وقيل: المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه، كما جاء في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله ﷺ أنه قال: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل[6].

قوله -تبارك وتعالى: إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ هنا قال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ ما قال: "إلا الذين يصلون" فإن ذكر هذا الوصف بهذه الصيغة: إِلَّا الْمُصَلِّينَ"فلان من المصلين" هذا يدل على لزوم هذه الصفة، وجاء ما يكشف عن ذلك ويبينه، بقوله: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ.

وأقوال السلف هنا افترقت على هذه المناحي الثلاث، باعتبار: أن بعضهم نظر إلى أن هذا الوصف هو في حال الصلاة: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ففسره بالسكون، يعني هو حينما يصلي يكون متصفًا بهذا الوصف: دَائِمُونَ أي: ساكنون، بلا حركة، يعني من السكون، ففسر بالخشوع، فإن الحركة تنافي الخشوع.

ومن نظر إلى معنى أعم من هذا، لكنه يتصل بالصلاة نفسها: عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ قال: "يحافظون" يحافظون على أوقاتها وأركانها وشروطها، فهؤلاء هم الذين يقيمونها: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [سورة العنكبوت:45].

دَائِمُونَ هل هو دائم في نفس الصلاة حينما يكبر؟ أو المقصود دائم على هذه الصلوات بمعنى أنه يحافظ عليها غاية المحافظة، لا يضيعها: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:4، 5].

ومنهم من نظر إلى معنى أوسع، باعتبار: أن المقصود بالصلاة العبادة، فقالوا: إنهم إذا عملوا عملاً داوموا عليه.

والأقرب -والله تعالى أعلم- أن ذلك يتعلق بالصلاة.

ولو قيل: إنه يشمل المعنيين الأولين باعتبار: أنهم في حال من السكون، والدوام فيها، فهم أهل خشوع، وكذلك أيضًا هم محافظون عليها: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، لكنه -والله تعالى أعلم- أعلق بالمداومة، بمعنى المحافظة عليها؛ لأنه عبر بـ"على" ما قال: "الذين هم في صلاتهم دائمون" وإنما قال: عَلَى صَلَاتِهِمْ فهذا يشعر بمعنى المحافظة على أوقاتها، وعدم تضييع شيء منها.

ابن جرير يقول: وهم على أداء ذلك مقيمون، لا يضيعون منها شيئًا.

وهذا هو المعنى نفسه الذي أشرت إليه آنفًا قول من قال: يحافظون على أوقاتها وواجبتها، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي.

لكنّ الأولين الذين قالوا: بمعنى السكون في الصلاة، القرينة التي لربما نظروا إليها فحملتهم على هذا القول، يعني نحن أحيانًا نستغرب لربما يكون القول في نظرنا أن غيره أوضح منه، وأكثر تبادرًا إلى الأذهان، لكن انظر لمّا ذكر هذه الأوصاف، ذكر في أواخر الأوصاف المذكورة: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَالمحافظة هنا المحافظة على أوقاتها وشرائطها وواجباتها وأركانها، أليس كذلك؟

فمن أجل أن لا يكون ذلك من قبيل التكرار، هذه صفة وهذه صفة: عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ يقال: ساكنون، الأول في الخشوع، والثاني في المحافظة على الأوقات والشرائط والأركان.

فهذا له وجه قوي، وقد يكون ذلك من المرجحات.

في كثير من الأحيان ننظر إلى القول أحيانًا لأول وهلة، فنقول: إن غيره أوضح، من جهة اللفظ، أو السياق، أو التبادر إلى الذهن، ولكن إذا نظرت إلى التعليل فإنك قد تقول: إن الراجح هو غير هذا، وهذا كثير في مسائل الفقه، بل حتى في أمور الناس وقضاياهم، لربما تستهجن التصرف، أو الرأي، وإذا سمعت علته عند صاحبه، تقول: له وجه، فلا يستعجل الإنسان في تهجين الأقوال، أو في رمي أصحابها بالغفلة، أو الجهل، وإنما يتأنى ويسمع، فقد يكون لهم من النظر ما يحوله إلى قولهم ورأيهم.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ: "السكون في الصلاة هو الدوام، قال عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة حدثني يزيد بن حبيب أن أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ أهم الذين يصلون دائمًا؟ قال: لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه.

قلت: هما أمران:

الدوام عليها، والمداومة عليها.

فهذا الدوام، والمداومة في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، وفسر الدوام بسكون الأطراف والطمأنينة"[7].

تأمل هذا التعليق في الطبعة الجديدة "ثلاث مجلدات" غير موجود في هذه ذات المجلدات الخمس، والفرق بين النسختين من بدائع التفسير الذي جُمع لابن القيم أن الطبعة الجديدة حذف فيها أشياء لا تعلق لها بالتفسير، استطرادات وأشياء، هذا من جهة.

من جهة أخرى في الطبعة هذه ذات المجلدات الخمس أشياء مبتورة، يبدأ الكلام مبتورًا، أو يترك في آخره مبتورًا، فروجعت هذه المواضع.

الأمر الثالث: هو أنه توجد نقولات عن ابن القيم، ومواضع لم تذكر في الطبعة ذات المجلدات الخمس، فأضيف ما أضيف، وربما بقيت أيضًا أشياء، لكن على كل حال الشامي -حفظه الله- أدرى بكتب ابن القيم، وأعرف، وأكثر ممارسة، فالمقصود ألا يهولنّك أن هذه ذات خمسة مجلدات، فتقول: ذهب اثنان، فصارت ثلاثة مجلدات، فتحرص على الطبعة القديمة، الطبعة الجديدة أفضل وأكمل، فيها مواضع ليست في القديمة مثل هذا.

في قوله -تبارك وتعالى: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ هذا الحق ما هو؟

يقول: نصيب مقرر لذوي الحاجات.

هذا الحق المعلوم ذهب جماعة من السلف كقتادة وابن سيرين إلى أنه: الزكاة، وهو الذي اختاره ابن جرير   -رحمه الله، ويدل على ذلك أمران، يعني يدل على ذلك قرينتان في هذا الموضع:

الأول: أنه وصفه بقوله: مَّعْلُومٌ وأنه: حَقٌّ فهذا الحق المعلوم هو الزكاة، وليس مطلق النفقات أو الصدقات هي الحق المعلوم.

والقرينة الثانية: هو أنه قرنه بالصلاة، والغالب في القرآن أن يقرن بين الصلاة والزكاة: يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [سورة المائدة:55].

وقد مضى الكلام على تعليل ذلك -يعني الاقتران بين الصلاة والزكاة كثيرًا في القرآن، فهذا كله يدل على أن هذا الحق المعلوم: هو الزكاة، خلافًا لمجاهد -رحمه الله.

وهذا الحق المعلوم "للسائل والمحروم" هنا قال: "لذوي الحاجات".

السائل: ابن جرير يقول: السائل الذي يسأل المال، والمحروم، يقول: من حرم الغنى، فهو فقير.

وبعضهم يفسر المحروم بغير هذا، وقد مضى الكلام على ذلك.

وبعضهم يقول: المحروم هو الذي يعمل ويذهب ويتسبب، ولكنه لا يعود بطائل، يعني ليس بعاجز عن العمل، ولكنه يذهب ولا يرجع بشيء.

وبعضهم يقول: إن المحروم هو الذي لا يسأل، فقير ولا يسأل، ولا يتفطن له الناس، فيتصدقون عليه، أما الأول فهو الذي يسأل، وهذا الثاني يتعفف، مع أنه نقل عن بعض السلف كعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أن المحروم هو الكلب، لكن هذا التفسير المقصود به التنبيه على معنى قد يغفل عنه بعض الناس، أو يغفل عنه الكثيرون، هو لا يفسر المحروم بالكلب، هو يعرف المقصود بالمحروم، ولكنه ذكر صورة من صور الحرمان، أو فردًا من أفراد المحرومين، وإلا فإن المحروم هو الإنسان الذي يتصف بهذه الصفة.

لكن هذا مثل: لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى [سورة النساء:43] ما جاء عن ابن عباس: أي في حال النعاس، هو يعرف معنى السكر، وأنه ليس النعاس، ولكنه ذكر حالاً قد يغفل الناس عنها، وهو أن الإنسان في حال مغالبة النعاس يكون مثل السكران، يريد أن يدعو لنفسه فيدعو عليها، يقرأ الفاتحة في التشهد، أو في السجود، فهذا يخلط كما يخلط السكران، فأشار إلى هذا المعنى الذي قد يُغفل عنه، وإلا فهو يعرف معنى السكر، وهو من علماء الصحابة، وأئمة التفسير، ومن أهل اللغة.

فهنا المحروم حينما فسره بالكلب قصد بذلك أن الكلب يُزجر عادة ويطرد، وهو مشهور بهذا: إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يعني تطارده: يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [سورة الأعراف:176] فمثل هذا إطعامه لا يستهان به، امرأة -كما هو معلوم- غُفر لها -بغي من بغايا بني إسرائيل- بسبب شربة سقتها ذلك الكلب.

ليس هذا هو تفسير الآية، لكن المقصود أنك قد تسمع قولاً يكون في غاية الاستبعاد بالنسبة إليك، لكن هو معلل بهذا، موجه بهذا.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب، ويخاف العقاب، ولهذا قال تعالى: وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ أي: خائفون وجلون.

تأمل هنا في تفسيره: يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ فجعل هذا التصديق بالقلوب والأعمال.

قد تقول: كيف يكون التصديق بالأعمال؟

يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ هنا: يعملون عمل من يرجو الثواب، ويخاف العقاب، فحالهم وعملهم وواقعهم واقع المصدقين، لكن الإنسان قد يصدق بلسانه، ويعلم أن الآخرة حق، ولكنه في عمله يكون على حال من لا يؤمن بالآخرة، ولا يرجو حسابًا، فيقع في ما حرم الله عليه، ويأخذ ما لا يحل، ويتخوض في مال الله وفي أموال الناس، وما إلى ذلك، كأنه لا يحاسَب، فهذا في واقعه وعمله على حال بعيدة عما يكون عليه أهل الإيمان والتصديق.

وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ أي: خائفون وجلون.

سبق أن بينا أن الإشفاق خوف خاص، الإشفاق، والخشية، الخشية خوف مع علم بالمخوف منه، بخلاف الخوف المطلق، والإشفاق خوف مع رقة.

إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أي: لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله -تبارك وتعالى.

يعني لا يكونون في حال من الأمن، بحيث إن الواحد منهم يكون قد اعتقد النجاة والسلامة، وأنه عند الله -تبارك وتعالى- بمكان، فضمن الثواب والجزاء الحسن والجنة، بل المؤمن في خوف دائم، ولهذا ذكر الله عن أهل الجنة قولهم إذا دخلوا الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [سورة فاطر:34].

وفسر الحزن في هذا الموضع بالخوف؛ لأن الحزن في الأصل هو من جراء أمر فائت، أما الخوف فهو في أمر مستقبل.

فهذا الحزن الذي ذكروه في الدنيا فسر بالخوف، والإشفاق من الآخرة.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ أي: يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه، ولهذا قال تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ أي: من الإماء فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.

وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [سورة المؤمنون:1] بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وهذا استدل به على أن كل استفراغ للشهوة في غير هذين السبيلين: الأزواج والإماء، فإن ذلك مما حرمه الله -تبارك وتعالى.

كل استفراغ للشهوة بأي شيء كان، فإنه يحرم إذا كان في غير هذين الأمرين: الزوجة والأمة؛ لأنه هنا وصفهم بهذا الوصف وأطلقه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ وجاء بالاسم هنا الدال على الثبوت، فهذا وصف ثابت لهم، ثم استثنى وقال: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فدل على أن من استفرغ شهوته في غير هذا فهو من الملومين، يلحقه اللوم والمؤاخذة، قال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ يعني الذين تجاوزوا حد الله -تبارك وتعالى.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما ورد في الحديث الصحيح: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان[8].

وفي رواية: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر[9].

قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ هكذا قراءة الجمهور بالجمع.

وعلى قراءة ابن كثير بالإفراد: {لأمَانَتِهم وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ هنا يشمل الأمانات التي ائتمنهم الله عليها، فهي داخلة في هذا، والدين كله بهذا الاعتبار داخل فيه، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [سورة الأحزاب:72].

وقد مضى الكلام على هذا، وأن ذلك يشمل الدين ابتداء من الاعتقاد، وكذلك شرائع الإيمان، وهذا لا ينافي ما يذكره بعض أهل العلم من تقسيم للبيان والتوضيح، من أن الدين منه ما هو شعائر، ومنه ما هو أمانات، الشعائر: الأشياء الظاهرة كالأذان، وإطلاق اللحية، والحجاب للمرأة، وصلاة الجماعة، وما إلى ذلك، والأمانات: هي الأشياء التي لا يطلع الناس عليها مثل الطهارة، كون الإنسان يصلي بطهارة، الناس لا يعرفون، فهذا مما يؤتمن عليه الإنسان، وكذلك أيضًا الصيام من الأمانات، ونحو هذا، فهذا كله داخل في الأمانات، فحقوق الله ما ائتمن الله العبد عليه.

ويدخل في ذلك هذه النفس، وهذا الجسد، فإن الله ائتمنه على ذلك، فليس له أن يتصرف فيه تصرفًا لا يحل، ومن ثَمّ فإنه ليس له أن يقتل نفسه، أو أن يعرضها للتلف، أو أن يتبرع بشيء من أبعاضه وأجزائه -التبرع بالأعضاء، فإنه لا يملكها حتى يتبرع بها، فضلاً عن أن يبيعها، فإن الذي يبيع هو الذي يملك، والذي يتبرع هو الذي يملك، وإنما يملك هذه الأجساد ربُّها -تبارك وتعالى، فأما الإنسان فهو مؤتمن عليها، يجب عليه أن يحافظ عليها.

لذلك هؤلاء الذين يغرر بهم، ويُعطَون هذه الأوراق يملئونها، وهم لربما طالبات أو طلاب يأتيهم من يستدر عواطفهم في المدرسة، ويقول لهم: هذا بعد موتك، ويكون لك ذخرًا إلخ، فيملأ هذه الورقة وتبقى، فإذا حصل له شيء أو جيء به منقولاً في حادث أو نحو ذلك -هو لم يمت أحيانًا، وإنما قد يكون مما يسمى بالموت الدماغي، يعني لا زال في حكم الحياة شرعًا- جزروه، فقطعوه أوصالاً، وسلخوا جلده، وأخذوا منه كل عضو، حتى العظام وهو حي، يجزر وهو حي، يقطع وهو حي، تؤخذ أعضاؤه وهو حي، هذه جريمة، وقتل لنفس -والله المستعان، فليس للإنسان أن يتبرع لا في حياته ولا بعد موته؛ لأنه لا يملك هذا، لكن الشيء الذي لا يتضرر به وينتفع به غيره، بل قد ينتفع هو ببذله، مثل الدم، إن كان لا يضره، فإن ذلك يحصل به فائدة للمتبرع، ويحصل به فائدة لغيره، لكن لا يجوز بيعه، ولا أخذ المكافأة عليه، يقال: نعطيك خمسمائة ريال، ليس له هذا.

هذا ما يتعلق بالأمانات التي ائتمنهم الله عليها، بقي الأمانات المتعلقة بالمخلوقين، مثل الودائع، فإنه يردها على أصحابها، وهكذا الديون، وحفظ الحقوق، حفظ الأولاد هؤلاء أمانة، الزوجة إذا تزوج امرأة -عقد عليها- فهذه أمانة في يده انتقلت إليه، يجب عليه صيانة هذه المرأة، والمحافظة عليها، والقيام عليها، بما يجب، فيأمرها بالحجاب، والعفاف، والستر، ويحملها على الفضائل، وترك الرذائل، كل هذا من القيام بهذه الأمانة، فلا يكون مضيعًا لها، فكل هذا داخل فيه.

كذلك العهود والعقود التي تكون بين العبد وربه وبين العبد والمخلوقين، النذر أمانة، الكفارات أمانة بأنواعها، كذلك ما يعاهد به العبد ربه، وقل مثل ذلك في عقود وعهود المخلوقين، عهود الحرب والسلم، ما يحصل من حلف، وما إلى ذلك، وكذلك أيضًا في العقود بين الناس في المبايعات والشركات والأعمال مما يكون من قبيل الصناعات، وغيرها، فحينما يلتزم لهم بمدة معينة، أو بصفة معينة، يؤديها لهذا العمل، أو بوقت يقضيه في عمله، أو في أحوال وأمور شارطوه عليها، فيجب عليه أن يؤدي ذلك، ولا يحتاج إلى من يتابعه ويراقبه، وينقب في أحواله، هل قام بذلك أو لا، هذه صفات أهل الإيمان، وما عدا ذلك فهو من صفات المنافقين: إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر[10].

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها، ولا يكتمونها: وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [سورة البقرة:283].

وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ قراءة الجمهور في هذا الموضع بالإفراد: "بشهادتهم"، والقراءة التي نقرأ بها هي قراءة حفص، وهي رواية عن ابن كثير بالجمع: بِشَهَادَاتِهِمْ.

الحافظ ابن القيم -رحمه الله- له تعليق في هذا، يقول -رحمه الله تعالى- معلقاً على قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ: "فيكون قائمًا بشهادته في باطنه وظاهره وفي قلبه وقالبه، فإن من الناس من تكون شهادته ميتة، ومنهم من تكون نائمة، إذا نبهت انتبهت، ومنهم من تكون مضطجعةً، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب، وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن، فروح ميتة، وروح مريضة إلى الموت أقرب، وروح إلى الحياة أقرب، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن.

وفي الحديث الصحيح عنه ﷺ: إنّي لأعلم كلمةً لا يقولها عبد عند الموت إلا وجدتْ روحُه لها رَوحًا[11].

فحياة هذه الروح بهذه الكلمة، فكما أنّ حياة البدن بوجود الروح فيه، وكما أنّ من مات على هذه الكلمة فهو في الجنّة يتقلَّب فيها، فمن عاش على تحقيقها، والقيام بها، فروحه تتقلّب في جنة المأوى، وعيشها أطيب عيش، قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [سورة النازعات:40، 41].

فالجنة مأواه يوم اللقاء، وجنةُ المعرفةِ والمحبة والأنس بالله، والشوقِ إلى لقائه، والفرح والرضا به وعنه مأوى روحه في هذه الدار"[12].

هذا الموضع أيضًا في كلام ابن القيم غير موجود في هذه الطبعة ذات المجلدات الخمس، وإنما موجود في الطبعة الجديدة في ثلاثة مجلدات، مما يبين لك فضل هذه الطبعة المختصرة، وهي ليست مختصرة، لكن -كما سبق- حذف منها ما لا تعلق له بالتفسير.

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، فافتتح الكلام بذكر الصلاة، واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها، والتنويه بشرفها، كما تقدم في أول سورة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [سورة المؤمنون:1] سواء، ولهذا قال هناك: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۝ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة المؤمنون:10، 11]، وقال هاهنا: أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ أي: مكرمون بأنواع الملاذ والمسارّ.

هنا الحافظ ابن كثير -رحمه الله- فسر ذلك بما سبق: يُحَافِظُونَ يعني على مواقيتها وأركانها وواجباتها، وبنحو هذا قال ابن جرير -رحمه الله، فيكون ذلك التكرار من أجل الاعتناء، إذا قلنا: إن الأول بمعنى الثاني، أي أن قوله: دَائِمُونَ هو بمعنى ما ذكر بعده في آخر هذه الأوصاف: يُحَافِظُونَ، دَائِمُونَ يعني في المحافظة على أوقاتها وشروطها، على هذا القول، فيكون ذلك لمزيد من الاعتناء، وهذا ترجع إليه عبارات السلف، كقول قتادة: على وضوئها وركوعها وسجودها... إلى آخره، كل هذا داخل فيه، إلا أن بعضهم حمله على التطوع في هذا الموضع، ولا دليل عليه، إلا أن يكون أراد التفريق بين الموضعين، يعني أن الأول في الفرائض، والثاني في التطوع، كما جاء عن ابن جريج -رحمه الله، ولكن الذي يظهر -والله أعلم- أن ذلك لا يختص بالتطوع.

وبعضهم يقول: إن الدوام هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل، لا يشتغل عنها بشيء، وأن المحافظة أن يراعي الأمور التي لا تكون الصلاة إلا بها، شرائطها وأركانها وواجباتها، ونحو ذلك.

وبعضهم حمل المحافظة على حال تكون بعدها، بمعنى أنه لا يأتي بعدها بما يبطلها ويحبطها، ويحبط ثوابها، وهذا كأنهم نظروا إلى لفظ المحافظة من جهة، وأيضًا طلب المفارقة في المعنى بين الأول والثاني، فهنا في الموضع الأول: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ.

وفي الموضع الأخير: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ فكأن هؤلاء نظروا إلى هذا، فقالوا: يحافظون عليها، فلا يذهب أجرها وثوابها بما يبطلها بعد أدائها.

وهذا -والله أعلم- لا حاجة إليه.

فكما سبق أن هذه الأخيرة: أن قوله: عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ قرينة احتج بها من قال: إن الموضع الأول الذي وصفوا فيه بالمداومة: أن ذلك المقصود به السكون في حال الصلاة، يعني الخشوع، ففرقوا بين الموضعين بهذا.

ويمكن التفريق بينهما: بأن المداومة تعني المحافظة، لا يصلي أحيانًا، ويترك أحيانًا، وقد يتضمن ذلك السكون فيها، الدوام بمعنى: السكون.

وأما الموضع الآخر: آخر هذه الأوصاف: هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ المحافظة عليها أن يأتي بما لا تكون الصلاة إلا به، ويدخل في ذلك الوقت والشرائط والأركان والواجبات، مع عدم تركها، والسهو عنها، لا يشتغل عنها بشاغل، فهو محافظ عليها.

فالمقصود أنهم وصفوا بوصفين فيما يتصل بالصلاة: الدوام، والمحافظة، فلان متصف بالدوام على هذه الصلاة، أو في هذه الصلاة، وكذلك المحافظة.

وقلنا: إن "على" في الموضع الأول: عَلَى صَلَاتِهِمْ يشعر بالمداومة على هذه الصلاة، أن يحفظ الوقت، ويداوم عليها بأن لا ينقطع ولا يترك فرضًا منها، وأن ذلك لو كان المراد به السكون في نفس الصلاة لقيل: في صلاتهم، ولكن هذه قرينة، وتلك قرينة، ولا شك أن التأسيس مقدم على التوكيد، كون الآية الثانية تؤسس معنى جديدًا أولى من القول بأنها تؤكد المعنى السابق، لأهمية الصلاة، وكون الصلاة تذكر بوصفين لحال المصلين، في أول أوصاف أهل الإيمان وفي آخرها، لا شك أن هذا يدل على أهمية هذه الصلاة، وأنها ذات أثر بليغ في ترويض النفوس، ومداواة عللها، فيحصل لها السكون والطمأنينة، فلا تذهب بها المخاوف والعلل النفسية، فيكون العبد في حال من القلق والضيق والكآبة، بسبب هذه المكابدات: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [سورة البلد:4] ولا يحصل له طغيان حينما تحصل له النعمة.

وهذه الموصولات مكررة لهذه الأوصاف، قال: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ۝ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ.

كرر هذه الموصولات، فهذا يدل على أن كل وصف من هذه الأوصاف المذكورة بمنزلة، وأنه لجلالته يستحق أن يوصف، أو أن يستقل بموصوف منفرد، يعني كان يصح الكلام من جهة اللغة أن يقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ، وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وهم يصدقون بيوم الدين، وهم من عذاب ربهم مشفقون، وهم لفروجهم حافظون، وهم لأماناتهم وعهدهم راعون، وهم بشهاداتهم قائمون، وهم على صلاتهم يحافظون، لكن في كل وصف من هذه الأوصاف جاء بالموصول: "والذين هم" "والذين" "والذين" "والذين" كل وصف جعله بهذه المثابة، أبرزه، كل وصف من هذه الأوصاف هو بمنزلة، بحيث يستحق أن يستقل بموصوف على سبيل الانفراد.

فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ۝ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ۝ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ۝ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ۝ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ۝ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ۝ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ۝ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ۝ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [سورة المعارج:36-44].

يقول تعالى منكرًا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي ﷺ، وهم مشاهدون له، ولِمَا أرسله الله به من الهدى، وما أيده الله به من المعجزات الباهرات، ثم هم مع هذا كله فارون منه، متفرقون عنه، شاردون يمينًا وشمالا، فرقًا فرقًا، وشيعًا شيعًا، كما قال تعالى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ۝ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ۝ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ  [سورة المدثر:49-51] الآية.

وهذه مثلها، فإنه قال تعالى: فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ أي: فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مُهْطِعِينَ أي: مسرعين نافرين منك، كما قال الحسن البصري: مُهْطِعِينَ أي: منطلقين.

يعني هنا الإهطاع هو الإسراع، "مهطعين" يعني: مسرعين، هذا استفهام أيّ شيء لهم حواليك مسرعين؟ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ يعني مسرعين، يسرعون إليك، بماذا؟ ماذا يريدون بهذا الإسراع؟ ما المراد بهذا الإسراع؟ ما الغرض من هذا الإسراع؟

بعضهم يقول: ما بالهم يسرعون إليك فيجلسون حواليك عن اليمين والشمال، ولا يعلمون بما تطالبهم به، أو بما تأمرهم به.

وبعضهم يقول: هذا الإسراع المراد به التكذيب فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ يعني يسارعون في تكذيبك، ويجلسون عنك يمنة ويسرة، في جماعات متفرقين في صحن الكعبة، وهم في أسوأ حال.

وبعضهم يقول: يسرعون إلى السماع منك، يأتون، تدعوهم ويتهافتون على المجيء، ليستمعوا، ثم بعد ذلك يحصل منهم الاستهزاء والتكذيب: فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ يسرعون إليك ثم يكذبونك.

وبعضهم فسر ذلك بالإسراع بالنظر، ينظرون إليك، هذا قاله بعض السلف كالكلبي، ولكن يبدو أنه ليس من قبيل المعنى الظاهر المتبادر، -والله تعالى أعلم.

وفسره بعضهم بما يقرب من معناه، فقال كقول قتادة: مُهْطِعِينَ أي: عامدين، يعني يقصدونك، لكن ليس هذا بمعنى الإسراع من حيث هو، وهكذا قول من قال: إن ذلك بمعنى مد الأعناق إليك، وهذا بمعنى قول من قال -كالكلبي: إنهم ينظرون إليك مُهْطِعِينَ أي: بأنظارهم.

فما لهؤلاء الكفار يسرعون إليك: قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ۝ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ما لهؤلاء الكفار في حال من الإسراع إليك إما بالتكذيب وإما بأنهم يبادرونه ويقبلون عليه، ولكن من غير جدوى، يعني من غير إيمان، وقبول لما تدعوهم إليه؟

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ يعني جماعات متفرقة، فهذا جمع عِزَة، والمقصود بها المجموعة أو العصبة من الناس، يجلسون جماعات متفرقة.

وبعضهم يقول: أصله من العِزْوة، يعني العَزْو، كل مجموعة -كل طائفة- تعتزي إلى غير ما تعتزي إليه الأخرى.

ولكن المشهور هو الأول، يعني جماعات متفرقة، لهذا قال صاحب الصحاح: إن العِزَة هي الفرقة من الناس، وتجمع على "عِزون" و"عِزِيّ".

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ واحدها عِزَة، أي متفرقين، وهو حال من مُهْطِعِينَ أي: في حال تفرقهمواختلافهم.

وقال العوفي عن ابن عباس: فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ قال: "قبَلك ينظرون".

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ قال: "العزين العُصب من الناس عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ معرضين يستهزئون به.

وبنحو هذا قال كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله، أي أن هؤلاء يجلسون عن يمين وشمال مع حال من الإعراض والاستهزاء.

وعن جابر بن سمرة: أن رسول الله ﷺ خرج عليهم وهم حِلَق، فقال: ما لي أراكم عزين؟ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير[13].

وقوله تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ۝ كَلَّا أي: أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله ﷺ، ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟ كَلَّا بل مأواهم جهنم.

ثم قال تعالى مقررًا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه، واستبعدوا وجوده، مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها، وهم معترفون بها، فقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ أي: من المني الضعيف، كما قال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ [سورة المرسلات:20].

وقال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ۝ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ۝ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ۝ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ۝ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ۝ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ [سورة الطارق:5-10].

ثم قال تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ أي: الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقًا ومغربًا، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها.

وتقرير الكلام: ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة، ولهذا أتى بـ"لا" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة.

وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات، ولهذا قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سورة غافر:57].

وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة الأحقاف:33].

وقال تعالى في الآية الأخرى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ۝ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس:81، 82].

وقال هاهنا: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ ۝ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه، فإن قدرته صالحة لذلك وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي: بعاجزين؛ كما قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ ۝ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ [سورة القيامة:3، 4].

وقال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ۝ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة الواقعة:60، 61].

واختار ابن جرير: عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ أي: أمة تطيعنا ولا تعصينا، وجعلها كقوله: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [سورة محمد:38] والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأُخَر عليه، -والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله -تبارك وتعالى- هنا: كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ يعني: من ماء مهين.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا فسر قوله: فَلَا أُقْسِمُ قال: "ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة، ولهذا أتي بـ"لا" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام"، يعني أن "لا" في هذا الموضع: فَلَا أُقْسِمُ نفي لمضمون كلام لهم من إنكار البعث والإعادة، وهذا قد مضى الكلام عليه في مواضع من كتاب الله -تبارك وتعالى، فيما يتصل بدخول "لا" في القسم، هل هي متعلقة بمقدر، يعني أنها للنفي على بابها، "لا" لما تقولون، "لا" لما تزعمون، ثم أقسم.

أو أنها كما يقول بعضهم: زائدة إعرابًا لتأكيد القسم، أو أنها للنفي على بابها، بمعنى أن هذا الأمر لا يحتاج إلى قسم لوضوحه وظهوره.

وقوله -تبارك وتعالى- هنا: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ جمع المشارق والمغارب، هنا الحافظ ابن كثير ذكر أن ذلك -يعني الجمع- باعتبار مشارق الكواكب ومغاربها، وقد مضى الكلام على مثل هذا، وأنه يمكن أن يكون المقصود به مشارق الشمس أيضًا ومغاربها، باعتبار أنها تتحول في سائر العام، فيكون لها في كل يوم مشرق ومغرب، فهي تنحرف في درجة الميل، صيفًا وشتاءً، فذات اليمين وذات الشمال، يعني إلى أقصى نقطة من تحولها في الجنوب إلى أقصى نقطة في تحولها في الشمال، ولذلك نشاهد تحول الظل صيفًا وشتاءً، فهي في طلوعها وغروبها يكون فيها درجة من الميل، كما هو معروف، تتحول هذه الدرجة هكذا في كل حين، حتى تكون إلى منتهى ذلك في الشتاء، ثم بعد ذلك تبدأ ترجع إلى منتهى هذا الميل صيفًا، فهذه كلها مشارق ومغارب باعتبار هذه الدرجات في ميلها، فبعض أهل العلم يفسر المشارق والمغارب: مشارق الشمس ومغاربها، بهذا الاعتبار.

وبعضهم يقول: مشارق الشمس والقمر، والنجوم والكواكب، فهي تشرق وتغرب.

وقوله -تبارك وتعالى: عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ قال: أي: يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه.. إلى آخره.

ويحتمل أن يكون المعنى: أن يكون التبديل: أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ يعني أن الله -تبارك وتعالى- قادرٌ القدرة المطلقة على إنشاء الخلق، وعلى تبديلهم أيضًا، فهو يخلق ما يشاء، إما أن يكون ذلك بإعادة هذه الأجساد إعادة ثانية، بأتم وأكمل مما كانت عليه، أو أن يكون المراد بذلك أن يبدل الله -تبارك وتعالى- هؤلاء المخلوقين بخلق يخلقهم وينشئهم أتم وأكمل من هؤلاء، فهو على كل شيء قدير.

وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ قال: أي: بعاجزين.

وكذا قول من قال: بمغلوبين، يعني إذا أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا، لا يفوتنا شيء، ولا يعجزنا أمر.

الحافظ ابن القيم -رحمه الله- له تعليق على بعض هذه المواضع، قال -رحمه الله تعالى- معلقًا على قوله تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ۝ كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ: "وأنت إذا تأملت ارتباط إحدى الجملتين بالأخرى وجدت تحتها كنزًا عظيمًا من كنوز المعرفة والعلم، فأشار سبحانه بمبدأ خلقه مما يعلمون من النطفة، وما بعدها إلى موضع الحجة، والآية الدالة على وجوده ووحدانيته، وكماله وتفرده بالربوبية والإلهية، وأنه لا يحسن به مع ذلك أن يتركهم سدى، لا يرسل إليهم رسولا، ولا ينزل عليهم كتابًا، وأنه لا يعجز مع ذلك أن يخلقهم بعدما أماتهم خلقًا جديدًا، ويبعثهم إلى دار يوفيهم فيها أعمالهم من الخير والشر، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم يكذبونني ويكذبون رسلي، ويعدلون بي خلقي، وهم يعلمون من أي شيء خلقتهم؟

ويشبه هذا قوله: نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ [سورة الواقعة:57] وهم كانوا مصدقين بأنه خالقهم، ولكن احتج عليهم بخلقه لهم على توحيده ومعرفته، وصدق رسله، فدعاهم إلى الإقرار بأسمائه وصفاته وتوحيده، وصدق رسله، والإيمان بالمعاد"[14].

ابن القيم -رحمه الله- يبين وجه الارتباط بين قوله: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ مع قوله: كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ما وجه الارتباط بين هذين الأمرين؟ هو يذكر أن الإشارة إلى مبدأ الخلق مما يعلمون من النطفة، وما بعدها إلى موضع الحجة، والآية الدالة على وجوده ووحدانيته، يشير إلى هذا، إلى كماله وتفرده بالربوبية والإلهية، وأنه لا يحسن به مع ذلك أن يتركهم سدى، فالذي خلقهم هذا الخلق وأنشأهم بهذه الأطوار لم يكن ذلك عبثًا منه، وإنما هناك أحوال وأطوار أخرى تعقبها، وأنهم يصيرون إليها، فيجازيهم على أعمالهم، فكيف يطمعون في دخول الجنة مع التكذيب؟!.

وقال -رحمه الله تعالى: في قوله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ: "أقسم سبحانه برب المشارق والمغارب، وهي إما مشارق النجوم ومغاربها، أو مشارق الشمس ومغاربها، وأن كل موضع من الجهة مشرق ومغرب، فكذلك جَمع في موضع، وأفرد في موضع، وثنى في موضع آخر، فقال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [سورة الرحمن:17] فقيل: هما مشرقا الصيف والشتاء، وجاء في كل موضع ما يناسبه.

فجاء في سورة سورة الرحمن: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ لأنها سورة ذكرت فيها المزدوجات، فذكر فيها الخلق والتعليم، والشمس والقمر، والنجوم والشجر، والسماء والأرض، والحب والثمر، والجن والإنس، ومادة أبي البشر، وأبي الجن، والبحرين، والجنة والنار"[15].

يعني الآن "المشرقين" مشرق الصيف والشتاء، يقصد أقصى نقطة في الصيف، وأقصى نقطة في الشتاء، فاعتبر الطرفين، فقال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ أو الشمس والقمر.

وقال -رحمه الله: "وقسم الجنة إلى جنتين عاليتين، وجنتين دونهما، وأخبر أن في كل جنة عينين، فناسب كل المناسبة أن يذكر المشرقين والمغربين.

وأما سورة: سَأَلَ سَائِلٌ فإنه أقسم سبحانه على عموم قدرته وكمالها، وصحة تعلقها بإعادتها بعد العدم، فذكر المشارق والمغارب بلفظ الجمع، إذ هو أدل على المقسم عليه، سواء أريد مشارق النجوم ومغاربها، أو مشارق الشمس ومغاربها، أو كل جزء من جهتي المشرق والمغرب، فكل ذلك آية ودلالة على قدرته تعالى على أن يبدل أمثال هؤلاء المكذبين، وينشئهم فيما لا يعلمون، فيأتي بهم في نشأة أخرى، كما يأتي بالشمس كل يوم من مطلع، ويذهب بها في مغرب.

وأما في سورة المزمل فذكر المشرق والمغرب بلفظ الإفراد، لما كان المقصود ذكر ربوبيته ووحدانيته، وكما أنه تفرد بربوبية المشرق والمغرب وحده، فكذلك يحب أن يتفرد بالربوبية والتوكل عليه وحده، فليس للمشرق والمغرب رب سواه، فكذلك ينبغي أن لا يُتخذ إله، ولا وكيل سواه، وكذلك قال موسى لفرعون حين سأله: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراء:23] فقال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [سورة الشعراء:28]. 

وفي ربوبيته سبحانه للمشارق والمغارب تنبيه على ربوبيته السموات، وما حوته من الشمس والقمر والنجوم، وربوبيته ما بين الجهتين، وربوبيته الليل والنهار وما تضمناه، ثم قال: إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي لقادرون على أن نذهب بهم، ونأتي بأطوع لنا منهم، وخيراً منهم، كما قال تعالى: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [سورة النساء:133].

وقوله: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي: لا يفوتني ذلك إذا أردته، ولا يمتنع مني، وعبر عن هذا المعنى بقوله: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ؛ لأن المغلوب يسبقه الغالب إلى ما يريده، فيفوت عليه، ولهذا عَدّى بـ"على" دون "إلى" كما في قوله: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ۝ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ [سورة الواقعة:60، 61] فإنه لما ضمنه معنى مغلوبين ومقهورين، عداه بـ"على" بخلاف سبقه إليه، فإنه فرق بين سبقتُه إليه، وسبقتُه عليه، فالأول: بمعنى غلبتُه، وقهرتُه عليه، والثاني: بمعنى وصلتُ إليه قبله"[16].

تأمل هنا: لَقَادِرُونَ ۝ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ يقول: أي: لقادرون على أن نذهب بهم، ونأتي بأطوع لنا منهم، يعني خلقًا آخر.

والذي مشى عليه ابن كثير أن نفس الخلق يعاد بأتم مما كان.

وابن القيم يذهب إلى أنه خلقٌ آخر أطوع لله منهم: نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ.

وهذا هو المتبادر أي الذي ذكره ابن القيم -رحمه الله، هذا غير المعنى الذي ذكره ابن كثير، لكن كأن ابن كثير نظر إلى أن الكلام في الاحتجاج عليهم بقدرته على بعثهم، فيقول: قادر على إعادتهم بحال أتم، حيث تستبعدون إعادة الأجساد، فالله يعيدها بحال أتم مما كانت عليه، وليس فقط بحالها التي كانت عليه، أو دون ذلك، يعني نظر إلى أن هذا من باب الرد عليهم.

لكن أيضًا هذا المعنى: أن الله قادر على أن ينشئ أيضًا خلقًا أكمل من هؤلاء، وأحسن حالاً، وأطوع لله منهم.

قال ابن القيم: "وقد وقع الإخبار عن قدرته سبحانه على تبديلهم بخير منهم، وفي بعضها تبديل أمثالهم، وفي بعضها استبداله قوماً غيرهم، ثم لا يكونوا أمثالهم، فهذه ثلاثة أمور يجب معرفة ما بينها من الجمع والفرق، فحيث وقع التبديل بخير منهم فهو إخبار عن قدرته على أن يذهب بهم، ويأتي بأطوع وأتقى له منهم في الدنيا، وذلك قوله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ يعني بل يكونوا خيراً منكم.

قال مجاهد: يستبدل بهم من شاء من عباده، فيجعلهم خيراً من هؤلاء، فلم يتولوا بحمد الله، فلم يستبدل بهم، وأما ذكره تبديل أمثالهم ففي سورة الواقعة وسورة الإنسان، فقال في سورة الواقعة: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ۝ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة الواقعة:60، 61].

وقال في سورة سورة الإنسان: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا [سورة الإنسان:28].

قال كثير من المفسرين: المعنى: أنا إذا أردنا أن نخلق خلقاً غيركم لم يسبقنا سابق، ولم يفتنا ذلك.

وفي قوله: وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا إذا شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلاً منهم.

قال المهدوي: قوماً موافقين لهم في الخلق، مخالفين لهم في العمل.

ولم يذكر الواحدي ولا ابن الجوزي غير هذا القول، وعلى هذا فتكون هذه الآيات نظير قوله تعالى: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ [سورة النساء:133] فيكون استدلالا بقدرته على إذهابهم، والإتيان بأمثالهم على إتيانه بهم أنفسهم إذا ماتوا"[17].

يعني هذا كأنه من باب اللزوم، إذا كان قادرًا على أن يأتي بأمثالهم فهو قادر على أن يأتي بهم، وهكذا إذا كان قادرًا على أن يخلق خيرًا منهم فهو قادر أيضًا على إعادتهم.

ثم قال تعالى: فَذَرْهُمْ أي: يا محمد يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا أي: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي: فسيعلمون غِبّ ذلك، ويذوقون وباله.

فَذَرْهُمْ أي: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم.

وقيل: في خوضهم في باطلهم، ولعبهم في دنياهم.

ذرهم يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا الخوض بالباطل، واللعب في دنياهم.

وهنا قال: دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم.

قال ابن القيم -رحمه الله- معلقاً على قوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ: "وهذا تهديد شديد يتضمن ترك هؤلاء الذين قامت عليهم حجتي، فلم يقبلوها، ولم يخافوا بأسي، ولا صدقوا رسالاتي في خوضهم بالباطل ولعبهم، فالخوض في الباطل ضد التكلم بالحق، واللعب ضد السعي الذي يعود نفعه على ساعيه، فالأول ضد العلم النافع، والثاني ضد العمل الصالح، فلا تكلم بالحق، ولا عمل بالصواب، وهذا شأن كل من أعرض عما جاء به الرسول، لابد له من هذين الأمرين"[18].

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي: يقومون من القبور، إذا دعاهم الرب -تبارك وتعالى- لموقف الحساب ينهضون سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ.

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إلى عَلَم يسعون.

وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير: إلى غاية يسعون إليها.

وقد قرأ الجمهور: "إلى نَصْب" بفتح النون وإسكان الصاد، وهو مصدر بمعنى المنصوب.

وقرأ الحسن البصري: نُصُبٍ بضم النون والصاد، وهو الصنم، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النُّصُب إذا عاينوه.

يُوفِضُونَ يبتدرون أيهم يستلمه أول، وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد، وغيرهم.

هنا قوله -تبارك وتعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ، الْأَجْدَاثِ يعني: القبور.

سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يعني يسرعون إلى موضع الحساب.

هنا قال: لموقف الحساب ينهضون، سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إلى عَلَم يسعون.

وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، يعني كأنهم يسرعون إلى شيء منصوب لهم، هذا معنى علم، شيء منصوب، نُصبَ لهم، فهم يسرعون إليه، فقراءة الجمهور بفتح النون وسكون الصاد: "نَصْب".

وقراءة ابن عامر وحفص بضم النون والصاد: "نُصُب".

والنُّصُب: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يقال: لما نُصبَ فعبد من دون الله -تبارك وتعالى، فهذا النُّصْب، وكذلك النُّصُب، والجمع الأنصاب، فمثل هذا يختلف العلماء في محمله، فيما يتصل بكونه جمع نُصُب، يقول: الأنصاب جمع نُصُب، وهو جمع الجمع، نُصُب جمع، وأنصاب جمع الجمع.

وبعضهم يقول: إن النُّصُب جمع نصاب، وهو الحجر، أو الصنم الذي يذبح عليه، ومنه قول الله -تبارك وتعالى: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [سورة المائدة:3].

وبعضهم يقول: كل ذلك بمعنى واحد، بحركاته المتنوعة: نَصْب، ونُصُب، كما يقول النحاس -رحمه الله.

كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى غاية، وما يَنصب الإنسان إليه بصره يقال له ذلك أيضًا، فما نُصب للإنسان من راية، أو موضع، أيْ علم، شيء منصوب إلى شيء وضع لهم، يُدعون إليه، كعلم، ونحوه، أو راية تنصب لهم، فيسرعون إليها، فهذا: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ.

بعض السلف كالحسن يقول: كانوا إذا طلعت الشمس ابتدروا إلى أصنامهم، يتمسحون بها، يعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى، لا يلوي آخرهم على أولهم.

والمقصود: أن هؤلاء يسرعون غاية الإسراع، يُوفِضُونَ الإيفاض هو الإسراع، يخرجون من قبورهم في حال من الإسراع إلى موضع الحساب، بهذه الصفة: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.

وقوله تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ أي: خاضعة تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة: ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ.

آخر تفسير سورة: سَأَلَ سَائِلٌ ولله الحمد والمنة.

يقول هنا: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ أي: خاضعةتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي: في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة، يعني الجزاء من جنس العمل، تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ يعني تغشاهم ذلة، وهذا بمعنى قول قتادة: أي سواد في الوجه، فالرهق يعود إلى هذا، يعني ما يغشى [سورة الإنسان: تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ.

الحافظ ابن القيم -رحمه الله- له كلام في هذا، يقول -رحمه الله تعالى: "قوله تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ فوصفهم بذل الظاهر، وهو خشوع الأبصار، وذل الباطن وهو ما يرهقهم من الذل خشعت عنه أبصارهم، وقريب من هذا قوله: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ۝ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [سورة القيامة:24، 25]، ونظيره قوله: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا [سورة يونس:27].

وضد هذا قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى [سورة طه:118] فنفى عنه الجوع الذي هو ذل الباطن، والعري الذي هو ذل الظاهر، وضده أيضاً قوله: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [سورة الإنسان:11] فالنضرة عز الظاهر وجماله، والسرور عز الباطن وجماله، ومثله أيضاً قوله: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [سورة الإنسان:21] فجمع لهم بين زينة الظاهر والباطن.

ومثله قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [سورة الأعراف:26] فجمع لهم بين زينة الظاهر والباطن، ومثله قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ۝ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ [سورة الصافات:6، 7] فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحفظ من كل شيطان رجيم.

ومثله قوله أيضاً: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ [سورة غافر:64] وقريب منه قوله تعالى: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [سورة البقرة:197]، ومنه قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة آل عمران:106، 107] فجمع لهؤلاء بين جمال الظاهر والباطن، ولأولئك بين تسويد الظاهر والباطن.

ومنه قول امرأة العزيز: فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ [سورة يوسف:32] فوصفت ظاهره بالجمال، وباطنه بالعفة، فوصفته بجمال الظاهر والباطن، فكأنها قالت: هذا ظاهره وباطنه أحسن من ظاهره، وهذا كله يدلك على ارتباط الظاهر بالباطن، قدرًا وشرعًا، والله أعلم بالصواب"[19].

وقال -رحمه الله: "ثم ذكر سبحانه حالهم عند خروجهم من القبور، فقال: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي: يسرعون، والنصب العلم والغاية التي تنصب فيؤمُّونها، وهذا من ألطف التشبيه وأبينه وأحسنه، فإن الناس يقومون من قبورهم مهطعين إلى الداعي، يؤمّون الصوت، لا يُعَرِّجون عنه يمنة ولا يسرة، كما قال: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ [سورة طـه:108] أي: يقبلون من كل أوب إلى صوته وناحيته، لا يعرجون عنه، قال الفراء: "وهذا كما تقول: دعوتك دعوة لا عوج لك عنها".

وقال الزجاج: المعنى لا عوج لهم عن دعائه، أي لا يقدرون إلا على اتباعه وقصده"[20].

  1. رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الجرأة والجبن، رقم (2511)، وأحمد (8009)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"، وقال الألباني: "إسناده صحيح، وصححه ابن حبان" كما في صحيح أبي داود، رقم (2268).
  2. المصدر السابق.
  3. طريق الهجرتين، ص (107).
  4. رواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الجرأة والجبن، رقم (2511)، وأحمد (8009)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"، وقال الألباني: "إسناده صحيح، وصححه ابن حبان" كما في صحيح أبي داود، رقم (2268).
  5. عدة الصابرين، ص (274، 275).
  6. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، رقم (6464)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، رقم (2818).
  7. مدارج السالكين (2/ 365).
  8. رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق رقم (33)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم (59).
  9. رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق رقم (34)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم (58).
  10. المصدر السابق.
  11. رواه أحمد، رقم (187)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح بطرقه".
  12. الجواب الكافي (196،  197).
  13. رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد، ورفعها عند السلام، وإتمام الصفوف الأُوَل والتراص فيها والأمر بالاجتماع، رقم (430)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في التحلق، رقم (4823)، وأحمد، رقم (20964).
  14. شفاء العليل، ص (36).
  15. التبيان في أقسام القرآن، ص (194، 195).
  16. المصدر السابق (195، 196).
  17. المصدر السابق (196، 197).
  18. المصدر السابق ص (200).
  19. المصدر السابق، ص (201 - 203).
  20. المصدر السابق، ص (200).

مواد ذات صلة