الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(19- ا) من بداية حرف الذال إلى حرف الراء من قوله روح
تاريخ النشر: ٠٥ / ربيع الأوّل / ١٤٣٦
التحميل: 2201
مرات الإستماع: 1882

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(19- أ) من بداية حرف الذال إلى حرف الراء قوله: روح

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولشيخنا، والحاضرين، والمستمعين، أما بعد:

فيقول الإمام ابن جُزي الكلبي -رحمه الله تعالى-: حرف الذال.

ذِكْر: له أربعة معانٍ: ضد النسيان، والذكر باللسان، والقرآن، ومنه: نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:9، والشرف، ومُذكِّر: مُفعِّل من الذِّكر.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فأصل هذه المادة، أو أن هذه المادة عند ابن فارس -رحمه الله- ترجع إلى أصلين، يتفرع عنهما سائر وجوه الاستعمال:

فالمُذْكِر: التي ولدت ذكراً، والمِذْكَار: التي تلد الذكران عادة، والمُذَكَّرة من النوق: هي التي تشبه الجمل في هيئتها، ولربما أيضاً في طبعها وخُلقها تُشبه الذكر، يعني: إما في الخَلق في الهيئة، أو في الخُلق، يقال لها: مُذكَّرة، والأرض التي تُنبت ذكور العُشب يقال لها أيضاً ذلك، وهكذا، وقد ذكرت لكم من قبل في مناسبة سابقة أن ذكور العُشب، أو ذكور البقول، بعضهم يقول: ما له مرارة، وبعضهم يقول: ما فيه غِلظ، ويذكرون بعض الأمثلة على ذلك، كالخُزامَى، والأقحوان، ونحو هذا، فهذا كله يرجع إلى معنى واحد، وهو: المُذكر خلاف المؤنث.

الأصل الثاني الذي ذكره، وهو: من الذِّكر الذي يُقابل النسيان، يقول: ثم حُمل عليه الذكر باللسان، والذكر: العلاء والشرف، لاحظ: كيف يُرجع الذكر باللسان إلى ما يقابل النسيان؟ باعتبار: أن الذي يذكره بلسانه لم يغفل عنه، ولم ينسه، وكذلك أيضاً: العلاء والشرف، فإن من شأن صاحبه أن يُذكر، فلا يُنسى، يذكره الناس بقلوبهم، ويكون حاضراً في أذهانهم، وكذلك أيضاً: يذكرونه بألسنتهم، ويتحدثون عنه، فهذا كله يرجع إلى الأصل الثاني، والقرآن فيه من هذا وهذا، فيه من المعنيين.

والمعاني التي ذكرها ابن جُزي -رحمه الله تعالى-: ما يقابل النسيان، والذكر باللسان، والقرآن، والشرف، فهذا في الواقع يرجع إلى هذين المعنيين، يعني: أن الذكر باللسان يرجع إلى ما يقابل النسيان، والشرف يرجع إلى هذا المعنى، يعني: جميع المعاني التي ذكرها ابن جُزي ترجع إلى أصل واحد، وهو: ما يُقابل النسيان.

يقال: ذكره إذا نطق به، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ الحج: 28، وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا الأنعام: 138، وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ المزمل: 8يعني: اذكره ناطقاً باسمه في الذكر، وليس المقصود ذكر القلب، وإنما ذكر اللسان الذي يواطئ عليه القلب، فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ البقرة: 198، فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الأنعام: 118، هذا كله من قبيل الذكر باللسان، النطق به، فالذكر يأتي لهذا، وكل ذلك يرجع إلى ما جعله ابن فارس: يقابل النسيان.

وكذلك أيضاً ذكره: إذا تحدث عنه بخير، تقول: فلان يذكرك، يعني: يُثني عليك، وقد يكون من قبيل الحديث عنه بالشر، فلان يذكر فلاناً، وهذا كله في القرآن، الله -تبارك وتعالى- يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة: 152، الثناء على الله -تبارك وتعالى-، وحمده، وذكر أوصاف الكمال، وتنزيهه، كل هذا من الذكر، فَاذْكُرُونِي، وذكر الله -تبارك وتعالى- لعبده: أن يذكره في الملأ الأعلى، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة: 152، أَذْكُرْكُمْ بعضهم فسره: بالجزاء والثناء في الملأ الأعلى.

تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَيوسف: 85، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ البقرة: 235، أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ الأنبياء: 36يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ يعني: بالذم والسوء، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ الأنبياء: 60يعني: هذه الأصنام، يذكرها بالسوء، وهكذا، وأما وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ مريم: 16، فهذا بالخير، اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يوسف: 42بالخير، بما رأيت من الإحسان، والعلم، ونحو ذلك.

وهكذا أيضاً ما يرجع إلى معنى: الاستحضار، فهذا كله عند ابن فارس يرجع إلى ما يُقابل النسيان، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا الشعراء: 227، هذا يحتمل أن يكون بمعنى: استحضار العظمة، ونحو ذلك، ويحتمل أن يكون المراد به: الذكر باللسان، فيرجع إلى ما سبق، وهو الأقرب، لكن مع مواطأة القلب، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا الشعراء: 227، لأن هذه الآية في الشعراء، فبعضهم فسرها باستحضار عظمة الله، ومراقبته؛ لئلا ينطلق لسانه بما لا يحل، وهكذا: وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ الإسراء: 46، فُسر باستحضار وحدانيته -تبارك وتعالى- مع التدبر، والأقرب: أنه ذكر اللسان، لكن على هذا القول، والمقصود هو: مجرد التمثيل، فالأمثلة تُذكر لتُوَضِّح، وليس المقصود: تحقيق المعنى، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ المدثر: 55، بعضهم فسره: استحضره مع التدبر، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُالمدثر: 55، ولكن مثل هذه الأمثلة لا تخلو من الذكر باللسان، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ آل عمران: 135، بعضهم فسره: بذكر القلب، يعني: ذكروا عظمته، ومراقبته، فخافوه، وعظموه، ورجعوا عن ذنبهم، ومعصيتهم، وهكذا.

وأما قوله -تبارك وتعالى-: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ الكهف: 63، فهذا واضح بأنه بمعنى: الاستحضار، ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ الزخرف: 13، يحتمل أن يكون على قول بعضهم: إن المقصود: استحضار النعمة، وشكر المُنعم بالقلب، ويمكن أن يكون: الذكر باللسان، وهما معاً لا شك أنهما مطلوبان، فيقول: وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ الزخرف: 13، هذا ذكر باللسان مع مواطأة القلب، على كل حال: فبعضهم يقول: إن المراد هو: استحضار هذه النعمة بالقلب، مع القيام بواجب الشكر، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ غافر: 44، هذا الذكر الذي يقابل النسيان، وقوله -تبارك وتعالى-: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ المائدة: 91، فُسر بالاستحضار في القلب مع التدبر، وأيضاً فُسر بغير هذا، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يمكن أن يكون الذكر باللسان مع مواطأة القلب، ويشمل ما هو أوسع من هذا، وليس المقصود -كما سبق- الكلام في تحقيق المعنى في كل مثال.

ويقال: الذكر أيضاً: للحديث والقصة، وهو يرجع إلى هذا الأصل عند ابن فارس، فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يوسف: 42يعني: أن يتحدث عنه، ويذكر خبره، على هذا المعنى، ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا مريم: 2يعني: حديث وقصة زكريا -عليه الصلاة والسلام.

كذلك الذكر بمعنى: الكُتب المنزلة، فإنه يقال لها: ذكر، فقوله: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ الأعراف: 63، على أحد المعاني: أنه الكتاب المُنزل، يقال له: ذكر، وهكذا أيضا: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ آل عمران: 58.

وكذلك يقال أيضاً لمن جاء بالذكر، وهو: النبي، قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا الطلاق :10 - 11، على أحد المعاني، على أحد الوجوه في التفسير: أن الرسول هو بيان للذكر الذي أنزله.

وكذلك أيضاً بمعنى: الشرف، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ص: 1فُسر بالشرف، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ الشرح: 4المنزلة، وهكذا: فِيهِ ذِكْرُكُمْ الأنبياء: 10، هذا الكتاب يعني: قيل: شرفكم.

جميع هذه المعاني ترجع إلى ما يقابل النسيان، لكن وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى الليل: 3، هو: الذَّكر المعروف، فهذا يفيد جدًّا في الجمع بين المعاني، وإرجاعها إلى أصل واحد في ذكر الله باللسان، وبالقلب، وفي الذكر أيضاً بمعنى: الخبر، والقصة، والشأن، والشرف؛ لأن ذي الشرف يُذكر، وهكذا، وهذا يُحتاج إليه كثيراً في كتابة الرسائل، والكتب، والمؤلفات، ونحو ذلك، حينما تلم شعث هذه المعاني المتفرقة الكثيرة، وتُرجع ذلك إلى شيء واحد، وتُفرع عنه، تقول: ومنه كذا، ومنه كذا، ومنه قيل: كذا، ومنه قيل: كذا.

قال -رحمه الله تعالى-: ذُنُوب: بضم الذال: جمع ذَنْب، وبالفتح: النصيب، ومنه: ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ الذاريات: 59، أي: نصيباً من العذاب، والذَّنُوب أيضا: الدلو.

ابن فارس -رحمه الله- أرجعه إلى ثلاثة أصول:

الأول: الجُرم، والذَّنْب، وهو: الإثم، والمحرم من الفعل.

والأصل الثاني: مؤخر الشيء، ومنه: الذَّنَب؛ ولذلك سُمي الأتباع الذُّنابَى، يقال: هؤلاء ذُنابَى لفلان، يعني: أتباعه، فيكون ذلك للذم إن أُضيفوا إلى من يُكره الانتساب إليه.

وهكذا أيضاً الأصل الثالث: الحظ والنصيب، فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ الذاريات: 59يعني: فُسر: بالنصيب من العذاب.

الأصل الأول الذي هو: الجُرم، ويقال: الذنب، فهذا يُطلق على الجناية نفسها، يعني: مواقعة المحظور، المعصية يقال لها: ذنب، ويقال أيضاً على ما يوجبه ذلك من المؤاخذة، ذاك في الإثم، يقال: على المعصية نفسها، على الجُرم نفسه، على المخالفة ذاتها، فيقال: ذنب، فصارت هذه ثلاثة أصول، وابن جُزي -رحمه الله- ذكر: النصيب في الذَّنوب بالفتح، أما الذُّنوب بالضم فهي: المعاصي، وأما الذَّنوب الذي بمعنى: الدلو، فلم يرد في القرآن، فقوله: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ المائدة: 18يعني: جناياتكم، ومعاصيكم.

قال -رحمه الله تعالى-: ذِبح: بكسر الذال: المذبوح، وبالفتح: المصدر.

هو عند ابن فارس يرجع إلى أصل واحد وهو: الشَّق، يقال له: الذَّبح، طبعاً هو حينما يقول: الشق، يتحدث عن شق النحر، يتحدث عن شق الأرض، فهذا كله حينما تتتبع الاستعمالات في لغة العرب تجد أنها أوسع من مجرد شَق عنق البهيمة، أصل اللفظة تأتي لشق في الأرض تجري معه السيول، ونحو ذلك، ومذابح الأرض، كل هذا بمعنى: الشقوق، فهذا أصله، ولكن على كل حال: المعنى المباشر يُقال: الذِّبح بالكسر: للمذبوح، ويقال أيضاً: لما يُعد للذبح، يعني يقال: للمذبوح، ولما يُعد للذبح، فالمذبوح يقال له: ذِبح، والذي يُعد للذبح، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الصافات: 107يعني: ما يُعد للذبح، يقال له: ذِبح، تقول: هذه الشاة ذِبح، يعني: أنها مُعدة لذلك، ليست لشيء آخر، كالحلب مثلاً، أو التجارة.

وبالفتح: المصدر، يعني: العملية، نفس عملية الذَّبح، يقال لها: ذَبح، والمذبوح يقال له: ذِبح، هذا الذي يباشر الذبح ماذا يقال لفعله؟ يقال له: ذبَح، فقوله -تبارك تعالى-: يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ القصص: 4، هذا بالمعنى المعروف: شق، أو قطع العنق، فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ البقرة: 71، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ النمل:21.

قال -رحمه الله تعالى-: ذرأ: خلق وأنشأ، وفي النسخة الأخرى: خلق ونشر.

يمكن أن يكون بمعنى: نشر؛ لأن أصل هذه المادة قد يدل على هذا، على النشر، كما سيتضح -إن شاء الله تعالى.

ابن فارس -رحمه الله- أرجع هذه المادة: الذال والراء والهمزة إلى أصلين:

الأول: لون إلى البياض، الذُّرأة تقال: للبياض، رجل أذرأ يعني: أشيب، فيه شيب، أذرأ، لكن هذا المعنى لم يرد في القرآن.

الأصل الثاني يقول: كالشيء يُذَر ويُزرع، يقال: ذرأنا الأرض بمعنى: بذرناها، ومنه: ذرأ الله الخلق، كأنه يُنبتهم، هذا بمعنى المعنى الأول الذي ذكره ابن جُزي الذي هو: الخلق، ولو كان على النسخة الأخرى: وأنشأ، فهو شيء واحد، فالخلق والإنشاء شيء واحد، هنا في المعنى المراد، الخلق والإنشاء، لكن إذا قيل: النشر، فقولك: ذرأ الله الخلق بمعنى: أوجدهم، وأيضاً يمكن أن يكون بمعنى: بثّهم، ونشرهم، ونحو ذلك.

فقوله -تبارك وتعالى-: قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الملك: 24، ذرأكم بمعنى: خلقكم وأوجدكم، فيقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا؛ لأن أصل الفعل همزة في آخره، ذرأهم ذرءًا، يعني: خلقهم على وجه الاختراع، بعضهم يزيد يقول: وبثهم، وكثرهم، وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا الأنعام: 136، يعني: ذرأ بمعنى: خلق، وقد يقال: إن ذرأ بمعنى: أوجد وخلق غير معنى: البياض الذي ذكره أيضاً ابن فارس، فلا ورود له في القرآن.

أما البثّ فهو من مادة أخرى واوية، وليس بالهمزة، ذَرَوَ، تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ الكهف: 45بمعنى: تفرقه، وهذا الذي مشى عليه بعض أهل العلم، كابن جرير -رحمه الله-، وفي هذا الرد على المعتزلة.

هذه الأشياء يُحتاج إليها في العقيدة، ويُحتاج إليها في التفسير، المعتزلة تعرفون عقيدتهم في أفعال العباد، والقدر، فهم يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإن الله لم يقدر عليه المعصية، فحينما يأتون عند قوله -تبارك وتعالى-: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ الأعراف: 179، بمعنى: خلقنا، فهم لا يقولون بهذا؛ لأن ذلك يخالف مذهبهم، فيفسرون وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ الأعراف: 179، بمعنى: ألقينا فيها من البث، ونحو ذلك، كقوله: تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ الكهف: 45، فكان ابن جرير -رحمه الله- يرد عليهم بأن هذه المادة تختلف، ذَرَتْه الريحُ من: ذَرَوَ، بينما هذا من: ذرأ، بمعنى: خلق.

وهكذا أيضاً في الأسماء الحسنى الدروس التي تسمعونها هنا، أجد في كلام بعض من يكتبون في معنى الاسم في لغة العرب، ثم يرتبون عليه المعنى في حق الله -تبارك وتعالى-، ما يرجع أحياناً إلى مادة أخرى، فيبنون عليه بعض المعاني، ويدخلونها في اسم الله -تبارك وتعالى-، مع أن أصل الكلمة يختلف، فيلتبس عليهم أن أصل هذه الكلمة مثلاً: الواو، أو الهمزة، فيجعلون ذلك كأنه يرجع إلى أصل واحد، وهذا غير صحيح، ومن ثَمَّ يُدخلون في أسماء الله ما ليس منها أحياناً؛ لهذا السبب؛ ولذلك تجد بعض الكتب في الأسماء الحسنى فيها معلومات كثيرة جدًّا، ومن جاء بعدها فهو ينقل عنها، ويستفيدون من هذا الكتاب؛ لكثرة المعلومات فيه، لكنها غير محررة، المعلومات التي فيها غير محررة، فيقع فيها الخلط، فيها جمع لكن من غير تحرير.

قال -رحمه الله تعالى-: ذَلول: مذللة للعمل، من الذِّل بكسر الذال، ومنه: وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ يس: 72، ورجل ذليل، من الذُّل بالضم، وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا الإنسان: 14: أُدنيت.

ابن فارس -رحمه الله- يُرجع هذه المادة إلى أصل واحد، وهو: الخضوع، والاستكانة، واللين، لاحظ: يقال: ذلّ يذِل ذُلًّا ذِلةً مَذلة بمعنى: هان عن قهر، فهو: ذليل، وهم: أذلة، وأذلاء، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى طه: 134يعني: نهون، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ الإسراء: 111كذلك بمعنى: الهوان، سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ الأعراف: 152بمعنى: الهوان، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ البقرة: 61الهوان، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ آل عمران: 123يعني: في حال من الهوان، أو الضعف، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ المنافقون: 8يعني: بمعنى: الهوان، أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ المجادلة: 20يعني: جملة المُهانين، فلاحظ: هذا بمعنى: الهوان، يقيدونه هكذا: بما يكون عن قهر، ذَل يذِل ذُلًّا وذِلة ومَذلة.

ويقال: ذَل يذِل ذُلًّا بمعنى: لان وانقاد بعد تصعب لكن من غير قهر وغلبة، فهو: ذَلول، وجمعه: ذُلُل وأذِلَّة، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ المائدة: 54، هل هذا عن قهر، بمعنى الهوان؟ لا، وإنما بمعنى: اللين، الانقياد طواعية، يقولون: بعد تصعب، باعتبار: أنهم لم يكونوا كذلك من قبل، لكن روضهم الإسلام، فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا النحل: 69،يعني: سهلة ممهدة، أو ميسرة منقادة، باعتبار: أنها صفة للنحل، أو للسُّبل، منقادة: للنحل، سهلة: للسُّبل، سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا النحل: 69، وهذا لا يكون عن قهر، ويقال: ذلّله تذليلاً: مهده وسواه وسهله، وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ يس: 72بمعنى: سهلها، وجعلها منقادة لما يُراد منها، وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا الإنسان: 14، أشجار الجنة بمعنى: أنها قريبة، سهلة التناول، منقادة، ينالها القائم والقاعد والمضطجع، لا يحتاج إلى تعنٍّ، ولا تكلف، ولا صعود، ولا تناول ذلك بواسطة آلة، أو نحو ذلك، وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ يس: 72.

فابن جُزي -رحمه الله- يقول: مذللة للعمل، من الذِّل بكسر الذال، ومنه: وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ يس: 72، وقوله: قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ البقرة: 71هذا يرجع إلى معنى: الانقياد بعد تصعب، أي: منقادة، فالبقرة التي لم تروض للعمل لا تكون منقادة لأول وهلة، والذَّلول يقال أيضاً، أو يقوله الناس للإبل التي تكون سهلة منقادة قد روضت للركوب، وهكذا: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا الملك: 15، يعني: ممهدة، هذا من معنى: اللين، والانقياد، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء: 24، يرجع إلى معنى: اللين، والانقياد، لكن قوله: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ القلم: 43بمعنى: الهوان.

تنبيه: في نسخة أخرى يقول هنا: مُذللة للعمل من الفَكّ، لكن هذا تحريف لا علاقة له بالمعنى.

قال -رحمه الله تعالى-: أذقان: جمع ذِقن.

الأذقان: جمع ذِقْن بكسر ثم سكون، وذَقَن بفتحتين، لغتان: ذَقَن بفحتين، وذِقْن بكسر ثم سكون، هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى أصل واحد يرجع إليه ما يُشتق ويتفرع عنها، فالذِّقْن والذَّقَن في الإنسان: مجمع لحييْه، هذان اللحيان، الذقن هذا هو المجمع، بعضهم يقيده ويقول: من أسفل، مجمع اللحيين من أسفل، ويُطلق أيضاً على: ما ينبت من الشعر في هذا الموضع، وأهل المجاز يقولون: مجازاً، يعني: باعتبار: العلاقة بين الحال والمحل، فأصله: يكون هذا الموضع الذي يجمع بين اللحيين، وقد يُطلق أيضاً على الوجه، وقد يُطلق على ما هو أوسع من هذا على الإنسان، يقال: فلان لحية غانمة، كما يقولون، يعني: رجل طيب، أطلقوا عليه أنه لحية، ويُعبرون، وهو استعمال عربي صحيح، يعبرون عن الإنسان، أو عن وجهه، أو نحو ذلك بأنه لحية، يا له من لحية!، هذا لا زال الناس يستعملونه إلى الآن، وذلك عند أهل المجاز: من جهة إطلاق الجزء وإرادة الكل، لكن -على كل حال- يمكن أن يقال باعتبار أن اللحية هي: عنوان يتصل بالمروءة والرجولة، وهي محل بهاء في وجه الرجل، فإن ذلك يمكن أن يُعبر عن الرجل، أو عن وجهه باللحية، بهذا الاعتبار، ونحن لا نستشعر القبح الشديد لحال الإنسان حينما يحلق لحيته؛ لأننا ألفناه، وإلا أغمض عينيك وتصور الناس كلهم بلحى، وإنسان آخر حُلقت لحيته، تجده في غاية القبح، وكان بعض الظلمة من السلاطين في السابق يعاقبون بعض أصحاب الجنايات بحلق لحيته، وإذا حُلقت لحيته لا يستطيع أن يخرج للناس؛ لأنه يكون ذلك من قبيل المُثلة، وفي هيئة قبيحة، فكيف إذا تبعها حلق الشارب، فصار في وجه يُشبه المرأة، أو لربما المرأة المترهلة؛ لأن ذلك يُضفي عليه قبحاً شديداً، ولكن الإلف يُخفي القبح الذي يكون في الصور والأشكال، والقبح الذي يكون أيضاً في الألفاظ؛ ولذلك تجد الأسماء أحياناً، الاسم غير جيد، أو الاسم فيه قُبح، لكنه درج على الألسن، خاصة إذا وُجد معه شرف بما يحصل به الشرف عند الناس، إما بكثرة المال، أو غير ذلك، فتجد الاسم يستساغ، ويجري على ألسنتهم، ويكون مقبولاً، لا يرون ما فيه من القبح، لكن لو أنه طرق أسماعهم لأول مرة يرون أن هذا الاسم قبيح، فيُتناسى القبح الذي في الأسماء؛ لكثرة ما يرد هذا الاسم على الألسن، وكذلك ما يقع في الصور؛ لكثرة المشاهدة، فهذا في السمع، وهذا في البصر، وإلا فلا شك أن صورة الإنسان حينما يكون محلوق اللحية أنها صورة لا تُطاق، لا يُطاق النظر إليها، ولكن ألفناه، فلو عشنا في زمن سابق ثم رأينا هذه الحالة لعرفنا قبحها، فلا شك أن هذا قبيح، ولك أن تتصور هذا في نفسك، تخيل لو أنك لحاجة لعرض لأمر اقتضاه العلاج، فطُلب من الإنسان أن يحلق لحيته، لا يستطيع أن يخرج للناس، ويشعر أنه في حال مزرية، فهو نفسه لا يستطيع أن ينظر إلى وجهه في المرآة، يحتاج أن يغطي هذا الجزء من وجهه، ولا يخرج إلا بلثام، أو نحو ذلك، هذا حينما تكون الفِطر صحيحة.

قال -رحمه الله تعالى-: حرف الراء.

رَبّ: له أربعة معانٍ: الإله، والسيد، والمالك للشيء، والمصلح للأمر.

الرب: أرجعه ابن فارس إلى أصول ثلاثة:

الأول: إصلاح الشيء، والقيام عليه، انتبهوا: هذا يُحتاج إليه في تفسير اسم الله -تبارك وتعالى-: الرب، إصلاح الشيء، والقيام عليه، فالرب: المالك، والخالق، والصاحب أيضاً، والرب: المُصلح للشيء، والله -تبارك وتعالى- مُصلح لأحوال خلقه، والربيبة: الحاضنة، هذا كله يرجع إلى معنى: إصلاح الشيء، والقيام عليه، فإن المالك يقوم على ما ملك، والرب يقوم على مصالح خلقه، فيتعاهدهم بما يحتاجون إليه، فيكون به قوامهم، ونحو ذلك، وهكذا أيضاً الصاحب رب الإبل، أو نحو ذلك، وكل هذا يرجع إلى هذا الأصل الأول: إصلاح الشيء، والقيام عليه.

الأصل الثاني: لزوم الشيء، والإقامة عليه، وهذا قريب من الوجه الذي قبله، وابن فارس -رحمه الله تعالى- يشير إلى هذا، يقال: أربت السحابة على هذه البلدة، يعني: دامت، بمعنى: الملازمة، لزوم الشيء، فهذا يشبه القيام عليه، فإن من قام على شيء لزمه، الذي يتعاهد غيره، ويُصلح شأنه، ونحو ذلك، هذا يقتضي نوعاً من الملازمة.

الأصل الثالث: ضم الشيء للشيء، وهذا أيضاً يناسب ما سبق؛ ولهذا يقول ابن فارس: إنه إذا أمعنت النظر فإنك تجد أن هذه المعاني يمكن أن تجتمع، وترجع إلى الأصل الأول.

أما ضم الشيء فيقال للخرقة التي يُجعل فيها القِداح: رِبابة، ويقال للعهد بين الناس يقال له: رِبابة، لماذا قيل له ذلك؟ هذه الخرقة: تجمع القِداح، والعهد قالوا: يجمع الناس، يجمع الفريقين إذا وجد بينهم العهد، فهذا كأنه يرجع إلى معنى: إصلاح الشيء.

وأما الأصل الثاني: الإقامة عليه، فهذا يرجع أيضاً إلى الأصل الأول: القيام على الشيء، فهذه المعاني متقاربة، فالله -تبارك وتعالى- هو: الرب، يقال: رَبَّه يَرُبُّه رَبًّا، بمعنى: رباه ورعاه حتى يبلغ كماله من التربية، والله -تبارك وتعالى- يُربي خلقه بالنعم الظاهرة والباطنة، وإذا أُطلق الرب غير مضاف قال: الرب، فإن ذلك يختص بالله -تبارك وتعالى-، أو يقال: للمعبود المألوه، وأكثر استعمالات الرب في القرآن هي بمعنى: الإله المعبود، إلا مواضع قليلة بمعنى: المالك، أو السيد والمُنعم، فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا يوسف: 41، يعني: سيده، فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يوسف: 42، على أحد الأقوال في التفسير، أحد القولين: فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يوسف: 42أن هذا يرجع إلى الذي خرج من السجن، فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ يوسف: 42.

يعني: أن يذكر يوسف -عليه الصلاة والسلام- عند سيده، والمعنى الآخر: أن ذلك يرجع إلى يوسف -عليه الصلاة والسلام-، أنه طلب منه أن يذكره عند الملِك، يعني: أنه فعل خلاف الأولى، بمعنى: أنه رجا أن يكون المخلوق سبباً لخلاصه، اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يوسف: 42يعني: عند سيدك، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ يوسف: 50يعني: إلى سيدك، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ يوسف: 23على أحد المعنيين، على أحد القولين في التفسير: رَبِّي بمعنى: سيدي، أو مولاي؛ لأنه كان مملوكاً عند العزيز، وعلى المعنى الآخر: إِنَّهُ رَبِّي يعني: الله.

وهكذا: الرِّبِّي: العالم الراسخ في الشرع، ويُجمع على: رِبِّيين، والرَّبَّاني: العالم الراسخ في الشرع الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كباره، رباني، يقال: ربانيون، والرَّبيب: ابن امرأة الرجل من غيره.

يقول الله -تبارك وتعالى-: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا آل عمران: 80هنا بمعنى: المعبود المألوه، قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ يوسف: 50، وهكذا: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ النساء: 23، لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ المائدة: 63.

قال -رحمه الله تعالى-: ريب: شك، ومنه: ارْتَابُوا النور: 50، ومُرِيبٍ هود: 62، ورَيْبَ الْمَنُونِ الطور: 30: حوادث الدهر.

ابن فارس أرجع هذا إلى أصل واحد، يدل على: شك، أو شك وخوف، كأن الكلمة -والله تعالى أعلم- تدل على: شك خاص، كأنه شك مع قلق، والله أعلم، تقول: أنا مرتاب في أمر فلان، فلان يدخل مداخل الرِّيب، أرابني فلان، شك مع قلق، لكن حينما تشك في شيء بغير قلق تقول: أنا أشك في طلوع الفجر مثلاً، أنا أشك أني على طهارة في هذه الصلاة، أنا أشك في سفر زيد، يعني: هل سيسافر أو لا، لكن لا يقال: أنا مرتاب هل أنا على طهارة مثلاً، أو أن زيداً سيسافر، وإنما تقول: أشك، تقول: أنا أشك هل شربت من هذا الماء مثلاً أو لا، أشك، لكن ما تقول: أنا مرتاب، لكن إذا كان ما يتخوفه، أو يقلقه، كأن قضية الخوف مرتبطة مع القلق، فيقول: أنا مرتاب في هذا الشراب، إذا كان يتخوف غائلته مثلاً، لو أنه وُضع له فيه شيء مثلاً، فهذا شك ذكر الخوف معه، أو ذكر القلق، وبينهما ملازمة، فحين يقول عن القرآن مثلاً: لا رَيْبَ فِيهِ البقرة: 2يقولون: لا شك، والواقع أنه أدق، هذا الريب يوجب قلقاً في النفس، وانزعاجاً؛ ولذلك يقولون: إن النفي عن القرآن، نفي الريب عنه يوجب كمال اليقين، والطمأنينة، من جهة الطمأنينة إلى أنه حق، وأن ما فيه حق، وكذلك أيضاً يورث طمأنينة للمؤمن به، ومن قرأه بالتدبر، واتبعه يكون مطمئناً، مطمئن النفس، يورث الطمأنينة في نفس تاليه.

الريب يقال لهذا، ويقال أيضاً: لحوادث الدهر التي تفجأ الناس، بأي اعتبار إذا أردنا أن نُرجعه إلى هذا الأصل الذي ذكره ابن فارس؟ باعتبار: أنهم لا يستيقنون وقت وقوعه، فهم ينتظرونه، ويتوقعونه، ويتخوفون منه، لا يدرون متى ينزل بهم.

فقوله: رَيْبَ الْمَنُونِ الطور: 30فُسر: بحادث الموت الذي يفجأ، ولا يُستيقن وقت وقوعه، فهذا ريب المنون، حوادث الدهر، لماذا قيل لها ريب؟ باعتبار: أن الإنسان لا يدري متى تقع، ومتى تنزل، فهو بحال قلق، والذي لا يستيقن يكون في حال من الشك، لا يدري هل ينزل به الآن، أو ينزل به بعد حين، مع قلق، أو خوف، أو نحو ذلك، نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطور: 30، أَمِ ارْتَابُوا النور: 50بمعنى: الشك المقلق، وهكذا؛ ولذلك تلاحظ أن الله -تبارك وتعالى- يقول: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ آل عمران: 9يعني: لا شك فيه، وفي قوله -تبارك وتعالى-: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا النور: 50وقع لهم شك مُقلق، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: رجع: يُستعمل متعديًا بمعنى: رد، وغير متعدٍّ، والمَرجِع: اسم مصدر، أو زمان، أو مكان من الرجوع.

ابن فارس -رحمه الله- أرجع هذه المادة إلى أصل كبير واحد مطرد، ينقاس عليه غيره، يدل على: رد وتكرار، رجع يدل على: رد وتكرار، الترجيع في الصوت، والترجيع في الأذان، بمعنى: الترديد، الرجع: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ الطارق: 11يقال: للغيث، المطر، بأي اعتبار؟ ما علاقته بالترديد، أو التكرار؟ باعتبار أن المطر ينزل مرة بعد مرة، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ الطارق: 11، المطر يتكرر نزوله مرة بعد مرة، ويقال: باعتبار أن السحاب أو السماء تغيث، وتصب، ثم ترجع فتغيث، تُنزل الغيث.

ويقال: رجع الشيء، بمعنى: عاد إلى ما كان منه البدء، قال: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ الأعراف: 150يعني: عاد إليهم بعد أن فارقهم، وقوله: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ البقرة: 196أي: في الصيام في الحج لمن لم يجد الهدي، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ البقرة: 196، رجعتم إلى ماذا؟ إلى موضعكم الأول، إلى أهلكم يعني، فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ التوبة: 83أعادك إليهم، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ المنافقون: 8هي: مكانهم، وموضعهم، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ يوسف: 50، ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ يوسف: 81، فهذا العود إلى ما كان منه البدء، فَارْجِعِ الْبَصَرَ الملك: 3، رجع بصره بمعنى: رده على المنظور مرة بعد مرة، فَارْجِعِ الْبَصَرَ الملك: 3، كرر النظر، يدل على التكرار، ولاحظ هنا: رجَع الكلام: رده وأعاده، رجَعوا القول يعني: رد بعضهم قول بعض وتلاوموا، فيه مراجعة، وترداد، هذا يتكلم، وهذا يتكلم، وهذا يرد، وهذا يرد، فتقول: يرد، يعني: تكون له نوبة الكلام فيتكلم، فلا يكتفي بما سمع، وهكذا يقال: الرُّجعى: مصدر رجع رجوعاً ورُجعى، يعني: عاد، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى العلق: 8الناس يصيرون إليه -تبارك وتعالى.

ابن جُزي يقول: يُستعمل متعدياً بمعنى: رد، وغير متعد، والمرجع: اسم مصدر، أو زمان، أو مكان، من الرجوع.

طيب، الآن انظر: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ الأعراف: 150، أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق: 3، يعني: إعادة، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ المنافقون: 8، وهكذا: وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ التوبة: 122، لاحظ: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ البقرة: 196، هل هذا متعد أو لازم؟ لازم، فَارْجِعِ الْبَصَرَ الملك: 3متعد، فَارْجِعِ الْبَصَرَ الملك: 3، هذا كلام ابن جُزي: أنه يكون بمعنى: رد، يُستعمل متعديًا بمعنى: رد، وغير متعد، فرجع الكلام: متعد، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: رعى: له معنيان: من النظر، ومن رعي الغنم.

هذه المادة أرجعها ابن فارس إلى أصلين:

الأول: المراقبة، والحفظ، تقول: رعيت الشيء رَقَبتُه، ورعيته إذا لاحظته، والراعي يقال: للوالي، والسلطان، والإمام، يقال له: راع، ولمن يقوم على غيره، (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)[1]، وأما من تحت يده فيقال لهم: رعية، وجمع الراعي يقال: رِعَاء، حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ القصص: 23جمع راعٍ، ويقال: رُعاة، فالغلظة ذكرها النبي ﷺ في الفدّادين من ربيعة ومُضر، وفسرهم بأنهم: رعاة الإبل[2]، تقول: رعيت الأمر: نظرت إلى أي شيء يصير، رعيت النجوم: رَقَبتُها؛ ولذلك تجدون في الشعر كثيراً يُستعمل رعي النجوم للسهران الذي يعيش في قلق، أو يعيش في هم، أو نحو ذلك، لا يطرق جفنه النوم، فيقول: رعيت النجوم، بت أرعى النجوم: يَرْقُبُها، وهكذا حينما تقول: أرعيته سمعي، يعني: أصغيت إليه، وأرعني سمعك بمعنى: ليرقب سمعك ما أقوله، بمعنى: الإصغاء، فهذا كله يرجع إلى الأصل الأول الذي هو: المراقبة، والحفظ، أن يتوجه إلى الشيء ملاحظاً له، يقوم على حفظه، أو نحو ذلك، هذا كله يرجع إلى هذا المعنى، فراعي الغنم: يرقبها، ويحفظها، (كلكم راعٍ) بمعنى: أنه استرعاه الله هؤلاء، فهو يحفظهم، ويحوطهم بالرعاية والعناية، وما إلى ذلك، لا يغفل عنهم، لا ينشغل عنهم، (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).

المعنى الآخر الأصل الآخر عند ابن فارس، وهو: الرجوع، يقال: فلان ارعوى عن القبيح، بمعنى: رجع، فلان لا يرعوي، يعني: لا يرجع.

فهذان أصلان ذكرهما ابن فارس، فرعاية الشيء بمعنى: الحفظ، والحياطة له؛ ولهذا قال الله من هذا المعنى: فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا الحديد: 27ما قاموا عليها بالوجه الصحيح، وحفظوها مما يُخل بها، ما حافظوا عليها حق المحافظة، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ المعارج: 32بمعنى: الحفظ، وحينما يقال: رعت الماشية الأرض أو العُشب بمعنى: أكلت الكلأ، والمرعى: موضع الرعي، وما ترعاه الماشية أيضاً يقال له: مرعى، يعني: العُشب الموجود، النبات، يقال له: مرعى، والأرض يقال لها: مرعى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى الأعلى: 4ما ترعاه الماشية، هنا ما أُطلق على الأرض، أُطلق على النبات، وقوله: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا النازعات: 31.

كذلك أيضاً النبات، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ طه: 54من رعى، يعني: إذا سرّح الماشية، ومكنها من الرعي، وعلى كل حال: الذي يقوم على ذلك يقال له: راعٍ، يُجمع على: رِعاء، حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ القصص: 23، ورعاة، ورُعيان.

طيب، هذا الكلأ لماذا قيل له: مرعى؟ ما علاقته بهذا الأصل الذي ذكره ابن فارس -رحمه الله-: المراقبة والحفظ؟ كأن هذه الدواب والبهائم، أو نحو ذلك، تتبعه، فهي: تهش له، وتطلبه، ونحو ذلك، فهذا يرجع إلى معنى: المراقبة، والملاحظة؛ لكونها تطلب ذلك، والله أعلم.

وقوله -تبارك وتعالى-: لا تَقُولُوا رَاعِنَا البقرة: 104، "راعنا" إلى أي شيء يرجع هذا؟ هذا يحتمل، بعضهم يقول: إن هذا بلغة غير العربية، هذا بالعبرانية، بمعنى: شرير، راعنا، هكذا قال بعض أهل اللغة، يقولون: يُعبر عندهم به عن الشرير، ويقال له ذلك، وإذا أُضيف قيل: راعِند، يعني: كأنهم يقولون: شريرنا، راعِند، راعنا: شريرنا، فكان هذا اللفظ فيه موافقة لفظية مع اللفظ العربي المراد به: الرعاية، والحفظ، هكذا بعضهم يقول: إنها غير عربية، بمعنى: شرير عندهم، فلما وافقت كلمة عربية يعني: راعنا، كأنه منادى من الرعونة، يعني: كأنهم يقولون: يا راعن، فزيدت الألف فيه لمد الصوت: راعنا، أصلها: راعن، فقولهم: راعنا، يعني: كأنهم يقولون: يا راعن، من الرعونة، والرعونة بمعنى: الذم، والجفاء، والشدة، والغلظة، ونحو ذلك مما لا يكون محموداً، من الرعونة، لكن هم أَوهموا به باعتبار: أن ذلك يقال: راعنا بمعنى: الملاحظة، والرعاية، ونحو ذلك، وما يقتضيه هذا، يعني: أنت حينما تقول للبائع: راعنا، بمعنى: الملاحظة، يعني: لاحظنا في السعر الذي يكون لهذه السلعة، راعنا، وحينما تطلب من أحد أن يضع عنك أمراً استثقلته، أو نحو ذلك، تقول: راعنا، والطلاب هذه الأيام في الاختبارات لربما قالوا لأساتذتهم: راعنا، فهي لفظة ترجع إلى معنى: الملاحظة، ونحو ذلك، أو الرعاية، والحفظ، وحُسن الرعاية، ولكن اللفظة توهم معنى آخر، والأصل: أن لا تُستعمل الألفاظ الموهمة، لا في العقيدة، ولا في غيرها، يعني حتى من ناحية الأدب، والذوق؛ ولذلك تجدون المفسرين لاسيما من يُعنون بالجوانب البلاغية يذكرون هذا كثيراً، وقد ذكرت أشياء من هذا في مناسبات كثيرة، كقوله -تبارك وتعالى-: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى الضحى: 3، قالوا: ما قال: وما قلاك، وقوله: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشعراء: 80، أضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله -تبارك وتعالى-، وقوله: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا الكهف: 79، أضاف العيب إلى نفسه، وهناك في الجدار قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا الكهف: 82؛ لأن هذا خير، فأضافه إلى الله -تبارك وتعالى.

قال -رحمه الله تعالى-: رُوح: له أربعة معانٍ: النفس التي بها الحياة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ  الإسراء: 85، والوحي: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ النحل: 2، وجبريل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ الشعراء: 193، وملك عظيم: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ القدر: 4، ورَوح: بفتح الراء: رائحة طيبة، والريحان: الرزق، وقيل: الشجر المعروف.

هذه المعاني الكثيرة لهذه المادة: الراء والواو والحاء، ابن فارس يقول: هذا أصل كبير مطرد، يدل على: سعة، وفُسحة، واطراد، لاحظ: سعة، وفُسحة، واطراد، انظر: كيف تجمع هذه المعاني التي يذكرها مثل ابن جُزي وغيره؟ يقول: وأصل ذلك كله: الريح، يقول: وأصل الياء في الريح: الواو، أصلها الواو، وإنما قُلبت ياء لكسرة ما قبلها، يقول: أصلها: واو، أي: ريح، هو الآن يريد أن يربطها مع ما سيأتي، مثلاً: الروح تقول: هذه ريح، وهذه روح، يقول: الريح أصلها واو، إذاً: الروح ترجع إلى ذلك، ما علاقتها بالريح؟ قال: مشتق من الريح، وهكذا يقول: كل الباب، والرَّوح يقولون: نسيم الريح، ويقال: أراح الإنسان إذا تنفس، النفس هذا ريح، ويقال: أروح الماءُ بمعنى: تغيرت رائحته، الرائحة، أروح الماء، والرواح: العشيّ، يعني: من بعد الزوال، ما علاقته بالريح؟ لاحظ: الدقة، ابن فارس يقول: سُمي بذلك؛ لرَوح الريح، ما علاقتها بالزوال؟ يقول: هي: في الغالب تهب بعد الزوال، الريح في الغالب بعد الزوال تبدأ تهب.

وقولك: راحوا، الرواح هو: الذهاب في ذلك الوقت، يعني: بعد الزوال، من زوال الشمس إلى الليل، أرحنا الإبل  رددناها في ذلك الوقت، يعني: في المساء، الرواح، المراوحة في العملين، فلان يراوح بين قدميه، ويراوح بين عملين، يعمل هذا مرة وهذا مرة، أراح الرجل بمعنى: رجعت إليه نفسه بعد التعب، يقول: ارتحت، واسترحت، كأن نفسه عادت إليه، فهذا منه، وانظر حينما يقال: راح يروح رواحاً يعني: صار بعد الزوال، هذا الأصل، لكنهم توسعوا أيضاً في الاستعمال، فصار ذلك يقال: للسير في أي وقت، انتبهوا: الآن في صلاة الجمعة، والتبكير لها، ماذا قال؟ (من راح في الساعة الأولى)[3]، الرواح في اللغة في الأصل يقال: لما بعد الزوال؛ ولهذا جاء عن الإمام مالك -رحمه الله-: أن الساعة الأولى تبدأ بعد الزوال، هذا يصلح لكثير من الناس اليوم، ولربما لو سمع به بعض الناس الذين يبحثون عن الغرائب لطاروا به، وغردوا به، ونشروه، وقالوا: معلومة جديدة، معلومة مذهلة نغفل عنها، ومفهوم خاطئ، احذر، وانتبه أن تذهب إلى الجمعة من قبل الزوال، لا تذهب إلى الجمعة إلا بعد الزوال، باعتبار: أن الرواح يكون بعد الزوال، فالساعة الأولى تبدأ بعد الزوال، وهذا خلاف قول الجمهور، فأصل ذلك يقال: لما بعد الزوال، ولكن العرب توسعت في الاستعمال، فصار ذلك يقال: للذهاب والسير في أي وقت كان، لكن إذا ذُكرت مع الغدوّ كانت بمعنى: الرجوع في العشي، إذا ذكرت مع الغدو، الغدو والرواح فهذا معناها: أنه يكون بعد الزوال، بهذا القيد، غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ سبأ: 12، هنا الرواح: حين الرجوع، يعني: تذهب من الشام إلى اليمن في أول النهار، والرجوع في المساء أيضاً مسيرة شهر، تقول: أراح الراعي الماشية، يعني: ردها في العشي إلى المكان الذي تأوي إليه ليلاً، يقال للمكان ذاك: المراح، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ النحل: 6، ما معنى: حِينَ تُرِيحُونَ؟ في الرواح، لماذا لم يذكر الغدو في ذهابها في أول النهار؟ لأنها ترجع وهي: حُفَّل بضروعها، ممتلئة باللبن، ممتدة الخواصر، قد شبعت، فتكون في حال من الجمال الذي يطرب له صاحبها، وهذا يعرفه أهل هذه الدواب.

طيب، والرَّوْح بالفتح يقال: لرحمة الله -تبارك وتعالى-: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ يوسف: 87، ويقال: لنسيم الريح، والراحة: الفرح، الآن الرُّوح بالضم مثلاً: ما به حياة الإنسان، حياة الأجسام؛ لأن الإنسان هو: مركب من روح وجسد، فلا يقال له: إنسان إذا كان مجرد جُثة، ولا يقال للروح: إنسان، إنما هو مثل الكلام والقول، يكون مجموع اللفظ والمعنى، فكذلك أيضاً الإنسان مجموع الروح والجسد، ويقال: الرُّوح لكل أمر خفي لطيف؛ ولهذا قيل للوحي: رُوح، وأمر النبوة، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ النحل: 2، رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا الشورى: 52، إضافة إلى ما به من حياة النفوس، وهداها، فلهذا قيل للوحي: رُوح، باعتبار: أنه به الحياة الحقيقية الكاملة، فبعضهم يُرجعه في المعنى: إلى ما لطُف وخفي، كالوحي، ونحو ذلك، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ المجادلة: 22ما يحصل به قوة النفوس، وحياتها، والريح هي: الهواء المتحرك، ويقال أيضاً: للنصر، والدولة:

إذا هبّت رياحُك فاغتنمها *** فإنّ لكلِّ خافقةٍ سكونُ

إذا كانت الأحوال في ناحيته، ومصلحته، ونحو ذلك، والرائحة: معروفة، إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ يوسف: 94، والريحان: كل مشموم طيب الريح، ويقال أيضاً: الرزق، وبهما فُسر قوله: فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ الواقعة: 89فقيل: رائحة طيبة، وقيل: رزق، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ الرحمن: 12فُسر: بالنبت المعروف طيب الرائحة، وفُسر: بالرزق.

فعلى كل حال: ابن فارس -رحمه الله تعالى- يُرجع هذا جميعاً إلى الريح، كل هذا يرُجعه إلى الريح، لكن يحتاج إلى شيء من التأمل، لكن ذلك يدل عنده على: سعة، وفُسحة، واطراد، وبعضهم فسر قوله -تعالى-: فَرَوْحٌ الواقعة: 89يعني: الراحة، والفرح، والسرور، أو نسيم الريح، أو الرحمة من الله -تبارك وتعالى.

لاحظ: ابن جُزي -رحمه الله تعالى- ذكر هنا: النفس التي بها الحياة، يعني: الرُّوح، وجبريل يقال له: روح، بأي اعتبار نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ الشعراء: 193؟ لأنه موكل بما تكون به حياة الأرواح، والوحي: روح، وقيل غير ذلك، والله أعلم، وقال: وملَك عظيم تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا القدر: 4، هذا على قول بعض المفسرين، واختاره بعض المحققين: أن الروح: ملَك عظيم، وهو قول ابن جرير -رحمه الله-، ملك عظيم من الملائكة، وبعضهم يقول: إنه جبريل -عليه الصلاة والسلام-، ويكون ذلك من قبيل عطف الخاص على العام؛ لشرفه، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ، وبعضهم يقول: الروح يعني: الأرواح، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.



[1] أخرجه البخاري، كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب: العبد راعٍ في مال سيده، ولا يعمل إلا بإذنه، رقم: (2409)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم: (1829).

[2] أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، رقم: (4387)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه، رقم: (51).

[3] أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، رقم: (881)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، رقم: (850).

مواد ذات صلة