الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(20- ب) حرف الزاي من قوله يزجي إلى حرف الطاء طهارة
تاريخ النشر: ١٩ / ربيع الأوّل / ١٤٣٦
التحميل: 2120
مرات الإستماع: 1534

تفسير التسهيل لابن جُزي

معاني اللغات (الغريب)

(20- ب) حرف الزاي من قوله: يزجي إلى حرف الطاء: طهارة

قال الإمام ابن جُزي -رحمه الله تعالى-: يُزجي: يسوق.

هذه المادة تدل عند ابن فارس على: الرمي بالشيء، وتسييره من غير حبس، يقال: أزْجت البقرةُ ولدها: إذا ساقته، الريح تُزجي السحاب: تسوقه سوقاً رفيقاً، والمُزجَى يقال للشيء القليل، ابن فارس يقول: إن هذا أيضاً يرجع إلى المعنى الواحد، يعني: يُدفع به الوقت، هذا الشيء المُزجَى القليل، يعني: مثل ما نعبر نحن بالعامية، نقول: يتعبر به، بضاعة مُزجاه: يسيرة الاندفاع، يقال: زجا الشيءُ، يعني: تيسر، واستقام، أزجاه: دفعه، وساقه برفق؛ لينساق، بعضهم يقول: إن البضاعة المُزجاة قيل لها ذلك؛ لأن كل تاجر يدفعها عن نفسه، يعني: لا أحد يرغب فيها، فقوله: وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ يوسف: 88، كل واحد يريد أن يدفعها عن نفسه، لا مطمع للأنفس فيها؛ لقلتها، يقول الله -تبارك وتعالى-: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِالإسراء: 66بمعنى هنا: يُسير برفق، وقوله -تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا النور: 43، أيضاً بمعنى: يسيره برفق، وهكذا، فهو: التسيير برفق، وقوله: وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ يوسف: 88يعني: قليلة.

قال -رحمه الله تعالى-: زجرة واحدة: صيحة، بمعنى: نفخة الصور، والزجرة: الصيحة بشدة وانتهار، وازدُجر: من الزجر.

الزلزلة: مضى الكلام عليها، والزجرة يقول: الصيحة، هذه المادة عند ابن فارس ترجع إلى أصل واحد، وهو: الانتهار، زجره بمعنى: انتهره ونهاه، فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ القمر: 9يعني: انتُهر، يقال: زجره: دفعه وطرده، فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌالنازعات: 13، بمعنى: صيحة، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا الصافات: 2فُسر: بالملائكة تدفع السحاب، كما سبق أن هذه المادة فيها معنى: الدفع، زجره: دفعه، فهي: تدفع السحاب، أو دفعه وطرده، تطرد الشياطين، فسرها بعضهم بهذا، أو نهاه، تنهى العباد عن المعاصي بإلهام الخير، التي هي لمّة الملَك، هكذا قال بعض المفسرين، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ القمر: 4يعني: ما يحصل به الزجر.

قال -رحمه الله تعالى-: حرف الطاء.

طبَعَ: ختَمَ، والخاتَم: الطابَع.

هذه المادة أيضاً أرجعها ابن فارس إلى أصل واحد، بحيث تدل على: نهاية، ينتهي إليها الشيء، حتى يُختم عنده، لاحظ: الربط بين المعاني، يقال: طبعتُ على الشيء طابعاً، ثم يقال: على هذا طبْع الإنسان، وسجيته، ومن ذلك: طبَعَ الله على قلب الكافر، كأنه خُتم عليه، حتى لا يصل إليه الهدى، ومن ذلك أيضاً: طبَعَ العملة، وطبع الدراهم، ونحو ذلك، بمعنى: ضربها، ضرب العملة حتى يكملها، والطابَع: الخاتم، يُختم به، والطابِع هو: الذي يَختم، ومن هذا الباب أيضاً كما يقول ابن فارس قولهم لملء المكيال: طبْع، يعني: يدل على: الاكتمال، والامتلاء، كأنه تكامل وخُتم، وتطبّع النهر: إذا امتلأ.

الأصل الذي أرجع إليه ذلك جميعاً: أنه يدل على: نهاية الشيء، نهاية ينتهي إليها الشيء، حتى يُختم عندها، فالمكيال إلى حده إذا اكتمل، يقال له: طبع، والنهر إذا امتلأ، يقال له ذلك، والخاتم الذي يُجعل في آخر الكتاب إذا تم، وذكر مما يشذ عن هذا الأصل مع إمكان أن يرجع إليه، أو أن يقرب منه، لكن على شيء من التكلف: قولهم للدنس: طبَع، الدنس: طبَع، ولا زال مستعملاً إلى اليوم، الناس يعبرون يقولون مثلاً: إذا أنت كنت تحمل شيئاً مثلاً يمكن أن يلوث ثيابك أو لوثها، يقال: طبع ثيابك، لا يطبع ثيابك، فهنا يمكن أن يرجع إلى معنى: الامتلاء، إذا كثُر ذلك فيها، تقول: طبع الأرض، يعني: ملأها بهذا الشيء الذي نشره وفرقه من شيء يتصبب، أو نحو ذلك، طبع الأرض من بقايا طعام، أو شراب، أو نحو ذلك، وكذلك في الثياب قد يكون بمعنى: الامتلاء، وقد يكون بمعنى: الدنس، تقول: هذا يطبع الثياب، يطبع اليدين، هذه عبارة مستعملة عند الناس اليوم، دارجة، يطبع، فكأنها ترجع إلى هذا المعنى، والله أعلم.

على كل حال: الذي جاء في القرآن: الطبع بمعنى: الختم، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا النساء: 155أي: القلوب ختم عليها، وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ الأعراف: 100، يعني: نختم عليها، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ الأعراف: 101يكون ذلك عليها كالطابع الذي هو: الختم.

وأما المعاني الأخرى فلم ترد في القرآن، الطبع مثلاً: السجية الراسخة في الإنسان، التي خُلق عليها، يقال لها: طبع، غلب الطبع التطبع، يعني: السجية التي خُلق عليها غلبت التكلف لخلق آخر، والطبع يقال: لتصوير الشيء بصورة ما، ومنه: طبع الدرهم، ويقال أيضاً لابتداء صنعة الشيء تقول: طبعت من الطين جرة، ونحو ذلك من العبارات.

قال -رحمه الله تعالى-: طَول بفتح الطاء، فضل أو غنى.

هذه المادة يقول عنها ابن فارس: إنها تدل على: فضل، وامتداد في الشيء، لاحظ: المعاني التي ذكرها ابن جُزي: فضل، أو غنى، الفضل والغنى هذا يرجع إلى شيء واحد، الفضل والغنى، فضل المال، ونحو ذلك، لكن المعنى الآخر ما ذكره ابن جُزي، المعنى الذي ذكره ابن فارس يشمل المعنيين، عبارته تنتظم معنيين، يدل على: فضل، وامتداد في الشيء، الامتداد.

لاحظ: ثعلب الإمام المعروف في اللغة، يقول: الطُّول: خلاف العرض، ويقال للحبل: الطِوَل؛ لطوله، وامتداده، يقال: لا أكلمه طوال الدهر، يعني: ما امتد الدهر؛ ولهذا يقولون: على طُول، يعني: مهما امتد الزمن، فيدل على الامتداد؛ لأنه يُعبر بالطُّول عن الامتداد، والعرض كذلك؛ ولذلك دائماً تجدون حينما يذكر الله الجنة يقول: عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الحديد: 21، يذكر العرض وما يذكر الطول؛ لأن العرض عادة يكون أقل من الطول، فإذا كان العرض كعرض السماء والأرض، فما بالك بالطول؟!، فلا يحتاج أن يُنبه على الطول؛ لأن العرض أقل، فإذا كان عرض السموات والأرض عرض الجنة، فطولها أعظم، وأكثر، لا يُقادر قدره، فيقول: لا أكلمه طوال الدهر، والطُّوال: الطويل، يقال: رجل طُوال، لاحظ: الامتداد، هذا امتداد حسي، والحبل: امتداد حسي، رجل طُوال أي: طويل، بضم الطاء: طُوال، والطِّوال بالكسر: جمع طويل، فهناك فرق بين الطُّوال بالضم والطِّوال بالكسر، فالطُّوال هو: الطويل، والطِّوال: جمع طويل، تقول: هؤلاء رجال طِوال، وهذا رجل طُوال، يعني: طويل، أمر غير طائل، يعني: لا غناء فيه، تقول: هذا لا طائل تحته، يعني: لا غناء فيه.

فهذا الطول يقال: في الأشياء الحسية، وفي الأشياء المعنوية، في المادية والمعنوية، بمعنى: الامتداد، فالطَّوْل والطائل والطائلة كل هذا بمعنى: الفضل، والقدرة، والغنى.

لاحظ: المعنى الذي ذكره ابن جُزي يرجع إلى هذا: الفضل، والغنى، والجِدة، والقدرة، والسعة، والعلو، وما أشبه ذلك، وجاء في القرآن الطول الحسي: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا الإسراء: 37، فهنا: الطول الحسي، حينما يشمخ بأنفه متكبراً متعالياً، فينهاه عن ذلك، ويقول: لن تطاول الجبال، فأنت دون ذلك بكثير، وحينما يضرب برجله الأرض متبختراً يقول: لن تخرق الأرض بضربك هذا، وكذلك جاء في الطول المعنوي، بمعنى: القدرة، والغنى، والجِدة، وما إلى ذلك، كل هذا جاء في القرآن، تأمل: وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ التوبة: 86، أولو الطول هنا: أولو القدرة، -ليسوا من العاجزين المعذورين- وأهل الغنى والجِدة، يعني: يجد راحلة، ويجد ما يبلغه، وهكذا أيضاً في قوله -تبارك وتعالى-: ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ غافر: 3في صفة الرب -تبارك وتعالى-، يعني: القدرة الباهرة، والغنى الواسع الكامل، ذِي الطَّوْلِ، وقوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ النساء: 25يعني: الحرائر، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا، ما المقصود بالطَّول هنا؟ الجِدة، والغنى، يعني: النفقة، أو المهر الذي يعطيه للحرة، فيتزوج الأمة؛ لأنها أقل مهراً، في قوله -تبارك وتعالى-: أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ طه: 86، في معاتبة موسى -عليه الصلاة والسلام- لقومه، أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ طه: 86معناه: امتداد الزمان، وقوله -تبارك وتعالى-: فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ القصص: 45امتداد الأعمار، فهذا كله في الطُّول.

إذن: الطُّول أصل هذه المادة تأتي: للامتداد الحسي والمعنوي، والطَّول يرجع إليه، الطَّول بمعنى: أنه عنده جِدة، وقدرة، وما إلى ذلك، يستطيع أن يصل إلى مبتغاه، ومطلوبه، يطول.

قال -رحمه الله تعالى-: طائر: له معنيان: من الطيران، ومن الطِّيرة.

أصل هذه المادة في الواقع يرجع إلى شيء واحد، يعني: هذه التي ذكرها ابن جُزي هنا هي: المعاني المباشرة، وإلا في الواقع أنها ترجع إلى أصل واحد، ابن فارس يقول: إن هذه المادة تدل على: خفة الشيء في الهواء، ثم قد يستعار في غيره، خفة الشيء في الهواء، هذا الأصل في الطيران: أنه يكون بالتحليق والخفة في الهواء، فصار يستعمل في كل سرعة، فيقال لكل من خف: قد طار، طار فلان بالخبر، طار بالشائعات، طار في الفتنة، طار بذلك، قال الشاعر:

قومٌ إذا الشرُّ أبدي ناجذيْه لهم *** طاروا إليه زَرافاتٍ ووُحدانا

يعني: أسرعوا إليه؛ ولهذا يقول اللهوَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ الأنعام: 38، معلوم أن الطائر إنما يطير بالجناحين، فذكر الجناحين هو من قبيل الصفة الكاشفة، يعني: هي لا تقيِّد، لا يوجد طائر يطير بجناحين، وطائر يطير برجلين، ولكنها صفة كاشفة، وبعض أهل العلم يقول: إن الملحظ البلاغي فيها وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ الأنعام: 38، أنه قيده بذلك؛ لئلا يُفهم أن المقصود ما يكون به الإسراع، فإنه يُعبر عنه بالطائر، وإنما المقصود: الطائر الحقيقي، يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ، وليس كل ما يُسرع، ويقال: تطاير الشيء يعني: تفرق، تقول: هذه العطور طيارة، هكذا يقول أهل الاختصاص، يقولون: طيارة، بمعنى: أنها تنتشر في الهواء، تقول: هذه زيوت طيارة، بمعنى: أنها سريعة الانتشار، والتفرق، استطار الفجر يعني: انتشر، وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا الإنسان: 7كذلك أيضاً.

فالطيران الحسي الحقيقي إذن: هو الخفة في الهواء، كطيران الطير، ونحو ذلك، ويقال: للسرعة، ويقال: للتفرق، والطير في الحقيقة هو: ذلك الذي يسبح في الهواء، هذا هو الطير، وقد يقال لكل ما خف من غير ذي الجناح -كما سبق- يقال له: طار، ويقال: للشؤم والفأل، يُستعمل فيه لفظ: الطير، يقال: تطير فلان، بمعنى: أنه تشاءم مثلاً؛ ولهذا قالوا: الطائر في الشؤم، أو في الحظ مطلقاً، أو في العمل، وما قُدر للإنسان، هذه الطِّيرة، وأصل ذلك: أن العرب كانت لربما نظرت إلى الطير، إن كان ذلك مما يقع عليه البصر، إذا أرادوا أمراً، أو خرجوا لسفر، أو نحو ذلك، أو هيّجوها، يعني: إذا هو ما رأى شيئاً، وقد يرى طائراً يذهب ذات الشمال، فيرجع عن حاجته، وهذا لا يجوز، الطِّيرة شرك، أو يُهيج الطير، يعني: هو لم يرَ طيراً يذهب ذات الشمال، ولكنه رأى طيراً على الأرض، فهيجه، فطار، فذهب ناحية الشمال، أو يكون معه طير، فطيره في الهواء، فإذا ذهب إلى ناحية الشمال تشاءم، وإذا ذهب إلى ناحية اليمين تفاءل، فهذا كله من الطيرة، فصار التطير يقال: لكل ما يحصل به الشؤم، وما قد يُتفاءل به، يعني: مما يُتنبأ به عن أمر مستقبل من المحبوب، أو المكروه، يقال له: طِيرة، تطير فلان، فقد يتطير باسم يكرهه إذا سمعه، وقد يتطير بصورة، وهيئة، إذا رأى مثلاً ذا عاهة في أول يومه تطير به، أو يسمع صوتاً يكرهه، كصوت الغراب، وصوت البوم، فيتطير بذلك، كل هذا من الطِّيرة، وإن لم يكن ثَمّة طير، فصاروا يتوسعون في الاستعمال.

انظر في قوله -تبارك وتعالى-: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ الأنعام: 38المقصود به: الطائر الحقيقي الذي يطير في الهواء، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ الأعراف: 131، يعني: التشاؤم هنا، يَطَّيَّرُوا يقولون: هذا بسبب موسى ومن معه من بني إسرائيل أصابنا هذا البلاء والجهد، أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ الأعراف: 131]فُسر: بشؤمهم، أو بحظهم، أو بقدرهم، أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ الأعراف: 131، وهكذا أيضاً في قوله -تبارك وتعالى-: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا الإسراء: 13يعني: الطائر هنا فُسر: بالعمل، كتاب العمل، أو القدر، وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ الإسراء: 13، قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ النمل: 47]يعني: تشاءمنا، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ يس: 19يعني: الشؤم، أو نحو ذلك، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: طُوى: قيل: اسم الوادي، وقيل: معناه: مرتين، أي: قُدّس الوادي مرتين.

هذه المادة: طوى، نحن سنقتصر على هذا الذي ذكره هنا ابن جُزي -رحمه الله- في: طوى، وإلا فهذه المادة يحتمل أن تكون علماً لمكان، ومن ثَمَّ فيكون ذلك من جملة الأعلام المذكورة في القرآن، بمعنى: أنه لا حاجة للكلام على الاشتقاق، ومادة الاشتقاق، وما يتفرع عنه من المعاني، فهو لم يذكر غيرها، باعتبار: أنها اسم للوادي: طوى، يعني: يمكن أن تكون بهذا الاعتبار، أن تكون علماً على مكان، أو بقعة، إذا قلنا: إنها اسم الوادي، لا كلام هنا في موضع الاشتقاق، اسم الوادي: طوى، والأسماء لا تُعلل.

فقال -رحمه الله تعالى-: طوى: قيل: اسم الوادي، إذن: هو علم، وقيل: معناه: مرتين، أي: قُدِّس الوادي مرتين، فهنا يكون: مشتقًّا؛ لأنه ليس باسم الوادي، وإنما بمعنى: مرتين، يقول: قُدِّس الوادي مرتين، يعني: يمكن أن يكون معنى: طوى: أنها كلمة تدل على التثنية، طُوي مرتين، لاحظ الآن: في طي الورقة، هذا الطي فيه تثنية، فهنا يمكن أن يكون طوى -والله أعلم- فيه معنى: التثنية، أي: أنها كلمة تدل على التثنية، فقوله: بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى النازعات: 16أي: طوي مرتين، فهو: مصدر وصف به، بهذا الاعتبار، سواء قلنا: طِوى بالكسر، أو طُوى بالضم، فهما لغتان، وهما قراءتان أيضاً، طُوى وطِوى، كل ذلك على هذا التفسير يكون بمعنى: التثنية، يعني: بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى النازعات: 16، أي: طيتين، طوي مرتين، طيتين، مرتين، وعليه فالمعنى: أن الوادي قُدس مرتين، بالوادي المقدس مرتين، هذا المعنى، طوى: مرتين، الوادي المقدس مرتين، يعني: أن قداسته مضاعفة، فتكون كلمة: طوى ليست باسم للوادي، وإنما الوادي المُقدس مرتين، له قداسة مضاعفة، قُدّس مرتين.

ويحتمل أن يرجع ذلك للنداء، أن الله -تبارك وتعالى- نادى موسى طوى، ناداه بالوادي المقدس، ناداه طوى، يعني: ناداه مرتين، تكرر النداء مرتين، تقول: ناديته طوى، يعني: مرتين، فهذه اللفظة تدل على: التثنية، فيكون ذلك عائداً إلى التقديس: أنه قُدس مرتين هذا الوادي، أو يرجع ذلك إلى النداء: أن هذا النداء حصل مرتين.

وقد يُقال: إن طوى مصدر بمعنى: الطي، وإنه ليس معناه: التثنية، والمعنى: إنك بالوادي المُقدس طيًّا، مصدر ، يعني: طويته طيًّا، وقطعته، حتى ارتفعت إلى أعلاه، إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى طه: 12طويته طيًّا، لكن المشهور: أن ذلك اسم علم على البقعة، أو أن ذلك يراد به: التثنية، وذلك: أنه قُدس مرتين.

إذن: طوى يمكن أن يكون: اسم الوادي، ويمكن أن يكون: إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى طه: 12، أي: المقدس قداستين، المقدس مرتين، وقد ناداه الله -تبارك وتعالى- بقوله: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى النازعات: 16كما سبق، والاحتمال الآخر: ناداه طوى، يعني: ناداه مرتين، هذا ما يتعلق بطوى، ولو أردنا أن نتوسع في أصل مادة الطي فهذا يُفضي بنا إلى شيء من الإطالة.

وابن جُزي -رحمه الله- اقتصر على طوى الذي هو الوادي، فأكتفي بهذا، وإلا مثلاً: وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ الزمر: 67ما معنى الطي؟ الطي: ثني الشيء، ونحو ذلك، يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ الأنبياء: 104الورقة التي يكتبها الكاتب، كيف تطوى؟ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ الذي يكتب الصحيفة، يكتب الرسالة، كيف يطويها؟ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، لا أرى حاجة للتفصيل في هذا، والله أعلم.

قال -رحمه الله تعالى-: طهارة: له معنيان: الطهارة بالماء، ومنه: جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا المائدة: 6، والماء الطهور هو: المطهر، والطهارة من القبائح والرذائل، ومنه: أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ الأعراف: 82.

هذه المادة أرجعها ابن فارس -رحمه الله- إلى أصل واحد، يدل على: نقاء، وزوال الدنس، من ذلك الطُّهر: خلاف الدنس، والتطهر: التنزه عن الذم، وكل قبيح، فلان طاهر الثياب: إذا لم يُدنس، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ المدثر: 4فُسر: بتطهير النفس، وفُسر: بتطهير الثياب الحسية، وبينهما ملازمة لا تخفى.

وعلى كل حال: الطهارة تكون حسية: الطهارة بالماء، ونحوه، بزوال الدنس، والقذر، ونحو ذلك، وتكون الطهارة معنوية: بطهارة النفس، والتنزه عن الأوضار، والمدنسات، من الشرك بالله -تبارك تعالى-، والمعاصي، وما يلوث العِرض، ونحو هذا، كل هذا يقال له: تطهُّر، وطهارة.

فالطهارة الحسية هي التي أشار إليها ابن جُزي، فقال: الطهارة بالماء، لقوله -تبارك وتعالى-: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا المائدة: 6، هذه الطهارة الحسية، وفي قوله: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا التوبة: 108، على قول أكثر المفسرين فسروه بماذا ؟ بإتباع الحجارة الماء، يعني: الاستنجاء، هكذا قال أكثر المفسرين، فالمقصود أنها على هذا المعنى: طهارة حسية، وإذا كان المقصود التطهر بالإيمان، فهي: طهارة معنوية، ويمكن أن يكون هؤلاء جمعوا بين هذا وهذا، ولا شك أنهم كذلك.

وأما في قوله -تبارك وتعالى- عن قول قوم لوط للوط ﷺ ومن معه: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ الأعراف: 82فيعني: عن المدنسات والفواحش، في قوله -تبارك وتعالى-: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ المجادلة: 12، في النجوى، في الصدقة بين يدي النجوى، أطهر: هل هذه الطهارة حسية أو معنوية؟ معنوية بلا شك، وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ آل عمران: 42، الطهارة هنا: معنوية، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ التوبة: 103يعني: طهارة معنوية، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ المائدة: 41طهارة معنوية، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الحج: 26تشمل الأمرين -النوعين-: الطهارة الحسية، والطهارة المعنوية، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ آل عمران: 15الطهارة هنا: حسية، من الحيض، وكل مستقذر، وطهارة أيضاً معنوية، بالأخلاق الجميلة، والنفوس الزكية، ليس فيها غل، ولا حسد، ولا سوء ظن، ولا غير ذلك، كما يوجد في نساء الدنيا، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا آل عمران: 55طهارة معنوية، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

مواد ذات صلة