الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
(022-ب) قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم .. الآية 263 - إلى قوله تعالى وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر... الآية 269
تاريخ النشر: ٢١ / رجب / ١٤٣٧
التحميل: 1658
مرات الإستماع: 1614

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ [البقرة:264] قال: عقيدة أهل السنة: أن السيئات لا تبطل الحسنات، فقالوا في هذه الآية: إنّ الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن، أو يؤذي لا تُقبل منه، وقيل: إنّ المن والأذى دليلٌ على أن نيته لم تكن خالصة، فلذلك بطلت صدقته".

فلا حاجة لمثل هذا التوجيه؛ لأن مبطلات العمل، منها ما يتعلق بالنيات والمقاصد؛ كالرياء والسمعة، وهذا لا إشكال فيه أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه[1]، ومما يبطلها أيضًا: المن والأذى، ولا حاجة لأن يقال: بأن الله علم منه أن نيته غير صالحة، فهنا قال: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى [البقرة:262]، فـفِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا يدل على الإخلاص.

بقي أمرٌ آخر: وهو ألا يتبع ذلك منًّا، ولا أذى، (ثم) هنا قد تدل على أن ذلك للرتبة، للترتيب وليس للزمن، فالمن والأذى قد يكون مع الصدقة، يُعطيه وفي نفس الوقت يؤذيه، وقد يكون بعدها بمدة، ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ [البقرة:262] يعني ومع ذلك لا يحصل منهم منَّ ولا أذى.

فالمنَّ والأذى يُبطل الصدقة، فهذا غير الإخلاص؛ ولذلك لا حاجة لتوجيهه بأن الله علم منهم عدم الإخلاص، فالمنَّ والأذى مبطل آخر.

أما مسألة إبطال السيئات للحسنات فهذه مضى الكلام عليها في بعض المناسبات، ومن ذلك في شرح كتاب "طريق الوصول إلى العلم المأمول" للشيخ عبد الرحمن بن السعدي، مما جمعه من كلام شيخ الإسلام وابن القيم، وحاصل ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- وهو كأنه أعدل الأقوال، وجمع بين الأدلة: إن السيئة تُبطل ما يقابلها من الحسنات[2]، يعني السيئة التي تبطل جميع الحسنات هي الشرك فقط، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] فلا يوجد سيئةٌ تبطل كل الحسنات غير الشرك، لكن باقي السيئات تُبطل ما بإزائها من حسنة، يعني: هذه السيئة تُبطل بمقدارها من الحسنات، يدل على هذا حديث الذين يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا، هؤلاء ذكر فيهم صفةً، وهي: أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها[3]، فالله يُذهب هذه الحسنات.

فما ذكره شيخ الإسلام يحتمل باعتبار أنهم يكثرون في السر من عمل السيئات والعظائم والشنائع، فيُذهبون هذه الحسنات بكثرة هذه السيئات، فهو أعماله حسنة كثيرة، فإذا خلا استنفذ ذلك وأبطله بهذه السيئات، يشاهد مقاطع سيئة، يشاهد 100 مقطع وأكثر، وكم عمل حسنة في اليوم؟ فيُذهبها، ويُبطلها، يفجر ويفعل الفواحش إذا خلا بمحارم الله.

ويحتمل أيضًا أن هؤلاء كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، بمعنى: أنهم كانوا أصحاب عظائم في السرائر، بحيث أن هذه السيئات ترجح على الحسنات، والوزن عند الله -تبارك وتعالى- وبحسب الرُجحان، فمنهم من تخف موازينه، ومنهم من تثقل موازينه، فيكون آحاده أثقل من عشراته في الميزان، الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بواحدة، فتكون الآحاد أثقل من العشرات بكثرة السيئات، هذا احتمال، والله أعلم.

وبعض أهل العلم يقول: السيئة لا تُبطل الحسنة أصلًا، وإنما الحسنات هي التي تُذهب السيئات، وأتبع السيئة الحسنة تمحها[4]، وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

س: في قوله: عقيدة أهل السنة، هل يقصد السنة بعموم، أم الأشعرية؟

ج: طبعًا هو يفهم أن أهل الكلام هم من جملة أهل السنة، لكن مثل هذه المسألة عقيدة أهل السنة أن السيئة لا تبطل الحسنات، ليس على إطلاقه، فليست هذه عقيدة ثابتة ومتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، فبعض أهل السنة يقولون: تبطلها، وقد يُفهم هذا من الحديث السابق يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا[5]، فلا يُقال: إن هذا من المقرر عند أهل السنة، وإنما هذا قول لبعض أهل العلم.

س:...

ج: هذا يُعطى من حسناته، هذا غير الأبطال أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله ﷺ: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار[6] فهو غير الإبطال، هذا قصاص، وإنما الكلام هنا في الإبطال، هل تذهب الحسنات بفعل السيئات أو لا؟ غير مظالم الخلْق، فتلك تُعطى لهم، من باب القصاص.

س: ألا يستدل -أحسن الله إليكم- بأثر عائشة مع زيد بن أرقم عند ما قالت قولوا له: قد أبطل جهاده مع النبي ﷺ[7]؟

ج: هذا فيه أشكال؛ لأن هذه الفتوى أو القول الذي قال به زيد إن جهاده مع رسول الله ﷺ قد بطل وحبط، فكيف يكون مثل هذا يُحبط؟ فهذا محل إشكال، فلا يُحبط جهاده مع رسول الله ﷺ إلا الإشراك، وإلا فإن مسطح من المهاجرين، ومن أهل بدر، فالله اعتبر له ذلك، مع أنه قذف عرض النبي ﷺ.

"قوله تعالى: كَالَّذِي يُنفِقُ [البقرة:264] تمثيل لمن يمنُّ ويؤذي بالذي ينفق رياء وهو غير مؤمن".

يعني تمثيل لمن وقع بشيءٍ من المحبط للعمل، وهو الرياء، كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] فصار هذا الذي يمن ويؤذي بمنزلة ذاك، كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264] فهذا يحبط أعماله ولا يُقبل، فكذلك الذي يؤذي ويُمن بصدقة.

"قوله: فَمَثَلُهُ [البقرة:264] أي: مثل المرائي في نفقته كحجر عليه ترابٌ يظنه من يراه أرضًا منبتةً طيبة، فإذا أُنزل عليها المطر انكشف التراب، فيبقى الحجر لا منفعة فيه، فكذلك المرائي يظن أن له أجرًا، فإذا كان يوم القيامة انكشف سره، ولم تنفعه نفقته، صَفْوَانٍ [البقرة:264] حجرٌ كبير، وَابِلٌ [البقرة:264] مطر كثير، صَلْدًا [البقرة:264] أملس".

كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ [البقرة:264] فهذا الذي لا يؤمن بالله، ولا بالآخرة ضرب له هذا المثل، مثَّله كمثل صفوان، يقول: هو الحجر الكبير الأملس، وواحدته صفوانة، وبعضهم يقول: صفوان: يُقال للمفرد أيضًا، وبعضهم يقول: بل هو مفرد، وجمعه: صُوفي، وصِفي، وأصل الصفاء هو الخلوص؛ خلوص الشيء من الشوب، ومنه قيل: الصفا: الحجارة الصافية.

وابن القيم -رحمه الله- يقول: بأن ذلك يُراد به قلب المنافق[8]، يعني: إن أردنا أن نُفكك المثل، فالأمثال تُشرح بطريقتين، كما ذكرت في الكلام على الأمثال في القرآن:

تُفسر تفسيرًا عامًّا إجماليًّا، وهذا يسير وسهل، معنى المثل العام.

ولكن إذا أردت أن تفكك المثل، وتجعل كل كلمة إزاء شيء من الممثل به، هذه تعني كذا، وهذه تعني كذا، وهذه ترمز إلى كذا، فهذا قد يصعب، وقد يعسر، فتبقى بعض الكلمات، وبعض الجمل ما الذي يُقابلها؟ مثل ما يُقال في تعبير الرؤى، فقد تُفسر الرؤية تفسيرًا إجماليًّا وانتهى، فيُقال هذه تعني كذا بإجمال، لكن إذا أردت أن تفكك كل جُملة تقول: هذا تعني كذا وهذه كذا، فتبقى بعض الأشياء قد لا تجد ما يُقابلها في الكلام، فتفكيك المثل يعني تفسير المثل باعتبار التركيب هذا يوقع في إشكالات، وفي خلاف بين أهل العلم ما المقصود بهذا الموضع؟ وما المقصود بهذه الكلمة؟ وهذه تقابل ماذا؟ فذلك مظنة للإشكال والاختلاف.

فابن القيم يرى أن ذلك لقلب المنافق، ولا سيما أنه ذكر الرياء، كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:264] فهذا لا يكون إلا للمنافق، يعني: ليس مجرد المرائي في صدقة معينة، فهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو ينفق إذًا فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] فهذا على قول ابن القيم -رحمه الله- أنه قلب المنافق كمثل صَفْوَانٍ [البقرة:264] فقلبه بهذه المثابة والصلابة، فَأَصَابَهُ وَابِلٌ مطر كثير، تَرَكَهُ صَلْدًا يعني صلبًا يابسًا، حجر، فالصلب الذي لا يُنبت، والصلد أصله من الصلابة واليُبس، فهذا قلب المنافق عند ابن القيم -رحمه الله- فهو لا ينتفع بنفقة وصدقة، ولا يؤثر ذلك فيه، بل هو في غاية الصلابة.

"قوله: لا يَقْدِرُونَ [البقرة:264] أي: لا يقدرون على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم، وهو كسبهم".

لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:264] الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: كذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله، وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب[9].

فهذا المثل مضروبٌ لمن ينفق ماله، قال: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ [البقرة:264]، فابن القيم يقول: هذا تمثيل له لحاله هو، فهذا قلبه، وهذا قلب المنافق كصفوان، قلبه في غاية القساوة، كما قال الله : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:1-3] قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] بعض أهل العلم يقول: هذه مرتبطة بالأول، فهم يصلون، ولكن يُضيعون الوقت، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ [الماعون:5-6]، فهذا الذي هو يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فقلبه قاسي، فهو مرائي في أعماله، فعطائه إن أعطى لا يُنبئ عن رحمة، وشفقة، ومحبة خير، ونحو ذلك من رجاء ما عند الله من الأجر والثواب، وإنما هو يريد الثناء والمدح والإطراء، وإلا هو في غاية الفظاظة، فهو يدعُّ اليتيم، الذي هو محل الشفقة والرحمة، وضعيف، فقد أباه وهو صغير، ومع ذلك فكيف يفعل بالكبير إن كان هذا فعله بهذا اليتيم؟! يَدُعُّ الْيَتِيمَ يدفعه عن حقه، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.

وهنا قال: كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ [البقرة:264] فهذا يحتمل أن يكون تمثيل لقلبه، وأن هذا الإنفاق لا ينفعه، ولا يؤثر فيه، وما يرى الناس من نفقته، ونحو ذلك لكن في الواقع أن قلبه على خلاف ما ظهر من عمله.

ويحتمل أن يكون هذا التمثيل لنفقته، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فهذه النفقة لما كانت على غير أساسٍ وأصلٍ صحيح يُقبل معه العمل، صارت مثل التراب الذي على الصفوان، فهذا لا يُمكن أن يحصل معه نبات بمجرد ما ينزل عليه المطر يزول ذلك التراب، وينجلي عن حقيقةٍ لا تخطئها العين، وهو أن هذا الحجر الصلد الذي هو ليس محلًّا للإنبات أصلًا، يتكشف عن قسوةٍ وصلابة، فذلك يكون تمثيلًا لعدم انتفاعه بنفقته، فهذه النفقة تذهب وتزول؛ لأنه جاء ما يُبطلها، كذلك التراب الذي نزل عليه المطر، والمطر لما ينزل مظنة الإنبات، لكن هذا نزل على صفوان، فزال هذا التراب، فتكشفت الحقيقة، وهي هذا الحجر الصلب، فيكون المثل مضروبًا لنفقته أنه لا ينتفع بها، وهكذا أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله، هذا كلام ابن كثير -رحمه الله-.

"قوله: وَتَثْبِيتًا [البقرة:265] أي: تيقنًا وتحقيقًا للثواب؛ لأن أنفسهم لها بصائر، تحملهم على الإنفاق".

وبنحو هذا قال ابن كثير -رحمه الله-[10]، وأن هذا نظير قول النبي ﷺ: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا[11] وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] يعني باحتساب الأجر عند الله -تبارك وتعالى- ولهذا فسَّرها بعضهم بالاحتساب، وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] أي: احتساب الأجر، فهي بمعنى التصديق الناشئ من جهة أنفسهم، وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:265] أي: تصديق ناشئ من جهة أنفسهم، فهذا يحتمل.

"ويحتمل أن يكون معنى التثبيت: أنهم يثبتون أنفسهم على الإيمان، باحتمال المشقة في بذل المال".

وهذا معنًى آخر "يثبتون أنفسهم على الإيمان باحتمال المشقة في بذل المال" يعني بمعنى: أن المتصدق إذا أراد أن يتصدق لربما تنازعه نفسه، فيحصل له شيء من التردد، ويبدأ يحسب حسابات فيما يحصل له من النقص، ويفكر في العواقب، فهنا يحتاج إلى أن يثبت نفسه، حيث تتحرك وتضطرب عليه، فتحتاج إلى تثبيت من أجل أن يدفع هذه النفقة، وهذا معنًى جيد، ذكره بعض أهل العلم من المحققين، والآية تحتمل هذا وهذا.

وذكرت احتمالات أخرى وتفصيلًا أكثر في الكلام على شرح هذا المثل في الأمثال في القرآن.

"قال: وانتصاب ابْتِغَاءَ [البقرة:265] على المصدر، في موضع الحال، وعطف عليه وَتَثْبِيتًا [البقرة:265]، ولا يصح في وَتَثْبِيتًا أن يكون مفعولًا من أجله؛ لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت، فامتنع ذلك في المعطوف عليه، وهو ابْتِغَاءَ".

مع أن هذا يحتمل أن يكون الإنفاق من أجل التثبيت، فإن ذلك من فوائد الإنفاق وعوائده، فترتاض النفس على طاعة الله وتتخلص من الشح، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [التغابن:16]، فالشح مركوز في النفوس؛ ولذلك أضافه إليها شُحَّ نَفْسِهِ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16]، فعلق به الفلاح وأناطه.

وبعضهم يقول: بأن ابْتِغَاءَ، وَتَثْبِيتًا مفعولٌ له، وهذا الذي أنكره ابن جُزي -رحمه الله- وذكره بعض أهل العلم؛ يعني لأجل الابتغاء والتثبيت.

وبعضهم يقول: تثبيتًا مصدر، والمعنى: أنهم يثبتون أنفسهم -ببذل أموالهم- على الإيمان، وكذلك سائر العبادات رياضةً لهذه النفوس وتدريبًا، وهذا يكون متوافقًا مع القول بأنه مفعول لأجله، فعلوا ذلك من أجل أن يثبتوا أنفسهم على الإيمان، وطاعة الله وترويض هذه النفوس.

وابن القيم -رحمه الله- حمله على معنى الإخلاص، وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ يعني: الإخلاص، وَتَثْبِيتًا بتقويتها على البذل لئلا تضعف[12]، يعني: فعلوا ذلك لأمرين:

الأول: طلب ما عند الله.

والثاني: تثبيت هذه النفوس لتقويتها على البذل؛ لئلا يحصل لها الضعف، وهذا يتأتى على قول من قال بأنه مفعول لأجله.

"قوله تعالى: كَمَثَلِ جَنَّةٍ [البقرة:265] تقديره: كمثل صاحب جنة، أو يقدر أولًا مثل نفقة الذي ينفقون".

كَمَثَلِ جَنَّةٍ [البقرة:265] تقديره: كمثل صاحب جنة، بربوة، باعتبار أن الممثّل الآن هو المنفق، ابتغاء مرضات الله، وتثبيتًا من نفسه، هذا المضروب له المثل، والممثل له، والممثل به: الجنة، قال: "كمثل صاحب جنة، أو يقدر أولًا مثل نفقة الذين ينفقون" ولماذا يقولون هذا أو هذا؟ باعتبار أن الذين ينفقون هؤلاء أشخاص، وهذا يحتاج إلى تقدير، فهو إما أن يكون التمثيل لهؤلاء الذين ينفقون بصاحب جنة، فيكون مثَّل هذا بهذا، أو يكون التمثيل للنفقة بالنفقة، فهذا سبب ذكرهم التقدير، وهو لئلا يكون تمثيل الشخص ببستان، فإما أن يكون بصاحب بستان، أو تكون النفقة هي الممثل لها، وليس الشخص المنفق، فيكون مثل بستان، نفقته كبستان.

س:....

مثل صاحب الأعمال، كمثل حبةٍ أنبتت سبعة سنابل.

لكن عندكم هنا: "أو يُقدر أو مثل نفقة صاحب جنة" ماذا في النسخة الثانية؟

الطالب: يُقدر في أول الكلام، كما قال في الأولى: أولًا، قال: هنا في جميع النسخ (أولًا) كأن هذا أفضل؟

الشيخ: كيف يكون أولًا؟

الطالب: يعني التقدير يكون في أول الكلام: مثل نفقة الذين.

الشيخ: تقديره: كمثل صاحب جنة، أو يقدر أولًا، أحسنت، بهذه الطريقة، مثل ما قيل في الأول، في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، فيكون هذا مثل هذا.

يعني كما قلنا في ذاك المثل، إما أن يكون التقدير في الجزء الأول، أو في الجزء الثاني وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ [البقرة:265] "كمثل صاحب جنة" هذا التقدير الآن في الجزء الثاني من المثل، أو يقدر أولًا: مثل نفقة الذين ينفقون، فيكون الكلام تقديره هكذا: "كمثل صاحب جنة"، أو يقدر أولًا: مثل نفقة الذين يُنفقون".

"قوله تعالى: بِرَبْوَةٍ [البقرة:265] لأن ارتفاع موضع الجنة أطيب لتربتها وهوائها".

الربوة: هي المكان المرتفع، فهنا ذكر طيب المنبت.

"قوله: فَطَلٌّ [البقرة:265] الطل: المطر الرقيق الخفيف، فالمعنى: يكفي هذه الجنة لكرم أرضها".

يعني يكون التقدير: فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] يعني: فطلٌ يكفيها، كما قال بعض أهل العلم.

وبعضهم يقول: التقدير: فالذي يرويِّها طل، يقول ابن جُزي: "يكفي هذه الجنة لكرم أرضها".

وابن كثير -رحمه الله- يقول: أي هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدًا؛ لأنها إن لم يصبها وابل فطل، وأيًّا ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يتقبله الله ويُكثره، ويُنميه، كل عاملٍ بحسبه؛ ولهذا قال: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:265] أي: لا يخفي عليه من أعمال عباده شيء، فهذه الجنة لا تمحل، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ، فكذلك عمل المؤمن لا يضيع[13].

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- اعتبر الوابل للسابقين، والطل للمقتصدين في النفقة[14]، أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ [البقرة:265] هؤلاء أصحاب الإنفاق الكثير فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] فهذا للمقتصدين في النفقة.

والطل قال: "المطر الرقيق الخفيف" فأصل الطل: يُقال لغضاضة الشيء، وحسنه، ونضرته، وسمي به أضعف المطر؛ لأنه يُحسِّن الأرض بهذا الاعتبار، وقال الضحاك: هو الرذاذ، وهو اللين من المطر[15].

والعامة يطلقونه الآن على الرطوبة، تجد هذه الرطوبة تكون: مثل الندى، على الأرض، وأوراق الشجر، ونحو ذلك من غير مطر نازل من السماء، ولو كان خفيفًا، لكن الهواء فيه رطوبة لا سيما في أول ساعات النهار، فيكون ذلك من قبيل الطل، لكن المقصود به هنا: المطر الخفيف.

"قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ [البقرة:266] الآية، مثل ضرب للإنسان يعمل صالحًا، حتى إذا كان عند آخر عمره خُتم له بعمل السوء".

هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن هذا المثل الآخر أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة:266] يقول: مثل ضُرب للإنسان يعمل عملًا صالحًا حتى إذا كان عند آخر عمره خُتم له بعمل السوء[16].

وابن عباس -ا- لما سأل عمر من في مجلسه، عن هذه الآية، وهذا المثل المضروب، فابن عباس -ا- أجابه بجوابه المعروف، حيث قال: بأنه مثل، وأنه ضُرب لرجلٍ غني يعمل في طاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله[17]، يعني: حصل له تحول وانتكاسه فعمل أعمال صالحة، في أول حياته، فلما كان في آخر العمر خَتَمَ بالعمل السيء، فيكون المثل المضروب له، فأذهب عمله الأول.

"أو مثلٌ للكافر، أو المنافق، أو المرائي المتقدّم ذكره آنفًا، أو ذي المن والأذى، فإنّ كل واحد منهم يظن أنه ينتفع بعمله، فإذا كان وقت حاجةٍ إليه، لم يجد شيئًا، فشبههم الله بمن كانت له جنة، ثم أصابتها الجائحة المهلكة، أحوج ما كان إليها لشيخوخته، وضعف ذريته، فالواو في قوله: وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ للحال".

القول الآخر: أن هذا المثل مضروب للكافر، يعني أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة:266] باعتبار أن هذا تمثيل لأعمال الكافرين، فمثَّل أعمالهم بهذا، وكذلك بالسراب، والرماد الذي اشتدت به الريح، فهم لا يرجعون من هذه الأعمال بشيء، في الوقت الذي يكونون أحوج ما يكونون إليها.

أو أن المثل مضروب للمنافق، فأعماله هذه تذهب، أو المرائي، وكل أعمال هؤلاء تذهب، لكن المرائي يذهب العمل المعين، والمنافق والكافر يذهب كل العمل، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-[18]، وما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وذكره ابن جُزي أولًا بأنه مضروب للإنسان يعمل عملًا صالحًا حتى إذا كان عند آخر حياته خُتِمَ له بعمل السوء، هذا في كل الأعمال، فالآية تحتمل أن يكون ذلك للأعمال عمومًا، وما يُرجّى من عائدتها وأجرها فتذهب، ولا يرجع من ذلك بشيء.

أو في العمل المعين يبني مسجدًا، أو نحو ذلك، ثم يكون ذلك رياءً، أو يأتي بما يُبطله من المن والأذى، أو نحو ذلك، فيذهب هذا الأجر.

فبعض الناس قد يبني مسجدًا، لكن قد يؤذي الناس بأنواع الأذى، فيتصرف في هذا المسجد بأمور تؤذي المصلين، تارةً يتكلم ويقول لهم كلامًا يؤذيهم به، ثم يختم هذا الكلام الذي يؤذيهم فيه ويقول: من شاء فليصلِّ، ومن شاء فليطلب مسجدًا آخر، يعني يقول: الأشياء التي أراها أنا هي التي تكون في هذا المسجد، حتى مثلًا قضية التبريد والتكيف، أو أشياء من هذا القبيل مما يذكره بعض الناس، فهذا يجعل كل ما يكون في هذا المسجد بناءً على ما يراه هو، ولا يسمع من أحد، ويصرح ويقول لهم: من شاء صلى معنا، ومن شاء فليطلب مسجدًا آخر، وقد يقول صراحةً هذا المسجد إنما بنيناه نحن -هكذا يقول- ويُسمى باسمه، ويقول لهم صراحةً ويُعلن: هذا مسجد فلان، فماذا يُريد بهذا؟ يعني اطلبوا مسجدًا آخر، يعني يقول لهؤلاء الذين يأتون بالأولاد معهم، أو نحو ذلك يقول: هذا مسجد فلان، لا تأتون إليه، ينهاهم عن المجيء إلى هذا المسجد، ويقول: نحن ما بنيننا هذا المسجد لكم، هذا يوجد وحصل.

"قوله: إِعْصَارٌ [البقرة:266] أي: ريحٌ فيها سموم محرقة".

يقول: "قالوا: فالواو في قوله: وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ [البقرة:266] للحال" يعني الحال أنه قد أصابه الكبر، يعني هذا الرجل اجتمعت عليه هذه الأمور، هو تعب في هذا البستان بالغرس، والزرع، والسَقِي، والحرث، وما إلى ذلك، يُنميها، ويَشْبُرها، ويذرعها، يرجي عائدتها، ومتى تستتم هذه الأشجار، ومتى تثمر، سنين طويلة، حتى انصرمت قوته، وقرب أجله، وصار في حالٍ من الضعف، وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ [البقرة:266] يعني: لا يستطيعون القيام بها من بعده، ولا إعانته، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة:266] فهذا في غاية الحسرة من جهات متعددة:

أنه كبير، ليس فيه قدرة على إنشاء بستان جديد، وجاء ذلك في وقت كان يُرجّي الثمرة، وأيضًا له هؤلاء الذرية الذين لا يستطيعون إعانته، وهم أيضًا يمثلون عبئًا عليه؛ لأنه يرق لهم، ويحسب لهم حسابًا، فالإنسان إذا كان في حالة من الضعف والعجز، وفي آخر العمر، وقد جد واجتهد في أيام النشاط والقوة يبني لهؤلاء مستقبلًا كما يُقال، فجاء هذا الإعصار فيه نار فاحترقت، فبقي هؤلاء الضعفاء حسرة في قلبه، إلى أي حال يصيرون؟ وماذا عسى أن يجدوا من بعده؟ ليس فيهم إعانة، ولا نهوض بعمل، وكذلك أيضًا هم عالة عليه، فتزيد المطالب، وتعظم حاجته، فأصابه الكبر.

"إِعْصَارٌ [البقرة:266] أي: ريح فيها سموم محرقة" ويقال: ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء، ملتفة في الهواء، تحمل التراب، وتستدير كالعمود، كما هو معروف، هذا الإعصار، لكن هذا إعصار من نوعٍ آخر، وهو أن فيه نار، وكلام المفسرين يقولون: السموم هنا سموم محرقة، بمعنى: أنها تؤثر في النبات والزرع والشجر، وبعضهم يقول: باردة، فالبرودة محرقة، قالوا: يوجد أثر الإحراق، بمعنى: أن شدة البرودة يسود معها النبات، فتتلفه، ويموت من شدة البرد.

لكن الواقع أن هؤلاء بنوا ذلك على أنهم لم يتصوروا وجود إعصار فيه نار حقيقية، لكن في الكلام على الأمثال في القرآن عرضتُ مشهدًا لإعصار حقيقي، وُجد قبل سنوات، وإعصار آخر قبله بمدة أطول، إعصار حقيقي فيه نار كبيرة ضخمة، يمشي، وينتقل، ويتحرك، ويحرق كل ما في طريقه، يمر على غابات يحرقها، إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فهذا نادر الوجود، ونادر الوقوع، فكأن هؤلاء ما تصوروا وجود إعصار، فقال بعضهم: سموم، وقال بعضهم: برودة شديدة، لكن هو على ظاهره فيه نار.

"قوله تعالى: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] والطيبات هنا عند الجمهور: الجيد غير الرديء، فقيل: إنّ ذلك في الزكاة، فيكون واجبًا، وقيل: في التطوع، فيكون مندوبًا لا واجبًا؛ لأنه كما يجوز التطوع بالقليل يجوز بالرديء".

أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] بالنسبة للزكاة المشروع فيها إخراج الوسط، فإذا أخرج الأجود بطيب نفسٍ منه رغبة، فهذا لا إشكال فيه، والله يجزيه على ذلك، لكن الواجب هو أن يخرج الوسط لا يُخرج الرديء، ولا يُطالب بإخراج الأجود من المال، هذا بالنسبة للزكاة.

وبالنسبة للصدقة يقول: "يكون مندوبًا...؛ لأنه كما يجوز التطوع بالقليل يجوز بالرديء" هذا فيه تفصيل، يعني: الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية يقول: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] الخبيث هنا يُقابل: الطيب وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] فالأصل أن الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، فهذا الأصل، فبيان ذلك ووجهه -والله تعالى أعلم- أن يُقال: بالنسبة للزكاة الواجب فيها: أن يُخرج الوسط، وبالنسبة لصدقات التطوع، فإن الصدقة ينبغي أن يُخرج الطيب لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].

وهنا قال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] يعني: على إغضاء، حياءً من المُعطي، ومجاملةً، وإلا فالإنسان لا يرغب في أخذه، فكذلك لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[19] فيُقال: إن الإنسان ينبغي عليه أن يُنفق من الطيب، ولكن هل هذا يعني أن ما لا حاجة له فيه أنه يتلفه؟

الجواب: لا، يتصدق به، يعني بقايا الطعام، والثياب التي لا يحتاج إليها، القديمة عنده، هل نقول: يرميها؟ لا، يتصدق بها، لكن لا تكون صدقاته دائمًا هي هذه الأشياء المستكرهة بالنسبة إليه التي لا يقبلها لو أُعطيها، يُنفق نفقة جيدة، وكذلك لا يضيع عنده شيء، ولا يحقر من المعروف شيئًا، فهذه الأشياء التي تزهد نفسه فيها يتصدق بها، ففي كل معروف صدقة، والله يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7] فيتصدق بهذا الثوب، أو بهذا الطعام الذي انتفت حاجته عنه، ولكن أيضًا لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وأبو طلحة لما سمع هذه الآية أنفق بستانه بيرُحاء، قال: "أحب أموالي إلي بيرحاء"[20]، كان مقابل المسجد، وفيه ماء طيب.

وكذلك أيضًا لما سمعها ابن عمر نظر في أحب ماله إليه، فوجده جارية، فأعتقها لوجه الله، وكان يحبها[21]، حتى إنه كره أن يزوجها مولاه نافع، لئلا يكون قد رجع بصدقته.

وكذلك أيضًا عمر وزيد، كل هؤلاء نظروا في أفضل المال، أخرج فرسًا في سبيل الله هي أفضل ماله؛ لما سمع هذه الآية.

يعني حتى في الكفارات، وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس، والصدقات، والزكوات، يعني صدقة الفطر مثلًا، بعض الناس يبحث عن أرخص أنواع الرز مما لا يأكله هو وأهله فيُخرجه، يبحث عن أرخص الأنواع، هو لا يأكل من هذا، ينبغي أن يُخرج من أوسط الطعام.

كذلك في كفارات اليمين ونحو هذا، الله قال: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89]، وكذلك الكسوة تكون من أوسط، فلا يبحث عن أرخص الأشياء، وأرخص الطعام، وأرخص رز، أو بلد تكون فيها الكفارة رخيصة جدًا، ثم يخرج، يعني بدل ما يخرجها هنا مثلًا بمائة ريال، يخرجها في بلد آخر رخيص فيه الطعام، فتطلع عليه الكفارة 30 ريال، فيُخرج بالمائة نحو 3 كفارات، فلا يصح هذا، مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة:89] بحيث يكون من أوسط ما تطعم، لا تبحث عن المكان الأرخص، أو النوع الأرخص.

"قوله تعالى: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا [البقرة:267] من النبات والمعادن، وغير ذلك.

قوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] أي: لا تقصدوا الرديء".

هكذا قال ابن كثير -رحمه الله-: وَلا تَيَمَّمُوا [البقرة:267] أي: لا تقصدوا[22].

والْخَبِيثَ يعني: الرديء، وخصه بعضهم بالحرام، يعني يكون الطيب يشمل الحلال، الطيب في الكسب، وفي النوع أيضًا، يكون جيد.

وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] الخبيث يصدق على الرديء ويصدق أيضًا من جهة الكسب على الحرام.

وابن جرير -رحمه الله- خص قوله: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] بالزكاة[23]، باعتبار أن المستحقين شُركاء لأصحاب المال، يعني: لهم حق في هذا المال، فلا يُعطيهم الرديء، هذا وجه قول ابن جرير -رحمه الله- بخلاف الصدقة، فهي ليست بحق لهم، فله أن يُخرج الرديء.

ومسألة الصدقة كما قلت: لا تكون نفقة الإنسان دائمًا الصدقة من الرديء، لكن يُنفق الرديء فلا يُهدر، وتكون له نفقات من الجيد، واقع أكثر الناس اليوم إذا رأى طعام جيد قال: لا، هذا جيد، يعني لا نتصدق به، وينظر إلى الثياب ليُخرج شيئًا منها صدقة ونحو ذلك فيتردد أحيانًا في بعضها، فيُقال: هذا جيد، يعني لا تنفق هذا، وإنما يبحث عن الأشياء التي لا يُعبأ بها، ولا تطلبها النفوس فيُخرجها، هذا خطأ، بل يُخرج الجيد، ولا يترك تلك أيضًا بحيث تُرمى، ولا يُنتفع بها، لا بد أن يُعطيها لمن ينتفع بها، ولو وجد شيء من الطعام لا ينتفع به الآدمي يجعله للطير والحيوانات، ونحو ذلك، فلا يضيع شيء، والقصد أن نفقاته لا تكون من هذا القبيل فقط.

"قوله تعالى: مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] في موضع الحال".

في قوله: تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] جاء عن البراء قال: "نزلت فينا معشر الأنصار"[24]، وهذه الصيغة في بداية الحديث غير صريحة أنه سبب النزول، لكن قد يكون في أوله غير صريح، وفي آخره من قبيل الصريح، كما في هذا المثال.

"كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيُعلقه في المسجد".

إلى أن قال: "وكان ناس ممن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو، فيه الشيص والحشف، والقنو قد انكسر -يعني تالف- إذا انكسر ييبس- فيُعلقه -يعني في المسجد، فأنزل الله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة:267] يكون هذا سبب النزول.

قال: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماضٍ، أو حياء قال: فكنا بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده"[25] -فهذه ليست بزكاة، هذه صدقة- فلا يُحمل هذا على الزكاة، فسبب النزول هذا يدل على أنه في الصدقة، وليس في الزكاة، ويُقال في الزكاة كما سبق يُخرج من أوسط المال.

"قوله تعالى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267] الواو للحال، والمعنى: أنكم لا تأخذونه في حقوقكم وديونكم إلّا أن تتسامحوا بأخذه (قال في جميع النسخ: إلا بأن تتسامحوا بأخذه) وتُغْمِضُوا من قولك: أغمض فلان عن بعض حقه: إذا لم يستوفه، أو إذا غض بصره".

يعني بمعنى: تترخصوا وتتسامحوا، وأصل الغمض: النوم العارض، ثم استعير للتغافل والتساهل، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة:267] يأخذه على اغماض وحياءً ومجاملةً.

"قوله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268] الآية، دفع لما يوسوس به الشيطان من خوف الفقر، ففي ضمن ذلك حضٌّ على الإنفاق، ثم بين عداوة الشيطان بأمره بالفحشاء، وهي المعاصي، وقيل: الفحشاء البخل، والفاحش عند العرب البخيل، قال ابن عباس: في الآية اثنتان من الشيطان، واثنتان من الله، والفضل: هو الرزق والتوسعة".

القول بأن الفحشاء هنا هي المعاصي مروي عن سعيد بن جبير، ومقاتل وابن المبارك[26].

والقول بأن الفحشاء هنا هي البخل هو رواية عن ابن عباس -ا-[27].

ونقل عليه ابن القيم -رحمه الله- إجماع المفسرين بأن الفحشاء هنا في هذا الموضع بمعنى: البخل، يأمر بالفحشاء، أي بالبخل[28].

واختاره ابن كثير: أن الفحشاء هنا لا تختص بالبخل، وإنما بالعظائم من الذنوب بأنواعها[29].

فيأمر بالفحشاء، فهنا يقول: الفاحشة عند العرب البخيل، وهذا جاء في كلامهم وفي أشعارهم أنهم يقولون للبخيل: الفاحش.

"قال ابن عباس: في الآية اثنتان من الشيطان"[30]، وهي الوعد بالفقر، والأمر بالفحشاء، "واثنتان من الله" يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268] "والفضل هو الرزق والتوسعة" كما قال النبي ﷺ: لا ينقص مال من صدقة[31].

"قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ [البقرة:269] قيل: هي المعرفة بالقرآن، وقيل: النبوة، وقيل: الإصابة في القول والعمل".

القول بأن الحكمة في قوله: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ [البقرة:269] المعرفة بالقرآن" هذا مروي عن ابن عباس -ا- وفي الحديث: لا حسد إلا في اثنتين وذكر الرجل الذي آتاه الله مالًا، وذكر أيضًا الرجل الذي آتاه الله الحكمة، قال: فهو يقضي بها ويعلمها[32]، وهذه الحكمة التي يقضي بها ويعلمها هي: القرآن، والفقه في الدين، والعلم بالشرع، كل هذا يرجع إلى شيء واحد يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:269].

يقول: "وقيل: النبوة" هذا يكون في بعض المواضع، يعني في قول الله عن داود -عليه الصلاة والسلام-: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:251] فالحكمة هنا: النبوة، فالحكمة تأتي بمعنى: النبوة، وتأتي بمعنى: العلم والفقه في الدين، والعلم بالقرآن، وكل هذا يرجع إلى معنًى واحد، وجماع ذلك: أن أصل هذه المادة (الحاء والكف والميم) تدل على معنى المنع، حكمت الدبة تمنعها من الانفلات، والحكم والحاكم هو الذي يمنع أحد الخصمين من أخذ حق الآخر.

وهكذا أيضًا الحكمة تُقال لــلإصابة في القول والعمل، فلا يحصل له خطلٌ في الرأي، ولا خطأ أو شطط في القول والعمل، فالحكمة تمنعه من ذلك.

فالنبوة لا شك أنها أعظم الحكمة، والفقه في الدين من الحكمة، والعلم بالقرآن من الحكمة، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] فهذه الآية يدخل فيها: الفقه في الدين، والإصابة في القول والعمل، والعلم والفقه، وكما يقول بعضهم: إصابة الحق بالعلم والعقل، كل هذه عبارات لا منافاة بينها، كما أنها اسم للعقل؛ لأنه يمنع صاحبه من الجهل، لكن ليس المقصود هنا العقل بمجرده، لكن الأثر المترتب على ذلك إذا وجد العقل مع العلم فهنا تحصل الإصابة في القول والعمل، يعني التوقيت أيضًا لهذا القول، التوقيت للعمل، إيقاعه في الوقت المناسب، وفي موضعه، ووضع الشيء في موضعه، وإيقاعه في موقعه هذه الحكمة، وهذا يحتاج إلى علم وعقل، مثل: بصر العين، وضوء الشمس.

"قوله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة:270] الآية، ذكر نوعين: وهما ما يفعله الإنسان تبرعًا، وما يفعله بعد إلزامه نفسه بالنذر، وفي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] وعد بالثواب، وقوله: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] وعيد لمن يمنع الزكاة، أو ينفق لغير الله".

وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة:270] فالنفقة: ما يفعله الإنسان تبرعًا، والنذر: ما أَلزم به نفسه.

فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ هذا يتضمن الوعد بالجزاء، مع أن النذر مكروه، والوفاء به واجب، والله أثنى على الذين يوفون بالنذر يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7] لكن أخبر النبي ﷺ أن النذر يُستخرج به من البخيل[33]؛ ولهذا قال الفقهاء: بأنه مكروه، لكن هذه الآية تُشعر بالمدح والثناء، وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] فذكر علمه به يدل على وعده بالجزاء؛ وذلك قد يُفهم منه الترغيب، لكن لما كان لذلك تبعة قد يعجز عنها الإنسان، كان ذلك مكروهًا، ومن جهةٍ أخرى فإنه في بعض صوره في الغالب يكون كالمقايضة، كأنه يقول: يا رب أنا لن أتصدق ولا أنفق، ولا أعمل، إلا إذا حققت لي كذا، فإن حققت لي كذا تصدقت، فهذا غير من يُنفق ويتصدق ابتداءً، لكن النذر في الواقع لا يكون دائمًا على سبيل المقابلة، إن حصل كذا فعلت كذا، فقد يكون نذرًا مطلقًا، قد يقول: لله علي نذرٌ أن أتصدق بكذا، من غير مقابل، يعني ليس إذا شُفي فلان، إذا عاد فلان، نجا فلان أن أتصدق بكذا، فقد يكون النذر مطلق، والنبي ﷺ قال: فإنما يُستخرج به من البخيل[34]، فغير البخيل لا يحتاج إلى أن يُلزم نفسه بهذا الإلزام، فهو ينفق طواعيةً، أما البخيل هذا يحتاج إلى أن يُلزم نفسه، وقد يعجز، وهذا حال كثير من الناس، فحينما يقع في مثل هذا يبحث عن المخارج بعد ذلك، ويسأل.

وقوله هنا: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] وحد الضمير، وهو ذكر شيئين: النفقة والنذر، كقوله: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] فذكر أمرين، ومثله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا [النساء:112]، وهكذا وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34].

وقد يُثنيه، مثل: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135] فهذه أنواع، يعني: أحيانًا يرجع الضمير إلى الأول، وأحيانًا إلى الثاني، وأحيانًا إلى الأمرين، وأحيانًا يذكر شيئين، وُيعيد الضمير مفردًا، وهو يقصد أحدهما، فهذا أنواع، وله في كل موضع تأويل، ومحمل، فيحتمل أن يكون هنا مثلًا: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] أي المذكور، وإلا فكل موضع له جواب، مثل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا [التوبة:34] بعضهم قال: وَلا يُنفِقُونَهَا [التوبة:34] فالفضة هي المؤنثة، فالضمير رجع إليها، بعضهم قال: باعتبارها الأكثر تداولًا، وبعضهم قال: بأنها الأحط منزلة، فهي ليست مثل الذهب، فإذا كان لا ينفق الفضة، فمن باب أولى لا ينفق الذهب، وبعضهم قال: لا، يرجع للجميع وَلا يُنفِقُونَهَا [التوبة:34] يعني: هذه الكنوز، فيشمل الذهب والفضة، وهكذا العلماء لهم أجوبة في كل ذلك، مثل: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] جاء الضمير مفردًا باعتبار أنهم انفضوا إلى التجارة، وليس اللهو الذي هو الطبل الذي يُضرب به بين يدي العير إذا جاءت، إعلانًا وإيذانًا بوصولها، كما كانوا يفعلون في الجاهلية، فكانت عير لدحية قبل إسلامه، فانفضوا إليها، فهم خرجوا للتجارة ولم يخرجوا للهو، هو هكذا، والله أعلم.

قال: "وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [البقرة:270] وعيد لمن يمنع الزكاة، أو ينفق لغير الله "...

 

  1. أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله برقم: (2985).
  2. الزهد والورع والعبادة، لابن تيمية (ص:71).
  3. أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب برقم: (4245) وصححه الألباني.
  4. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس برقم: (1987) وحسنه الألباني.
  5. سبق تخريجه.
  6. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص برقم: (2418) وصححه الألباني.
  7. السنن الصغير للبيهقي (2/265-1942) وسنن الدارقطني (3/477-3002) ونصه: عن امرأته أنها دخلت على عائشة -ا- فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم الأنصاري، وامرأة أخرى، فقالت أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين إني بعت غلامًا من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته بستمائة درهم نقدًا، فقالت لها عائشة: "بئسما اشتريت، وبئسما شريت، إن جهاده مع رسول الله ﷺ قد بطل إلا أن يتوب".
  8. التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص:154).
  9. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/694).
  10. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/695).
  11. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان برقم: (38) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان برقم (759).
  12. التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص:163).
  13. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/695).
  14. التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص:163).
  15. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/695).
  16. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/696).
  17. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/695-696).
  18. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/682).
  19. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم: (13) ومسلم في الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه برقم: (45).
  20. أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب برقم: (1461).
  21. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/295).
  22. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/697).
  23. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/709).
  24. الصحيح المسند من أسباب النزول (ص:40).
  25. الصحيح المسند من أسباب النزول (ص:40).
  26. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/530).
  27. التفسير الوسيط للواحدي (1/253).
  28. التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص:171).
  29. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/700).
  30. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/364).
  31. أخرجه مسند أحمد ط الرسالة (3/208-1674) وقال محققو المسند: "حسن لغيره".
  32. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة برقم: (73) ومسلم في صلاة المسافرين، باب من يقوم بالقرآن ويعلمه برقم: (816).
  33. أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب إلقاء النذر العبد إلى القدر برقم: (6608) ومسلم في النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئًا برقم: (1639).
  34. سبق تخريجه.

مواد ذات صلة