السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
[22] من قول الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية 151 إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآية 153.
تاريخ النشر: ٢٥ / ربيع الأوّل / ١٤٢٧
التحميل: 3169
مرات الإستماع: 2109

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة الأنعام:151].

قال داود الأودي عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله ﷺ التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [سورة الأنعام:151] إلى قوله: لَعَلَّكُمْ تتقونَ [سورة الأنعام:153][1].

وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس -ا- قال: في الأنعام آيات محكمات هن أم الكتاب ثم قرأ: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الآيات، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه[2].

وروى الحاكم أيضاً في مستدركه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ: أيكم يبايعني على ثلاث؟ ثم تلا رسول الله ﷺ: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حتى فرغ من الآيات، فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وأما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد ﷺ: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا أولادهم -وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم- قل لهم: تَعَالَوْاْ أي: هلموا وأقبلوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [سورة الأنعام:151] أي: أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم، حقاً لا تخرصاً ولا ظناً بل وحياً منه وأمراً من عنده.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه الآيات مشتملة على هذه الوصايا المعروفة بالوصايا العشر، وتعرف أيضاً بالآيات المحكمات، وكثير مما تضمنته هذه الآيات من الوصايا مذكور في الوصايا التي في سورة الإسراء من قوله -تبارك وتعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا [سورة الإسراء:23] إلى آخر ما ذكره الله مع وجود بعض الفروق.

وهذه الآيات التي في الأنعام مبدوءة بقوله -تبارك وتعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ [سورة الأنعام:151] تعالوا، وهناك قال الله : وَقَضَى رَبُّكَ [سورة الإسراء:23] أي: حكم ووصى، وما أشبه ذلك من المعاني.

ومن أهل العلم كالطاهر بن عاشور -رحمه الله- من يذكر في الفروقات بين هذه الآيات وتلك أن آيات الأنعام لما كانت خطاباً للمشركين وهم بُعداء عن الحق أصلاً قال لهم: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [سورة الأنعام:151] والتي في الإسراء كان الخطاب فيها متوجهاً إلى الداخلين في الإسلام فقال: وَقَضَى رَبُّكَ [سورة الإسراء:23].

وقوله: تَعَالَوْاْ يعني أقبلوا، وأصل هذه الكلمة تقال ممن كان في علو لمن هو منسفل عنه وكأنه يدعوه إلى أن يرتفع، ثم صارت تستعمل في الطلب والنداء بإطلاق بمعنى أقبل.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذه الوصايا موجودة في التوراة، وذكروا ترجمتها وأنه يقول: أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية، لا يكون لك إله غيري، ويقول: أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك، لا تقتل لا تزني لا تسرق لا تشهد على قريبك شهادة زور، ولا تشتهي بنت قريبك، ولا تشتهي امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك.

وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [سورة النساء:36] وكأن في الكلام محذوفاً دلَّ عليه السياق وتقديره: وأوصاكم ألا تشركوا به شيئاً.

في الإسراء يقول: وَقَضَى رَبُّكَ [سورة الإسراء:23] فلفظة "قضى" تأتي لمعانٍ كثيرة إلا أنها هنا مضمنة لمعنى وصى؛ لأن القضايا المذكورة بعد هذا اللفظ متضمنة لأمور منهي عنها ولأمور مأمور بها، ولا يجمع ذلك إلا الوصية بخلاف ما إذا فسر "قضى" بمعنى أوجب، فالوصية تقول فيها: افعل كذا وافعل كذا ولا تفعل كذا ولا تفعل كذا.

ولهذا قال في آخر الآية: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة الأنعام:151] وفي الصحيحين من حديث أبي ذر قال: قال رسول ﷺ: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً من أمتك دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق؟ قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر[3].

وفي بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: يقول تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني فإني أغفر لك على ما كان منك ولا أبالي، ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئاً، وإن أخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك[4] ولهذا شاهد في القرآن، قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [سورة النساء:48].

وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود -: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة[5] والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً.

وقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [سورة الأنعام:151] أي: وأوصاكم وأمركم بالوالدين إحساناً، أي: أن تحسنوا إليهم، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [سورة الإسراء:23] وقرأ بعضهم: (ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) [سورة الإسراء:23].

هذه القراءة في الإسراء وهي ليست متواترة لكنها دليل على تفسير قوله: وَقَضَى بمعنى وصَّى.

وقوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [سورة الإسراء:23] أي: أمركم أي أن تحسنوا إليهم إحساناً.

أي أحسنوا إليهم والله تعالى كثيراً ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ۝ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة لقمان:14-15] فأمر بالإحسان إليهما وإن كانا مشركين بحسبهما.

وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً الآية [سورة البقرة:83]، والآيات في هذا كثيرة.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: سألت رسول الله ﷺ: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود: حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني[6].

وقوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [سورة الأنعام:151] لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد فقال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أنه سأل رسول الله ﷺ: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك ثم تلا رسول الله ﷺ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ الآية [سورة الفرقان:68][7].

وقوله تعالى: مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] قال ابن عباس -ا- وقتادة والسدي وغيره هو الفقر، أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل.

وقال في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [سورة الإسراء:31] أي: لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك: نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم [سورة الإسراء:31] فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلاً قال: نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [سورة الأنعام:151] لأنه الأهمّ هاهنا، والله أعلم.

يقول تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] الولد كما هو معلوم يصدق على الذكر والأنثى، والمشهور أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار، وذلك لا ينافي قوله هنا: مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] وفي الإسراء: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [سورة الإسراء:31] لأنهم كانوا يخشون أن تفتقر البنت ثم تضطر إلى بيع عرضها، هذا هو الذي عرف في التاريخ أي أنهم كانوا يخشون أن تفتقر ثم بعد ذلك يضيع شرفها:

إذا تذكرت بنتي حين تندبني جرت لعبرة بنتي عبرتي بدمِ
مخافة الفقر يوماً أن يلم بها فيكشف الستر عن لحم على وضم
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخٍ وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا والموت أكرم نزَّال على الحرم

فهو يقول: أخشى أنها تفتقر ويجفوها أخوها وعمها فتضطر إلى كشف سترها ثم بعد ذلك تبيع عرضها وتهتك شرفها بسبب الحاجة.

والآخر كان عنده بنت اسمها أميمة يقول:

أميمة تهوى عيش شيخ يسره لها الموت لو أنها تدري

الثالث كان عنده بنت يقولون: إن اسمها الجرباء يقول:

إنّي وإن سيق إليَّ المهر
ألفٌ وعبدان وذودٌ عشر
أحبّ أصهاري إلىّ القبر

هكذا كانوا يصنعون خوفاً من ضياع الشرف، وفعلهم ذلك كله موافق لما ذكره الله عنهم بقوله: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [سورة الإسراء:31] وقوله: مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] وهو نهي أن يحمل هذا الفقر على ما لا يليق من شدة غيرتهم، وربما قتلوا بعض الذكور بسبب الفقر أيضاً كما هو المعروف في التاريخ.

وفي قوله -تبارك وتعالى: مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] المعنى المشهور الذي عليه عامة أهل العلم من المفسرين ومن أهل اللغة أنه الفقر، يقال: أملق الرجل يعني لم يبق له إلا الملقات، والملقات يقصد بها الحجارة الملساء أو الحصى أي ليس له مال كما يقال: لم يبق له إلا التراب، وكما يقال: تربت يداه، ورغم أنفه وما أشبه ذلك.

وبعضهم يفسره بالإنفاق أي أن قوله: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ [سورة الأنعام:151] يعني لا تقتلوهم لأجل النفقة، ولكن هذا فيه بعد والله تعالى أعلم، فالقرآن إنما يحمل على المعنى المشهور المتبادر ولا يحمل على معنى خفي أو مغمور إلا بدليل يجب الرجوع إليه، والله تعالى أعلم.

والمعنى الذي ذكره ابن كثير في الفرق بين آية الأنعام وآية الإسراء في التقديم والتأخير هو معنى لطيف، وهو من لطائف القرآن، وهو الذي يسمونه بالمتشابه اللفظي، وقد أُلِّفت فيه مصنفات خاصة مثل كتاب "البرهان" للكرماني، ومثل كتاب "درة التنزيل وغرة التأويل" للاسكافي، ومثل كتاب "ملاك التأويل" لابن الزبير الغرناطي، ومثل كتاب "متشابه القرآن" لزكريا الأنصاري.

هذه الكتب تعنى بأمثال هذه الآيات، ومن أمثلة المتشابه اللفظي قوله تعالى: فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [سورة الكهف:97] ولماذا قال في سورة الأنفال: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:10] وقال في آل عمران: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [سورة آل عمران:126] ويعتني بهذا الجانب أيضاً بعض المفسرين ممن يعنون بالجوانب البلاغية كالطاهر بن عاشور في تفسيره، وأمثاله.

وقوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأنعام:151] كقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:33] وقد تقدم تفسيرها في قوله تعالى: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120].

يعني ما يقال هناك يقال هنا إلا أنه هنا صرح بذكر الفواحش، وذكرنا في بعض المناسبات السابقة أن من أهل العلم من يقول: إن الفاحشة إذا عرفت باللام فإنها بمعنى الزنا وما في معناه، وإذا ذكرت منكرة فهي الذنب العظيم، وإذا ذكرت مقيدة كقوله تعالى: بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [سورة النساء:19] فإنه يراد بها عقوق الزوج، هكذا قال بعض أهل العلم، لكن قد لا يكون هذا هو المعنى المترجح في تفسير الفاحشة، فالفاحشة كل ذنب عظيم، وأطلقت كثيراً في عرف الاستعمال على الزنا وما في معناه، والله في سورة الإسراء لما نهى عن قتل الأولاد قال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى [سورة الإسراء:32] وذلك أنهم كانوا يقتلون الأولاد خشية الفقر من أجل أن لا تضطر أن تبيع عرضها، وهنا نهى عن مقارفة الفواحش فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأنعام:151] كما سبق في قوله: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [سورة الأنعام:120].

وقوله: مَا ظَهَرَ مِنْهَا يعني ما كان علانية مما كانوا يفعلونه مع البغايا المجاهرات ذوات الرايات في دور البغاء، يعني مما كان علانية لا يسره ولا يخفيه صاحبه.

وقوله: وَمَا بَطَنَ [سورة الأنعام:151] يعني ما خفي مثل الزنا مع الخليلات، وما يفعله الإنسان خلسة مما لا يظهره للناس، هكذا يقال والله تعالى أعلم، فكل ما كان ظاهراً من الزنا أو مقارفة الفواحش فهو داخل في قوله: مَا ظَهَرَ مِنْهَا وكل ما كان يفعل خفية فإنه داخل في قوله: وَمَا بَطَنَ [سورة الأنعام:151] وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- وهو يجمع ما ذكره المفسرون مما ورد من عبارات السلف في معناها.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن[8].

وقال عبد الملك بن عمير عن ورَّاد عن مولاه المغيرة قال: قال سعد بن عبادة - وأرضاه: لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح.

قوله: "لضربته بالسيف غير مصفح" يعني سيضربه بحد السيف لا بعرضه؛ لأن ضربه بعرضه لا يقتل غالباً بل يكون كأنما ضربه بعصا، فإذا أراد أن يضربه بالسيف ضرباًً يؤدبه فيه دون أن يقتله فقد يضربه بعرض السيف، وإذا أراد قتله ضربه بحده.

قال سعد بن عبادة -: لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير من سعد والله أغير مني من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن أخرجاه[9].

وقوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [سورة الأنعام:151] وهذا مما نص -تبارك وتعالى- على النهي عنه تأكيداً، وإلا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

الحافظ ابن كثير -رحمه الله- حمل الفواحش على أعم معانيها أي أنها كل ذنب عظيم، والزنا وما في معناه يدخل فيها دخولاً أولياً.

فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول ﷺ: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة[10].

هذا الحصر الوارد في هذا الحديث من أهل العلم من يقف عنده ويقول: لا يحل قتل المسلم إلا بهذه الثلاث، وعرفنا مراراً أن هذا النوع من الحصر -بالنفي والاستثناء- هو أقوى أنواع الحصر كما سبق قريباً في قوله تعالى: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [سورة الأنعام:145] وسبق أنه ورد في السنة تحريم أشياء أخرى غير التي في هذه الآية.

وكذلك ورد عن النبي ﷺ الحكم بالقتل على أمور أخرى غير ما في هذا الحديث كقوله ﷺ في الساحر: حد الساحر ضربة بالسيف[11] وكقوله ﷺ: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به[12] إلى غير ذلك مما ثبت عن النبي ﷺ كشارب الخمر في المرة الرابعة.

وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد، وهو المستأمن من أهل الحرب، فروى البخاري عن عبد الله بن عمرو -ا- عن النبي ﷺ مرفوعاً: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما[13].

وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرَح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح[14].

من قتل معاهداً أو مستأمناً أعطي أماناً ولو من امرأة أو أيٍّ من آحاد المسلمين ففيه هذا الوعيد لم يرح رائحة الجنة وهذا يدل على أن الإنسان أبعد ما يكون عن الخير وعن التقرب إلى الله بهذا الأمر، فكيف بمن يطلب الجنة بمثل هذه الأمور -نسأل الله العافية- ولذلك يقال: من كان هذا حاله فإنه قد زُيِّن له سوء علمه فرآه حسناً مهما ذكر من الأعذار؛ لأن آحاد الناس إذا أعطوا أحداً من الكفار أماناً أو عهداً فإنه يلزم الوفاء به، فالله المستعان.

وقوله: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة الأنعام:151] أي: هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه.

يعني أن الأمر والنهي المؤكد يقال له وصية، تقول: أوصيك بكذا، وأوصيك بكذا وكذا، فهذه الأمور الله -تبارك وتعالى- يؤكد على التزامها والتمسك بها وعدم الإخلال بها، والله المستعان.

العلم -بإذن الله سياج وحصن حصين من الآفات والشبهات الغلابة والأهواء المردية، وإلا فإن الإنسان يهلك حيث يبحث عن النجاة ولذلك تجد إنساناً عمرة تسع عشرة سنة أو عشرين أو اثنين وعشرين سنة فيفتي في قضايا كبيرة وهو لم يعقل من تلك الأمور شيئاً، فكيف دخل في هذه الأمور وكيف توصل إلى هذه النتائج؟ ولذلك إذا تفكر الإنسان في هذا عرف آفة الجهل كيف تصنع بصاحبها، والله المستعان.

وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة الأنعام:152].

قال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -ا- قال: لما أنزل الله: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا الآية [سورة النساء:10] فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله ويفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [سورة البقرة:220] قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم [رواه أبو داود][15].

يعني أن لله وسَّع عليهم وأباح لهم مخالطة الأيتام كما قال الله -تبارك وتعالى- هنا: إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] يعني إلا بالخلة والخصلة التي هي أحسن وأجمل، ويدخل في هذا ما ذُكر هنا من مخالطتهم في طعامهم وشرابهم، وذلك أنهم في السابق تحرجوا في وضع طعام وشراب اليتيم في إناء منفردٍ عن طعامهم وطعام عيالهم لما في ذلك من المشقة الكبيرة فرخص الله لهم بتقدير طعام اليتيم ويقدر لنفسه ولعياله ما يحتاجون إليه من الطعام فيخلط الطعام معاً ثم يقدر ما لليتيم وما عليه، فهذه الطريقة هي الصحيحة بدلاً من أن يُرمى باقي الطعام الذي أعد لليتيم وحده باعتبار أن بقاء الطعام إذا وضع للأكل فلم يؤكل يفسده، ولذلك قال الله : وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [سورة البقرة:220] بمعنى أن هناك فرق بين من يتحرى وقصده حفظ مال هذا اليتيم وبين من يفعل ذلك استغلالاً ومبادرة يريد أن يستحوذ على مال اليتيم قبل أن يكبر ويبلغ أشده.

ويدخل في قوله: إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] تثمير مال اليتيم كما في الحديث: اتَّجِروا في أموال اليتامى لا تذهبها الزكاة[16] والمقصود بتثمير مال اليتيم أن يكون ذلك بالطرق المأمونة، ولو كانت الأرباح قليلة، بمعنى أنه لا يضع أموال اليتيم في مشروعات قد تكون عالية الربح لكنها عالية المخاطرة، مثل الاتجار بالأسهم مثلاً بالطريقة المعروفة فمثل هذا لا يضع فيه مال اليتيم، وكذلك لا توضع أموال اليتامى عند الذين يوظفون أموال الناس زعموا فيعطونهم طعماً لمدة سنوات من أموال المساهمين لا أرباحاً حتى إذا ارتاضت نفوسهم واستحوذ عليهم الطمع أضاعوا أموالهم وأتلفوها وكم ذهبت من أموال اليتامى بمثل هذه الطرق، ومن وضعها في مثل هذه المشاريع فهو ضامن، والناس غالباً إذا كان لم يكن المال لهم تساهلوا في صرفه وتصريفه وفي التعامل معه والاتجار به فإن ربح وإلا فإنهم لا يخسرون شيئاً، فالحاصل أن مال اليتيم يُثمَّر ولو بأرباح زهيدة جداً لكن تكون هذه الطرق في الاستثمار من الطرق المأمونة غالباً.

وفي قوله تعالى في سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [سورة النساء:10] عَبَّر بالأكل والمقصود به سائر وجوه الانتفاع لكن لما كان غالب وجوه الانتفاع هو الأكل عبر به وإلا فكما هو معروف عن الأصوليين في مفهوم الموافقة المساوي فإن تغريق مال اليتيم وتحريق مال اليتيم أو صرف مال اليتيم باللعب أو النزهة أو السياحة أو غير هذا، كله داخل في أكل مال اليتيم.

وفي سورة الأنعام نهى عن الاقتراب من مال اليتيم فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ [سورة الأنعام:152] ولا شك أن هذا الأسلوب أبلغ من النهي عن أكله؛ لأنك إذا قلت: لا تقرب هذا الشيء فمعنى ذلك أنك تكون بمنأى عنه تماماً.

وقوله: إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] أي بالخصلة التي هي أحسن مثل ما سبق الكلام حول المخالطة والاتجار به.

ومعلوم أن أموال الأيتام يُتصرف فيها لمقتضى المصلحة فيعالج هذا اليتيم من ماله وينفق عليه منه، وإذا كان ولي هذا اليتيم الذي يقوم على شؤونه فقيراً فكما قال الله : فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [سورة النساء:6] وهذا داخل في قوله: إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام:152] يعني أنه يأكل ويلبس ما يصلح لمثله دون أن يتوسع في أخذ مال هذا اليتيم والصرف منه فيكون ذلك سبيلاً إلى إتلافه، وإذا كانت المصلحة مقتضية أن يسكن مع اليتيم في داره فإن كان يجد قيمة بأن كان هذا الإنسان غنياً فإنه يحسب مقابل سكنه أجرة يضعها في مال اليتيم وإذا كان فقيراً فإن سكناه إن كانت مبنية على مصلحة اليتيم وليس استغلالاً لضعفه فلا بأس أن يسكن معه من غير أجره، قال تعالى: وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [سورة البقرة:220].

قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [سورة الأنعام:152] قال الشعبي ومالك وغير واحد من السلف: يعني حتى يحتلم.

بعضهم يقول: حتى يحتلم، لكن المقصود بالبلوغ هنا بلوغ الأشد فبعضهم يقول: إذا بلغ ثمانية عشرة سنة، وبعضهم يقول: إذا بلغ خمساً وعشرين سنة، وبعضهم يقول: إذا بلغ الثلاثين، وبعضهم يقول: إذا بلغ الأربعين، وبعضهم يقول: إذا بلغ الخمسين، وهذا كله من بلوغ الأشد، لكنه يكتمل إذا بلغ الإنسان الأربعين، ومن بلغ الخمسين فإنه يقال له أيضاً: قد بلغ أشده لكن لم يبلغ أشده حينما وصل إلى الخمسين وإنما بلغ ذلك قبله، ومن لم يحصل له ذلك من الرشد وبلوغ الأشد في سن الأربعين والخمسين فلا يرجى له بعد ذلك رشداً. 

والأقرب والله تعالى أعلم أن يكون ذلك بمجموع أمرين: الأول: أن يصل إلى سن البلوغ، والثاني: أن يحسن التصرف في المال؛ لأن الله قال: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى [سورة النساء:6] أي: اختبروهم حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [سورة النساء:6] فهو ذكر الأمرين: بَلَغُواْ النِّكَاحَ هذا سن البلوغ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا [سورة النساء:6] أي: إن علمتم منهم رشداً يعني حسن التصرف في المال، فيُختبر بأن يُعطى شيئاً من المال ويُنظر كيف يتصرف فيه بأن يعطى خمسين ريالاً مثلاً فإن رجع اشترى بها شيئاً لا يفعله الإنسان العاقل الرشيد الذي يحسن التصرف بالمال فمعنى ذلك أنه لم يحِنِ الوقت لإعطائه المال فينتظر مدة ثم يختبر مرة ثانية فإن أحسن التصرف دفع إليه ماله.

وقوله تعالى: وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ [سورة الأنعام:152] يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعد على تركه في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ۝ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ۝ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة المطففين:1-6] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.

وقوله تعالى: لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [سورة الأنعام:152] أي: من اجتهد في أداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه.

وقوله: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [سورة الأنعام:152] كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ الآية [سورة المائدة:8] وكذا التي تشبهها في سورة النساء يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال.

وقوله: وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ [سورة الأنعام:152] قال ابن جرير: يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله.

ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سورة الأنعام:152] يقول تعالى: هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليك فيه، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي: تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا.

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة الأنعام:153].

قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا يحتمل أن يكون في موضع نصب بمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وأن هذا صراطي مستقيماً، يعني في جملة ما أمر أن يتلوه عليهم وأن هذا صراطي مستقيماً، ويحتمل أن يكون في محل جر هكذا ذلكم وصاكم به وبأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه.

وبعضهم يقول كالخليل وسيبويه: ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل.

وعلى قراءة حمزة والكسائي بكسر همزة "إِن" (وإن هذا صراطي مستقيماً) يكون على الاستئناف، والله أعلم، يعني كأنه يقول: هذه الوصايا التي ذكرت في هذه الآيات هي صراطي المستقيم.

قال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس -ا- في قوله: وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [سورة الأنعام:153] وفي قوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [سورة الشورى:13] ونحو هذا في القرآن.

قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله، ونحو هذا قاله مجاهد وغير واحد.

وروى الإمام أحمد بن حنبل عن عبد الله وهو ابن مسعود قال: خط رسول الله ﷺ خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [سورة الأنعام:153] وكذا رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه[17].

وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد واللفظ لأحمد عن جابر قال: كنا جلوساً عند النبي ﷺ فخط خطاً هكذا أمامه فقال: هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال: هذه سبل الشيطان ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة الأنعام:153] ورواه أحمد وابن ماجه في كتاب السنة من سننه والبزار[18].

وروى ابن جرير أن رجلاً قال لابن مسعود -: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد ﷺ في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادّ وعن يساره جوادّ، ثم رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ الآية [سورة الأنعام:153][19].

وروى الإمام أحمد عن النواس بن سمعان عن رسول الله ﷺ قال: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعن جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يدعو: يا أيها الناس هلموا أدخلوا الصراط المستقيم جميعاً ولا تفرقوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك، لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ورواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن غريب[20].

هذه الأشياء المذكورة في الوصايا كالتوحيد وما ذكر بعده من حدود الله والنهي عن قتل الأولاد ومقارفة الفواحش وعن قربان مال اليتيم إلا بالتي أحسن، وإيفاء المكيال والميزان، وما أشبه ذلك هذه تفاصيل شرائع الإسلام الذي هو الصراط المستقيم، فكلما كان الإنسان محققاً لهذه الشرائع ممتثلاً كلما كان سيره على الصراط مستقيماً، وكلما خرج عنها كان سيره متعثراً، كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله: من استقام سيره على هذا الصراط في الدنيا رجي أن يستقيم سيره على الصراط في الآخرة.

وأما الدعاة الذين يدعون إلى تلك السبل فهم الدعاة إلى جهنم، وكل من دعا إلى ما يخالف الصراط المستقيم فهو من هؤلاء الدعاة أياً كانت دعوته، وهذا مثل ما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: مثل ما لا ينقض الوضوء، يعني لا تستطيع أن تستقصي هذه الأشياء؛ لأن كل دعوة مضلة موجودة أو توجد في المستقبل فهي داخلة في هذا.

وقوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ [سورة الأنعام:153] إنما وحَّد سبيله؛ لأن الحق واحد، ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها، كما قال تعالى: اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:257].

مسألة:

هل يصح أن يوصف اللقيط باليُتم؟ وهل له أحكام اليتيم؟

اللقيط لا يقال له: يتيم شرعاً، لكن إن كان له مال فحكمه كحكم اليتيم في هذا، وله أيضاً ما يذكر في اليتيم من الحنو عليه والشفقة والإحسان إليه وعدم قهره كما قال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [سورة الضحى:9] يقال فيه مثل هذا بل قد يقال: يعامل بذلك من باب أولى؛ لأن اليتيم قد يكون له أم أو أعمام وأقارب وجدّ وما أشبه ذلك، فهو ربما يعيش في أسرة تحوطه، أما اللقيط فهو لا أقارب له في الوجود أصلاً ولا يوجد في قاموسه شيء اسمه أم ولا أب ولا عم ولا خال ولا أحد في هذا العالم ويشعر أنه هباءً ليس له أحد، فهو يعيش في مجتمع لا يمت إليه بصلة ولذلك فإن وضع اللقيط أشد من اليتيم، ولذلك إذا وصل إلى سن يميز ويعي فيه بعض الشيء فزاره شخص فاطمأن إليه واستراح له وأحبه فإنه يتعلق بثوبه ويقول: أنت أبي لا تذهب عني!!

وبعض هؤلاء اللقطاء ربما وصل إلى سن البلوغ وتعداه، بل ربما وصل إلى سن الزواج -في عرفنا بعد سن العشرين- وهو لا يعرف أنه لقيط لا ينتسب إلى الأسرة التي تربيه ولا يعلم أنه وضع له أسم أب يظن أنه حقيقي، وربما قيل له: إن أهلك قد ماتوا أو نحو هذا، فإذا عرف الحقيقة فربما اعترته حالة من الهستيريا، فينهار ويبكي، وهذا شيء يقع ويتكرر ما بين الفينة والأخرى نسأل الله العافية.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب تفسير سورة الأنعام (3070) (ج 5 / ص 264) والطبراني (10080) (ج 10 / ص 93) وقال الشيخ الألباني: ضعيف الإسناد.
  2. أخرجه الحاكم في مستدركه (3238) (ج 2 / ص 347) وصححه الذهبي في التلخيص.
  3. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله (1180) (ج 1 / ص 417) ومسلم في كتاب الإيمان - باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار (94) (ج 1 / ص 94).
  4. أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات – باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده (3540) (ج 5 / ص 548) وصححه الألباني.
  5. أخرجه البخاري في كتاب الجنائز - باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله (1181) (ج 1 / ص 417) ومسلم في كتاب الإيمان - باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار (93) (ج 1 / ص 94).
  6. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير - باب فضل الجهاد والسير (2630) (ج 3 / ص 1025) ومسلم في كتاب الإيمان – باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (85) (ج 1 / ص 89).
  7. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [سورة المائدة:67] (7094) (ج 6 / ص 2739) ومسلم في كتاب الإيمان - باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده (86) (ج 1 / ص 90).
  8. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الأنعام (4358) (ج 4 / ص 1696) ومسلم في كتاب التوبة - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (2760) (ج 4 / ص 2113).
  9. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول النبي ﷺ لا شخص أغير من الله (6980) (ج 6 / ص 2698) ومسلم في كتاب اللعان (1499) (ج 2 / ص 1136).
  10. أخرجه البخاري في كتاب الديات – باب قول الله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة المائدة:45] (6484) (ج 6 / ص 2521) ومسلم في كتاب كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات - باب ما يباح به دم المسلم (1676) (ج 3 / ص 1302).
  11. أخرجه الترمذي في كتاب الحدود عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في حد الساحر (1460) (ج 4 / ص 60) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (2699) وأما الترمذي فقال: "لا نعرفه إلا مرفوعاً من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة، ويروي عن الحسن أيضاً، والصحيح عن جندب موقوف، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملاً دون الكفر فلم نر عليه قتلاً" وقال الحاكم: صحيح غريب، ووافقه الذهبي.
  12. أخرجه أبو داود في كتاب الحدود - باب فيمن عمِل عمَل قوم لوط (4464) (ج 4 / ص 269) والترمذي في كتاب الحدود عن رسول الله ﷺ (1456) (ج 4 / ص 57) وابن ماجه في كتاب الحدود - باب من عمِل عمَل قوم لوط (2561) (ج 2 / ص 856) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب يرقم (2422).
  13. أخرجه البخاري في كتاب الديات - باب إثم من قتل ذمياً بغير جرم (6516) (ج 6 / ص 2533).
  14. أخرجه الترمذي في كتاب الديات – باب ما جاء فيمن يقتل نفساً معاهدة (1403) (ج 4 / ص 20) وابن ماجه في كتاب الديات - باب من قتل معاهد (2687) (ج 2 / ص 896) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3009).
  15. أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا – باب مخالطة اليتيم في الطعام (2873) (ج 3 / ص 73) وحسنه الألباني.
  16. أخرجه مالك في موطئه في كتاب الزكاة - باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها (863) (ج 2 / ص 353) موقوف على عمر بن الخطاب –- وأما رفعه إلى رسول الله ﷺ فلم يثبت، انظر ضعيف الجامع للألباني حديث رقم (87).
  17. أخرجه أحمد (4437) (ج 1 / ص 465) والحاكم (2938) (ج 2 / ص 261) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
  18. أخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم - باب اتباع سنة رسول الله ﷺ (11) (ج 1 / ص 6) وأخرجه أحمد (15312) (ج 3 / ص 397) وعبد بن حميد (1141) (ج 1 / ص 345) وصححه الألباني في الظلال برقم (16).
  19. أخرجه ابن الأثير في كتابه جامع الأصول (7016) (ج 9 / ص 371) وذكره السيوطي في الدر المنثور (ج 3 / ص 386).
  20. أخرجه أحمد (17671) (ج 4 / ص 182) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3887).

مواد ذات صلة